المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

الوصايا المائة.. أحمد الشهاوى: كيف تصبح كاتبًا؟

حرف

يقدم الشاعر الكبير أحمد الشهاوى لكتابه «وصايا الكتابة.. كيف نكتب ولماذا؟» بقوله: الكتابة مِنَحٌ وهدايا وعطايا وغنائم مُفاجئة لا أحدَ يتوقَّعُها؛ لأنها تأتى من مكانٍ قصىّ غير مُحدَّدٍ، مُبهم وغير معروفٍ، ويمكنُ أن نقولَ إنَّها تأتِى من اللا مكان.

ويوجه وصيته الأولى لمن يقدمون على الكتابة بقوله: اكتبْ، وبعد وقتٍ طال أم قَصُر ستعثُرُ على صوتِكَ الذى يُميِّزُكَ عن سِواكَ، ما عليكَ إلا المُحاولة والسَّعى والتجريب. ولا تبدأ فى كتابةِ عملٍ أنتَ فى الأصلِ لا ترغبُ فيه، أو فُرضَ عليكَ من قِبَلِ شخصٍ أو مُؤسَّسةٍ مُقابل مالٍ ستحصلُ عليه؛ لأنهُ لن ينجحَ وحتمًا ستفشلُ، وسيبقى ذلك العمل إحدى نقائصكَ فى الحياةِ وكم من الكُتَّاب والشُّعراء فعلوا ذلك ولم ينالوا مُقابل المال إلا ما دُونَ الصِّفْر بكثيرٍ. اكتبْ فقط ما ترغبُ فيه أنتَ، ولا تُرْضِ سواكَ مهما تكُن المُغريات. 

ويضيف: أنتَ من سيدفعُ نفسه نحوَ البدءِ فى النصِّ طوعًا لا كراهيةً أو إجبارًا وإرغامًا، فالقرار أنتَ مالكُه، وبيدِكَ فقط تستطيعُ أن تُنجِزَ وتذهبَ نحو أفْقٍ بعيدٍ، ولن تحتاجَ إلى وصايا من أحدٍ، أنا فقط لدىّ تجاربُ مع الكتابةِ، وأحببتُ أن أشركَكَ معى فى قراءتِها، ولا أفرضُ عليكَ شيئًا بعينِهِ، إنَّنى فى الحقيقةِ أنيرُ جُزءًا من الطريقِ كى نصلَ معًا إلى ما نبتغِى، فالمرء يظلُّ حتَّى آخر العُمرِ يذهبُ إلى الكتابةِ كأنَّهُ يكتبُ للمرَّة الأولى، إنَّها رهبةُ الكتابةِ وقداستها، والخوفُ هُنا إيجابىّ، فلا يسقطُ فى الطَّريقِ إلَّا المُستقرُّ المُطمئنُّ، بينما الكتابةُ مُراوِغِةٌ وعصيَّةٌ بل ومُستحيلة، وتحتاجُ دائمًا إلى المزيدِ من المُراودَة.

من بين سطور كتابه الأحدث اخترنا لكم مائة وصية نرى أنه لا غنى لمن يريد أن يصبح كاتبًا عنها، وسنعرضها لكم على النحو التالى: 

1

لا تجعل الكتابةَ لقمة عيشك، اكتبْ لتستمتع، وتمتع الآخرين، فالكتابة مهنةٌ ورسالةٌ وحياة وحاجة ملحة للروح التى تشرق وتسأل، ووظيفتك هى الخلق؛ لكنها ليست المقصد الأول لكسب المال، أو الوجود فى طبقة اجتماعية أعلى، فكلما كنت طبيعيًا وصادقًا وصلت إلى ما تبتغى وتحلم. فقط اجعل الكتابة من أجلك أنت، امنحها الأولوية؛ حتى تصير الهواء الذى تتنفسه.

2

اكتب كل يوم وفى أى وقت بشكل منتظم، لا تتوقف، كن منضبطًا مع نفسك أولًا؛ حتى يتعود مزاجك العمل اليومى مع الكتابة، هى ليست واجبًا ملزمًا، لكنها شرط لعيشك ما دمت اخترتها، وصارت تدل عليك.

3

لا تكن جبانًا وتخجل من سيرتك، أو تخشى أحدًا، اجمع نثار حياتك، واجعلها مادتك الأساسية، محاولًا محو ذاتك وأنت تكتب، واعلم أن كل كتابة مهما حاول صاحبها إخفاء ذاته، فستظهر بشكل مستتر، وهذا هو المطلوب فى الفن، ولا تخشَ من فضول القراء والكتاب والمحيطين بك.

يمكن لك بوصفك كاتبًا أن تستخدم هواجسك وهلاوسك وسيرتك مع الموت والحب والاكتئاب موضوعًا يتعدد داخل نصك، بل حاول البناء عليه.

أنصت إلى صوتك الداخلى وأنت تكتب، واعلم أن الكاتب يرى ما لا يراه سواه من الناس، فأنت ستجد الجمال فيما هو متاح وعادى وبسيط، فما لا يلاحظه غيرك ستراه أنت ضروريًا ومفيدًا وخاصًا وجزءًا مما تكتب وتبحث عنه.

احرص دائمًا على حمل دفتر وقلم معك فى الشارع والمكتب والسيارة والسرير، فالفكرة التى تنزل عليك إن لم تسجلها فى التو فلن تأتى إليك ثانية، فما يطير من العقل لن يعود إليه طازجًا وحارًا مثلما رفرف بجناحيه فى المرة الأولى.

7

لا تهن ولا تحزن إذا رفضت إحدى دور النشر لك كتابًا ما، فأغلب الكتب التى وزعت ملايين النسخ وحقق أصحابها شهرة تاريخية ونجومية غير مسبوقة، رُفضت أعمالهم. 

 

ليكن هدفك هو الكتابة وتطوير ذاتك ككاتب، لا تنشغل بما حول الكتابة مثل الشهرة وجنى المال، اكتب فقط ولا تثرثر كثيرًا حول ما تكتب.

لا تؤجل مشروعاتك الكتابية، اكتب تحت أى ضغط، فأغلب الكتّاب والشعراء الذين عرفتهم فى العالم كانوا مشغولين، ومع ذلك أنتجوا كتابات مهمة، ولم يتحججوا بثقل مواقعهم الوظيفية، اقتنص اللحظة التى لن تواتيك مرة أخرى، فأنا أعرف كاتبة ظلت تردد أمامى: متى أخرج إلى التقاعد سأتفرغ لكتابة القصة القصيرة والرواية، وظلت هكذا نحو عشرين سنة، ولما تقاعدت لم تستطع كتابة حرف واحد، واكتفت بكتابة مقالات صحفية كلها تعتمد على ما كتبه السابقون عليها، مستندة إلى أرشيف المؤسسة التى كانت تعمل بها.

لا تمت والكتب مدفونة فى قبر باطنك، اكتب قبل أن يزورك الموت الذى لا يؤجل. مارس عملك بمثابرة واستمرارية، ولا تجعل مرض نقص الإرادة أو نقص الدافع يقضى عليك.

إذا وجدت نفسك لا تستطيع مواصلة الكتابة، اكتب عن توقفك هذا، المهم أن تكتب وألا تتوقف؛ لأن الكتابة تمرين لروح وجسد وعقل الكاتب، ولا يمكن له أن يتعطل أو يعطب، أو تتم قصقصة ريشه. وفى حالات كهذه أفضل المشى، فمعظم الأفكار الكبرى تأتى ونحن نمشى، أو ننصت إلى الموسيقى، أو نشاهد فيلمًا جيدًا، أو نقرأ كتابًا ملهمًا.

لا تفقد الشغف فى حياتك أبدًا، وتذكر أن الفضول هو الذى قاد الكتّاب إلى نتاجهم الأهم، والعلماء إلى اكتشافاتهم، فأينشتاين نفسه أقر بموهبته العادية لكنه قال: «أنا فضولى بشغف»؛ فالفضول يقود ويسهم ويمنح الكاتب أجنحة إضافية للطيران بأرواحهم التى تحلّق فوق الورق.

لا أحد يعرف قواعد الكتابة فى الشعر أو الرواية أو أى جنس أدبى آخر؛ ولذا لا تنصت لأحد بجدية مهما تكن شهرته، اكتب نفسك وامض إلى عمل آخر.

لا تقلق لو بدأت الكتابة متأخرًا، إذ إن عددًا كبيرًا من كتّاب العالم المهمين بدأوا مسيراتهم الكتابية بعد سن التقاعد عن العمل، فأنت تكتب بالأساس لنفسك وتمتلك ذاتك.       

من لم يدرس الرياضيات من الكتّاب فى مراحلهم الدراسية المختلفة، سيكون من المفيد لشعرهم أو رواياتهم أو قصصهم القصيرة أو مسرحياتهم أن يقرأوا فى علوم الرياضيات، مثل الجبر والهندسة الفراغية والتفاضل والتكامل؛ لأن الرياضيات تجعل الكاتب قديرًا فى بناء نصه والصور التى يخلقها، خصوصًا الشعراء، وتمنحهم دقة وخيالًا أوسع، ألم يقل الكاتب الروائى الأمريكى إرنست هيمنجواى، الحائز على جائزة نوبل فى الآداب: «إن قوانين كتابة النثر ثابتة مثل قوانين الطيران والرياضيات والفيزياء».

16

كن حريصًا أشد الحرص ألا تقع فى أسر كاتب أو كتاب، حتى لا تقلد أسلوبه، أو تتسرب لغته داخل نصك، فنحن نقرأ لنعرف ونتعلم ونتطور ونتعالج ونمرن أدمغتنا، ونحفظ ذاكرتنا مما يهددها فى الحياة.

تريد أن تكون شاعرًا فريدًا؛ اجعل روحك تستقل أولًا، وحررها من أسر الآخرين.

لا تكتبْ لمُجرَّد أنكَ تريدُ أن تكتبَ بوصفك كاتبًا، وأرى أن تكتبَ فقط عندما تسيطرُ عليك فكرةٌ ما، ويصعُبُ الفكاكُ أو الهرُوبُ من كتابتِها، فقط اكتبْ ما تراهُ وتسمعُه وتؤمنُ به، ولا تنس لحظةً أن تخاطبَ مُخيلةَ المتلقِّى، وعندما تختارُ مكانًا ما لأحداثِ نصِّك؛ فاخترْ أمكنةً مألوفةً لديكَ جيدًا، تعرفُها أو سافرتَ إليها أو زُرتَها قبل الكتابةِ، أو عِشتَ فيها من قبل؛ لأنَّ هذا الأمرَ سيجعلُكَ عارفًا ومُسيطرًا على المشهديةِ فى النصِّ، وسيمنحُ نصَّك غنًى وثراءً مختلفيْن.

أنت تكتبُ وتقرأ بشكلٍ دائمٍ، وبين عملٍ وآخر تحتاجُ إلى فاصلٍ من الوقتِ للسَّفرِ، للعُزلةِ؛ كى تشحنَ بطاريات الرُّوح، وتستعيدَ لياقتَك الكِتابيةَ، حيثُ سترى عوالمَ جديدةً فى إجازتك؛ إذْ لا بُدَّ من حياةٍ مُتنوِّعةٍ وغنيةٍ للكاتب، أنا شخصيًا بقدر تفرُّغى الدائم للكتابة فى السنواتِ الأخيرةِ، يأخذُ ترتيبُ حقائب السَّفر وقتًا طويلًا فى حياتى سنويًا إلى أماكن كثيرةٍ من العالم.

ركِّز فى كِتابتِك على المشهديَّة، بحيثُ تتوالى المشاهدُ واحدًا إثرَ آخر، وهذه الطريقة فى الكتابةِ تشبهُ أو رُبَّما تُماثلُ تقنيةَ السيناريو فى السينما، ومن ثم تتحقَّقُ الإثارةُ والجاذبيةُ والتشويقُ، وحاول طَوال الوقتِ بمقدرتِك أن تمزجَ بين الواقعِ والخيال.

21

لا توجدُ كِتابةٌ مُقنعةٌ بلا انحيازٍ من كاتبها، انحيازٌ نحو البشر وطبقاتهم، نحو اللغةِ والخيالِ، والمصادرِ التى تشكِّلُ المواد الخام للكاتب، فنحنُ نكتبُ لنكشفَ أسرارَ الحياةِ المحجُوبة قبل أن نكشفَ أسرارَنا وأسرارَ من نحبُّ ونقتربُ لأنفسنا أولًا قبل القارئ، وفى هذه الحال يكونُ الكاتبُ أمينًا فى فعله الكتابى.

لا تكتب اللحظةَ الحاليةَ، ابتعدْ عن الرَّاهن لأنَّ فيه مُخَاطَرةً، فالواقع مشحُونٌ بالفانتازيا، وملآنُ بالخيالِ، وهنا يُمكنُ استثمارُه، ويكونُ مؤثِّرًا فيمن يقرأ لكونِه واقعًا معيشًا أكثر دهشةً وغرابةً من التخييل الذى يمارسُهُ الكاتبُ. فالأدب خُلِقَ ليستشرفَ ويرى ويتنبَّأ ويتوقَّعَ فيه الكاتبُ ما لا يراهُ سواه حتى لو كانوا خُبراءَ مُتخصِّصينَ فى شأنٍ ما، والنص عمُومًا يكشفُ نفسَه لك وأنتَ تكتبُ، والسَّرد يشبهُ الحياةَ فى وتيرتِها من حيثُ الإيقاع سَوَاء أكان دراميًا أم واقعيًا.

ابتعدْ عن التعميماتِ، فعليك تعرية الحقيقة؛ لأنَّ فى التعميمِ الكثيرَ من الشَّكِّ، والكثيرَ من التمييعِ والتعويمِ، والقليلَ من ماءِ الحياةِ، ونارِ القلب التى تشوِى وتكوِى، كُن مُحدَّدًا وجارحًا فيما تكتبُ؛ لأنَّ الجمالَ والنجاحَ معًا فى الحِدَّة والصَّرامة، ولا تُطْلِق الأحكامَ لأنَّ صاحبَ النصِّ كاتبٌ، وليس سياسيًا يخوضُ معركةً ما.

إنْ لم يكُن لديك وجهةُ نظر فى كُلِّ ما تفكِّرُ فيه أو يخطرُ لك، ومعرفة عميقة بالإنسان؛ فاذهبْ نحوَ الجُزء المخفِى أو المحجُوب من حياة الإنسان واكشِفْه، ولا تُجِبْ عن العميقِ بإجاباتٍ سطحيةٍ أو بسيطةٍ غير مُقنعةٍ لمن يتلقَّاها وهو يقرؤُك؛ فالكتابة التى ستبقى طويلًا ويتذكَّرُها الناسُ ويستعيدُونها جيلًا وراء جيلٍ هى الكتابةُ الناتجةُ عن حاجةٍ شديدةٍ لدى الكاتب.

انشغلْ بحياتك وما شُفتَ وعِشتَ، وكذا بحياة الآخرين؛ لأنَّ الحياةَ أكثر غِنًى وتنوُّعًا، وإذا كُنتَ تريدُ أن تبتكرَ شيئًا فالحياة ستساعدُك على الخَلْقِ والابتكار.

افعلْ أىّ شىءٍ تريدُه فى الكتابةِ، اقرأْ وانسَ، ولا تتبعْ أحدًا فى وصاياه أو نصائحِه، أنصِتْ إلى رغبتِك المُلحَّة، وإلى صوتِك الدَّاخلىِّ. ولا تحذُ حذْوَ نمُوذجٍ ما فى الكتابةِ، حتى لو كان هو الأعلى، فاسمُك لن يترسَّخَ إلَّا عبر خطواتك الخاصَّة فقط، وكل ما عداها سيكونُ تقليدًا ومُضَاهاةً واستنساخًا.

اعتبرْ نصَّكَ شجرةً فارعةً فيها ثمارٌ وأوراقٌ وأفرعٌ، تأكَّد أنَّها ستكُونُ أنضرَ وأكثرَ حيويةً وخُصُوبةً إنْ أنتَ قلَّمتَها وشذَّبتَها، وقطعتَ «الأغصان الميتة». 

فى الكتابةِ لا تقدِّمْ تنازلاتٍ من أجل جائزةٍ، أو حزبٍ سياسىّ أنتَ عضوٌ فيه، أو جماعة أو حركة أدبية تنتمى إليها. 

كلُّ كاتبٍ له مساحةٌ من الحُرية التى يتحرَّكُ فيها طبقًا لفكره ونتاج ثقافته وتكوينه الإبداعى، ودرجة مُغامرته، وقُدرته على ابتكار شكلٍ خاص للنصِّ الروائى أو الشِّعْرى الذى يخوضُه، وكذا قُدرته على خلق لغةٍ تخصُّه وحده، وتكُونُ علامةً تدلُّ عليه، وتشيرُ إليه. ولتكُن قواعد بنائك من داخل النصِّ وليست من خارجه، فمن الخطأ أن تلبسَ رداءً ليس لك، أو تستعيرَ شكلًا ليس ملكك، لكنَّك اقتبسته من آخر تعب فى ابتكاره، بمعنى أنَّ له صاحبًا يمتلكه. فاعتمدْ على ذاتك فقط، واكتفِ بها تصلْ إلى مُبتغاك، فما هو مستعارٌ يظلُّ ملكًا للغيْر.

فى كُلِّ عملٍ جديدٍ، انس ما أنجزته من قبل، واكتبْ كمُبتدئٍ، فعملك الأهم لم تكتبه بعد، بل هو الذى تسعى إلى إنجازِه فى المستقبل الذى تُخطِّط له، وتشتغلُ عليه، بجِدَّة وجِدِّيَّة. وقس نفسك دائمًا بالكتابات الكُبرى فى العالم، كى تكُونَ مع الكبار، فهم أندادُك ومنافسُوك وأنت فى تحدٍّ مع الأعمال الخالدة، ولا ترض بأقلِّ من ذلك، وليكُن حُلمك وطمُوحك وسع السَّموات والأرض، وتعلَّمْ من كلِّ كاتبٍ تقرأ له، واذهبْ دائمًا إلى كُتبٍ تفيدُك وتلهمُك.

31

فكِّر فيما ستكتبُ كل يوم، لا تجعل النصَّ يغيبُ عن عينيك لحظةً، عشْ روايتَك طَوال اليوم، ولا تدعْ عينيك تغفلان عن تفاصيلها، وليكُن معك دفترٌ لتسجِّل فيه كلَّ ما يخطرُ على بالك؛ كى لا يفلتَ شىءٌ مما تفكِّر فيه.

32

اصغ جيدًا إلى صوتِ نفسك، وبُح كثيرًا واعترفْ من دُون خجلٍ، ولكن بأداءٍ فنىّ عالٍ محمُولٍ على الرمز والإشارة، واكتشفْ ما يميزُك عن الآخرين، وارع هذا الاختلافَ وطوِّره وحدِّثه، واسقِهِ ماءَ رُوحك، ولا تستلفْ ماءً من آخرين سبقُوك أو يجايلونك، لأنَّ فُقراءَ الرُّوح هُم من يسقطُون فى الطريق، فاشرعْ أبوابَكَ على الجميع، ولا تغلق بابًا فى وجه من يرفدُك ويفيدُك بحُجَّة أنَّك ستتأثرُ به؛ لأنَّ الموهوبَ الكبيرَ لا يخافُ التأثيرَ.

 

احذف الخوفَ من قاموسك عندما تشرعُ فى الكتابةِ، إذْ لا كتابةَ مع خوفٍ، وحاول أن تبتكرَ لنفسك طريقةً فى الكتابة، وكُن صاحبَ أسلوبٍ خاص كى تنجُوَ من التكرار، والمشى على الصِّراط، فلا صراطَ فى الكتابةِ، لأنَّ الكتابةَ بنت الضلال والانحراف عن الخطِّ المرسُوم سلفًا من قِبَل السَّابقين، وكل هذا لا يأتى إلَّا من شخصية الكاتب المُمتلئة عاطفةً ونورًا وإشراقًا ودهشةً، وحدْسًا وذكاءً وتوقُّدًا وفطنةً وإدراكًا لعوالمه، ومعرفةً بالطَّبع.

كُنْ واضحًا وسهلًا فى الفكرةِ والأسلوبِ بلا تكلُّفٍ أو تعقيدٍ، ولا تُعقِّد خيطًا سلسًا مُنسابًا أمامك، ليعرفَ القارئ مقصدَك من دُون تعبٍ أو إجهادٍ، فلا تلف ولا تدُور، ألمِحْ ولا تُصرِّحْ أو تفْصِحْ، ولا تعِدْ ولا تُكرِّر ولا تشْرَحْ؛ لأنَّ القارئ قد يكُون أذكى منك وأعرَفْ، وادخُلْ مُباشرةً إلى جوهرِ الأمر، لا تكتب جملة غامضة، وضع الكلمة المناسبة فى مكانها المناسب، وكذا الفكرة المناسبة رتبها بشكل ترضى عنه، وتجنَّب الزَّركشةَ فهى لا تُفيد النصَّ فى شىءٍ، وما هى إلَّا زينةٌ وزخرفةٌ وتنميقٌ، وتطريزٌ، وتحسينُ الكلام بِأَلْوانِ البَديعِ.

الذين يُعانون من مأزقِ التوقُّف عن الكتابةِ أو ما يمكِنُ تسميتُه بـ«حبسة الكتابة» أو«قفلة الكاتب»، عليهم الالتزام اليومى بعددٍ من الكلمات، وأنْ يخطِّطوا مسبقًا لمشرُوعهم، وهذا الأمر يجعلهم ينجزُون وينتهوُن من كتابةِ نصِّهم فى وقتٍ، كانوا يتوقَّعُونه قبل البدء. فالالتزام مع الحرْفِ يجعلُ الكاتب يكتبُ بإيقاعٍ أسرع، بدلًا من أن يتركَ نفسه للظروفِ والمُصادفات، فاجعل الكتابةَ مِهنةً لك تحبُّها كهاوٍ ومحترفٍ فى الوقت ذاته. وأنت تكتب اقرأ باهتمام عن الموضوعات التى ترغب فى طرحها فى عملك الذى بين يديك. ولا يمكن للكاتب أن يصاب بـ«حبسة أو قفلة الكتابة» ما دام لديه عشرات المشروعات التى تنتظر البدء فيها، والعمل عليها.

اهتم بإيقاعِ الروايةِ على مُستوى الزمان والمكان والشخصيات والأحداث، الذى عادةً ما يكُونُ فطريًا بالأساس، لأنَّ السَّردَ إذا فقدَ الإيقاعَ، انقطع التلقِّى، والكاتب الماهر هو من يستطيعُ الحفاظَ على خيطِ الإيقاع مشدُودًا ومُتوتِّرًا ومُقنِعًا؛ ومن هنا تحدثُ الإثارةُ، ويكُونُ التشويقُ والجذبُ، فالقارئ سيصيبُه المللُ، ويدركُه التثاؤبُ إذا اختل توازنُ الإيقاعِ داخل النصِّ، وسرعان ما يترك الكتاب إلى سواه من الكُتب؛ فالجُمل المُفرِطة فى الطُول مثلًا من المُمكن أن تجلبَ النَّومَ لمتلقّيها. 

كُن مرنًا وأنت تكتبُ، فى تعاملك مع المكان والشخصيات، وامنح الخيالَ فرصةً لأن يشتغل معك ويقودك إلى مناطق مجهولةٍ ستكتشفها وأنت تكتبُ. وإذا لم تستطع أن تسافر إلى المكان الذى ستتحركُ فيه شخصيتك، اذهبْ إلى جوجل وخرائطه، وشاهدْ فيديوهات، وأفلامًا وثائقية عن المكان المعنى؛ كى تلمَّ بالمكان وملحقاته التى يمكنُ أن تتحرَّكَ فيه شخصيتك فى الرواية. 

تذكَّر أنَّ الكاتبَ لا يُفكِّرُ فى عمله برأسِه فقط، ولكنَّ الأصابعَ تفكِّرُ وتقولُ الكثيرَ حينما يبدأ الكتابةَ يدويًا أو على الكمبيوتر، فاعتن بيدك كثيرًا ودرِّبها على الانفراد والسَّعى.

كونك انتهيتَ من كتابةِ روايةٍ، أنكَ أنهيتَ عملَك، فالكتابة الحقيقية تتمثَّلُ فى إعادة الكتابةِ، قبل أن تبحثَ لها عن ناشرٍ، وما دمت مقتنعًا أنك أدَّيتَ واجبَك الجمالىّ نحو روايتك، لا تيأسْ لو رفضها ناشرٌ. 

لو كُنتِ كاتبةً أو شاعرةً ويغار زوجُك «إذا كنتِ متزوجةً» من القراءة والكتابة، ويعتبرُ سلوكَك هذا مضيعةً للجهدِ والوقتِ، وأنك لن تتقدَّمى خطوةً واحدةً إلى الأمام، أو يغار من شهرتك، فلا تصبرى عليه لحظةً واحدةً، وتطلَّقى فورًا؛ لأنَّ كلَّ ساعةٍ تمرُّ عليكِ معه تهدِّدُكِ بالموتِ المعنوى والإكلينيكى معًا. وقد شفتُ كثيرًا من الأزواج يسمِّمُون حيوات زوجاتهن، لكنَّ قليلات هن اللواتى أصررن على الطلاق، بينما من رفضن انزوين واعتزلن وتعثَّرت خطواتهن فى طريق الكتابة.

هل تستطيعُ أن تحيا فى كُلِّ كلمةٍ تكتبُها؟ إذن فأنت كاتبٌ، إذْ من المُهم والضَّرورى أن تخرجَ كلُّ كلمةٍ من داخلك، كما لو أنَّك فى كهفٍ تتعبَّدُ، أو فى غارٍ ويتنزَّلُ عليك الوحى. وبعد أن تنشرَ عملك لا تظنُّ أن بيعَ الكتاب بشكلٍ كبيرٍ، أو حصولك على جائزةٍ كُبرى أو شهيرةٍ، هُما مقياسٌ لنجاحك ككاتبٍ، لأنَّ الكتابة لا تقاسُ بهذه المقاييس أبدًا، لكن لا تنس طَوالَ الوقت أن تعمِّق تجربتك، ولا تُسلِّم نفسَك للتقاعُس بعدما صرتَ معروفًا وشهيرًا بين الناس، وأنا أعرفُ كثيرين نالوا شهرةً ولم يعُودوا يطالعون كتابًا واحدًا، ولا يقرؤون إلَّا الكُتب التى ستساعدُهُم فى مواصلةِ الكتابة، أى أنها قراءةٌ وظيفيةٌ ومثلى لا يُعوِّل على قراءةٍ كهذه، وصار نتاجُهم بعد ذلك عاديًا ضعيفًا لا جديدَ فيه؛ لأنهم لم يشحنوا بطاريات عقولِهم، ولم يملأوا معدات قلوبِهم بالوقُود اللازم لإخراج الطاقة.

لا تعتزل الناسَ وإلا ستفقد الرؤيةَ ككاتبٍ، أى حطِّم برجَك العاجى الذى وضعتَ نفسَك فيه، فلم أر كاتبًا اختبأ إلا خبَا وخارَ وخرجَ من السباق، لا تلتفت كثيرًا إلى ما يكتبهُ الناقدُ حول تجربتك، خصوصًا إذا أملَى عليك شروطًا فى كيف تكتبُ، وما ينبغى عليك كتابتُهُ.

قد تمرُّ عليك لحظةٌ تتصوَّرُ فيها أنه لم يعُد لديك شىءٌ لتكتبه، وأنك كتبتَ الجُملةَ النهائيةَ فى مسيرتِك، وهذا إحساسٌ عادىّ ينتابُ الكثيرَ من الكُتَّاب، ولكن لا تلق بالًا لذلك؛ لأنَّ القلقَ الفنيىّ أمرٌ طبيعىّ يحاصرُ أهلَ الكتابةِ جميعًا، فما عليك إلا الصُّمُود والمُثابرة والسَّعى نحو فكرةٍ جديدةٍ لتكتُبَها، وتأكَّد من أنَّك ما دمت قارئًا نهمًا فلن تعرفَ روحك الجفافَ أبدًا.

فى الكتابة نحنُ لا نقولُ كلَّ شىءٍ، إذْ لا بدَّ من تركٍ مساحةٍ ما بيضاء ليملأها القارئ، بمشاعرِه وأحاسيسِه، كأنَّه يكتبُ أحوالَه عبر مُخيِّلته التى تشتغلُ بعمقٍ وانسيابيةٍ ساعة القراءة، مُستخدمينَ كلماتٍ قليلةً فى جُملٍ قصيرةٍ، كأنَّنا نكتبُ شِعْرًا، إذْ الشِّعْر يختزلُ العالمَ ويختصرُه ويلمُّهُ فى القليل من المُفردات، وهذا هو ذُروةُ التعبير الذى يجعلُ النصَّ الأدبىّ عاليًا ومشدودًا ومتوتِّرًا. واحرص دائمًا على ألَّا يكُونَ الرواى فى روايتك متسلِّطًا أُحادىّ النظرةِ؛ لأنَّ العالمَ الروائىّ كالحياةِ مُتعدِّدٌ وغنِىّ بتنوُّعِه.

45

لا تصفِّ حساباتِك فى الكتابةِ مع أشخاصٍ، لكن يمكنُ أن تكونَ تصفيتُك مع الزَّمن والمكان، وليس مع بشرٍ كانوا يومًا ما معك فى المركب نفسه، فمثلى لا يحبُّ أدبَ التلسين أو النميمة، بل أعتبرُه هِجاءً لا أدبًا سيبقى. فما يهمُّك هو الكتابة لا سِواها، والقارئ لا ينتظرُ منكَ غير ذلك.

46

لا بد أن تكُونَ على قناعةٍ بما تكتبُ؛ كى تنجحَ فى إقناعِ من يقرأ لك، فإذا لم يقتنع القارئ سيهربُ منك، ولن يتابعَك أو يعُودَ إليك، ويُصابَ بما يمكنُ تسميته «حبسة القراءة» إزاءك؛ فكُن بصيرًا وبصَريًا وسمعيًا فى كل ما تسرده، وتأمَّلْ عميقًا كلَّ مُفردةٍ فى نصِّك وأنتَ تراجعُه قبل الدفع به إلى ناشرِك. 

 

لا تنس أن تجعلَ افتتاحيةَ روايتك آخر ما ستكتبُه، وليكُن اقتناعُك بها مئة فى المئة؛ لأنَّ النصَّ إذا سقط منذُ الفقرة الأولى من ذاكرة المتلقى؛ يعنى أنه سيذهبُ إلى كتابٍ آخر يُواصلُ فيه القراءة.

لا تجعل هدفَك الأوَّل حصد الجوائز، اكتبْ فقط لأنك كاتبٌ، ولتكُن الجائزة إحدى أمنياتك فقط لا أكثر، وليست هدفًا يُرتجَى، لأنَّ كثيرًا من الجوائز- فى وطننا العربى والعالم- مُسيَّسة ولها مشرُوعٌ ما، من المؤكَّد أنه ينافى مشروعَك وخطَّك، لا شكَّ أنَّ الجائزةَ ستمنحُك ثقةً وشُهرةً ومالًا، لكنَّها لن تصنعَ منك كاتبًا أبدًا، كما أنها تمارسُ ضغطًا نفسيًا عليك؛ لكى تُطوِّرَ التجربةَ وتحسِّنها.

اجْلسْ مع من يلهمُونك، ولا تُضيِّع الوقتَ مع من هُم دُونهم فى المعرفةِ والثقافةِ والخِبرةِ، واعرفْ أنَّ كلَّ إنسانٍ يمشى على الأرض هو روايةٌ وحدهُ، ويحملُ الكثيرَ من القصص والتجارب المُدهشةِ والغريبة، التى لو سُرِدَت لكانت أغربَ من الخيال ذاته، واهتمْ بمشروعك الكِتابى، وإنْ كانت لك هُواياتٌ أخرى ككُرة القدم مثلًا فلا تجعلها جُلَّ تركيزك، وتنسى أنكَ الكاتبُ بالأساس؛ لأنَّ جُمهورَك سيتذكَّر حُبَّك لكُرة القدم، وينسى أنكَ فى الأصل كاتبٌ، وخُلقت فقط لتكتُبَ.

لا تُخطِّط لنهاية عملك الروائى قبلًا، ولكن دع النهايةَ تُولدُ كل يوم عمل لك فى النصِّ، واستكشف الآتى، فأنتَ وحدَك من يملكُ إيقاعَ النصِّ وخط سيرك معه، وسيره معك بالتالى، فهناك أشياءٌ كثيرةٌ تتغيَّرُ أثناءَ الكِتابةِ التى هى بحثٌ وتقصٍّ؛ فالنهايات المُصمَّمة مُسبقًا لا تُمتِعُ، امنح العفويةَ والمُصادفةَ فرصة الحضُور، وحتى لو وضعتَ مُخطَّطًا مُسبقًا لروايتك؛ فاعرفْ أنه قابلٌ للتغيير طَوال الوقت، فلا يوجدُ شىءٌ مُنَزَّل أو مُنزَّه فى الكتابة.

لا تحكِ لأحدٍ عن عُنوانِ عملكَ القادم، أو فحوى رواية تكتبُها؛ لأنَّ «لصُوص الأدب» ملأوا شوارعَ المدينة وبيوتها ومُنتدياتها ومقاهيها.

من يقول لك إنه لا يظهرُ فى أىٍّ من أعماله الروائية؛ فلا تُصدِّقه مُطلقًا، فما من كاتبٍ إلَّا وتجد أنفه مدسُوسًا فيما يكتُبُ، وتلك فطرةُ الكائن التى فُطِر عليها، وهى البوحُ والاعتراف والاستفادة من التجربة الشَّخصية، فكلُّ كتابةٍ فيها قدْرٌ ما من السيرة الذاتية أو الحياتية لكاتبها بشكلٍ مُباشرٍ أو غير مُباشرٍ، وإلا فمن أين سيستقى الكاتبُ عوالمَه إنْ لم يكُن قد عايشها أو عاش بعضَها، فالكاتبُ يكتبُ عمَّا يعرف.

الكتابةُ طريقةُ حياةٍ، وأنت تكتبُ لتُعبِّر عن نفسكَ، ويرى الآخرون أنفُسَهُم فى كتابتكَ، فأنت تخلقُ واقعًا مُطلقًا يُماثلُ الواقعَ الذى تعيشُ، وقد يكُونُ أكثرَ غرائبيَّةً منه، وهنا يلعبُ الخيالُ لُعبته فى بناءِ العمل وخلق الشخصيات والأحداث، وما دمتَ تتقنُ صنعتَك فأنتَ فنانٌ قادرٌ على تقديم الجديد والمختلف، وإذا وجدتَ يومًا أنَّ العملَ يفلتُ من يدك فتوقَّفْ تمامًا عن الكتابة؛ ريثمَا تستعيدُ لياقتك.

54

انطلقْ بلا قيدٍ، لاحظْ وجَرِّبْ، واكتُبْ لتعبِّر عن ذاتك أولًا، وليس ليرضى عنك القارئ، حتى لا تموتَ موهبتُك، ولا يهرُبَ منكَ الحقيقيون الذين ينتظرونَ منك الفنَّ كما هو معرُوفٌ، واعتمد الخيالَ كثيرًا؛ لأنه سيميزُك كما أنه يمنحُ الواقعَ الذى تعيشُه جمالًا وكمالًا من حيثُ التجربة الفنية والتناول السَّردى، وتذكَّرْ دائمًا أنَّ الكتابةَ ستمنحُك مُتعةً شخصيةً لحظة الكتابة، وما سيأتى بعدها من تحقُّقٍ ونجاح.

 

تذكَّرْ أنَّ لا شُعورك ككاتبٍ غاصّ بالغرقى من البشَرِ والأفكار، لكنَّهم غرقى أحياء يطاردونك أينما كُنت حتى ولو بعد حينٍ بعيدٍ من الزمن، فلا تقلقْ من النسيان؛ لأنَّ كُلَّ ما رأيتَ واكتنزتَ سيظهرُ حتمًا وأنتَ تكتبُ نصَّك.

عِشْ حياتَكَ بأنَّكَ ستبلُغُ الكَمَالَ فى كتابتِك، وحَاولْ مرةً واثنتيْن وألفًا، وحتمًا ستصلُ إلى الصيغةِ النهائيةِ التى سترضَى عنها، واعلمْ أنَّهُ لا يوجدُ كاتبٌ يرضَى عن مُنجزِهِ، ولو أتيحَ لهُ أن يُعيدَ كتابة ما نُشرَ من كُتبٍ لفعل. 

إذا كُنتَ من الذين لا يُحبُّون عرضَ أعمالهِم على لجنةِ قراءةٍ من الأصدقاء المُقرَّبين لك، فعليك العمل طويلًا على نصِّك؛ حتى يخرُجَ بصورةٍ مثاليةٍ فى النهاية. وكلَّما اعتبرت الكتابةَ لهوًا وتسليةً ولعبًا تحبُّه وتُقبل عليه بشغفٍ كبيرٍ قبل أن تكُونَ حرفةً أو مهنةً تحترفُها، كُنتَ أكثرَ جِديَّةً وصرامةً فى طريقة التخطيط والتصميم للنصِّ الذى تنجزُهُ بإصرار المُحب، اعتبرها نداء روحك.

لا تنزعجْ أو ينتابك القلقُ بعد أن تنتهى من الكتابةِ، ورأيت نفسَك تواجهُ رُوحَك قائلًا: أنا لم أنجح. اعرف أنَّ هذه طبائعَ الأمور بين الكُتَّاب، لأنَّ لا أحدَ يبلغُ الكمال، وأنَّ الكاتبَ يتطورُ من عملٍ إلى آخر، ويوزِّعُ حياته مع الحرْف فى كُلِّ عملٍ يكتبُهُ، وإلا سيتوقفُ تمامًا عن الكتابة إذا قال لنفسِه: هذا أجملُ أو أهم عملٍ فنيٍّ أنجزتُه؛ والكاتب عمُومًا قلِقٌ ومُتغيِّرُ المِزاج، وهذا القلق محمُودٌ، وهو ما يخلقُ السَّعى والمُحاولة وإعادة التجربة.

لتلمَّ بالمشهدِ الكِتابى محليًا وعالميًا لا تقرأ فقط الكُتبَ المُهمَّة والأساسيَّة، لكنَّ الكُتبَ الأقل أو الأدنى فى المستوى الفنى، من شأنها أن تمنحَك صورةً أخرى عن الكتابةِ الضَّعيفة؛ كى تتجنَّبها، إذْ إنَّ كلَّ قراءةٍ مفيدةٍ على كلِّ حال، ولا ضررَ من قراءتها بقدْرٍ، ولكن لا تنمْ طويلًا فى سريرِ الكُتب الضعيفة، ولا تهدرْ كُلَّ الوقت فى العيش مع صفحاتها، هى فقط تُقدِّمُ لك الجانبَ السيئ من الكتابةِ؛ كى تبتعدَ عنه وتحذَرَهُ. فمن واجب الكاتب أن يعرفَ كُلَّ شىءٍ، وأن يُعوِّلَ كثيرًا على تجاربه الخاصة فى الكتابة؛ لأنها دائمًا ما تكُونُ مختلفةً وملهمةً، وغير مُكرَّرة عند سابقين أو مجايلين لك.

حين تكتبُ اقتصدْ فى الكلام، وأنصِتْ إلى روحِك طويلًا، واختر التعبيرَ الدقيقَ، وضع الأشياءَ فى مكانها المُناسب داخل النصِّ، فاللغة فقيرةٌ إنْ لم تملأها أنتَ بفيوضاتِ مشاعرِك وأفكارِك، فالكاتب مُبتكرُ لغةٍ بالأساس.

اعترفْ وأنتَ تكتبُ، ولتكُنْ حياتُك مصدرَ رواياتك، وضَعْ من نفسِك الكثيرَ أمام المساحةِ البيضاء التى تملؤها، طوِّعْ ذاكرتَك وأنتَ تجُولُ فى دُرُوبِ ذاتك، واجمعْ أجزاءَك المُتناثرةَ؛ فالاعتراف يجذبُ القارئ والكاتبَ معًا، لأنَّ كتابةً كهذه من شأنها أن تلهِمَ قارئها. 

لا تكتبْ وأنتَ غاضبٌ؛ لأنكَ ستقعُ لا إراديًا فى الانفعالِ والتقريريةِ، وستكرِّر نفسَك؛ فخُذْ مسافةً تجعلُك تنفصلُ تمامًا عن أسبابِ غضبك.

لا تُعوِّلْ كثيرًا على قوائمِ القراءةِ التى وضعها كبارُ كتَّابِ وشُعراء العالم ولا تجعلها هاديًا ومُرشدًا؛ لأنك ابنُ ثقافةٍ أخرى، وعليك أن تنتبهَ إلى إرثِك الخاص الذى له الكُتبُ المتُونُ التى ينبغى قراءتها فى حياة الكاتب. 

64

تذكَّرْ أنك فى النوم يمكنُ أن تكتشفَ ذاتَك وقدراتِك، وأن تبنى أهم نصُوصك وأنتَ فى الحُلم، حيثُ الأحلام تلهمُك وتجعلُك فى حالٍ أخرى بسببِ النشاطِ العالى للمُخ؛ فالإنسان يحلمُ كثيرًا، لكنَّ الأهم هو أن يدرِّبَ نفسه على تذكُّر أحلامه، وأن تضعَ أوراقًا وقلمًا بجانبِ رأسِك وأنتَ نائمٌ؛ كى تسعفَك فى تسجيلِ أحلامك حتى لا تفرَّ منك.

65

صفِّ ذهنَك من همُومِ الحياةِ اليومية وتفاصيل ما تعيشُه؛ كى لا تشوِّشَ دماغَك، واذهبْ وحيدًا إلى النصِّ خاليًا من المُشكلات الصَّغيرة، تَحَرَّرْ من أسْر ما تركته وراءك فى البيتِ، إذا كنتَ متزوِّجًا أو صاحب أسرة، ولا تُعرِّض نفسك للمقاطعة من أحدٍ مهما تكُن درجة قُربك منه.

 

اعتمدْ تجربتَك الشخصيةَ وأنت تكتبُ واخْفِ معالمَها، عوِّلْ على الباطن والعقلِ اللاواعى؛ فهذه الطريقة تجعلُك تكتشفُ مناطقَ منسيةً ومُستترةً داخلك، وتجعل الكتابة مُمتعةً وسهلةً وطَوْع يدك.

انسَ ما تكتبُ، وابدأ من جديدٍ، سَواء حققتَ شهرةً أو ما زلتَ تحاولُ، أو حتى أخفقتَ فى عملٍ أو أكثر، المُهم أن تكُونَ مُصِرًا ودءُوبًا ومُداومًا على العملِ فى الكتابةِ، اكتُبْ كُل يومٍ أو يومًا بعد يوم؛ كى تكُونَ لديك مساحةٌ للمُساءلةِ والمُراجعةِ وإعادةِ قراءةِ ما كتبتَ، المُهم ألا ينفدَ أكسجين أجواء الرواية التى تكتبُها، وحاولْ أن تكتبَ بضميرِ المُتكلم، فأنا شخصيًا أحسُّ نفسى غريبًا وبعيدًا عنى عندما أكتبُ بضمير الغائب.

ما دمتَ تمارسُ الكتابةَ فأنتَ لستَ شخصًا عاديًا؛ لذا عليكَ أن تتواضعَ وتنضبطَ ذاتيًا مهما تكُن المُغرياتُ التى تواجهُك، ولا تتغطرسْ وابتعدْ عن الكِبر، فقط احلمْ وعِش اللحظةَ فى عالمك الخاص المُختلف المحمُول على الخيالِ والأفكارِ، ونمِّ فضُولَك تجاه الظواهرِ والأشياءِ والأشخاصِ ولا تتوقَّفْ عن السُّؤالِ لكَ ولسواكَ، واحرصْ جيدًا على أن تجدِّدَ مصادرَ إلهامِك بالقراءةِ أولًا والسَّفر، والمكُوث بين أيدى أصحاب التجاربِ والخبراتِ، ولا تعتزل الناسَ ما دمتَ كاتبًا.

الشِّعْرُ ضرورةٌ؛ لأنهُ يحفظُ لك تدفُّقَ مياهِ رُوحِك، ويشحنُك باللغةِ والخيال، ويرقِّقُ جُملتَكَ ويعمِّقُها ويجعلُها محمُولةً على طبقاتٍ من المعنى، ويكُون مرجعًا فكريًا وفلسفيًا وجماليًا حين تكتبُ؛ ويضيف إلى خِزانتك صورًا جديدةً لم تستخدمها من قبل، كما أن الشِّعْرَ قادرٌ على أن يجعلك تُغيِّرُ نظرتَك إلى العالمِ ويُوسِّع مجالَ استخدامِك اللغةِ التى هى أساسُ الكتابة.

لا تبدأ الكتابةَ إلا وأنتَ فى مزاجٍ عالٍ؛ لأنَّ أىَّ كتابةٍ ستكتبُها وأنتَ فى مِزاج معكَّر ومُضطَّرب لا يُعَوَّل عليها وستكُون دُون المُستوى الذى تنشدُهُ لنفسك، وبيدك فقط يمكنُ أن تحسِّن مِزاجك الذى هو «استعدادٌ جِسمىٌّ عقلىٌّ خاصٌّ « بشكلٍ يومىٍّ بحيثُ تستطيعُ الكتابةَ فى هدُوءٍ وفى أجواءٍ من البهجةِ والمُتعة. وتذكَّرْ أنَّ الكتابةَ تأتى من الدأبِ والاستمراريةِ والانضباطِ والعملِ اليومىِّ الشَّاق وليس من كسلِ المُبدعين الذين يُفَضِّلون الحياةَ اليوميةَ على القراءةِ والكتابة.

لا تنتظرْ وقتًا مُناسبًا لتكتُبَ، أو تسنحَ لك الفرصةُ، اكتبْ وتخلَّصْ من التسويفِ والتأجيلِ؛ لأنَّ الزَّمنَ لن يتوقَّفَ لك، لا ترجئ العملَ، ولا تُؤجِّل شيئًا إلى الغدِ تحت أى ظرفٍ أو حُجَّةٍ، حاولْ أن تخلقَ الوقتَ لك كل يومٍ؛ فأنتَ من يتحكَّمُ فى قيادةِ نفسِك وليس سواكَ، ولا تستسلمْ أو تسلِّمْ نفسَك لأحدٍ، فأنا أعرفُ شُعراء كانوا معنا فى الجامعة، وكانت لهم أصواتٌ خاصَّةٌ ومُميَّزةٌ، ولم ينشرُوا كتابًا واحدًا فى حياتهم، خَشية الفشل أو النقد أو عدم رضائهم عن كتاباتهم. فتغلَّب على خوفِك وانطلقْ من دُون توقُّف.

جرِّبْ واغلطْ مرَّةً واثنتين، ولا تلُمْ نفسَك، تعلَّمْ من تجاربِك، فالإنسان ليس معصُومًا من الأخطاءِ، وأنتَ تُكرِّر مُراجعةَ نفسك ستصل حتمًا إلى ما تريدُ، وما دمتَ مستمرًا فى العمل الكتابى سيهبط عليك الإلهامُ؛ لأنَّ الإلهامَ لا ينزلُ على الكسالى ولا يزُورُ بيوتَهُم، بل هو مُهاجرٌ دائمٌ لمن يخاصمُهم، وما أنتَ فيه من إبداعٍ هو فطرةٌ إنسانيةٌ منحك الله إياها فاغتنمها وطوِّرْها وعمِّقْها واسقِها ماءَ روحك. 

لا تجعلْ أحدًا يقاطعُك فى البيت أو بالهاتف، الذى أنصحُ بإغلاقِه أو إبعادِه فى غُرفةٍ أخرى، بحيثُ لا تستطيعُ سماعَ جرَسِه، وكذا اقطع الاتصالَ بالإنترنت؛ لأنَّ المُتخصِّصين يقولون إنك تحتاجُ إلى نصف ساعةٍ للعودة من جديدٍ إلى نفسك الكاتبة، حتى لو كانت المُقاطعةُ مدتها ثوانٍ معدُودات؛ لذا لا تضيِّع فُرصةَ الكتابةِ على نفسك؛ ما دمتَ قادرًا على الردِّ بعدما تفرغُ من كتابتك التى هى أهم وأبقى.

اجعلْ كُتب النقد آخر ما تنشرُ، ولا تغلِّبْ «دال» الدكتوراه على الكاتبِ أو الشَّاعرِ فيك، فيكفى فقداننا أسماء كثيرةٍ وكبيرةٍ كانوا فى الأصل شُعراء وكتَّابًا، ولما دخلت الأكاديميا غادرتها الكتابةُ، التى لا تحبُّ شريكًا يزاحمُها السَّعى، فنحنُ لم نصِل بعد إلى مرتبة التوفيقِ بين الكتابةِ والدَّرسِ الأكاديمىِّ، مثلما رأيتُ فى العالم، فأغلب شُعراء الأرض الكبار الذين قابلتُهم ومنهم أصدقاء مُقرَّبون لى فى أوروبا والأمريكتين أساتذة فى الجامعات، ومن فرط نسيانهم «الدال»، لم أعرف أنَّهم أكاديميون، إذْ يُغلِّبُون النصَّ على الدرس.

أمحُو، وأنسى، ولا أتناسى، أتجاهلُ، وأمشى فى طريقى، لكنَّ الأهم أنَّنى أنا الذى أتخيَّرُ من أكونُ معهم فى تحدٍّ أو خُصُومة.

من يبتعدُ عن الزَّيف فى الكتابة، سيحقِّق ما يريد ويتمنَّى، من كتابةٍ حقيقيةٍ عاليةٍ، لا ادّعاءَ فيها، ولا بحثَ عن مُغازلةٍ اتجاهٍ أو تيارٍ أو شكلٍ حديثٍ أو كلاسيكىٍّ.

كُن ابن أكثر من ثقافةٍ، لا تقتصر على ثقافتك ولغتك «والتى قد تكون مُقصِّرًا أيضًا فى معرفتك بها»، اذهبْ دومًا إلى الشواطئ الأخرى، حيث ستجد المختلف، وما تبحث عنه، واعلم أنَّ معظم الكبار هم أبناء التعدُّد والتنوُّع، أبناء امتزاج الثقافات.

كتبتُ وما زلتُ أكتبُ سيرتى فى شعرى، وأعتبر نفسى شاعرَ سيرةٍ ذاتية، فالمكان يحضرُ، والسرد، وكذا العوالم الخفية الخاصة التى لا تخصُّ أحدًا سِواى.

اخلق مساحةً طبيعيةً لنفسك؛ كى تتفرَّغَ للكتابة، لا تنشغل بسواها، فمن خُلق شاعرًا عليه ألا ينفق الوقتَ فى الأمور الصغيرة، ويغرق فى تفاصيل ليس معنيًا بها ولا تهمه.

وفِّرْ لنفسك المجال كى لا تتأخَّر، وتشيخ، حيث سيكون الوقتُ قد فات. وتعلَّمْ أن تكون مستقلًا، ولا تدخل جوقة، حتى لا تصبحَ رقمًا أو نفرًا أو محض تابعٍ، يصفك الأقربون بالفاشل. 

لا تستهلك نفسك فى الترجمات والكتابات الصحفية؛ بحُجَّة أنك تريدُ أن تعيش، فصدِّقنى لو عشتُ شاعرًا مُهمًا، ستعرف كيف تعيش كريمًا، وساعتها لن تحتاج إلى ما يبعدك عن الشعر.

اكتبْ فقط ولا تنشغل بمن ستوجِّه إليه كتابتك، المُهم أولًا وأخيرًا أن تنشغلَ بنصِّك.

لا تنتظرْ ردَّ فعلٍ مباشرًا عقب صدُورِ كتابك، فلا تنس أنَّ القُربَ حجابٌ، وقد يحجبُ مجايلوك ونُقَّاد زمانك ما كتبتَ، لـ«عيب» رأوه فيك، لا فى كتابتك. تأكَّدْ أنَّ الكتابةَ الجيدةَ والمُختلفة ستبقى، ورُبَّما ينسى الناسُ اسمَكَ؛ لكنهم لن ينسوا ما كتبتَ.

84

يجعلك الحُبُّ فى حالِ خلْقٍ وإدراكٍ لنفسِك والعالم، لكنَّ الجنسَ وحدَهُ يجعلُك تدركُ حدُودَ شهوتِك وجسدِك ومقدرتِك الجنسية، فأحِبْ لتكتبَ؛ لأنَّ الجنسَ وحدهُ غير قادرٍ على إنتاج سطرٍ واحدٍ يمكنُ أن يُعوَّلَ عليه، واعلمْ أنَّ الحُبَّ طائرٌ له أكثرُ من جناحٍ، بينما الجنسُ كائنٌ برىٌّ لا يتحرَّكُ إلا فى المحيط الذى يعيشُ فيه.

85

اكتبْ بأسلوبٍ سهلٍ وسلسٍ وواضحٍ، والوضُوح لا يعنى التقريرية والمُباشرة، فهُما ضد الشعرية، والتعقيد لا يعنى أبدًا أنك ستصيرُ شاعرًا حداثيًا وطليعيًا، ابتعدْ عن الجفاف؛ لأنَّ الماءَ فى الشِّعر أو الدم، هو ما سيبقيه حيًّا لأزمانٍ طويلة، وتستعاد قراءته مراتٍ كثيرةً، ويستطيع وحده دون عوامل مساعدة أن يقاوم الزمنَ بعد موت صاحبه، وهذا الشعر لا يخافُ مصفاةً، ولا يخشى غِربالًا؛ لأنه مُحصَّن بمائه ودمه.

 

تذكَّر أنَّ الكاتبَ لا يُفكِّرُ فى عمله برأسِه فقط، ولكنَّ الأصابعَ تفكِّرُ وتقولُ الكثيرَ حينما يبدأ الكتابةَ يدويًا أو على الكمبيوتر، فاعتن بيدك كثيرًا ودرِّبها على الانفراد والسَّعى.

عوِّلْ على البداية فى القصيدةِ والقصَّة والنوفيلا والرواية، فهى مدخلُ القارئ إليك، فأنا أعرفُ كاتبًا كتبَ ثمانين بدايةً، كلُّ بدايةٍ فى صفحةٍ، ثم نسيها جميعًا، وابتدأ من جديدٍ، حتى اقتنع.

اكتبْ فقط عما تعرفُ وتألفُ، وإن كُنتَ تجهلُ الأمرَ أعرضْ عنه، أو اجتهدْ واعرفْ وسافرْ وابدأ من الصِّفْر أو من تحته، وراكمْ خبراتٍ ومعارفَ، ثم قرِّر الكتابةَ، ساعتها ستكونُ نجحت ويقرؤك الناس بعاطفةٍ ويُسرٍ.

لا ترض عن عملٍ تكتبُه، لأنَّ الرضا مفسدةٌ، وبداية خيط الغرُور الذى يلتفُّ حولَ عُنقك؛ لذا اجعلْ عدم الرضا طريقَك فى الحياة.

لا تكتب نصًا روائيًا خاليًا من النساء؛ لأنَّهُن مبعثُ السِّحر والغمُوض والإبهار، ويمنحن كتابتك مذاقًا آخر، ولا تنس أنَّ النساءَ يُمثِّلن الشريحةَ الأكبرَ فى قراءةِ الروايات، كما أنَّ الحياةَ ليست لآدم فقط.

اكتبْ ما تراهُ وتقتنع به، حتى لو استهجن النقَّادُ ما تكتبُ، لأنَّ النقد يأتى تاليًا لنصِّك، فكم من ناقدٍ فى زماننا كرَّسَ للمحدُود وعديم الشأن، ومنحَ وقته وقلمه لكتبٍ قليلةِ القيمة، ومع ذلك لم ترُج وتنتشر، وإن كان أصحابها نالوا جوائزَ شهيرة.

اخلُق صيغًا وأشكالًا جديدةً فى الكتابة، وابن على غير مثالٍ، وإنْ لم تستطع فطوِّرْ ما ابتكرهُ أسلافُك، فربَّما تفوقه أنت، وتذكَّرْ دائمًا أنَّ المبدعَ الحقيقىَّ خالقٌ للجديد.

لا تجعل الكتابةَ سبيلًا للعيش، لكنْ اجعلها هدفًا أول فى حياتك، وكرِّرْ محاولاتك إذا أخفقت، فلا يعنى أنَّ طرفَ الخيطِ قد أفلت منك أنك لا تمتلك يدًا ماهرةً ومُدرَّبة.

كُلُّ قديمٍ جديدٌ وطازجٌ ومُختلفٌ بشكلٍ أو بآخر، إذْ ليس كلُّ ما طواهُ الزمنُ صارَ من التاريخِ، أو باتَ مُهملًا، ربَّما هو فقط مسكُوتٌ عنه، لسنةٍ أو بِضْعِ سنوات، أو ربما عُقود طويلة، ولكن ما إن نكشفه؛ حتى تظهرَ جِدَّتُهُ وحداثتُهُ لمن تَصوَّرَ لحظة أنه قديمٌ، وهذا ينسحبُ على الشِّعْر، والدياناتِ، والكُتبِ، والمُوسيقى، والفُنُون بأنواعها، وكُلِّ نشاطٍ إنسانىٍّ فردىٍّ أو جماعىٍّ آتٍ من منطقةِ الخلْقِ.

اذهب إلى قراءةً ديانةِ المِصريين وأساطيرهم وأناشيدهم وعباداتهم وطقوسِ احتفالاتهم وموتِهم وميلادِهم ومُعتقداتهم ومُتُونهم- وهى كثيرةٌ- لتجد مصادرَ أخْرى للشِّعْرِ والكِتابة الأدبية بوجهٍ عام، وإنْ كُنتُ أدعو الغُرباءَ، فالدعوةُ واجبةٌ للمصريين والعرب أن يفتحُوا أرواحَهُم للمُتُون، وهى مُتاحةٌ ومُتوافرةٌ، ولكنْ يبدُو أنَّ ما هُو آتٍ من الآخر الغربىِّ يُغرِى ويُعجب باعتبارِه السيد والأنموذج الأعلى الذى لا يأتيه الباطلُ من بين يديْهِ، وأنه عُنْوانُ الحدَاثةِ، بينما رأيتُ الآخرَ-خلال أسفارى وقراءاتي- يهتمُ بالتراثِ المِصرىِّ القديم والعربىِّ والصُّوفىِّ، واعتبار هذا التراث عُنوان المُغايرة والاختلاف، والأمثلة أكثرُ من أن تُحْصَى.

لو كنتُ دوَّنت أحلامَ يقظتى منذُ كنتُ طفلًا فى قريتى كفر المياسرة، وفى سوهاج حيث دراستى الجامعية للصَّحافة، ثم القاهرة، ثم مدن العالم التى زرتُها وعشتُ فيها لكنتُ الآن صاحب كتابٍ غريبٍ وعجيبٍ اسمُه «حضارة الأحلام»، فدوِّنْ أحلامَك إذا كُنتَ تقرؤُنى الآن.

استمرْ فى الكتابةِ ولا تتوقَّفْ، لا تكُن مقلًا أو مزاجيًا؛ فالكتابة موهبةٌ طبعًا، لكنها حرفة تتطلبُ التدريبَ والتمرينَ والاستمرارَ والمُحاولةَ والمُغامرة وإعادة الصِّياغة والحذف.

لا تكتبْ ما يعجبُ الناسَ أو يستسيغونه، كُنْ نفسَك واكتبْ ما تؤمنُ به فقط، ويمثِّلُ لك إضافةً، وابتعدْ عن الحشْوِ والثرثرةِ، إذْ ليست كلُّ الأعشابِ التى تنبتها الأرضُ صالحةً للمضغ.

البساطةُ فى الكتابةِ صعبةٌ ومرهقةٌ، لكنها سرعان ما يتواصلُ معها القارئ.

100

كُلُّ زائدٍ يَضُرُّ