كيف أسهمت السينما فى تطور الغناء المصرى؟

سُميت السينما الفن السابع، لأنها تحتوى جميع الفنون الستة السابقة عليها، لتصبح هى الفن السابع.
ومن الفنون التى تعتمد عليها الأفلام السينمائية فن الموسيقى، سواء موسيقى بحتة أو الغناء، وبمجرد أن نطقت السينما عمدَ السينمائيون الأوائل- وكانوا مُغامرين بشكل كبير- إلى إنتاج فيلم يحتوى على الغناء، فكان فيلم «أنشودة الفؤاد» من بطولة المطربة نادرة وزكريا أحمد سنة ١٩٣٩، ويؤكد البعض أنه أول فيلم سينمائى ناطق قبل فيلم «أولاد الذوات».
وسواء كان «أنشودة الفؤاد» أول فيلم ناطق أو الثانى، فإنه أول فيلم غنائى فى مصر، ليفتح الباب أم صناع الأغانى فى مصر لدخول عالم السينما، ويأتى بعده فيلم «الوردة البيضاء» لمحمد عبدالوهاب ليكون ثانى فيلم غنائى مصرى، واكتسح فيلم «الوردة البيضاء» ليحقق عام ١٩٣٩ إيرادات خرافية بلغت ربع مليون جنيه فى ذلك الوقت، وهو رقم كبير جدًا وقتها.
كانت الأغانى وقتها أغانى طويلة نسبيًا على فيلم سينمائى، وتجعل مساحة الأحداث تتقلص لصالح الأغانى، بالإضافة إلى كثرة الأغانى حتى لو لم تكن متوافقة مع الحدث الدرامى.
استغل صناع السينما هذا النجاح فى صناعة أفلام كثيرة أبطالها مطربون بسبب نجاح هذه الأفلام التى أقبل عليها الجماهير؛ ليشاهدوا مطربهم المحبوب، حيث لم يستطيعوا حضور حفلاته بسهولة وقتها، فأتاحت السينما رؤية المطرب لعدد مرات متكررة، وسماع أغانيه، وهذا ما سمح بنجاح هذه الأفلام حتى لو كانت تتميز بقصص درامية ضعيفة وأحداث غير منطقية.
وإذا كان صناع السينما قد استفادوا من المطربين والغناء لإنجاح أفلامهم، فإن الموسيقى والغناء استفادا من السينما بشكل كبير.
أسهمت السينما فى تطور الأغنية القصيرة مع مراحل النضج، فأصبح زمن الأغنية قصيرًا، ومحدودًا بما يتناسب مع طبيعة الفيلم السينمائى دراميًا.
وقدمت السينما العديد من المطربين، وأسهمت فى إنجاحهم بعد ذلك على المستوى الغنائى، وخلدت ظهورهم الفنى فى حقبة لم يكن بها تليفزيون أو تصوير تليفزيونى، فعملت السينما نوعًا من الأرشفة لتاريخ الموسيقى وتطورها، وتاريخ المطربين فى الوقت نفسه.
أيضًا أسهمت الأفلام الغنائية فى تقديم تجارب موسيقية مميزة، مثل أغنية «يا طيور» التى لحنها محمد القصبجى لأسمهان، متأثرًا فيها بأغنية «فالس الغابات» ليوهان شتراوس، حيث كانت تقلد مطربة الأوبرا النمساوية أرنا زاك فى ختام الفالس تغريد الطيور، فجعل أسمهان تقلد صوت الطيور فى هذه الأغنية فى فيلم «انتصار الشباب».
وأيضًا ما قام به القصبجى فى أغنية «قلبى دليلى» من فيلم يحمل نفس اسم الأغنية، من بطولة ليلى مراد التى لحنها بأسلوب أوبرالى كإرهاصة لم تكتمل لرغبته فى تأليف لحن خصيصًا للأوبرا، ولولا السينما كان من الممكن ألا تصلنا هذه التجارب اللحنية المميزة، التى أسهمت فى تشكيل ذائقة المستمعين نحو الموسيقى العالمية.
ومن ما أفضل ما قدمته السينما فكرة الأوبريت الغنائى، بما يحمله من استعراض وتمثيل كبديل أيضًا عن الأوبرا التى كانت مقتصرة على الصفوة من الجمهور المصرى، فمن خلال السينما شاهد الجمهور العادى الاستعراضات الفنية، والرقصات سواء الحديثة أو الفولكلورية، بالإضافة للغناء والتمثيل فى مشاهد لا تتجاوز دقائق على الشاشة.
تعد حقبتا الخمسينيات والستينيات العصر الذهبى للفيلم الغنائى الذى أخذ مُنحناه فى الهبوط منذ السبعينيات، لعدة أسباب أهمها فى اعتقادى ظهور الكاسيت والتليفزيون اللذين أسهما بصورة كبيرة فى إتاحة سماع الطرب ورؤيته، بالإضافة إلى احتياج هذه الأفلام لإنتاج ضخم كان صعبًا فى تلك الحقبة.
استعاضت السينما منذ منتصف التسعينيات عن فكرة الفيلم الغنائى، ولجأت لحيلة لربط الغناء بالسينما بإنتاج أغنية واحدة مصنوعة لحساب الفيلم ككل، وتستخدم أيضًا فى الترويج للفيلم.
ومع ظهور التصوير التليفزيونى للأغانى للوصول إلى مرحلة الفيديو كليب واستخدامه لتقنيات التصوير المتطورة، لم تعد هناك حاجة كبيرة لعمل فيلم للترويج للمطرب، فبإمكانات مادية أقل من إنتاج فيلم سينمائى يتم اختبار نجومية هذا المطرب ونجاحه، وفقدت معه السينما أحد أكبر مظاهر الترويج وتحقيق مكاسب وأرباح مادية.