المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

مجدى جعفر يكتب: قصص قصيرة جدًا

حرف

دون كيشـوت

أقسم الولد قائلًا: إن المسافة بين الكلمة والفعل تزداد اتساعًا يومًا بعد يوم، وإن الجملة الاسمية فى اللغة العربية تأنقت، وتألقت، وتعطرت، وتعملقت، ولم نعرف من الأفعال غير أفعال الماضى وأفعال الأمر. وقال:

- امتشقت سيفى، وامتطيت صهوة جوادى، وأقسمت لأضيقن المسافة وأمزقن الجملة الاسمية، وأبعث الحياة فى الجملة الفعلية، وأجعل الغلبة للفعل المضارع وأفعال الغد!! 

- أغمدت سيفى فى كتب التاريخ، وفى دفاتر الشعراء، فى.. وفى.. وفى، أحسست بأننى «دون كيشوت» أبله؛ أحارب طواحين الهواء، وارتدَ سيفى إلى نحرى، ووجدتنى وحيدًا منزويًا فى زنزانة رطبة.

عنــاق

كانت لحظة اكتشاف مفاجئ، رغم وقوع التجربة أمامى مرات ومرات؛ وكأنى أشاهدها لأول مرة.. ولا أدرى لماذا رحت أربط بين ما يقع أمام عينىّ وبين وقائع حياتى.. ولا أذيع سرًا إذا قلت إن الكتكوت كان أكثر جرأة وشجاعة، فلم يستسلم للقدر الذى دفنه فى هذه الدائرة المغلقة؛ نقراته فى جدار البيضة تتصاعد شيئًا فشيئًا، أحدث فى جدار البيضة ثقبًا وثقبين، تسلل إليه قليل من الضوء، انتشى وهو يطل برأسه من النافذة التى أحدثها فى جدار البيضة.. تصاعدت صرخاته ونقراته، راح ينقر بعنف وشراسة، امتلأ الجدار بالثقوب، اهترأ، وتهلهل، وقفز فرحانًا منتشيًا. 

سـعاد حسـنى

أقسم الولد قائلًا: إن سعاد حسنى عندما تظهر على الشاشة تلهينى عن المذاكرة وتشغلنى عن كل شىء فى الدنيا، تأسرنى بعينيها الجميلتين، وتجذبنى بخفتها ورقتها، تنثر زخات ضوءٍ تبدد مساحة العتمة، وأظل أدور فى مساحة جسمها الضئيل وملامحها الدقيقة، غطت صورها حوائط غرفتى، وأغلفة كتبى وكراريسى المدرسية، وملأت فراغ قلبى، وشغلت تفكيرى، تتسلل إلى غرفتى فى الليل تداعب أصابع البيانو، تغمز لى بعينيها الجميلتين، تعزف وترقص وتغنى وتتشابك أيادينا وتتعانق عيوننا، وتمضى بدلالٍ وغنج، وفى الصباح أستيقظ وألعن نساء قريتنا البدينات وبناتها المسترجلات!!

الخروج من الدائرة المغلقة

لمَّا بشروا أبى بأنثى للمرة السادسة، اسودَّ وجهه ولم يوقد فى بيتنا نارًا، ولم أرَ الابتسامة تملأ وجهه إلا بعد أن وضعت أمى البطن السابع؛ نحروا خرافًا وتيوسًا ولم ينطفئ لنا موقدٌ فى البيت وفى الكُتَّاب، وفى السنوات القليلة التى أمضيتها فى المدرسة لم أعرف غير أفعال الأمر والأكُف الغليظة المحفورة على الخد، فتملكنى الخوف وسكنتنى الطاعة.