الجمعة 22 نوفمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

مدينتك الفاضلة.. مجموعة قصصية كورية عن مخاطر التكنولوجيا

التكنولوجيا
التكنولوجيا

وفقًا للمفاهيم، فإن «المدينة الفاضلة» هى «وجه يانوس» بشكل مذهل؛ فالكلمة نفسها مليئة بمعانى متعارضة، إذ تدل على مكان مثالى أو اللا مكان. كل مدينة فاضلة ترمز أيضًا إلى ديستوبيا؛ فالمثال المتخيل يعرّف نفسه بالقيم المتضادة، كالضوء ضد الظلام. تعتمد الكاتبة الكورية بورا تشونج غرابة التناقض فى هذا المصطلح فى مجموعتها القصصية الجديدة «مدينتك الفاضلة»، فالقصص فى مجموعتها الجديدة تركز بشكل محكم على المراقبة ومخاطر التكنولوجيا المتقدمة. تضم المجموعة ثمانى قصص، مترجمة من اللغة الكورية الأصلية بواسطة أنطون هور، تتألق فى ثرائها الموضوعى، وتطورها السريع فى الحبكة، وتطوير الشخصية دون عناء، ونهايات غريبة. المجموعة وصفت فى مراجعة موقع scroll in بأنها «تشبه الحلم الذى تستيقظ منه تريد أن تخبر العالم بكل شىء عنه بتفاصيله الدقيقة ولكن ربما لن تتذكر الحلم وما سيبقى فقط هو الشعور بضيق التنفس».

تناقش المجموعة موضوعات مثل التسلسل الهرمى للشركات، والإفلاس الأخلاقى، والقوة السياسية، والعلاقات الشخصية الملتوية، وما يعنيه الخلود والحياة الأبدية والفروق بينهما. 

جاء فى موقع Chicago review of books: تأخذ بورا تشونج القراء فى رحلة إلى ما هو غير متوقع فى مجموعتها القصصية الأخيرة، ففى عملها السابق «الأرنب الملعون»، أظهرت لنا تشونج أنواعًا عديدة من الوحوش فى قصص تتراوح بدرجات متفاوتة من الخيال التأملى إلى الخيال الخارق للطبيعة إلى الرعب. فى «مدينتك الفاضلة»، القصص بالتأكيد خيال علمى أكثر منها خيالًا، وعلى الرغم من أنه لا تزال هناك وحوش، فإنها تأخذ المقعد الخلفى لتفسح المجال للصراعات الداخلية والأخطاء المتأصلة فى الإنسانية.

بدلًا من الوحوش، تتعمق تشونج فى موضوعات واسعة تتعلق بالتكنولوجيا ومستقبل البشرية. التكنولوجيا ليست بالضرورة العدو، ولكنها بمثابة قوة منتشرة فى كل مكان عبر القصص. من الأمور المركزية فى المجموعة استكشاف الوحدة والعزلة، لكن تشونج كاتبة معقدة جدًا لدرجة أنه لا يمكنها ببساطة إلقاء اللوم على التكنولوجيا فى هذه المشكلات.

فى إحدى قصص المجموعة بعنوان «البذور»، ثمة ما يشبه نداءً عاجلًا لحماية البيئة والحفاظ على مواردنا الطبيعية. إنه رفض شديد للمركزية البشرية ونداء متمرد لعلاقة تكافلية بين الطبيعة والبشرية التى تشكل العمود الفقرى لهذه الحكاية، فهى بمثابة دعوة للاستيقاظ وتحذير للبشرية ودعوتها للتخلى عن جشعها فى استغلال الطبيعة.

فى قصة «زواج عادى جدًا»، يجد بطل الرواية، سيونهيوك شى، نفسه منفصلًا عن زوجته بارك جيونج. كان يشتبه فى أنها كانت على علاقة غرامية بسبب مكالماتها الهاتفية فى وقت متأخر من الليل. وتبين أن افتراضاته خاطئة. إنها ليست على علاقة غرامية، إنها مجرد كائن فضائى. لقد أرسلها شعبها إلى الكوكب لإجراء ملاحظات على السلوك البشرى، واستخدمت مكالماتها الهاتفية فى وقت متأخر من الليل لنقل التقارير، ينسحب سيونهيوك شى حينما تخبره بذلك لكنها تتوسل مع مدربها الفضائى إليه ليعود إلى المنزل. إذا فشلت المهمة، فإن حياة جيونج ستكون فى خطر، فإذا لم يعد زوجها فستكون المهمة قد فشلت مما يضع حياتها بين يديه. إنه متردد، ولكن عندما يعود أخيرًا، يعلم أنها ليست نفس الشخص.

القصة عبارة عن خيال علمى عن تسلل كائنات فضائية إلى الزواج. باعتبارها قصة رمزية، فهى تدور حول المسافة التى يمكن لشخصين أن يجدا نفسيهما فيها حتى عندما يكونان متقاربين بشكل حميمى ظاهريًا.

أما القصة التى يشير إليها العنوان «مدينتك الفاضلة»، فالراوى بها هو سيارة ذاتية القيادة. لقد غادر البشر الكوكب جميعًا بعد أن تخلوا عن مخلفات حضارتهم، وتخلصوا من قطع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعى وأجسامهم الآلية بينما استولوا على كل الطاقة والبطاريات والمولدات، فلم يعد ثمة شىء يمكن توصيله بالآلات، ولحسن الحظ، فإن الراوى يشحن نفسه بنفسه. يمكن للخلايا الشمسية الموجودة فى السيارة أن تبقيه على قيد الحياة، ولكن بالكاد. 

الطاقة هى مصدر قلق دائم. حتى عندما يتم إيقاف تشغيله ليلًا، فإن الذكاء الاصطناعى للسيارة لا يزال يحرق احتياطيات البطارية من خلال التفكير. عندها تعترف السيارة قائلة: «أنا هنا فى الظلام، تراودنى أفكار حول وجود أفكار أقل». يقدم الراوى طوال القصة تحديثات حول سعة بطاريته التى تذكرنا باعتمادنا المعاصر على هواتفنا وتذكيراتها بانخفاض طاقة البطارية. يمكننا الارتباط بهذه السيارة لأن جزءًا كبيرًا من حياتنا مرتبط بالبطاريات الموجودة فى أجهزتنا.

هناك أيضًا قصص تدمج الخيال العلمى مع الرعب، مثل قصة «نهاية الرحلة»، وهى إشارة إلى العديد من حكايات الزومبى فى السنوات الأخيرة. لقد أُصيبت الإنسانية بمرض يتسبب فى رغبة الناس فى أكل البشر الآخرين، ورؤيتهم كطعام وليس أى شىء آخر. يبدأ كل شىء فى ولاية أيوا عندما تتغذى العائلة على بعضها البعض وتنتشر بسرعة. ثم تتحد حكومات العالم لتحقيق هدف مشترك يتمثل فى إرسال بشر غير مصابين إلى الفضاء للعثور على علاج.

قام تشونج بصياغة مجموعة قصصية غريبة ومدهشة أخرى. إنها تتلاعب بتوقعاتنا للمستقبل، وتختبر إمكانيات ما يمكن أن يكون، وتضيف عناصر من أنواع أخرى لإبقاء القصص جديدة. إن انتشار التكنولوجيا فى كل مكان فى المجموعة لا يؤدى إلا إلى تسليط الضوء بشكل أفضل على الإنسانية التى تم تصويرها وفحصها من الداخل.