الثلاثاء 03 ديسمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

«جُرجى ز يدان ومشروع الحداثة الاستعمارى».. تمجيد أوروبا واعتبارها نموذج النهضة

الكاتب جُرجى زيدان
الكاتب جُرجى زيدان

يحظى الكاتب جُرجى زيدان بمكانة متميزة فى التاريخ الثقافى العربى، ليس فقط لإسهامه الرائد فى كتابة الرواية التاريخية بدءًا من عام ١٨٩١ حتى وفاته عام ١٩١٤، وإنما لأنه أسس مشروعًا متعدد الأبعاد يربط ما بين كتابة تاريخ الحضارة العربية منذ عصر ما قبل الإسلام حتى العصر الحديث.

وعبّر عن رؤيته للتاريخ فى أعماله الروائية أيضًا، فضلًا عن محاولاته الرائدة فى فلسفة اللغة العربية وتأريخ آدابها، فقد نشر عام ١٨٨٦ كتاب «الفلسفة اللغوية والألفاظ العربية»، ثم نشر عام ١٩٠٤م كتابًا بعنوان «تاريخ اللغة العربية»، وفى عام ١٩١١ نشر كتابه «تاريخ آداب اللغة العربية» فى أربعة أجزاء، علاوة على تأسيسه مجلة ومطبعة الهلال.

وكان هذا المشروع متعدد الأطراف وسيلة زيدان لبث روح النهضة والحداثة، والتعبير عن رؤاه إزاءهما، من هذا المنظور تنطلق الكاتبة انتصار شوقى أحمد فى دراستها لعملين روائيين من أعمال جرجى زيدان فى كتابها «جرجى زيدان ومشروع الحداثة الاستعمارى»، الصادر مؤخرًا عن «مؤسسة هنداوى»، لتكشف رؤية زيدان لتلك المسائل من خلال أعماله الأدبية.

تفترض المؤلفة أن تصور جُرجى زيدان لأسباب النهضة والحداثة يتحقق فى سرده الروائى بروايتَيه «أسير الم تمهدى» «١٨٩٢»، و«الانقلاب العثمانى» «١٩١١»، فعبر تناول أحداث تاريخية حاسمة فى سياق خارجى مضطرب، انطوت الصياغة الروائية على موقفه الثقافى والاجتماعى نحو تلك الأحداث، وتصوره الذى هو جزء من تصور جماعة المهاجرين الشوام المسيحيِّين، لمشروع النهضة والحداثة المصرية، وهو تصور مغاير لما افترضه المصلحون المسلمون من سبل لتحقيق النهضة والحداثة.

تقول المؤلفة: مشروع النهضة والحداثة المصرية لم يكن له مسار واحد، بل تَنازَعه مساران يمكن تحديدهما إجمالًا على النحو الآتى: مسار رفاعة الطهطاوى وجمال الدين الأفغانى «١٨٣٨-١٨٩٧م»، ومحمد عبده «١٨٤٩-١٩٠٥م»، وهو ما يمكن أن نطلق عليه مسار المصلحين المسلمين؛ وذلك فى مقابل جماعة المهاجرين الشوام المسيحيين الذين ارتحلوا إلى مصر فى أثناء الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وعلى وجه التحديد بعد فتنة عام ١٨٦٠م فى بلاد الشام، وحملوا معهم تصورًا مغايرًا للنهضة وأسباب التقدم. 

تكشف الكاتبة عن أن الروايتين أبانتا من جهة عن أوجه الاضطراب فى تلك الفترة التى شهدت فشل الثورة العرابية، وسقوط مصر تحت الاحتلال البريطانى، والثورة المَهدية فى السودان وبداية تآكل الإمبراطورية العثمانية حتى إعلان سقوطها، ومن ثم عن رؤية زيدان لأسباب النهضة والحداثة بوصفه منتميًا إلى جماعة المهاجرين الشوام إلى مصر المختلفة بدرجة كبيرة فى رؤيتها عن جناح النهضة الإصلاحى.

وتبين ذلك بقولها: بدأت فئة المثقَّفين المهاجرين من مسيحيى الشام إلى مصر هجرتها إلى مصر فى أعقاب المذابح الدامية فى بلاد الشام بين المسيحيين والدروز عام ١٨٦٠م، وهربًا من الاستبداد التركى. وتركزت أفكارهم النهْضوية فى معاداة الدولة العثمانية لما تُمثلُه من ارتباط بالدين فى أذهان المسلمين، فلجأوا إلى التركيز على فكرة الوطن بديلًا عن فكرة الوحدة الإسلامية، واتخذوا من الأفكار الأوروبية، لا سيما مبادئ الثورة الفرنسية، سبيلًا إلى النهضة والحداثة. وأخذوا من أفكار جمال الدين الأفغانى كراهية الاستبداد والإيمان بالحكم النيابى. ونتيجة لذلك، أيدوا التدخُّل الأجنبى فى مصر دون تصريح. وكان مما ساعدهم على نشر أفكارهم أن أغلب الصحف كان فى أيديهم.

بناءً على ذلك، تصل المؤلفة إلى أن جرجى زيدان عبّر، عبر أعماله الروائية، عن الأساس الأيديولوجى لمثقَّفى الشام المسيحيِّين، فلم يكن يتحدث عن أوروبا باعتبارها تهديدًا وجوديًا كما رآها الإصلاحيُّون المسلمون، بل بوصفها نموذجًا يُحتذى، ما أدى إلى مهاجمته الأصول التى تقوم عليها السلطة السياسية والاجتماعية العثمانية، ففى روايته «الانقلاب العثمانى» ثمة تدمير لأصول السلطة السياسية للدولة العثمانية، أما فى رواية «أسير المتمهدى» فهناك تغليب لنموذج الضابط الإنجليزى شفيق، بوصفه انتصارًا للقيم الحضارية والأخلاقية والعلمية الإنجليزية. 

وتنتهى المؤلفة، باعتمادها على أدوات التحليل الثقافى، إلى أن أسلوب المقارنة الذى اتبعه جُرْجى زيدان بين الفرنسيين والمصريين وبين الإنجليز والمصريين بروايتيه يكشف عن احتفائه بالمدنية الغربية الحديثة وأسسها الاجتماعية والأخلاقية والروحية، فى مقابل الحط من أشكال التعليم النامية، آنذاك، فى مصر.