«ظل لم يغب» .. رواية لم تُنشر من قبل لأسامة أنور عكاشة
أعمال روائية عديدة للكاتب أسامة أنور عكاشة لم تحظ بفرصة التحول إلى عمل تليفزيونى أو سينمائى يمنحها فرصة الانتشار، مثل «أحلام فى برج بابل»، وغيرها الكثير من الروايات.
من أبرز هذه الأعمال رواية «سوناتا»، التى نشرها الكاتب الراحل فى عام ٢٠٠٨، وترى ابنته نسرين أسامة أنور عكاشة أنها تصلح بشكل كبير كعمل درامى جيد جدًا، فى الفترة الحالية، على خطى «راجعين يا هوى» و «موجة حارة»، وغيرهما من الأعمال التى حققت نجاحًا ورواجًا كبيرين.
ولأن الكاتب الكبير كان أشبه ببئر إبداع متجدد لا تنضُب، وكلما نهلت منه زاد وفاض، كان لـ«حرف» نصيب من فيض هذا الإبداع، بالحصول على هوامش بخط يد الكاتب والأديب الراحل، لرواية أو قصة لم تكتمل أو يُكتب لها فرصة النشر، لأسباب غير معلومة، حملت اسم «ظل لم يغب»، واحتفظ الكاتب بجزء منها فى ذاكرته، والجزء الآخر فى مكتبه الخاص.
ظل لم يغب
١- شباب رخيص
كانت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل تحتضر فى نزعها الأخير وقد ألقت ظلالها على صورة زبالات باهتة من الأنوار الشاحبة استقرت على بضعة أماكن متفرقة فى الشارع الكبير... وهناك بجانب الشركة التجارية التى أغلقت أبوابها تلمع لافتة مضيئة بنور أحمر خافت كتب عليها «بار العاصمة»، وتصدر من وراء بابها الزجاجى المغلق أصوات صاخبة وضحكات معربدة.. وبعد قليل ينفرج الباب المغلق وتبرز من خلاله أشباح تتطوح لشبان ثلاثة فى أعمار متقاربة، تماسكوا لكيلا يتخاذل أحدهم وراحوا يتمتمون بكلمات بذيئة.. فى لهجة ثملة مضحكة وقال أحدهم:
هوه.. مفيش هنا تا... تاکسی؟
ليرد زميله ضاحكًا وهو التاكسى هيستناك للصبح با شاطر؟
أما الثالث وكان أقلهم سكرًا فقد قال بلهجة واعية:
يا جماعة يلّا بينا نمشى لغاية ما نلاقى تاكسى.. وقفتنا هنا فيها خطر... وأحس زميلاه بالخطر الذى يتحدث عنه فأخذوا ينقلون أقدامهم المتثاقلة فى بطء ويحاولون أن يكون سريعًا وحين أشرفوا على مفرق الشارع لمح ثالثهم عربات تاكسى فى طريقها للجراج، فصاح بملء فيه تااااااكسی، وجاء التاكسى وقال سائقه:
- يلزم خدمة يا بهوات؟
وقال الشاب: لو سمحت توصلنا لغاية عابدين، إحنا ساكنين فى شارع واحد وظهر التردد على قسمات السائق ولكنه قال بعد برهة: اتفضلوا هعمل إيه؟ ما فيش شغل والليل بيفوت ومفيش شغل..
وبعد فترة نزل شاب.... ومضت فترة ونزل آخر وبقى التالت، وفى شارع هادئ كبير وأمام عمارة ضخمة نزل الشاب الثالث ومنح السائق أجره، وغاب داخل المصعد.
ووراء باب الشقة كانت تنتظره أخته التى فتحت الباب وقالت بعد أن دخل.. إيه اللى أخرك بره لحد دلوقتى یا کمال؟
لم يجب بل سألها وهو يبتسم؟
انتى لسه صاحية يا سونة؟
وهو معقولة يا كمال يجيلى نوم وانت بره؟ على كل حال ماما مستنياك جوه.
ودخل فى هدوء إلى غرفته فوجد أمه جالسة على سريره وفى عينيها دموع لم تجف.. و بادرت فى صوت فيه لوعة كبيرة.
جرا إيه با کمال؟ مش هاترحم نفسك بقى يا بنى... انت لسه صغير وحرام تعمل فىّ كده..
وارتسمت ملامح من الأسى على جبين الشاب الذى تقلصت ملامحه وهو يقول أرحم نفسى إزاى يا ماما؟
وأجلسته أمه إلى جانبها وهى تقول بصوت متهدج:
يعنى عاجبك اللى انت فيه ده يا كمال؟ انت مكنتش كده إيه اللى جرالك بس يا بنى؟
وأجابها فى مرارة عميقة.. إيه اللى جرالى؟ يا ريتنى أعرف إيه اللى جرالى.
لترد عليه:
لو كان على سناء يا بنى البنات كتير، وبكرة لما تتخرج تلاقى ألف من تتمناك.
ونامت عينا الشاب، واكفهر وجهه وأخذ يردد فى ألم.. «سناء سناء سناء»