الإثنين 16 سبتمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

رئيس منظمة القلم حنان عواد: كتبى وكوفيتى الفلسطينية أصابت جنودًا إسرائيليين بالجنون

حنان عواد وياسر عرفات
حنان عواد وياسر عرفات

 

وكأننى كنت هناك.. عند حاجز حزما فى القدس الشرقية.. أراها عن كثب.. وهم يجرونها جرًا خارج سيارتها، وأسمع صوتها المقاوم الرافض للإهانة والشتائم وصراخ هستيرى للجنود الصهاينة، ويجتاحنى كليًا نشيجها وأنينها الشديد، جراء الركل والصفع واللكم.. لامرأة فى عمرها كل جريمتها أنها تقاوم بالكلمة والحرف! لست بحاجة- أنا وغيرى فى الحقيقة- لتخيل مشهد مُرَّوع كهذا، وكيف يتعامل جندى مغتصب لأرض فلسطين مع مناضلة فلسطينية أفنت عمرها فى الدفاع عن قضية بلدها، اختارت المقاومة بالقلم والكلمة.. بالقصيدة والرواية.. بالتاريخ والرمز.. وبالكوفية الفلسطينية.. التى تهز أرجاء جنود الصهاينة من داخلهم بشكل لا يوصف. الكوفية الفلسطينية «التى يسميها الفلسطينيون حطة» ثبت أنها تثير حنق وغيظ المحتلين، وكأنها رمز طاغٍ فى دلالته، له نفس رمزية ودلالة مفتاح العودة الأسطورى، الذى لايفارق عنق كل فلسطينى/ة طرد من بيته واغتصبت أرضه وحقوقه. لاشىء يعلقه فى رقبته سوى هذا المفتاح الضخم العتيق لبيته الذى كان المفتاح الذى يستقر فى الأعناق شاهد عيان وحيد، يتحدى كل هذا التزوير للتاريخ والخرائط، وكل هذه الأساطير الزائفة المؤسسة لدولة إسرائيل، التى ليست أكثر من كيان صهيونى غاصب لحقوق شعب فلسطين. 

 

حنان عواد

أوسع الجنود الذين استوقفوها- المناضلة المبدعة الدكتورة حنان عواد رئيس منظمة القلم فى فلسطين- عند حاجز حزما فى القدس الشرقية يوم الخميس ١١يوليو الماضى- ركلًا وضربًا وإهانة وإرهابًا، وفى رسالة منها لى عبر ماسنجر قالت لى حنان عواد إنها تعرضت للاعتداء الجسدى والإهانة بعد أن أوقفها الجنود الإسرائيليون واحتجزوها تحت تهديد السلاح. قالت لى د. عواد إنها كانت تقود سيارتها إلى منزلها، حيث تسكن فى القدس الشرقية، وبحوزتها نسخ من ثلاثة كتب من تأليفها «ألفت ١٣كتابًا ما بين رواية ونثر وشعر وتاريخ»، واستوقفها الجنود عند الحاجز، فلما لمحوا الكتب ثارت ثائرتهم وانفجروا بشكل هيستيرى، وقاموا بإجراء تفتيش أكثر دقة بحثًا عن كتب- أو بمعنى آخر قنابل وألغام ثقافية وأدبية وتاريخية أخرى- وصفت عواد التفتيش بأنه تفتيش اقتحامى.. ولم يكتفوا به، فما زاد هياجهم وهستيريتهم وجود الحطة الفلسطينية، وصورة الشاعر الكبير الرمز محمود درويش!

استوقفونى عند حاجز حزما فى القدس الشرقية..  ركلونى ولكمونى بضراوة

كان من ضمن الكتب التى وجودها برفقتها كتابها «ذاكرة الترف النرجسى»، وفيه سيرة لتاريخ فلسطين.. البلد المنكوب بالاحتلال، والمسكون بالجلال والجمال والعذاب أيضًا، لمواطنيه وأهله ولكل العرب، وفى القلب منهم المصريون، الذين ينزفون اليوم مع كل عائلة أغتيلت حياتها تحت القصف الرهيب، ودكت بيوتهم حتى تساوت بالأرض. التى تخضبت بالدماء، وكل طفل تمزقت أشلاؤه تحت ضربات القنابل ودوى البارود ولعلعة الرصاص فى شوارع غزة، وفى أنحاء الأرض العربية المحتلة كافة. قرروا احتجازها واقتادوها تحت تهديد السلاح للاستجواب. أكاد أسمع صراخهم الجنونى من بعيد، وأنا أتخيل ما يجرى عند ذلك الحاجز المشئوم: أقبضوا على هذه الإرهابية، التى تكتب سيرة فلسطين وتتوشح بكوفية فلسطينية.. أصابهم الذعر والهستيريا.. صرخ الجنود «إرهابية.. إرهابية»، وهددوها: «الإرهابيون أمثالك يجب أن يموتوا، يجب أن نفعل ذلك». استمر الجنود فى ركل عواد وضربها مرارًا وتكرارًا، واحتجزوها لمدة أربع ساعات، تفحصوا خلالها حول محتوى كتاباتها. ووفقًا لعواد، فقد كانوا غاضبين من ديباجة كتاب «ذاكرة الترف النرجسى.. قناديل على نافذة العميل»، الذى تعرض فيه سيرتها الذاتية وتتأمل فى تاريخ نضال الفلسطينيين الطويل من أجل التحرر. صادر الجنود كتبها وأصدروا لها استدعاءً للمثول فى مركز للشرطة الإسرائيلية للتحقيق معها بتهمة «دعم فلسطين» و«التحريض ضد إسرائيل». وأثناء الاحتجاز قام الجنود بإتلاف صورة محمود درويش، وصادروا الحطة «الكوفية» الفلسطينية، وألقوها على الأرض وداسوا عليها.

ساعات طويلة مريرة قضيتها رهن الاحتجاز والتحقيق.. كالوا لى التهم وهددونى بأبشع مصير! 

بيانات تنديد وتضامن

حنان عواد كاتبة وشاعرة ورئيسة منظمة القلم الفلسطينية، وقد هز ما حدث لها منظمات ثقافية دولية من بينها منظمة القلم الدولية، التى أصدرت بيانًا تضامنيًا معها جاء فيه:

«نشعر بالفزع من الترهيب الجبان الذى تعرضت له زميلتنا حنان عواد ونطالب بمحاسبة المسئولين عن ذلك. إن احتجاز كاتبة تحت تهديد السلاح، وترهيبها وإذلالها لساعات طويلة وتهديدها بالقتل بسبب كتبها، هى أعمال جبانة لا يجب السكوت عنها. إن منظمة القلم الدولية تتضامن مع عواد وجميع الكتاب الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلى والذين يواجهون التهديدات والعنف اليومى. ونحن نواصل الدعوة إلى إنهاء احتلال الأراضى الفلسطينية والحرب المستمرة على غزة». والبيان الناصع بالحق، والصارخ بأدق عبارات التنديد للإرهاب الإسرائيلى، والتأييد للحق الفلسطينى، موقع من برهان سونميز، رئيس منظمة القلم الدولية.

فتشونى وسيارتى.. وعلى وقع صراخهم «إرهابية إرهابية» اقتادونى للاستجواب

كما أن منظمة القلم الدولية أعربت كذلك عن غضبها إزاء اعتقال وترهيب الشاعرة والكاتبة حنان عواد، وطالبت السلطات الإسرائيلية بإسقاط أمر الاستدعاء للتحقيق فى محتوى كتابات عواد. وواصلت المنظمة دعوتها إلى وقف فورى وغير مشروط لإطلاق النار فى غزة، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلى لفلسطين.

حنان عواد.. سيرة ومسيرة

ألفت حنان عواد عبر مسيرتها ١٣كتابًا ومجموعات شعرية من بين هذه الكتب «المرأة رمز وقضية. صوت المرأة فى أدب المقاومة الفلسطينية وحلقات الحصار، صورة المرأة فى الأدب الفلسطينى المقاوم». حنان عواد فى هذا الكتاب تعلن الحب مبدأ كونيًا أولًا لمهنة الحرية ورسلها، ويتخذ هذا الحب صورته السامية فى الوطن ويتجسد فى الرجل- الفارس- الكونى- الوطنى معًا.

حنان عواد

رابعة العدوية الفلسطينية

وصف ناقد عربى حنان عواد فقال «ولو لم تكن هناك رابعة العدوية فى تاريخ تصوف الحب المقدس، لكانت حنان هى، بل هى رابعة عدوية فلسطين، فهى وضيئة فى القراءة والحضور، بالكتابة، بالدم الضوئى الشفيف مرتفعًا عن كثافة الوحل، وآثام الرجال.. مترافعة ضد الأنوثة الزائفة، حالمة بالأنوثة الحقيقية ومجسدتها هى، والرجولة الحقيقية فى تصورها، والإنسانية كمشروع حرية بينهما يتوسط جسر الوطن.

وإذا صح القول إن بعض الكتاب أكبر من نصوصهم، فإن حضور حنان عواد المنتشر إبداعًا بين أبناء شعبها والإنسانية، كان ولا يزال وسيبقى أكبر من أى نص تكتبه»..

وفى تقديمها للكتاب، «صورة المرأة فى الأدب الفلسطينى المقاوم» تشير الأديبة عواد إلى أن هذا الكتاب كان معدًا للنشر منذ مدة، ولكن النص فُقد، ولما وُجد أصرت أن تنشره دون زيادة حفاظًا على صورته فى زمن كتابته.

تضيف: «المبدعون الفلسطينيون يشكلون ظاهرة ثرية، ولكنى اتخذت المنهج الانتقائى فى النصوص التى تحمل الفكرة التى أريد أن أقدمها، لتظل علامة فارقة فى التاريخ النضالى».

والكتاب يقع فى خمسة فصول وهى، ملامح من الحركة الأدبية الفلسطينية، وهو دراسة عامة للحركة الأدبية فى فلسطين المحتلة، ملامحها وأعلامها وما قدموه من إبداع شعرى وقصصى مميز. 

الفصل الثانى: المرأة فكر ورؤيا، طرحت حنان تصورها عن حركة المرأة الإبداعية فى التحرر، مستندة على البدايات الفكرية كأعمال قاسم أمين فى كتابه «تحرير المرأة»، وهو يلقى الضوء على الحركة الإبداعية النسائية وتطورات هذه الحركة، وهى تناقش بعمق كتابات المرأة رافضة هذا التعريف، مستندة على نصوص الكتاب واقتباساتهم.

وهى تختم الدراسة بقولها: «الثورة حتى النصر هى مجموع المهمات الناجحة، والثورة حتى النصر هى نقطة البدء فى المسار الصحيح- العمل الهادف ضمن إطار ثورى هادف».

وناقشت موضوع المرأة بعلاقاته المتعددة، العلاقة الوجدانية والعلاقة التلاحمية مع الأرض لتكون المرأة رمزًا خالدًا لفلسطين بتأكيد الهوية.

الفصل الثالث: صورة المرأة فى الشعر الفلسطينى المقاوم، وكما وردت فى إبداعات الشاعر الكبير محمود درويش والعديد من الشعراء المعروفين.

الفصل الرابع: صورة المرأة فى أعمال الشهيد غسان كنفانى، وهى دراسة قيمة تلقى الضوء على جمالية الدور الذى أطلقه كنفانى عن المرأة الإنسان، وارتقى بها إلى مستوى الوعى الموازى للرجال.

الفضل الخامس: المرأة فى أدب سميرة عزام، حيث ترد صورة المرأة بشكل سوداوى. 

وتلخص حنان أهم ما جاء فى الكتاب بنص بلاغى محكم، وبأسلوب ترتقى به اللغة لتحمل صورة الإبداع المقاوم. 

فهى تقول: «أتدرج فى إيقاع النصوص فى سلالم الوعى، لأقدم رؤية معمقة فى بلاغة استحضار زمن الفكرة مجدولًا بآفاق قاربت السماء فى مسيرة الإبداعات المتواترة فى أهازيج المعرفة الاستثنائية والاستشعارية بنبوءة الفعل، وعذابات القضية الأكثر عدلًا، بانتصارات فى مداد الروح بنصوص الثائرين. وتؤكد أنه فى سجل الإبداع الفلسطينى المقاوم، كنز استباقى بنائى للفردوس المفقود العائد فى مئات الأعمال الابداعية الوازنة والتى خلدت الذاكرة الفلسطينية بعبير المجد، ما بين قصيدة وقصة ورواية مقاومة، افترشت عبيرها فى صفحات التاريخ الحر، وشكلت روح الدولة الفلسطينية فى كل ربوع فلسطين.

واختتمت قولها: «هذه النماذج المنتقاة، شىء من بحور العطاء فى رسم الذاكرة وخلودها وتوصيفها بجماليات إعجازية ترقى إلى مستوى العبادة والوله المنقوش فى أعماق القلب، لتظل الفكرة الفلسطينية سيدة الحضور الأبدى، ومحكم التوثيق وحتمية الرجوع والعودة المقدسة.

كما قال الشاعر الكبير محمود درويش: «ما أصغر الدولة وما أعظم الفكرة».

الكتابة المعمدة بالدم

عُرفت د. حنان عواد فى الأوساط الثقافية العربية بسفيرة الانتفاضة وعاشقة الوطن؛ تكتب بالدم عن فلسطين، تقول فى مذكراتها: «صار الطريق معبّدًا بقطيرات دمنا وبأشواك المؤامرة».

وطبقًا لسيرتها الذاتية وُلدت فى مدينة القدس سنة ١٩٥١، وتقيم هناك. حيث حصلت على دبلوم التربية من دار المعلمات فى رام الله سنة ١٩٧١. ثم نالت بكالوريوس فى الأدب العربى، وماجستير فى العلوم الإنسانية من معهد الدراسات الآسيوية والإفريقية فى القدس سنة ١٩٧٥ ثم ١٩٧٧. وحصلت على دبلوم الدراسات العليا من جامعة الأزهر سنة ١٩٧٦. وماجستير فى الدراسات الإنسانية من جامعة «ماكجيل» بكندا. ثم نالت الدكتوراه من جامعة «ماكجيل». وبعد التخرج عادت إلى أرض الوطن لتكون عضوًا مؤسسًا فى جامعة القدس، ومحاضرة فى جامعة بيرزيت.

مؤلفات حنان عواد

من مؤلفاتها: «من دمى أكتب، مواقف سياسية»، «الفارس يزف إلى الوطن، قصائد نثرية»، «حوار الأسلاك الشائكة»، «اخترت الخطر، شعر»، «صدى الحنين، شعر»، «قضايا عربية فى أدب غادة السمان»، «فى البدء أنت فلسطين- يوميات الحصار»، «أثر النكبة فى أدب سميرة عزام»، «صورة المرأة فى أدب غسان كنفان»، «الأعمال الكاملة باللغة الانجليزية»، وغيرها مما نشرته باللغة الإنجليزية. «المرأة رمز وقضية- دراسات نقدية»، «ذاكرة الترف النرجسى، مذكرات»، «فارس الليل وعيون رابعة، شعر». وقد ترجم مما نشر لها إلى عدة لغات عالمية.

رافقت حنان عواد الرئيس الراحل ياسر عرفات، وشغلت موقع مدير عام لمكتبه، ومستشارًا ثقافيًا له. شغلت مواقع كثيرة فى العمل العام: عضو المجلس الوطنى الفلسطينى. ورئيس العلاقات الدولية فى اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين. ورئيس فرع فلسطين للرابطة الدولية للقلم. ورئيس فرع فلسطين لمنظمة المرأة العالمية للسلام والحرية. والمستشار الثقافى لمحافظة القدس ووزارة الإعلام. ومؤسس اتحاد الكتاب الفلسطينيين فى الأرض المحتلة. ومؤسس للعديد من فروع لفلسطين فى المؤسسات الدولية المهمة.. بالإضافة للتدريس فى جامعة القدس، وجامعة بيرزيت، وجامعة ماكجيل. وعضو مؤسس فى رابطة الصحفيين الفلسطينيين. وعضو المؤتمر القومى العربى. وعضو مؤسس فى جامعة القدس، ورئيس الدائرة الثقافية. وعضو مجلس أمناء المجلس العربى فى القدس.

لا رجوع بغير انتصار

«عيوننا فى غزة تصهر السجان..

كل عام بإطلالات الحرية والنصر

والوعد المكلل بالغار..

كل عام.. وكل لحظة امل

فى دروب المجد

ينتصر الإنسان..

ملفعًا بالكوفية

والراية الفلسطينية

وعهد الثائرين

ودرب اليقين

حينما تتساقط أوراق الربيع

يحلق الموت على جناح فراشة

تسند روحها بعبير الورد

يعبث بالغد

ويفرش ألم الفراق على أوراق الروح

ويمضى فى مسارات الوداع

دموع وشموع مطفأة وضياع

فكيف غابت الفراشة بقطيرات الندى

وكيف نامت ريح الصبا

وكيف تألق الظلم

وانكسر اليراع؟!

وكيف صرنا على موعد مع الموت

وكيف حصدت أرواحنا

السماء؟!

وكيف غفونا على الصعب

وتسلقنا الرحيل

والصمت البديل

وكيف صغنا رسائل العزاء

وبايعنا الجفاء

ووقفنا على أبواب

مخضبة بدمنا

ونوافذ مغلقة إلا من أصوات الدمار

وكيف هجرنا الدار

وصارت ذكرى

على أوتار الحصار

وكيف صمتنا

واكتفينا بحروف غائبة

وإيقاع طوى ذاته

فى حضن المحال

لو صمت الكون

لا نصمت

ولو تراءت جدائل البطولة معلقة

علينا أن نثبت؛

ولو رمى المحتل علينا النار

علينا أن نكمل المشوار..

لن يتحرر وطن

إذا العزيمة غادرت

ويقين الإيمان اهتزت حروفه

وكتاب السنين تمزق فى الكلام

أه يا جرح الأيام!

دمنا صار رهينة

وأرضنا دنسها الأغراب

واشتد المرار

أه يا جرح الأيام

رضعنا شهد الكرامة

من صدر الشهادة

ورفضنا الفطام

أه يا جرح الأيام!

لن يسكت جرحنا

إلا بدرب المقاومة

وهبة الثوار

ولم يتحقق نصر

بتيجان الغار

إلا بوحدة شعب أقسم

ومزق الشاطئ المستعار

اصطفت مراكبنا على طريق الصعب

وفجرت زمن الخنوع

وأقسمت

أن لا رجوع

بغير انتصار».