آفة حارتنا الاستبداد واحتقار العمل الجماعى
بدأب واهتمام شديدين يواصل الكاتب والناقد الدكتور يسرى عبدالله مناقشة القضية التى طرحها قبل شهرين أو أكثر، لمناقشة راهن الرواية العربية ومستقبلها، وقد استعد لذلك بأسلحة كثيرة ومتنوعة، أولها علمه الغزير وقدرته المذهلة على متابعة الحركة النقدية فى العالم.. كونه دارسًا لكل النظريات النقدية المعتبرة ويجيد تطبيقها على الأعمال التى يتصدى لها بالنقد.. يضاف إلى ذلك أنه قارئ ومتابع جيد للحركة الإبداعية فى ربوع مصر، وفى الخارج أيضًا حسب مقتضى الحال، ذلك أن الرواية العربية فى مصر لا تزال أكثر زخمًا وإنتاجًا عنها فى البلدان العربية، رغم محاولات بارعة لكنها محدودة لكتاب عرب، فالإنتاج الأغزر والأكثر إحكامًا هو النتاج المصرى، دون أى عنصرية أو شوفينية، فهذا هو الواقع فعلًا.
كما استعد الدكتور يسرى للمناقشة باستضافة باقات متنوعة عمريًا وثقافيًا للمناقشة، فتلمح مختلف الأجيال وقد توالت على المنصة من جيل الشيوخ حتى جيل الشباب.. بعضهم ممن نقدر أعماله ومحاولاته، وبعضهم ممن يرى فيهم مؤسس منتدى حرف فى مؤسسة «الدستور» أن لديهم ما يقولونه، أو ما قالوه بالفعل، وقد نشاركه رأيه فى الأغلب الأعم أو لا نشاركه أحيانًا.. وهذا ليس حكمًا قيمة وإنما هى معطيات وأفكار وذائقة ودراسة... إلخ.
على أن هناك مشكلة فى التواصل مع المجتمع الثقافى أو مع المؤسسات القائمة على أمر الإبداع فى مصر. وفى ندوات سابقة التقط الدكتور يسرى مشرط الجراحة وبمهارة جراح قام بتشريح الجسد المريض لوزارة الثقافة ونفذ إلى عقلها المعتل الذى لا يساعد فى الإبداع، إن لم يكن عبئًا على هذا الإبداع، ولعل هذا ما دفعنى فى سياقه آنذاك إلى أن أدعو مؤسسة «الدستور» إلى تجميع مواد هذه الندوات فى كتاب وثائقى يكون هو الأول الذى يصدر عن المنتدى وجريدة حرف، التى تتألق عددًا بعد آخر بشكل يلفت النظر، إلى حد أنه يمكن القول إن هناك مع كل عدد إزاحة لكل ماهو ردىء فى العملة الثقافية، فى ظل جودة العملة التى تصدرها جريدة حرف. وهنا أجدد التحية والشكر لرئيس تحرير «الدستور» الدكتور محمد الباز، وللشاعر والزميل عبدالوهاب داود المسئول عن جريدة حرف.
إننى إذا كنت سأضيف إلى ما ذكره الدكتور يسرى من مشكلات تواجه الرواية «وقد ذكر الكثير منها، فسبق أن أشرت إلى واقع ودور وزارة الثقافة فى نشر الإبداع وعدم الاهتمام بالإبداع أو بالمبدعين، وغياب خطط دعم الإبداع الجيد، ومنها مشكلات الواقع الذى نعيشه، ومشكلات القراءة وغياب القدرة على التخييل.. بجانب مشكلات طرحت من مبدعين آخرين، منها عن التعليم وأخرى عن الحرية ومناخ الاستبداد وهو ما ركزت عليه فى إحدى مداخلاتى السابقة «وكان مفاجئًا لى أن من أهل «الدستور» أنفسهم من تحدث بجرأة عن المناخ العام وعن الحريات وأذكر هنا بالتقدير الروائية د. صفاء النجار.. يضاف إلى ذلك عيوب المجتمع الثقافى نفسه وآفاته، على رأسها الشللية والمحسوبية والمجاملات الرخيصة ونبذ العمل الجماعى، وهو أخطر آفة تواجهها مصر كلها.
بعد أكثر من شهرين على انطلاقة هذه الندوة كيف تفاعلت وزارة الثقافة عبر جيوش موظفيها الذين لا يعملون شيئًا سوى قبض المكافآت والبدلات.. هل أوفدت أحدهم ليطلع على انتقادات وجهت أو أفكار طرحت أو آراء تثرى العمل؟
هذه المؤسسات الأخرى غير الرسمية التى تطلق على نفسها ألقابًا وأوصافًا ما أنزل الله بها من سلطان، هل فكرت فيما يطرح تحت هذا العنوان؟ أليس العمل الثقافى تكامليًا ومن مصلحة الجميع المشاركة فى الفعل الثقافى الواحد؟ كان ممكنًا أن ينوهوا بالفكرة.. يدرسوها، يقيموها، يبنوا عليها، يتواصلوا مع القائمين عليها، أو ينتقدوها... إلخ، لقد أسمعت إذ ناديت حيًا ولكن لا حياة لمن تنادى.
هل دور النشر وهى طرف رئيسى فى الموضوع أرسلت لنا أى بيانات نعرف منها عدد الروايات المطبوعة سنويًا وحجم المبيعات ونوع الرواية المفضل عند القراء ونوع القراء... إلخ؟!
نحن بحاجة إلى كثير من الأمور حتى نجيب عن سؤال المنتدى: ما هو واقع ومستقبل الرواية العربية؟.