الخميس 19 سبتمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

فليمنحنى الله الحب.. سنوات الشهد والدموع فى حياة آلان ديلون

آلان ديلون
آلان ديلون

- رفض شخصية «الشريف على» فى «لورانس العرب» حتى لا يرتدى عدسات لاصقة

- سُئل عن مكانه فى الجنة أو النار فأجاب ضاحكًا: «سأتنقل بين الاثنين»

رحل عن عالمنا الممثل الفرنسى العالمى، آلان ديلون، الملقب بـ«ساحر النساء» و«ساموراى السينما الفرنسية»، الأحد الماضى، تاركًا إرثًا كبيرًا من الذكريات فى قلوب معجبيه، باعتباره الممثل الفرنسى الأكثر شهرة ووسامة على مر العصور.

عُرف «ديلون» فى شبابه بلقب «الملاك البارد»، فى ظل ملامحه المنحوتة بدقة ونظراته الجليدية، وكان وجهه الوسيم والهادئ بمثابة صفحة بيضاء يُمكن كتابة أى مشاعر عليها، الأمر الذى خدمه فى تجسيد أدواره ببراعة كبيرة، ووظفه على الشاشة بفاعلية مخرجون كبار مثل لوتشينو فيسكونتى ولويس مال وجوزيف لوزى وجان بيير ميلفيل ومايكل أنجلو أنطونيونى.

البدايات

رغم شهرته الاستثنائية، لم يحظ آلان ديلون بحياة عائلية مثالية، فقد ولد فى «سكو»، وهى ضاحية كبيرة جنوب باريس، لزوجين هما إديث وفابيان ديلون، اللذين انفصلا عندما كان ابنهما فى الرابعة من عمره، لينشأ على يد والدين بالتبنى، لكنهما توفيا فى حادث سيارة، ليعود للعيش مع والدته وزوجها الجديد بول بولونى.

بعد وقت قصير من إكمال تعليمه المتقطع، بعد طرده من عدة مدارس بسبب سوء السلوك، حتى إنه وصف نفسه بـ«وحش صغير بالغ الشراسة» آنذاك، انضم «ديلون» إلى البحرية الفرنسية، فى سن السابعة عشرة تحديدًا.

خدم «ديلون» فى الهند الصينية كمظلى أثناء معركة «ديان بيان فو»، ومن بين السنوات الأربع التى قضاها فى الجيش، أمضى ١١ شهرًا فى السجن بسبب عدم انضباطه، حتى جرى تسريحه فى عام ١٩٥٦، ليعود إلى الحياة المدنية.

عمل حَمالًا ونادلًا وبائعًا، وعاش متمردًا بين أحضان العاهرات وأفراد العصابات، حتى قادته ملامحه إلى السينما، خاصة بعد أن أصبح فى هذه الفترة صديقًا للممثلة بريجيت أوبر، والممثل والمخرج جان كلود بريالى، وذهب معهما إلى مهرجان «كان» السينمائى عام ١٩٥٧.

فى «كان» جذب آلان ديلون انتباه الجميع، ومن بينهم مستكشف المواهب المنتج ديفيد أوه سيلزنيك، الذى عرض عليه عقدًا فى هوليوود، بشرط تعلم اللغة الإنجليزية، لكن بريجيت أوبر أقنعت المخرج إيف أليجريت باختياره فى فيلم «ارسل امرأة عندما يفشل الشيطان»، فى نفس العام، ليقرر «ديلون» بدء مشواره التمثيلى فى فرنسا.

كان «ديلون» يبدو أصغر كثيرًا من سن ٢٢ عامًا، عندما بدأ التمثيل، وترك وقتها انطباعًا كسفاح وقاتل مأجور، رغم وسامته الشديدة، وهى الأدوار التى أتقنها فى أفلامه التالية. 

أصبح «ديلون» نجمًا عالميًا عام ١٩٦٠، بتجسيده شخصية «توم ريبلى» فى فيلم «شمس منتصف الليل»، المقتبس عن رواية باتريشيا هايسميث «السيد ريبلى الموهوب»، من إخراج رينيه كليمنت، وهى شخصية رجل «سايكو» غامض يخطط لقتل صديقه وسرقة هويته ويخته وصديقته وحياته.

هوليوود

قدم آلان ديلون أفضل أعماله السينمائية فى الستينيات والسبعينيات، الفترة التى تمثل العقدين الأولين من حياته المهنية الممتدة لنصف قرن، وعلى رأسها: «حمام السباحة، وروكو وإخوانه، والنمر، والساموراى، وبورسالينو، وزورو»، وغيرها من الأعمال التى اخترقت شهرتها حدود فرنسا، ليصبح اسمًا معروفًا فى أوروبا والولايات المتحدة وآسيا والشرق الأوسط.

وعرض سام شبيجل، منتج فيلم «لورانس العرب»، على «ديلون» تجسيد شخصية «الشريف على»، ونجح فى الاختبارات المطلوبة، لكن رفضه ارتداء عدسات لاصقة بنية دفعته لرفض العرض، ليذهب فى النهاية إلى نجمنا المصرى عمر الشريف.

كذلك فكر روبرت إيفانز، مدير الإنتاج فى شركة «بارامونت» آنذاك، فى «ديلون» لدور «مايكل كورليونى» فى فيلم «الأب الروحى» ، معتبرًا أنه يشبه الشخصية فى الرواية المقتبس عنها الفيلم للمؤلف ماريو بوزو، لكن الممثل الفرنسى رفض العرض.

وفى ١٩٧٣، شرع المخرج وكاتب السيناريو أليخاندرو جودوروفسكى فى تنفيذ فيلم مقتبس عن رواية «كثيب»، وكان من المقرر أن يجسد «ديلون» شخصية «دنكان أيداهو»، قبل أن يتوقف المشروع بسبب المشكلات المادية.

ووفقًا لمعهد الفيلم الأمريكى، رُشح النجم الفرنسى لعدة أفلام هوليودية مهمة أخرى ورفضها، منها «التانجو الأخير فى باريس» للمخرج برناردو بيرتولوتشى، و«سائق التاكسى» للمخرج مارتن سكورسيزى، و«لقاءات قريبة من النوع الثالث» للمخرج ستيفن سبيلبرج، و«الهروب إلى النصر» للمخرج جون هيوستن ١٩٨١.

وعرض ألبرت بروكلى، المسئول عن حقوق سلسلة أفلام «جيمس بوند»، على «ديلون» تجسيد الشخصية المخابراتية الشهيرة، عام ١٩٧٩، لكن الممثل الفرنسى رفضها، بجانب رفضه دور «لويس الخامس عشر» فى الفيلم الأمريكى «مارى أنطوانيت» عام ٢٠٠٦، لعدم رغبته ارتداء شعر مستعار. 

ورغم تصريح «ديلون»، عام ١٩٦٥، حول رغبته فى تصوير فيلم بأمريكا وآخر فى أوروبا كل عام، منعته لهجته من لعب أدوار معينة، وهو ما عبر عنه بالقول: «بسبب لهجتى، لن أحاول لعب دور أمريكى. أعمل على إزالة اللكنة الفرنسية المميزة فى حديثى حتى أتمكن من لعب جميع الجنسيات».

رغم ذلك، ظهر «ديلون» فى هوليوود لأول مرة، من خلال دور البطولة فى فيلم «كان لص»، عام ١٩٦٥، بمشاركة النجمة آن مارجريت، وهو مأخوذ من رواية لزيكيال ماركو، لكنه لم ينجح بقدر نجاح الرواية.

بعدها وقع «ديلون» صفقة مع شركة «كولومبيا» لتقديم ٣ أفلام، لم يظهر منها سوى فيلم واحد هو «قيادة مفقودة»، عام ١٩٦٦، فضلًا عن مشاركته فى الفيلم الأمريكى «هل باريس تحترق؟» للمخرج رينيه كليمان، والذى حقق نجاحًا كبيرًا فى فرنسا، لكنه لم يحظ بنفس النجاح فى شباك التذاكر الأمريكى، كما حدث مع جميع أفلامه الممولة من هوليوود.

حياة صاخبة

بعيدًا عن الشاشة، تورط آلان ديلون، هو وزوجته «ناتالى»، فى فضيحة سياسية شهيرة، عام ١٩٦٨، بدأت باكتشاف جثة حارسه الشخصى ستيفان ماركوفيتش فى مكب نفايات، بعد إصابته برصاصة فى رأسه.

وقادت جثة الحارس إلى الكشف عن حفلات جنسية وتعاطى مخدرات، شاركت فيها شخصيات سياسية وفنية، بينها زوجة رئيس الوزراء الفرنسى، جورج بومبيدو، الذى أصبح رئيسًا لفرنسا فى ١٩٦٩.

واحتُجز «ديلون» وزوجته للاستجواب فى هذه الواقعة، دون توجيه أى اتهامات، رغم العثور على رسالة من الحارس إلى شقيقه كتب فيها: «إذا قُتِلْتُ، سيكون ذلك بنسبة ١٠٠٪ خطأ آلان ديلون وصديقه فرانسوا ماركانتونى» .

ووصلت الصور التى التقطت خلال هذه الحفلات التى نظمها «ماركوفيتش» إلى الصحافة، وتضمنت صورًا جنسية صريحة لـ«كلود بومبيدو»، زوجة رئيس الوزراء جورج بومبيدو.

وبذل «ديلون» قصارى جهده لضمان سمعته كرجل داعم لمعسكر اليمين المتطرف فى فرنسا، وفى عام ١٩٨٤، عزز صداقته مع جان مارى لوبان، رئيس حزب الجبهة الوطنية اليمينى المتطرف آنذاك، وهو والد مارى لوبان، المرشحة التى خسرت أمام الرئيس الفرنسى الحالى إيمانويل ماكرون مرتين.

وكان «ديلون» حريصًا على أن يكون فى دائرة الضوء دائمًا، فانتشر فى دور المزادات وحلبات السباق، وامتلك إسطبل خيول حقق بعض النجاح، قبل أن يقوده إلى قاعات المحاكم، فى ١٩٧٨، فى قضية «احتيال فى الرهان». كما أصبح «ديلون مُنظمًا لمباريات الملاكمة، ومن بينها مباراتا جان كلود بوتييه وكارلوس مونزون، والأخير وخوسيه نابوليس، والأخيرة هذه جمع منها ٦ ملايين فرنك.

اعترض كثيرون على فوزه بجائزة «السعفة الذهبية الفخرية» من مهرجان «كان» السينمائى لعام ٢٠١٩، بسبب تعليقاته المعادية للنساء، ودعمه اليمين المتطرف، ورفضه إلغاء عقوبة الإعدام فى فرنسا، و«تقنين زواج المثليين»، قبل أن يرد مسئولو المهرجان بسخرية: «هذه الجائزة لإنجازه فى السينما.. نحن لن نمنحه جائزة نوبل للسلام!».

بعد تدهور صحته بسبب إصابته بسكتة دماغية، فى ٢٠١٩، عاش «ديلون» بمنزله فى الريف السويسرى، خاصة بعد حصوله على الجنسية عقب سنوات من الإقامة فى جنيف، وهناك اندلعت خلافات شديدة بين أبنائه الثلاثة، عندما أقدموا على طرد رفيقته اليابانية هيرومى رولين من المنزل.

بين الجنة والنار

لم يخش آلان ديلون الموت أبدًا، حتى إنه طلب «الموت الرحيم» بسبب تعبه من المرض والمستشفيات. وعندما سُئل عن مكانه بين الجنة والنار، أجاب وهو يضحك: «أعتقد أننى سأتنقل بين الاثنين»، وفق تصريح سابق نشرته مجلة «بارى ماتش» الفرنسية.

ورغم حياته الطويلة والمثيرة للجدل، لم ينشر «ديلون» سيرة ذاتية سوى منتصف العام الماضى، والتى حملت عنوان: «Alain Delon: Amours et mémoires «، أو «آلان ديلون: الحب والذكريات»، والتى قدم خلالها الشكر لكل النساء فى حياته.

وتحدث عن علاقته بالممثلة الألمانية رومى شنايدر، التى شاركته بطولة فيلم «حمام السباحة»، واصفًا إياها بأنها «حب حياته»، بعد وفاتها المأساوية عام ١٩٨٢، إلى جانب زوجته ناتالى ديلون، وهى المرأة الوحيدة التى تزوجها وحملت اسمه، بعد أن التقاها فى ملهى ليلى بالعاصمة باريس، بينما كان يقضى ليلة مع «شنايدر».

وكانت «ناتالى» حاملًا عندما تزوجا سرًا عام ١٩٦٤، لكن علاقتهما ظلت عاصفة حتى انفصلا عام ١٩٦٩، بعد أن ارتبط بالممثلة وعارضة الأزياء ميريل دارك، صاحبة أطول علاقة معه، إذ ظلا صديقين حتى وفاتها فى ٢٠١٧.