مصر ولع فرنسى دائم.. سر هدية أم كلثوم لماكرون

فى ليلة يليق بها أن تُروى، تحوّل المعهد الفرنسى للآثار الشرقية فى القاهرة إلى مسرحٍ للقاء استثنائى، لم يكن سياسيًا بقدر ما كان إنسانيًا، حيث اختار الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون أن يصافح روح مصر من بوابة الفن والثقافة.
أقام السفير الفرنسى فى مصر، إريك شوفالييه، حفل عشاء رسميًا تكريمًا لزيارة الرئيس الفرنسى، لكنه لم يكن مجرد عشاء بروتوكولى، بل كان احتفاءً ناعمًا بالعلاقات الثقافية المتجذرة بين ضفتى المتوسط. جلس إلى الطاولة فنانون ومخرجون ونجوم من مصر وتونس وفرنسا، فى أمسية مزجت بين عبق التاريخ ورُقى الإبداع.
ومن بين الحضور، لمع اسم حسين فهمى، وليلى علوى، وهند صبرى، ويسرا اللوزى، وكريم قاسم، والمخرج يسرى نصر الله، والمخرجة هالة جلال، والفنانة المصرية الفرنسية لينا صوفيا، فى لوحة إنسانية عابرة للغات، جسّدت كيف يمكن للفن أن يكون أكثر بلاغة من الخطابات الرسمية.

لكن الحدث الأجمل والأكثر رمزية، تمثّل فى الهدية التى قدمتها مصر لماكرون: الأعمال الكاملة لكوكب الشرق أم كلثوم. لم تكن مجرد هدية، بل كانت رسالة أن الفن المصرى هو سفير لا يُرد، وصوت لا يُنسى. أغانى أم كلثوم، التى عبرت منذ عقود شوارع باريس وارتدت ثوب الخلود، تعود الآن لتُهدى رسميًا إلى قصر الإليزيه، لتظل شاهدة على تلاقى حضارتين، وإيقاعين.
المخرج يسرى نصر الله علّق على اللقاء بقوله: «ما أثار إعجابى بشدة هو التواضع اللافت للرئيس ماكرون، وصدقه الواضح فى رغبته بتعميق العلاقات الثقافية بين مصر وفرنسا»، مضيفًا: «بصراحة، الراجل بسيط ودمه خفيف جدًا».
بينما كتبت الفنانة لينا صوفيا على حسابها الرسمى: «لحظة لا تُنسى مع الرئيس إيمانويل ماكرون. كان شرفًا عظيمًا وسعادة لا توصف أن ألتقى بشخص يتسم بهذا القدر من اللطف والتواضع والإلهام. وبوصفى فنانة تحمل فى قلبها الثقافتين المصرية والفرنسية، آمل دائمًا أن أكون جسرًا يربط بين هذين البلدين الجميلين».

أما النجم حسين فهمى، فقد عبّر بكلمات صادقة عن امتنانه لماكرون قائلًا: «شكرًا على المواضيع الشيقة التى تحدثنا فيها، وشكرًا لموقفك العظيم المتضامن مع الشعب الفلسطينى»، ليمزج بكلماته بين الإبداع والإنسانية، وليؤكد أن الفن لا ينفصل عن القضايا الكبرى.
وفى تصريحات خصّ بها المخرج أمير رمسيس جريدة «حرف»: قال إن اللقاء كان «ملهمًا»، وأضاف: «أظهر الرئيس ماكرون اهتمامًا حقيقيًا بالفن والثقافة فى مصر، وكان حريصًا على التفاعل مع مشروعاتنا الإبداعية. هذا التقدير يعكس فهم فرنسا العميق لقيمة الفن كقوة ناعمة تجمع الشعوب، وتبنى جسورًا لا تهدمها السياسة».
رمسيس أشار أيضًا إلى دلالة توقيت الزيارة فى ظل ما تشهده المنطقة من توترات، معتبرًا إياها «رسالة دعم واضحة لمصر ولدورها الإنسانى والسياسى».

هكذا، تحوّلت زيارة سياسية إلى لحظة ثقافية نادرة، واختار ماكرون أن يرى مصر ليس فقط من شرفة السياسة، بل من عمق فنها، ودفء فنانيها، وصوت الست، الذى لا يزال يصدح فى ذاكرتنا وذاكرة العالم.
فى زمن تُبنى فيه الجدران، اختار الرئيس الفرنسى أن يمدّ جسرًا من الموسيقى، وأن يضع يده فى يد مصر، لا عبر الملفات، بل عبر النوتات.