غنى يا منير.. احتفاء خاص بالكينج (ملف)
- هل كان ابن النوبة فنان الضرورة لوطن فقد نصف قوته الفنية برحيل ثومة والعندليب؟
على الرغم من أن السبعينيات حملت فى طياتها النصر الأعظم فى تاريخ مصر أكتوبر 73، إلا أنها نفس الحقبة التى واجه فيها الفن المصرى خسائر فادحة متتالية.. أصابته فى مقتل بعد أن أوجعته «خبطتين» على رأسه ليستا ككل الخبطات بذهاب سيدة الشرق الأولى وكوكبه أم كلثوم منتصف السبعينيات، ثم لم تمر السنتان حتى تبعها شاب أسمر نحيل غير مجريات الغناء المصرى منذ بزوغ نجمه فى الخمسينيات اسمه عبدالحليم حافظ.
هكذا فى شهور معدودات صارت مصر بلا ثومة ولا حليم، وترسخ شعور عام باليتم الفنى بعد ما ذهب الاثنان وتركا فراغًا مهولًا.. وأصبح التساؤل المر مطروحًا بقوة: كيف نعوض هذين الجبلين؟
كانت الساحة الغنائية حينها قد شهدت منذ أواخر الستينيات موضة الفرق الغربية التى تلاقت بعد ذلك مع حالة الانفتاح التى شهدتها مصر بعد الحرب.. كما شهدت موضة أخرى وهى محاولة تخليق حالات فنية مماثلة للعندليب وثومة، مثل عفاف راضى فى حالة الست وعماد عبدالحليم وهانى شاكر وغيرهم فى حالة حليم.
وفى وسط هذا الارتباك العام فى ملعب الطرب المصرى وطأت أرض القاهرة للتو قدم شاب أسمر نحيل اسمه محمد أبازيد ممسكًا يد أخيه الأكبر فاروق أبازيد الذى كان فنانًا نوبيًا متشربًا للنغمات النوبية الرائقة وحالمًا بمشروع فنى يعبر عن ثقافته الأصيلة.
كان محمد يضع حلم أخيه فاروق نصب عينيه ويحاول أن يكون حجرًا فى أساس هذا الحلم بموسيقى جديدة على الأذان تسد الفراغ الفنى الهائل الذى بدأ يتسع برحيل الأكابر، وميل السوق إلى سماع ثقافات جديدة فى الغناء، ولم يغفُ محمد عن حلمه الذى هو حلم أخيه أيضًا ولم تشغله عنه مدرجات كلية الفنون التطبيقية التى يدرس فيها تقنيات التصوير الحديثة، بل على العكس صارت ساحة الجامعة هى مضماره الذى يحاول أن ينطلق منه إلى أفق أبعد ليقتنص الحلم البعيد.
خلال تلك السنوات بدا لفاروق الأخ الأكبر أن موهبة أخيه الأصغر أهم وأعظم من أن يكون مجرد سنيد فى ذلك مشروعه الفنى، وأحس بأن الحلم على مقاس الفتى الصغير طالب الجامعة، الذى سلب عقول كل من رآه بصوته وطلته الجديدة، ثم بمنتهى النبل توارى الفنان داخل صدر فاروق أبازيد حتى يفسح المجال لذلك الفنان العملاق الذى يتمدد داخل صدر أخيه الصغير، والأكثر إدهاشًا أن فاروق لم يكتفِ بإفساح الطريق لأخيه الصغير، بل تطور الأمر ليصير حارسًا أمينًا على حلم محمد الذى بدأت تتشكل معالمه فى جلسات المدد الفنى مع أحمد منيب ابن بيئتهما النوبية العذبة وعبدالرحيم منصور صديق الدراسة القديم لفاروق ثم دخل على الخط بليغ حمدى الذى كان ما زال يبحث عن من يسد رمق الطرب بعد حالة الفراغ الفنى بموت الست ومرض العندليب.
وفى كل ذلك تصقل موهبة الفتى منير وتتضح لديه رؤية واضحة لحلمه، وإدراك أشد لموهبته الاستثنائية، حتى يأتى رجل خارج من موضة الفرق الأوروبية بأفكار موسيقية ثورية سابقة للزمن وجرأة على تغيير الواقع الموسيقى، اسمه هانى شنودة.
هانى كان الرجل الذى أخذ منير من يديه ليدخل عالم الاحتراف، عبر أول ألبوم حقيقى ينزل الأسواق باسم محمد منير أبازيد وكان اسمه «أمانة يابحر» قبل أن يتغير اسمه لاحقًا إلى «علمونى عنيكى» لظروف تسويقية، وحمل هذا الشريط أسماء عبدالرحيم منصور وسيد حجاب وأحمد منيب بجوار شنودة طبعًا، والمفارقة أن صدوره كان فى نفس عام رحيل العندليب فى العام ١٩٧٧.
وعلى الرغم من أن الألبوم لم يحقق النجاح الخارق لجدار الشهرة لكنه بالنسبة للفتى منير صاحب الـ٢٣ عامًا حينها كان كافيًا ليرى طرف خيط حلمه ومن ثم يقبض عليه بروحه ووجدانه متعهدًا ألا يفلته، ويصير بحق منير هو التجسيد الأمثل لعنوان هذا الموضوع «القابض على الحلم».
كيف ذلك؟
.. تعالوا نقرأ ما تيسر من سيرة الفتى الجنوبى برائحة أحبار المطابع لنجيب عن السؤال.