الخميس 21 نوفمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

أسرار العام المجهول فى حياة أم كلثوم

49 سنة خلود| أم كلثوم فى المحكمة.. «هو صحيح» و«حب إيه» أمام القضاء

كوكب الشرق
كوكب الشرق

تعد أغنية «حب إيه» هى أول تعاون بين كوكب الشرق، السيدة أم كلثوم، وبين الشاعر الشاب آنذاك عبدالوهاب محمد والملحن الشاب بليغ حمدى، وكانت أغنية «هو صحيح الهوى غلاب» أول تعاون أيضًا بين ثومة والشيخ زكريا أحمد بعد قطيعة دامت ١١ عامًا تقريبًا، والأغنية من نظم الشاعر الكبير بيرم التونسى، وحرصت أم كلثوم على أن تبدأ موسمها الغنائى الجديد بهاتين الأغنيتين الجديدتين مع أغنية «هجرتك» فى حفل الخميس ١ ديسمبر ١٩٦٠ بدار سينما أوبرا.. وشدت أم كلثوم، ونجح الحفل نجاحًا غير مسبوق، وأشادت الصحف والمجلات بالأغنيتين، خصوصًا وأن الجمهور كان متعطشًا لروائع ثومة مع زكريا أحمد.. لكن بعد الحفل ظهر شاعران شابان يؤكدان أن «هو صحيح» و«حب إيه» من نظمهما، بل ووصل الحد إلى رفع كل منهما دعوى قضائية ضد بيرم التونسى وعبدالوهاب محمد.

قبل حفل أم كلثوم بيومين نشرت مجلة الكواكب فى عددها الصادر فى ٢٩ نوفمبر ١٩٦٠ تحقيقًا كتبه جميل الباجورى بعنوان «كل ثومة وأنت طيب»، وأكد فيه الباجورى أن كوكب الشرق ستشدو بعد غد بأغنيتين جديدتين، ونشرت كلمات الأغنيتين فى الكواكب، وأكد المحرر أن كلمات أغنية «حب إيه» هى تجربة عاطفية شخصية للشاعر الشاب عبدالوهاب محمد، وكان قد كتب مطلعها وأعطاه لصديقه الملحن الشاب بليغ حمدى الذى أعجب بالمطلع، ودعاه لتناول الشاى فى صالة سينما ريفولى؛ لكى يكمل الأغنية، ثم أخذ بليغ الكلمات ولحنها وعرضها على أم كلثوم التى وافقت عليها وطلبت رؤية عبدالوهاب محمد، الذى ذهب إليها وهو مضطرب من هيبتها ومكانتها، وأكد أنه وجدها شخصية اجتماعية مرحة وأديبة وفيلسوفة، وطلبت منه تغيير الكوبليه الثانى الذى يقول فيه: «سيبنى أعيش من غير وجودك.. سيبنى فى حرمان جديد.. طيفك أرحم من وجودك.. والبعيد عنك سعيد».. وطلبت منه ثومة أيضًا توحيد القفلات.. ولم يلتق الشاعر مرة أخرى بأم كلثوم إلا عند تسجيل الأغنية على أسطوانة، وكان قد نظم أغنية جديدة وأعطاها لها فى نفس اليوم وهى أغنية «فكرونى».

بعدما نشرت الكواكب كلمات الأغنيتين وقصة ميلاد أغنية «حب إيه» حتى وصولها إلى أم كلثوم، نشرت مجلة المصور وقائع الحفل بتاريخ ٩ ديسمبر والكواكب بتاريخ ١٣ ديسمبر ١٩٦٠، أما فى عدد الكواكب الصادر فى ٢٦ سبتمبر ١٩٦١، أى بعد عشرة أشهر من حفل أم كلثوم فقد تفجرت مفاجأة عن «حب إيه» و«هو صحيح»، وذلك من خلال تحقيق كتبه الصحفى الكبير حسين عثمان بعنوان «حب إيه فى قفص الاتهام».. وفى مقدمة التحقيق كتب عثمان: فى قاعات المحاكم هذه الأيام يقف شابان مغموران، أحدهما من الإسكندرية والآخر من بورسعيد.. وعلى فم كل منهما اتهام جرىء.. الأول يقول إنه المؤلف المجهول لأغنية «حب إيه» والثانى يردد: أنا المؤلف الحقيقى لأغنية «الهوى غلاب».. والاتهامان موجهان إلى عبدالوهاب محمد وبيرم التونسى، وسقطت قضية بيرم التونسى بموته والقضية الثانية تنتظر كلمة القضاء.

كان حسين عثمان قد التقى بالشاعر بيرم التونسى قبل رحيله وعرض عليه الاتهام، الذى نشرته الصحف، ولم يبتسم بيرم وكان متألمًا أشد الألم وهو يقول: هل من المعقول أن يسرق بيرم التونسى كلامًا من مؤلف مغمور؟ هل نضبت مواهبى حتى أنزل لهذا المستوى؟ الشاهد الوحيد على ملكيتى الأغنية هو أم كلثوم نفسها، وهى التى طلبت منى تعديل مقطعين من الأغنية.. واستطرد التونسى وهو يتميز من الغيظ: أن هذه طريقة جديدة يحاول بها المؤلفون المغمورون لفت الأنظار إليهم، هذا إن كانوا حقًا مؤلفين.. أما الأغنية الثانية «حب إيه» فقد فوجئ مؤلف الأغنية عبدالوهاب محمد بخبر منشور فى إحدى الصحف يقول إن مؤلفًا آخر اسمه محمد زكى الملاح كان قد قدم نفس الأغنية لصديقه الحميم عبدالوهاب محمد، وأعجب عبدالوهاب بها و«لطشها» وقدمها إلى كوكب الشرق.. واستطرد الخبر يقول إن المؤلف «المسروق» قد رفع دعوى على المؤلف «السارق» وعلى المطربة والملحن متضامنين.. وأنه يطالبهم بتعويض مادى كبير مع وقف الأغنية حتى يثبت القضاء ملكيته لها.

انتظر عبدالوهاب محمد أن تصله عريضة الدعوى، وعلى ملل الانتظار كانت بعض الصحف تخرج بتصريحات على لسان محمد زكى الملاح أشبه بحرب الأعصاب، وضاق عبدالوهاب محمد ذرعًا بالانتظار، فكلف المحاميان مجدى العمروسى ومحمود لطفى برفع دعوى ضد الملاح ومطالبته بالتعويض المناسب عن الإساءة التى لحقت بسمعته.. وأكد عبدالوهاب محمد للكواكب أنه كتب تلك الأغنية أواخر عام ١٩٥٦ وأعطاها لصديقه بليغ حمدى، ولم يكن فى حسبانه أبدًا أن أم كلثوم ستغنيها، وبعد عدة أشهر تذكر عبدالوهاب محمد أن بليغ لم يهتم بالأغنية، فتقدم بها للإذاعة ووافقت عليها لجنة النصوص بتاريخ ٣١ أغسطس ١٩٥٧، وعلى أثر الموافقة نشرت الأغنية بإحدى الصحف مع صورة له والقصة العاطفية التى ألهمته كتابتها.

أقسم عبدالوهاب محمد أنه لم يسمع عن اسم محمد زكى الملاح طوال حياته، وأنه راجع قائمة أصدقائه منذ الطفولة ولم يجد فيها صديقًا يحمل هذا الاسم.. وتساءل: أين كان هذا المؤلف حين أذيعت الأغنية منذ شهور؟ فقال له حسين عثمان إن الملاح يقول إن المطرب الجديد عبداللطيف التلبانى قد غناها فى الإسكندرية عام ١٩٥٧، فرد عبدالوهاب بأن ذلك كذب، وطلب منه أن يسأل التلبانى ليحل هذا اللغز.. وبالفعل سأل حسين عثمان المطرب الجديد التلبانى فقال: حقيقة أنا غنيت عام ١٩٥٧ أغنية للمؤلف محمد زكى الملاح، وقد لحنها النقيب محمود زهدى وهذا هو نص الأغنية: انت فين والحب فين.. والخصام جالك منين.. يا حنون يا أبو قلب طيب.. هى دى عشرة يومين.. انت فين والحب فين؟ ونشر فى التحقيق نص أغنية الملاح التى كتبها للتلبانى كاملة، وكلها تختلف عن كلمات أغنية «حب إيه».. وسأل حسين عثمان التلبانى: ألم تسمع على لسان زكى الملاح أنه صديق عبدالوهاب محمد؟ فقال التلبانى: لا أذكر أنه حدثنى عنه.. وعن شعوره بعد غناء أم كلثوم لـ«حب إيه» وهل أحس بأن كلمات الأغنية مسروقة من أغنيته قال التلبانى: أبدًا.. فمطلع الأغنية يخضع لتوارد الخواطر.. أما عن رأى أم كلثوم فى الحدث فقد طلبت من عبدالوهاب محمد ألا يمر الأمر مرور الكرام.. وقال بليغ حمدى مندهشًا: إن الأغنية فى جيبه من عدة سنوات.. فأين كان هذا المؤلف حين نشرتها الصحف منذ سنوات وأين كان حين أذيعت.. واختتم حسين عثمان تحقيقه بأن «حب إيه» فى أروقة المحاكم تنتظر كلمة القضاء.

لم أتابع حقيقة مصير الدعوى بعد ذلك فى الصحف والمجلات، التى صدرت آنذاك.. لكن أخذنى الفضول لأعرف الجزء الأخير من تلك القصة من الطرف الثانى نفسه، وهو الشاعر محمد زكى الملاح متعه الله بالصحة والعافية، فسألته عن مصير الدعوى التى رفعها، فأجابنى بكلمات مختصرة، قائلًا: أيامها منعت من دخول الإذاعة، وكانت أيامها فى شارع الشريفين.. فتنازلت عن القضية وانتهى الأمر.