«مشروع القرن» حرف تتابع.. آخر ما يجرى فى المتحف المصرى الكبير: العد التنازلى للافتتاح بدأ
بدأ العد التنازلى لافتتاح المتحف المصرى الكبير، المشروع الثقافى الأبرز فى القرن الحادى والعشرين، إذ تنتهى جميع الأعمال الجارى تنفيذها بالمتحف، سواء ما يخص الأعمال الهندسية، أو تنظيم عرض القطع الأثرية، آخر فبراير الجارى، ليكون المتحف جاهزًا للافتتاح بشكل رسمى، بعد ملحمة بنائية وهندسية قادها اللواء عاطف مفتاح، المشرف العام على المشروع، ومعاونوه، مع متابعة مستمرة من وزير السياحة والآثار، أحمد عيسى.
وبالتزامن مع قرب انتهاء الأعمال تأخذكم «حرف» فى جولة تعريفية بمشروع مصر الأهم، منذ أن كان فكرة وحتى أصبح واقعًا على الأرض، مع استعراض شامل للمتحف بكل مكوناته من زيارته وحتى الخروج منه.
بداية الحلم
بدأ حلم إنشاء المتحف المصرى الكبير عام ٢٠٠١، فى مكتب الفنان فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق، الذى تلقى، وقتها، العديد من التقارير التى تحذر من محدودية مساحة المتحف المصرى بالتحرير، سواء قاعات العرض أو المخازن أو معامل الترميم، ومع النشاط الكبير لبعثات التنقيب عن الآثار كانت هناك إشكالية فى تخزين القطع المستخرجة من باطن الأرض.
وتسبب عدم وجود مكان للترميم والعرض فى تخزين آلاف القطع الأثرية فى المخازن الفرعية التابعة للمجلس الأعلى للآثار، مما تسبب فى سرقة وضياع وتلف العديد من القطع، خاصة فى أوقات الانفلات الأمنى، وهو ما تطلب التدخل بحل نهائى لهذه المشكلة الخطيرة.
فكر فاروق حسنى وقتها فى «المشروع الحلم»؛ صرحًا ثقافيًا ضخمًا يضم أكبر عدد للقطع الأثرية المصرية فى العالم، معامل ترميم على أعلى مستوى، قاعات عرض شاسعة لتجنب مشكلة صغر حجم قاعات المتحف المصرى بالتحرير، متاحف للطفل، مساحات خضراء، وقاعات عرض تشبه تلك الموجودة فى المتاحف العالمية.
وبدأت فى ٢٠٠٢ أولى خطوات التنفيذ، بعد أن أعلنت وزارة الثقافة عن تنظيم مسابقة معمارية عالمية لوضع تصميم المتحف الجديد، وقد جذبت هذه المسابقة أنظار العالم، وتقدم لها معماريون واستشاريون من ٨٣ دولة، وفاز تصميم فريق مكون من ١٤ مكتبًا استشاريًا من ٦ دول هى: مصر، أيرلندا، إنجلترا، هولندا، النمسا، وكندا، وشارك ٣٠٠ مهندس واستشارى دولى ومحلى فى وضع الرسومات والدراسات الخاصة بالمتحف.
وتحدد موقع المشروع على مساحة ١١٧ فدانًا بالقرب من «ميدان الرماية» بالجيزة، على بعد كيلومترين شمال منطقة الأهرامات بما يستوعب ٥ ملايين زائر، لتبدأ بعدها، وتحديدًا فى مايو ٢٠٠٥، عمليات إخلاء الموقع من الإشغالات، وبناء أسوار تحديد الملكية بطول ٣ كم، وتمهيد الطرق الداخلية، وتسهيل موقع آمن لـ«تمثال رمسيس» الذى سيزين مدخل المتحف، إضافة إلى البوابات، وإضاءة الموقع بأكمله، مع إعداد دراسة حول تأثر حركة المرور بالمنطقة بعد البناء.
وتقع مبانى المتحف على مساحة ١٠٠ ألف متر مربع، من ضمنها ٤٥ ألف متر للعرض المتحفى، وتشمل المساحة الباقية مكتبة متخصصة فى علم المصريات، ومركز أبحاث، ومعامل للترميم، ومركزًا للمؤتمرات، وسينما ثلاثية الأبعاد، وأماكن مخصصة لخدمة الزائرين مثل المطاعم، والكافيتريات، ومحال الهدايا وبيع المستنسخات، ومواقف انتظار السيارات.
وكان من المقرر افتتاح المتحف فى وقت سابق، لكن العمل به توقف تماما بعد أحداث ٢٥ يناير وما تبعها من اضطرابات، ومع تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى مهام المسئولية، عقب ثورة ٣٠ يونيو، أعاد المشروع إلى الواجهة من جديد، لكن ظهرت مشكلة التمويل، التى تسببت فيها التكلفة المرتفعة لمواد البناء فى بعض أجزاء المتحف، ومن ضمنها نوع من الرخام كان من المقرر استيراده من دولة أوروبية بمبالغ هائلة، لتتدخل الهيئة الهندسية للقوات المسلحة وتتسلم إدراة المشروع وتنتهى من الأعمال المتبقية بميزانية جديدة تعتمد على الرخام المصرى والمواد المصرية فى أغلب مراحل التنفيذ.
وعلى مدار السنوات الماضية عملت الهيئة الهندسية ووزارة السياحة والآثار على إنهاء كل الأعمال، بأعلى مستوى من الجودة مع خفض النفقات، وكان مقررًا انتهاء المتحف مبكرًا، لكن جاءت أزمة فيروس كورونا وعطلت الأعمال جزئيًا، نتيجة الإغلاق الجزئى، لكن العمل تواصل، غير أن الظروف لم تعد مناسبة بعدها للافتتاح، نظرًا للحرب الروسية الأوكرانية وما تبعها من أحداث.
وتأمل الدولة المصرية فى أن تتاح الفرصة لافتتاح المتحف خلال العام الجارى، خاصة أنه سيكون حدثًا عالميًا وتاريخيًا يجذب انتباه الجميع، وهو ما يستدعى اختيار توقيت مناسب ليأخذ الحدث حقه.
رحلة إلى التاريخ
يبدأ الزائر رحلته داخل المتحف بمشاهدة المسلة المعلقة للملك رمسيس الثانى أمام الواجهة التى ترتفع لـ٥ طوابق لتتوافق مع ارتفاع «الهرم الأكبر»، ثم الدخول للبهو العظيم من خلال البوابة الرئيسية التى تزينها خراطيش تحمل أسماء ملوك مصر القديمة، ثم مقابلة تمثال الملك العظيم رمسيس الثانى، وعامود النصر لابنه الملك مرنتباح، الذى يروى قصة انتصار مرنتباح وطرده اليهود من مصر، ثم تمثال لملك وملكة مجهولين من العصر البطلمى؛ وهى من الآثار التى تم استخراجها من مدينة هرقليون الغارقة بميناء أبوقير بالإسكندرية.
يلى ذلك الصعود للدرج العظيم- تم افتتاحه بالفعل نهاية العام الماضى- وهو الطريق الموصل لقاعات الملك توت عنخ آمون، وعلى جانبيه تماثيل ضخمة لملوك العصور المختلفة، لتوضيح التواصل الحضارى على مدى ٥ آلاف سنة من الحضارة المصرية القديمة.
وبعد صعود الدرج العظيم يجد الزائر نفسه أمام بانوراما الأهرامات الثلاثة التى تبدو كأنها معروضة داخل فاترينة عرض من خلف الواجهة الزجاجية فى مشهد فريد، وهنا يتوجه الزائر لقاعات العرض مباشرة، على اليمين قاعات توت عنخ آمون، وعلى اليسار القاعات الرئيسية، ثم متحف مراكب الملك خوف الذى يعرض المركب الأولى، التى تم نقلها بالفعل فى حدث عالمى، والمركب الثانية، التى يتم العمل على ترميمها وتجميعها بالتعاون مع الجانب اليابانى، ليتم عرضهم سويًا لأول مرة منذ بنائها.
ويستوعب المتحف حتى ٥٠ ألف قطعة أثرية فى العرض الدائم، و٥٠ ألفًا فى المخازن، للدراسة ولاستخدامها فى المعارض المتغيرة، التى تم تخصيص قاعتين لإقامتها بما يجذب الزائر الأجنبى والمحلى، لأنه فى كل مرة سيزور فيها المتحف سيجد قطعًا جديدة ضمن هذه المعارض.
الأعمال الهندسية
يقول الدكتور عيسى زيدان، المدير العام التنفيذى للترميم ونقل الآثار بالمتحف المصرى الكبير، إن الأعمال الهندسية بالمتحف انتهت بنسبة ١٠٠٪، كما تم الانتهاء من عملية عرض القطع بفتارين العرض، وهو ما يوضح جاهزية الافتتاح فى أقرب وقت.
ويؤكد أن من أهم الأسباب التى أدت إلى انتهاء الأعمال فى الوقت المحدد وطبقًا للجدول الزمنى الموضوع، وبمنهج علمى مميز، هو المتابعة الأسبوعية المستمرة لوزير السياحة والآثار، أحمد عيسى، وحرصه الدائم على تذليل كل الصعوبات من أجل ظهور المتحف بالشكل المطلوب الذى يليق بعظمة الحضارة المصرية.
ويلفت إلى أن من التصميمات الفريدة والمميزة التى يتميز بها المتحف المصرى الكبير المسلة المعلقة، ومتحف مراكب الملك خوفو، ومحاكاة لحفر مراكب الملك خوفو، ومحاكاة لتدفق النهر للإله حابى، مع عرض تمثال للإله حابى ضمن التصميم، وهى تصميمات اللواء مهندس عاطف مفتاح، المشرف العام.
قاعات الملك الذهبى
يوضح عيسى زيدان، لـ«حرف»، أن المجموعة الكاملة للملك توت عنخ آمون يبلغ عددها ٥٣٩٨ قطعة، وقد تم وضع أغلب هذه المجموعة فى فتارين العرض بالفعل، باستثناء ٢٤٠ قطعة موجودة فى المتحف المصرى بالتحرير ومن ضمنها قناع الملك الشهير، و١٠ قطع بمتحف شرم الشيخ، و١١ قطعة بمتحف الغردقة، وسيتم نقل هذه القطع من المتاحف الثلاثة قبل الافتتاح بفترة قصيرة، حتى تظل معروضة أمام الزوار لأطول وقت ممكن، خاصة أنه تم ترميم جميع هذه القطع وهى جاهزة للعرض مباشرة بعد نقلها.
وستعرض قاعات الملك الذهبى ثلثى قطع المقبرة التى لم تعرض من قبل، وهو ما يشكل عنصر جذب عالمى، وسيقدم معلومات كثيرة عن الخلفية الاجتماعية والسياسية والدينية للملك توت، بل أسلوب حياته والموضة فى عصره.
وجرى تقسيم قاعتى «الملك توت» وفقًا لتخطيط مقبرته الأصلية فى «وادى الملوك»، وهى مكونة من ٤ حجرات، واحدة لعرض القطع الجنائزية للملك، والثانية تعرض فكرة البعث والحياة مرة أخرى التى كان يعتقد فيها المصرى القديم، والثالثة عن هوية الملك وأسرته، ثم القطع المعبرة عن أسلوب الحيية و»موضة «العصر، ومنها بقايا ملابسه ومنسوجات قبره وطريقة ارتدائه إياها، وكلها تعرض بشكل كامل لأول مرة.
كما سيكون هناك عرض لبعض تقنيات مصر القديمة، مثل سرير الملك الذى يمكن طيه لإغلاقه، وهى تقنية عالية جدًا من ٣٥٠٠ عام، إلى جانب تقنية الصناعة الدقيقة لأوانى الألباستر، والصناعة الرائعة للتماثيل الخشبية للملك.
القاعات الرئيسية
أما عن القاعات الرئيسية، فأوضح «زيدان» أنها ستضم ١٦ ألف قطعة، تنقسم لعصور ما قبل التاريخ وعصور الدول القديمة والوسطى والحديثة، كما سيتم عرض قطع رائعة من العصور اليونانية والرومانية، وقد تم الانتهاء من ترميم هذه القطع ووضعها فى فتارين العرض الخاصة بهم.
ومن أبرز المجموعات المتكاملة التى سيتم عرضها فى القاعات الرئيسية، مجموعة الملكة «حتب حرس»، أم الملك «خوفو»، بجانبها جزء من معبد الملك «سنفرو»، وهو والد «خوفو»، وتمثال للملك خفرع وآخر للملك مكناورع.
ويضيف «زيدان»: «تم اتخاذ كل ما يلزم لضمان عرض كل آثر فى البيئة المناسبة له، سواء عن طريق ضبط درجات الحرارة والرطوبة والإضاءة بما يتناسب مع كل أثر، خاصة مع وجود العديد من القطع العضوية المصنوعة من الجلد أو الخشب أو البردى والتى يجب الحفاظ عليها داخل فتارين مخصصة».