الأربعاء 05 فبراير 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

ضيف الشرف.. سفير سلطنة عمان عبدالله الرحبى: لا نشعر بأى غربة فى مصر

حرف

- معرض القاهرة للكتاب أهم حدث ثقافى عالمى بعد «معرض فرانكفورت»

- أشكر مصر على اختيار السلطنة ضيف شرف المعرض

- 20 ندوة ومحاضرة بمشاركة مثقفين عمانيين ومصريين ضمن البرنامج العمانى

قدم السفير العمانى لدى القاهرة، عبدالله بن ناصر الرحبى، الشكر لمصر ووزارة الثقافة المصرية، على اختيار سلطنة عمان ضيف شرف للدورة الـ٥٦ لمعرض القاهرة الدولى للكتاب، الذى رأى أنه أهم حدث ثقافى فى العالم بعد معرض «فرانكفورت».

وأكد «الرحبى»، فى حواره التالى مع «حرف»، مشاركة 22 مؤسسة عمانية تمثل مختلف القطاعات، فى معرض القاهرة للكتاب، الذى يتضمن برنامج بلاده فيه أكثر من 20 ندوة ومحاضرة، بمشاركة مثقفين عمانيين ومصريين من مجالات متنوعة، مع التركيز بشكل خاص على صناعة النشر والتحديات التى تواجهها، بالإضافة إلى مناقشة قضايا النشر فى مجالى الشعر والموسيقى تحديدًا.

ونبه إلى وجود تعاون مستمر بين مصر وسلطنة عمان فى المجالات الثقافية كلها، خاصة تنظيم المعارض المشتركة بين البلدين، وإحياء الأنشطة والفنية، وكذلك مجال التراث والوثائق والمخطوطات، الذى سيتم توقيع مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون فيه قريبًا.

■ كيف ترى اختيار سلطنة عمان ضيف شرف المعرض؟

- أقدم الشكر لجمهورية مصر العربية ووزارة الثقافة المصرية على اختيار سلطنة عمان لكى تكون ضيف شرف لمعرض القاهرة الدولى للكتاب فى نسخته الـ٥٦ الذى يعد أهم معرض فى العالم بعد «فرانكفورت». 

تشكل مشاركة سلطنة عمان كضيف شرف فى هذا المعرض الدولى، الذى يقام على مساحة ٣٣٥ ألف متر مربع، فرصة استثنائية لعرض ثقافة وتراث السلطنة الغنى. تشارك فى هذا الحدث ٢٢ مؤسسة عمانية تمثل مختلف القطاعات، بما فى ذلك المؤسسات الرسمية والأهلية ومنظمات المجتمع المدنى، بالإضافة إلى مساهمات قيمة من الكتاب العمانيين الذين يعرضون أحدث إصداراتهم.

ويقدم الجناح العمانى برنامجًا ثقافيًا متنوعًا يشمل معرضًا للكتب الحديثة يعرض فيه أحدث ما جادت به أقلام الكتاب العمانيين فى مختلف المجالات، وندوات فكرية وثقافية وتاريخية تناقش مواضيع متعلقة بالإنتاج الفكرى والثقافى العمانى، وتسلط الضوء على إبداعات الشباب العمانى فى شتى المجالات، كما تحيى فرقة موسيقية شعبية عمانية عروضا فنية تجسد التقاليد الموسيقية العمانية الأصيلة، بالإضافة إلى مشاركة فرق موسيقية عمانية أخرى تقدم أنماطًا موسيقية معاصرة.

وتعد هذه المشاركة فرصة قيمة لسلطنة عمان لتعزيز حضورها الثقافى على الساحة الدولية، وتسهم فى مد جسور التواصل الثقافى مع مختلف دول العالم.

■ كم يبلغ عدد دور النشر العمانية التى ستشارك فى المعرض؟

- نحو ٢٢ دار نشر من مؤسسات حكومية وأهلية ومن القطاع الخاص.

■ هل يمكن أن تطلعنا على برامج سلطنة عمان خلال المعرض؟

- يبدأ البرنامج الثقافى لسلطنة عمان فى معرض الكتاب فعالياته يوم ٢٤ يناير الجارى، أى بعد يوم واحد من افتتاح المعرض، ويستمر حتى نهاية المعرض فى شهر فبراير. 

ويتضمن البرنامج أكثر من عشرين ندوة ومحاضرة يشارك فيها مثقفون عمانيون ومصريون فى مجالات متنوعة، مع التركيز بشكل خاص على صناعة النشر والتحديات التى تواجهها، بالإضافة إلى مناقشة قضايا النشر فى مجالى الشعر والموسيقى.

■ كيف تسهم سلطنة عمان فى دعم النشاط الثقافى خاصة أن السلطان هيثم بن طارق كان وزيرًا للثقافة فى عهد الراحل السلطان قابوس؟

- عندما كان السلطان هيثم بن طارق وزيرًا للثقافة، كان يحرص على حضور معظم الأنشطة الثقافية فى مصر، وكان يشدد على دعم الثقافة كجزء من مشروع التنمية الذى بدأ فى عام ١٩٩١ فى عهد السلطان قابوس. 

وشهدت وزارة الثقافة تطورًا ملحوظًا فى تلك الفترة، ما ساعد فى تعزيز دور الثقافة فى المجتمع، واليوم، وبالرغم من تغيير اسم الوزارة إلى «وزارة الثقافة والرياضة والشباب»، فإن هذا التغيير يعكس اهتمامًا أكبر بالشباب وربطهم بمختلف جوانب الحياة الثقافية، وقد أسهم عدد من الشخصيات البارزة مثل جوخة الحارثى وبشرى خلفان فى هذا التحول الثقافى الكبير.

وهذا يظهر مدى اهتمام الشباب العمانى بمتابعة مستجدات قضايا الإبداع والابتكار، ما يبرز أن سلطنة عمان عبر تاريخها، كانت حاضنة للمبدعين فى شتى المجالات، وتستمر هذه الروح الإبداعية عبر الأجيال، من الأجداد والآباء الذين قدموا العديد من الإبداعات العمانية التى أثرت فى الأدب والشعر والرواية وغيرها من المجالات الثقافية. 

والعديد من هذه الأسماء تدرج اليوم ضمن قائمة اليونسكو، مثل أحمد بن ماجد الملاح الذى اشتهر بلقب «أسد البحار»، كما يبرز الخليل بن أحمد الفراهيدى، العالم اللغوى العبقرى الذى وضع علم العروض والشعر، وكذلك نور الدين السامى، المؤرخ والفقيه العمانى، ولا يمكن نسيان السلطان أحمد بن سعد البوسعيدى، الذى كان له دور كبير فى تعزيز مكانة السلطنة فى الخليج العربى والمحيط الهندى.

■ ما دور المجمع العمانى الثقافى.. وما هى الاستراتيجية الثقافية التى أطلقتها السلطنة؟

- يجسد الاهتمام الحقيقى بالثقافة جانبًا مهمًا من جهود الدولة العمانية، حيث تدرك السلطنة أن الثقافة تشكل عنصرًا أساسيًا فى بناء أى دولة. 

ويعتبر الاهتمام بالمبدعين جزءًا لا يتجزأ من هذه الرؤية الشاملة، وقد أكدت خطة عمان ٢٠٤٠ أهمية الثقافة فى بناء المجتمع، معتبرة إياها جزءًا من القوة الناعمة للبلاد، خاصة أن سلطنة عمان تتميز بغنى تراثها الثقافى والفنى.

وتبذل وزارة الثقافة العمانية جهودًا كبيرة فى طباعة ونشر المنتج الثقافى العمانى منذ عام ١٩٧٠، وأثمرت هذه الجهود عن إنتاج ثقافى ثرى يحظى باهتمام الباحثين والأدباء العمانيين من داخل السلطنة وخارجها، وأسهم فى إثراء المكتبة العربية بشكل عام والدراسات الأكاديمية للباحثين فى الدراسات العليا على وجه الخصوص.

ويأتى إطلاق مشروع المجتمع الثقافى فى قمة اهتمامات سلطنة عمان، وذلك باهتمام شخصى من جلالة السلطان هيثم بن طارق، انطلاقًا من إدراكه العميق لأهمية الثقافة.

■ يُتّهم المثقفون العرب دائمًا بأنهم يعشيون فى عزلة عن القضايا القومية.. كيف تقيم اتجاهات المثقفين العمانيين؟

- يعتبر المثقفون العمانيون جزءًا لا يتجزأ من المحيط العربى، يتفاعلون مع قضاياه وآلامه وأفراحه، ويحملون همومه، ويجسد ذلك جليًا فى إبداعات الشباب العمانى الذين حصدوا جوائز عربية وعالمية، وكذلك فى أشعارهم التى تعكس هذا الهم العربى والإنسانى، وهذه الأعمال الفائزة لم تنل التكريم من فراغ، بل جاءت نتيجة تناولها قضايا الإنسان وهمومه، وإبرازها للدور الحضارى العمانى.

إن المثقف العمانى حاضر بقوة فى المشهد السياسى العربى والعالمى على حد سواء، فكل مبدع، أداته الأساسية هى الغوص فى سرد القضايا التى تهم الإنسان، انطلاقًا من دوره كضمير للأمة والمجتمعات. وهذا الناتج الأدبى والثقافى يحمل هذه الهموم، وبالتالى لا ينفصل عن المحيط العربى.

■ كيف ترى صعود المرأة بشكل ملفت فى المشهد الثقافى العمانى، خصوصًا فى الأدبى النسوى؟

- للمرأة العمانية دور تاريخى بارز فى مختلف المجالات، وخاصة فى الإبداع الفنى، وقد أسهمت عوامل عديدة فى تمكينها وبروزها، من بينها توفر بيئة مشجعة، وفرص التعليم المتاحة، بالإضافة إلى الإرث الغنى من إبداعات الجيل السابق. 

ونتيجة لذلك، تواصل المرأة العمانية مسيرتها الإبداعية بثبات، وقد برزت بشكل ملفت فى مجالات القصة والشعر والرواية والدراسات العلمية.

ويعود هذا التطور الملحوظ إلى انطلاق مسيرة التعليم بشكلها الحديث فى سلطنة عمان عام ١٩٧٠، وما تلاها من دعم مقدم من المؤسسات العمانية المعنية بالتعليم والثقافة، وقد أثمر هذا الدعم عن ظهور أسماء لامعة فى سماء الإبداع العمانى، من بينهن، عائشة السيفى التى التى فازت بجائزة أمير الشعراء، وجوخة الحارثى التى برزت فى مجال الرواية، وبشرى خلفان التى تعد من الكاتبات العمانيات المتميزات فى مجال الرواية أيضًا.

■ عشت فى مصر فى شبابك ودراستك الجامعية كانت فى جامعة الإسكندرية.. هل هناك فروق جوهرية بين الثقافتين المصرية والعمانية؟

- أنا خريج جامعة الإسكندرية، وتشرفت بنيل جائزة مصطفى أمين للصحافة فى عام ١٩٩٨، بعد أن تخرجت فى عام ١٩٨٩، حيث كنت الأول على دفعتى. 

وكما تعلمون، جائزة مصطفى أمين تمنح لأهم مقال صحفى، وأفضل تقرير، وأفضل مصور صحفى.

أما فيما يتعلق بالثقافة، فلا شك أن هناك نوعين رئيسيين: الثقافة العامة العربية، والثقافة الفرعية التى تشمل ثقافات معينة مثل الثقافة المصرية والعمانية، وكما هو معلوم، كلتا الثقافتين تتأثر بشكل كبير بالدين الإسلامى والتقاليد العربية، وتتميز بالإبداع فى مجالى الأدب والفن.

ويستطيع الصحفى والمتابع أن يلاحظ أن الفروق بين الثقافة العمانية والمصرية قد تقلصت بشكل كبير، فهناك العديد من العوامل المشتركة بينهما، مثل التأثر بالإسلام والعروبة، بالإضافة إلى الدور الكبير الذى لعبه الأستاذ المصرى فى نقل وتطوير التعليم فى سلطنة عمان، ما أسهم فى نشر الثقافة العمانية والعربية بشكل عام.

■ ما أوجه التعاون الثقافى العمانى المصرى؟

- يوجد تعاون مستمر بين مصر وسلطنة عمان فى كل المجالات، وفى إطار الدبلوماسية الثقافية، يشمل التعاون مجالات عديدة، منها الاهتمام بالتراث والوثائق والمخطوطات بين البلدين، وهناك مذكرة تفاهم سيتم التوقيع عليها لتعزيز هذا التعاون. 

كما يشمل التعاون تنظيم معارض مشتركة، ونرى مشاركة واسعة من العمانيين فى الأنشطة الثقافية والفنية فى مصر، والعكس صحيح فى سلطنة عمان. 

ويظهر التفاعل القوى من مؤسسات النشر المصرية مع سلطنة عمان من خلال طباعة العديد من الكتب فى مصر، وهذا الفضاء الواسع يحظى بلا شك باهتمام من الحكومتين.

كما نرى مشاركة عمانية فعالة فى مؤتمرات الشباب، الذى يعد مبادرة رائعة من الرئيس عبدالفتاح السيسى، وهذه الأنشطة تجسد مفهوم التعاون بين البلدين، وهى فى ازدياد مستمر.

■ كم يبلغ حجم التبادل الطلابى بين الجامعات المصرية والعمانية؟

- التعاون فى مجال التعليم بين مصر وسلطنة عمان قديم جدًا، ومصر من أولى الدول التى استعنا بها لتعليم أبنائنا، منذ بداية النهضة فى السبعينيات وحتى الآن. 

ويمكن وصف علاقة الطالب العمانى بالجامعات المصرية بالتاريخية، والبعثات التعليمية العمانية إلى مصر مستمرة، ووصلت إلى ٣٠٠٠ طالب وطالبة فى بعض السنوات. وأنا على المستوى الشخصى، كنت أحد الذين تلقوا التعليم فى جامعة الإسكندرية، التى أعتز بها كثيرًا.

لدينا الآن ١٥٥٠ طالبًا وطالبة يدرسون فى مختلف الجامعات المصرية، رغم وجود كثير من الجامعات فى عمان، على رأسها جامعة «قابوس» وغيرها، ولولا وجود هذا الجامعات العمانية، لزادت أرقام الطلاب العمانيين فى الجامعات المصرية.

جودة التعليم المصرى، واهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسى بتطويره، يحفز العائلات العمانية على إرسال أبنائهم للتعلم فى مصر، خاصة أن اللغة واحدة، والعلاقات بين البلدين تاريخية وممتدة، إلى جانب كرم وأخلاق المصريين، والتى لا تجعل العمانى يشعر بأى غربة فى مصر.

فى المقابل، يعيش بيننا فى سلطنة عمان أكثر من ٧٠ ألف مصرى، يتعلمون فى المدارس والجامعات العمانية، من خلال البعثات التعليمية المشتركة، وبالتنسيق مع وزارتى الخارجية فى البلدين. وكما قلت من قبل، مصر كانت سببًا فى تكوينى المعرفى والتعليمى، وجميعنا يشعر بعاطفة تجاه هذه البلد الرائدة فى مجالات كثيرة وليس التعليم فقط.

■ ماذا عن الفرص الاستثمارية المتبادلة بين البلدين؟

- الفرص الاستثمارية فى عمان موجودة ضمن خطة ٢٠٤٠، التى سبق أن أشرت إليها، ونحن كسفارة وكلت إلينا عملية الترويج لهذه الفرص، التى عرضناها بالفعل فى كثير من اللقاءات مع رجال الأعمال، إلى جانب ندوات فى السفارة وخارجها، وزيارات بين الغرف التجارية، وإلى بعض المهتمين بالاقتصاد فى مصر.

وينظر الإخوة المصريون إلى هذه الفرص الاستثمارية باهتمام شديد، فى ظل التوجه المصرى للبحث عن فرص استثمارية خارجية لتعزيز النقد الأجنبى، وهناك الكثير من المصريين زاروا سلطنة عمان، ويتطلعون للمشاركة فى الفرص الاستثمارية المختلفة الموجودة لدينا، خاصة فى الصناعة والأمن الغذائى، إلى جانب النقل.

■ سوق النشر العالمية تواجه الكثير من التحديات.. ما الوضع فى عمان؟

- الجيل الجديد يفضل قراءة الكتب الرقمية. ورغم أن هناك جيلًا آخر ما زال يرى فى الكتاب الورقى بين يديه متعة، هناك ضغط على الشركات المنتجة للورق، باعتبار هذه الصناعة تضر بالبيئة، وعندما كنت رئيس «مؤسسة عمان للصحافة»، اطلعت بنفسى على أزمة ارتفاع سعر الورق، وكل هذه تحديات كبيرة أمام إنتاج الكتاب وجعله فى متناول القارئ بسعر معقول.

أحيى هنا إطلاق مصر مبادرة «المليون كتاب»، برعاية وزارة الثقافة وبتوجيه من الرئيس عبدالفتاح السيسى، وهى مبادرة فى غاية الأهمية، نظرًا للحاجة إلى المعرفة فى عصرنا الحالى، الذى طغت عليه «التفاهة»، وهذه أزمة عالمية وليست عربية فقط.

كيف ترى التعاون السياحى بين مصر وسلطنة عمان؟

لدى البلدين ثراء من التراث الإنسانى الكبير، الحضارة الفرعونية مقصد لكل سائح، والتنوع الجغرافى سمة سائدة فى سلطنة عمان، حيث أكثر من مناخ فى فصل واحد، وحيث لا يوجد صيف فى محافظة ظفار، بما يجعلها جاذبة للسياحة، بالإضافة إلى مهرجان صلالة، والكثير من القلاع والحصون والمتاحف الأثرية. حرصنا فى سفارة سلطنة عمان على أن يكون جزءًا من نشاطنا الترويج للسياحة فى بلدنا، التى لديها خطة حتى 2040 لتنويع اقتصادها، وعدم الاقتصار على النفط فقط، بما يتضمنه ذلك من اهتمام بتطوير السياحة وجذب الاستثمارات المتعلقة بها، إلى جانب التعليم والتحول إلى الطاقة النظيفة، بل والوصول إلى «صفر انبعاث كربونى» فى 2050.