الخميس 30 يناير 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

ماذا يقرأ العالم الآن؟

كيف توظف إسرائيل «المحرقة» فى ارتكاب «هولوكست غزة»؟

حرف

يصدر كتاب «The World After Gaza» أو «العالم بعد غزة»، عن دار النشر البريطانية العريقة «بنجوين»، فى ١١ فبراير المقبل، من تأليف الكاتب الهندى بانكاج ميشرا، الحائز على جائزة «ويستون» الدولية لعام ٢٠٢٤، بالإضافة إلى جائزة «ويندهام كامبل» للكتابات غير الخيالية لعام ٢٠١٤.

يكشف «ميشرا» فى الكتاب الجديد كيف تستغل إسرائيل «نسخة معينة» من «الهولوكوست» لإضفاء الشرعية على الصهيونية التوسعية، ليصبح استحضار ذكرى «الهولوكوست» هو الحملة الدعائية الرئيسية التى تستخدمها تل أبيب لتبرير العنف والاحتلال.

ويصف الكاتب المشهد غير القابل للتفسير، الذى يتجلى فى تجاهل النخب الغربية وتبريرها لمذابح وتجويع الفلسطينيين فى غزة، مقارنًا ذلك بالموقف والإجماع العالمى على «الهولوكوست»، وتعاطف الغرب مع إسرائيل بسبب هذه «المحرقة».

ويشرح الثمن الباهظ الذى ترتب على هذه السلبية، فى مواجهة الفظائع الإسرائيلية والدولية تجاه الفلسطينيين، مؤكدًا أنه «لا يمكن وصف تدمير غزة كرد فعل، بل يعتبر امتدادًا وحشيًا لالتزام إسرائيل المتجدد بتطهير الأراضى التى ليست ملكًا لها».

ويجيب الكاتب عن السؤال الذى طرحه ووضعه كعنوان للكتاب: «العالم بعد غزة»، مؤكدًا أنه سيكون «عالمًا غارقًا فى التآكل الأخلاقى، مع تعرض كل معايير الأخلاق الأساسية للتهديد بشكل لم يسبق له مثيل، وعمل المجتمع الدولى والغرب على تغذية الاستياء والغضب والعداء بشكل علنى تجاه المجموعات الأضعف».

وفى الكتاب المؤلف من ٣٠٠ كلمة، يحاول الكاتب أن يساعد القراء على فهم الفروق للحرب فى غزة، باعتبارها نسفت فكرة حقوق الإنسان، وفتحت نافذة على هاوية الانحلال الأخلاقى فى العالم.

ويجيب الكتاب عن سؤالين محيّرين، الأول: كيف تمكنت إسرائيل من ممارسة مثل هذه القوة الرهيبة المتمثلة فى الحياة والموت على سكان غزة؟، والثانى: كيف يمكن للتيار السياسى والصحفى الغربى أن يتجاهل بل ويبرر قسوتها وظلمها المنهجى الواضح؟

يقول الكاتب: «للإجابة عن السؤال الأول، يجب أن نفهم أنه عندما نتحدث عن ضحايا التاريخ، نميل إلى منحهم أخلاقًا متفوقة. نعتقد أنه لمجرد أنهم عانوا، فلن يلحقوا المعاناة بالآخرين. اتضح فى كل حالة تقريبًا أن الأشخاص الذين عانوا غالبًا ما يميلون إلى التصرف، فى بعض الأحيان، بقسوة شديدة تجاه الأشخاص الأضعف»، مضيفًا: «الإسرائيليون الذين يستغلون (المحرقة)، هم أنفسهم مَن تسبب فى نزوح الملايين من الفلسطينيين، وقتل ملايين الضحايا، وهو ما يشكل حقيقة تاريخية يصعب للغاية استيعابها».

ويواصل: «للإجابة عن السؤال الثانى: لماذا تغض الدول الغربية القوية الطرف عن انتهاكات إسرائيل للقانون الدولى والأخلاق الأساسية؟ يجب أن نعرف أن هناك عدة أسباب. هناك عامل قوى للغاية يتمثل فى الشعور بالذنب. والحقيقة أن أغلب الدول الأوروبية كانت متواطئة فى (المحرقة)، وحتى تلك التى حاربت النازيين، كانت مترددة للغاية، فى قبول اللاجئين اليهود أثناء وبعد المحرقة. هذه حقيقة غير عادية. والأجيال اللاحقة التى نشأت وهى تشعر بوعى أكبر بهذه الحقيقة تشعر بالتزام تجاه دولة إسرائيل».

ويُكمل: «العامل الآخر هنا هو أن الرأى العام المنظم لصالح إسرائيل أصبح أقوى بكثير مما كان عليه فى الماضى. وهذا نتيجة لجهود الضغط المكثفة التى تبذلها إسرائيل. والحقيقة أن إسرائيل أنشأت شبكة من المتعاطفين فى مختلف أنحاء أوروبا الغربية، خاصة فى الولايات المتحدة، حتى أن جيمى كارتر، الرئيس الأمريكى الراحل، وبعض أكثر الساسة خبرة، قالوا إن من يعارض إسرائيل، بصفتك سياسيًا فى الولايات المتحدة، أو عضوًا فى الكونجرس، أو عضوًا فى مجلس الشيوخ، من المرجح جدًا أن يتم طردك. وهذا بمثابة انتحار مهنى».

ويتابع: «لقد وصلت قوة الجهود الدعائية الإسرائيلية إلى نقطة حيث أصبح انتقاد إسرائيل انتحارًا سياسيًا. وهذا يعنى أن إسرائيل تتمتع اليوم بالإفلات التام من العقاب. لقد رأينا الأخبار التى تفيد بأن الكونجرس الأمريكى أقر قرارًا يعاقب سلطات المحكمة الجنائية الدولية ويصدر عقوبات ضدها. لماذا؟ لأن هؤلاء الأشخاص أصدروا أوامر جنائية ضد بنيامين نتنياهو. إن أعلى السلطات القانونية تتعرض اليوم للعقوبات من قبل الساسة الأمريكيين، لأنهم تجرأوا على توجيه اتهامات جنائية ضد الساسة الإسرائيليين. هذه هى الحالة التى نعيشها اليوم. كل مؤسسة كبرى تتعرض للهجوم إذا لم تكن تلك المؤسسة داعمة بشكل كافٍ لدولة إسرائيل».

وعلى الرغم من الدعم الغربى وقوة الضغط الإسرائيلى، لكن الكاتب يؤكد أن إسرائيل فى وضع ضعيف للغاية، مضيفًا: «فقط لأنك تستطيع تفجير أجهزة النداء (البيجر) فى لبنان، ويمكنك تدمير أجزاء كبيرة من غزة، وتدمير الموانئ فى اليمن، وتدمير البحرية السورية، فهذا لا يعنى أنك آمن ومضمون مستقبل مستقر كدولة قومية. بل على العكس من ذلك تمامًا. أنت تعرض نفسك بطريقة ما للضعف والحرب المستمرة لفترة طويلة للغاية، ولا يمكن لأى دولة حديثة أن تنجو من الحرب المستمرة».

ويضيف: «لقد غادر بعض أكثر الأشخاص موهبة فى إسرائيل البلاد، أو يخططون لمغادرتها والانتقال إلى أماكن يسهل فيها إنشاء الأعمال أو العمل. إنها حقيقة أساسية فى التاريخ البشرى، إنه بغض النظر عن مدى نجاح أى دولة فى خوض معاركها، لا تستطيع أن تثير عداوة جيرانها باستمرار، ولا تستطيع أن تنتهك قوانين الحرب باستمرار، وتشن الحرب بشكل أساسى».