الأربعاء 05 فبراير 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

شيكات البيت الأبيض.. كيف أدار رؤساء أمريكا أموالهم؟

حرف

هل كان هارى ترومان أفقر رئيس أم أنه كان ببساطة رجلًا يستيقظ فى الثانية صباحًا ويعانى القلق المالى؟ وهل تلقى كالفين كوليدج «الرئيس الـ30 لأمريكا» نصيحة سيئة من سمسار البورصة الخاص به لشراء الأسهم فى عام 1930 مع استمرار انهيار السوق؟ وهل صحيح أن جورج واشنطن «أول رئيس لأمريكا» عزز صافى ثروته بالزواج من امرأة أكبر منه سنًا؟

غالبًا ما نفكر فى رؤساء الولايات المتحدة على أنهم فوق معركة البحث عن الأموال. لكن الحقيقة هى أن هؤلاء الرؤساء مثلنا تمامًا، يقلقون بشأن المال، ويحاولون الالتزام بالميزانية، ويطاردون الحلم المالى الأمريكى. 

وبينما حقق بعض الرؤساء مثل هربرت هوفر «الرئيس الـ31 لأمريكا» وجيرالد فورد «الرئيس الـ38 لأمريكا» نجاحًا كبيرًا بالمال، كافح آخرون مثل توماس جيفرسون «ثالث رئيس لأمريكا» وجو بايدن للحفاظ على أسلوب حياتهم.

فالقدرة على الفوز برئاسة أمريكا، الدولة صاحبة أكبر اقتصاد فى العالم ليست ضمانًا للأمان المالى، على الرغم من أنها مسار أسهل بكثير لتحقيق الربح، هذا ما تكشفه لنا ميجان جورمان المحامية الضريبية ومؤرخة ومديرة الثروات من خلال رحلة تأخذنا فيها لفهم القصص المالية الشخصية لرؤساء الولايات المتحدة وكيف بنوا ثرواتهم- أو لم يفعلوا ذلك.

حيث ترصد فى كتابها «كل أموال الرؤساء: كيف أدار الرجال الذين حكموا أمريكا أموالهم» قصص حيوية عن كيف أن بعض أعظم القادة الأمريكيين هم أسوأ مديرى الأموال، وكيف أن الرؤساء الأقل تفضيلًا بارعون فى ربح الأموال.

الكتاب الذى صدر بنهاية سبتمبر 2024، عن دار نشر «ريجالو برس» الأمريكية، يأتى فى 312 صفحة، ويعتبر من أفضل الكتب مبيعًا حسب تصنيف صحيفة «يو إس إيه توادى» و«بابليشرز ويكلى» المتخصصة فى مراجعات الكتب.

حظ النجاح

تبدأ مؤرخة الثروة ميجان جورمان كتابها، بحقيقة أن الرؤساء يشبهون إلى حد كبير أى شخص آخر. فبعضهم يولدون أغنياء، وبعضهم فقراء، وبعضهم من المدخرين المتحمسين، وبعضهم من المنفقين القهريين. وبعضهم متهورون، وبعضهم لا يخوضون سوى مجازفات محسوبة بعناية. 

وتشير إلى أنه كما يتحدد الأداء الاقتصادى لإداراتهم إلى حد كبير بعوامل خارجة عن سيطرتهم، فإن النجاح المالى للرؤساء، مثل أى شخص آخر، يحكمه جزئيًا الحظ الأعمى، وهناك منهم من كان يتمتع بلمسة ذهبية أو مجرد حظ سعيد, بينما البعض الآخر انتهى بهم المطاف إلى الفشل المالى.

وتوضح الكاتبة كيف يؤثر العديد من العوامل على المرونة المالية والنجاح فى كثير من الأحيان، زاعمه أن العديد من الأمور يمكن أن يؤثر على كيفية تعامل المرء مع المال، مثل الزواج من الشخص المناسب أو متابعة تعليم معين، وتتضمن صفات مثل الشجاعة أو الثقة أو تحمل المخاطر. وتستمد حكاياتها من البحث فى الأرشيفات الرئاسية والتاريخية عن هذه الأفكار المالية، حيث يغطى أحد الفصول أمثلة لكيفية تأثير التعليم على مالية جون آدامز «الرئيس الثانى لأمريكا» وأبراهام لينكولن «الرئيس الـ١٦ لأمريكا»، ودوايت أيزنهاور «الرئيس الـ٣٤ لأمريكا» ورونالد ريجان «الرئيس الـ٤٠ لأمريكا»، وجورج بوش الأب «الرئيس الـ٤١ لأمريكا»، وباراك أوباما «الرئيس الـ٤٤ لأمريكا»، بينما يتعمق فصل آخر فى مثالين للقلق المالى والرفاهة المالية «هارى ترومان «الرئيس الـ٣٣ لأمريكا» وجيرالد فورد».

أحجار الأساس

تتناول المؤلفة تعامل رونالد ريجان مع المال، حيث تقول إنه كان يبدو دائمًا أنيقًا وثريًا للغاية، لكنه نشأ فى بلدة صغيرة من الولاية الأمريكية إلينوى، وكان والده بائع أحذية فى متجر كبير ومدمنًا للكحول.

ولحسن حظ ريجان، لم ينظر إلى هذا الأمر على أنه أكثر من مجرد مرض، حيث كان والده ينفق أمواله على الحانات، وفى المقابل كانت والدته متدينة وصارمة تحاول أن تبقيهم على قيد الحياة، وفى النهاية اضطروا لمغادرة المدينة لاستئجار منزل جديد بعد نفاد أموالهم.

وتشير مؤرخة الثروة إلى أن ريجان استوعب هذه التجربة بطريقة فريدة جدًا، حيث تعلم من مراقبة ما حدث مع والده وكيف خططت والدته للميزانية، إنه إذا عمل فسوف يكون قادرًا على وضع الميزانية. 

وعندما التحق بالجامعة، ألقى مدرب كرة القدم نظرة واحدة عليه كرجل ضخم وطويل وعريض، فبدا له وكأنه لاعب كرة قدم مذهل، فأنشأوا له منحة دراسية على الفور، وعمل أثناء دراسته فى إحدى الجمعيات.

وتصف جورمان ريجان بأنه كان بارعًا فى بناء وتأسيس أحجار الأساس، فكان يحرص على بناء علاقات مع رجال يفهمونه أكثر منه. وكان هذا مهمًا. ومنهم والد صديقته الذى كان من أوائل مرشديه ومعلميه، الذى زرع فى نفسه القدرة على الادخار. 

ثم شق ريجان طريقه إلى هوليوود، ومع دخوله إلى هوليوود، تعلم كيفية التفاوض على العقود. وحصل على أول عقد له، حيث كان يكسب نحو ١٠ آلاف دولار سنويًا فى عام ١٩٣٧. ومع تقدمه فى مسيرته، تعلم من خلال العلاقات كيفية مقابلة أشخاص ساعدوه فى النهاية على الوصول إلى منصب رئيس نقابة ممثلى الشاشة.

ومن هناك، تعرف على رجل يدعى «لو واسرمان»، الذى كان وكيلًا كبيرًا فى ذلك الوقت وكان لديه عميل هو «جنرال إلكتريك»، وكانت جنرال إلكتريك تريد تقديم البرنامج الأسبوعى فى الخمسينيات، حيث كان من المقرر أن يكون برنامجًا تليفزيونيًا يتضمن عروضًا منوعة. 

أقنع جنرال إلكتريك بتعيين ريجان، وحصل ريجان على ١٢٥٠٠٠ دولار سنويًا لتقديم هذا البرنامج. وقام بتقديم البرنامج، كما سافر إلى جميع الأنحاء للتحدث إلى موظفى جنرال إلكتريك. 

ومن هنا بدأ ريجان فى بناء الثروة، بعد أن استطاع جنى الأموال ثم وضع ميزانية لا مثيل لها، وتشير الكاتبة إلى أنه كان مقتصدًا للغاية فى بعض الأحيان، فعندما اشترى هو ونانسى ريجان منزلهما الأول، وضع ميزانية بحيث قال، نانسى، انظرى، يمكننا شراء المنزل، لكننا لن نمتلك أثاثًا لفترة من الوقت، وكانت نانسى موافقة على ذلك. 

كان رونالد ريجان ونانسى ريجان متوافقين تمامًا عندما يتعلق الأمر بالمال. وتعلق المؤلفة: يمكنك أن ترى اليوم عندما تذهب إلى مكتبة ريجان، ثمار كل جهوده. لقد كان بارعًا فى التعامل مع المال.

صناعة الثروة

وترى مؤرخة الثروة أن هربرت هوفر رغم شهرته كواحد من أسوأ الرؤساء الأمريكيين بسبب إدارته لانهيار سوق الأوراق المالية والسنوات الأولى من الكساد الأعظم، إلا أنه كان الرئيس الأفضل فى التعامل مع الشئون المالية الشخصية.

وتقول: «كانت رئاسته على الأرجح أسوأ أربع سنوات فى حياته المهنية» إذا استبعدنا الوقت الذى قضاه فى منصبه من عام ١٩٢٩ إلى عام ١٩٣٣، فإن بقية حياة هوفر أظهرت أنه فهم أساسيات الميزانية وتجميع الثروة والإنفاق الذكى، وذلك أكثر بكثير من الرجال الستة والأربعين الآخرين الذين شغلوا المنصب حتى الآن فى التاريخ الأمريكى.

وتوضح جورمان أن هوفر كان جيدًا جدًا فى إدارة شئونه المالية الخاصة بطريقة ما. حيث لم يولد ثريًا، مثل العديد من رؤساء أمريكا السابقين، بل كان يتيمًا يكسب نفقات معيشته فى جامعة «ستانفورد» المجانية، من خلال بدء خدمة غسل الملابس وتوزيع الصحف. ثم شق طريقه من قاع عالم أعمال التعدين، ليصبح مليونيرًا عندما كان صغيرًا جدًا.

أغنى الرجال

تنتقل الكاتبة إلى قصة أخرى للوصول إلى الثروة، وهى للرئيس ميلارد فيلمور «الرئيس الـ١٣ لأمريكا» الذى كان فقيرًا مثل أبراهام لينكولن، وربما أكثر فقرًا منه، ومحرومًا جدًا فى طفولته. وهو ما انتهى به إلى الحصول على تدريب فى مطحنه، وهو ما كان يكرهه، لكنه كان يوفر لعائلته المال، ويعطيه القليل من المال للمشاركة فى مكتبة متنقلة، تتيح له التعلم بما يكفى، لينتهى به الأمر ككاتب ويصبح محاميًا. وتقول المؤلفة، إن فيلمور كان ينتمى إلى الطبقة المتوسطة العليا إلى حد كبير على مدار حياته، لكن بعد رئاسته، ووفاة زوجته، تزوج من امرأة أخرى ثرية، وهو ما جعله ينهى أيامه فى بوفالو، نيويورك، كواحد من أغنى الرجال فى المدينة.

تكاليف التعليم

واحد من المؤشرات التى رصدتها مؤرخة الثروة فى كتابها هو كيفية دفع رؤساء أمريكا لتكاليف تعليمهم، لافتة إلى أن معظمهم دفعوا القليل جدًا مقابل دراستهم، مثل ريتشارد نيكسون «الرئيس الـ٣٧ لأمريكا» الذى كان يدفع ٢٣٠ دولارًا سنويًا. 

فى حين لم يحصل سوى اثنين من رؤساء أمريكا الستة والأربعين على قروض طلابية، وهم بيل كلينتون وباراك أوباما، وتوضح جورمان أن أوباما تراكم عليه الكثير من الديون بسبب دراسته للقانون فى «هارفارد»، رغم أنه كانت لديه منحة دراسية كاملة للالتحاق بجامعة «نورث وسترن»، لكنه أراد أن يصبح رئيسًا وكان يعلم أن هارفارد هى الطريق الصحيح. 

وهو نفس الشىء الذى حدث مع بيل كلينتون، فقد كانت لديه طموحات عالية، لذا فإن الاقتراض للالتحاق بكلية الحقوق بجامعة «ييل» كان أمرًا استراتيجيًا بالنسبة له.

تعقيدات مالية

جورج بوش الأب

حسب الكاتبة، واجه بعض رؤساء أمريكا السابقين مشاكل مالية حقيقية عندما كانوا فى مناصبهم مثل الديون والصفقات التجارية السيئة وغيرهما من التعقيدات، على سبيل المثال، استشهدت برسالة من ليندون جونسون «الرئيس ٣٦ لأمريكا» حول الاستيقاظ فى الساعة الثانية صباحًا، بسبب القلق بشأن شئونه المالية الخاصة.

أما توماس جيفرسون، فكان ينفق الكثير من أمواله على الترفيه والحفلات مثل الطعام والنبيذ الفاخر، وهو الشخصية التى تصفها المؤلفة بأنها تمثل حالة رائعة لما لا ينبغى فعله بالنسبة للتعامل مع المال.

وتحكى مؤرخة الثروة أن جيفرسون ورث نصيبه من ممتلكات والده، نحو ٥٠٠٠ فدان، عندما كان فى الرابعة عشرة من عمره، لكنه كان ينفق الكثير، ثم بدأ فى الاقتراض على أمل السداد، لكنه كان تاريخيًا منشغلًا بكل اللحظات الرائعة فى يومه.

وكانت ديونه تعادل مليونى دولار بأسعار اليوم، فقرر طرحها فى مزاد ثم تم إيقافه، ولم يتم جمع المال الكافى لسداد الديون، وكانت المأساة أنه مات ولا يزال مدينًا، وورثت عائلته أصول مغطاة بالديون، واضطروا للبدء فى بيع الأشياء.

وتوضح المؤلفة أن هارى ترومان وقع فريسة لمخططات الثراء السريع، بينما كانت صفقات النفط التى أبرمها «جورج دبليو بوش» أثناء تولى والده منصب الرئيس تبدو سيئة، هذا بالإضافة إلى فضيحة «وايت ووتر» التى أطاحت بالرئيس بيل كلينتون.

وتقول مؤرخة الثروة، إن فرانكلين روزفلت «الرئيس الـ٣٢ لأمريكا» عندما كان يحتاج إلى المال، كان يطلب من والدته ديلانو التى كانت وصية على أمواله بعد وفاة والده، لذا عندما تنظر إلى المراسلات بينه وبين والدته، تجد دائمًا أحاديث عن المال. 

وتوضح أنه استثمر فى المناطيد والتكنولوجيا المبكرة فى ذلك، فخسر كل أمواله، كما استثمر فى الجراد البحرى «الاستاكوزا»، وهو أمر مجنون لأن هذا الجراد كان طعام الأثرياء للغاية، وفى نهاية المطاف، لم تدر الشركة بالطريقة الصحيحة، فخسر الأموال.

ريع المنصب

أوباما وأسرته

وتقول الكاتبة إن رواتب رؤساء أمريكا ليست كبيرة على الإطلاق، حتى إن الرئيس السابق بايدن كان يحصل على ٤٠٠ ألف دولار سنويًا، لكنها تشير إلى أن الرؤساء مسئولون عن الكثير من الأمور على الصعيد الشخصى. 

على سبيل المثال هم مسئولون عن كل الطعام الذى يقدم فى البيت الأبيض. وإذا قرأت أو استمعت إلى بعض ما يقوله الرؤساء والسيدة الأولى، فسوف تجد أن هذا الأمر يثير جنونهم، لأنه باهظ التكاليف بشكل لا يصدق.

وتروى المؤلفة أن ميشيل أوباما اشتكت من تكلفة المعيشة فى البيت الأبيض فى برنامج حوارى، لأن الأسرة الأولى كانت لا تزال مسئولة عن نفقات معيشتها أثناء الخدمة. 

وتعلق: «كان عليها أن تخبر زوجها بعدم التعبير بصوت عال عن الرغبة الشديدة فى تناول أى طعام معين، وإلا فستتلقى فاتورة لخوخ تم إحضاره جوًا مقابل ٥٠٠ دولار».

وتحكى مؤرخة الثروة عن أن جون كينيدى «الرئيس الـ٣٥ لأمريكا» كان يتصرف بجنون مع فريقه عندما كانوا يقيمون حفلات كوكتيل، وكان يقول لخدم البيت الأبيض: «لا تملأوا أكواب الشامبانيا حتى يشربوا الكوب بالكامل»، لأنه لم يكن يريد أن ينفق أكثر مما ينبغى.

ومن الأشياء الأخرى التى هم مسئولون عنها هى الهدايا لرؤساء الدول الآخرين، والتنظيف الجاف، والملابس، والمناسبات الخاصة، وتقول جورمان: مع ذلك، من الجيد حقًا اليوم فى عصرنا الحديث أن تكون رئيسًا، لأن الحياة بعد الرئاسة مربحة بشكل لا يصدق، فجميع رؤساء الولايات المتحدة تقريبًا حتى الآن، انتهى بهم الأمر إلى تحسن حالتهم المالية بعد مغادرتهم المنصب، حيث جنى بعضهم الملايين.

وتضرب الكاتبة مثالًا على ذلك، حين تقول إن الأموال الحقيقية لم تبدأ فى التدفق إلا بعد حصول جيرالد فورد وزوجته على صفقات كتابية بعد الرئاسة، سمحت لهما بالتقاعد فى كاليفورنيا، بالإضافة إلى رسوم التحدث ومقاعد مجلس الإدارة والمؤسسات التى يجب مراعاتها.

وهى الصيغة التى ابتدعها فورد، فقبله لم يكن هناك أى ضمانات بالحصول على المال عند ترك البيت الأبيض بعد انتهاء فترة الرئاسة، لكنه بعد أن ترك المنصب، كان واضحًا للغاية، وقال: انظروا، أنا شاب، أنا فى أوائل الستينات من عمرى، وأنا رأسمالى، وسأعمل على جنى المال.

وتقول المؤلفة: إن كل رئيس من فورد وما بعده، يجب أن يرفعوا قبعتهم له، وحقيقة أنه غير الصورة البصرية للرؤساء الذين يكسبون المال.

وتلفت مؤرخة الثروة إلى أن بعض الرؤساء فعلوا كثيرًا من الخير بعد ترك مناصبهم، مثل هربرت هوفر، فالمال كان وسيلة للعطاء ومساعدة الأسرة والأصدقاء بالنسبة له، كما استخدم مهاراته الإدارية للمساعدة فى إطعام أوروبا بعد الحربين العالميتين.