أسيرات الطفولة.. 9 كاتبات عربيات يرسمن صور أبطالهن
لا يغادر سحر الطفولة ودهشتها الأولى الإنسان، فمهما بلغ من العمر سيظل متذكرًا تلك التفاصيل الدقيقة التى فتحت له الباب على عوالم السحر والخيال، سيبقى رفاقه الافتراضيون عالقين بذاكرته طوال حياته.
وإن كان لرفاق الطفولة الافتراضيين أهمية كبرى فى تشكيل خيال كل إنسان، فللكُتّاب مصانع حكايات لا تتوقف استُنبِطت من ذاكرة طفولتهم التى قد يشكل النبش فيها بوابة لكلمات ساحرة تحمل من الصدق والحيوية ما لا يمكن تجاوزه أو إنكاره.
شخصيات كرتونية شهيرة لا تزال عالقة بذاكرة كل مبدع تُشكّل منبع البطولة بالنسبة إليه كما رآها فى طفولته، وإن كانت قيم الشجاعة والتضحية والإقدام والمغامرة قد ارتبطت باكرًا فى وعى الأطفال الذكور بشخصيات كرتونية عربية أو أجنبية مثل «سوبر مان» أو «باتمان» أو «الشاطر حسن» وغيرهم، فإن «البطلة» أو «النموذج الأنثى» فى الشخصيات الكرتونية كما تكوّنت بذاكرة الكاتبات العربيات فى طفولتهن هى السؤال هنا: من هى الشخصية الأنثى التى تحمل سمات البطولة فى الأفلام الكرتونية والقصص المصورة؟ من هى البطلة المُلهِمة للكاتبات العربيات فى طفولتهن؟ وما سمات بطولتها؟ وأى قيم اكتسبنها من هؤلاء البطلات؟
كان لشخصية «سندريلا» حضور طاغٍ فى طفولتنا، أذكر أنها كانت حديث الفتيات فى سن صغيرة، يأسرنا جمالها وقصتها مع الأمير الذى أحبها، عُدّت سندريلا مثالًا للقصة التى تؤجج وتر العاطفة لدى فتيات صغار، يصير حلمهن أن يأتى الفارس الذى يحقق لهن السعادة وينقذهن من كدر الحياة. وبينما أستعيد القصة الآن ومعها قصص مشابهة حديثة نسبيًا مثل «ريبونزل» الفتاة الجميلة التى يُحقق لها الحب أحلامها، أعى كم ساهمت هؤلاء البطلات فى تشويه خيال الطفولة والمراهقة، وما رسّخته مثل هذه الأفلام والقصص من مفاهيم جنسانية مشوّهة تؤطر أدوار المرأة ومشاعرها وأحلامها بينما تُطلق العنان لخيال الأطفال الذكور ومغامراتهم وتطلعاتهم.
الأبطال الذكور فى القصص والأفلام الكرتونية كانوا بشكل أو بآخر «نماذج» للفتيات الصغار أيضًا؛ إن أردن البحث عن المغامرة أو التحليق مع مفاهيم الشجاعة والإقدام فحتمًا هناك بطل من هذه القصص «ذكر» على الأرجح، بيد أن كل ما هو عاطفى وملصق بأدوار الأنثى يمكن للفتيات أن يشاهدنه مع «بطلاتهن».
نماذج الأدوار الجنسانية فى الكتب المصورة تبينها أورزولا شوى، فى كتابها «أصل الفروق بين الجنسين»، بقولها: «من خلال الكتب المصورة يتعلم البنات والصبيان شيئًا عن العالم خارج محيطهم المباشر. يتعلمون ماذا يفعل غيرهم من البنات والصبيان وكيف يشعرون. يتعلمون ما هو صحيح وما هو خطأ بالنسبة للبنات، وماذا ينتظر منهن فى هذه السن. إن الكتب المصوّرة مؤثرة بشكل خاص لأن الطفل يقرؤوها فى وقت يكون فيه تطور التماثل الجنسانى حاسمًا. ونماذج الأدوار فى الكتب المصورة تصل إلى الطفل قبل أن يظهر تأثير المؤثرات الجمعانية الأخرى، مثل المدرسة والمعلم والأقران». تورد «شوى» فى كتابها دراسة أعدتها «ليونوره فايتسمان» تحت عنوان «جمعنة الدور الجنسانى فى الكتب المصورة لأطفال الروضة»، والتى خلصت منها إلى أن البنات فى الكتب المصورة مخلوقات جوفاء، أقل قيمة، يقمن بأشياء أقل إثارة، هن ببساطة أقل حضورًا. بينما الصبيان ينالون شعورًا بالأهمية والقيمة، يشعرون بأنهم متفوقون على البنات، ويطورون بذلك موقفًا سلبيًا تجاه البنات والنساء.
حينما توجهت بالسؤال لعدد من الكاتبات من دول عربية مختلفة حول الشخصيات الكرتونية فى القصص المصورة والأفلام الكرتونية التى كانت مفضلة بالنسبة إليهن فى طفولتهن، والقيم التى يعتقدن بأنها بُثت إليهن من خلالها، كان هناك شبه اتفاق بينهن على أهمية وتأثير هذه الشخصيات على اختلافها فى سلوك الطفل وشخصيته، وعلى العوالم الخيالية التى فتحت لهن جراء قراءتهن ومشاهدتهن شخصيات كرتونية أثيرة. لم تكن المواقف الجنسانية هى المشكلة الوحيدة التى استطلعناها هنا من حوارنا مع الكاتبات حول القصص المصورة، ولكن الأطر الجامدة عامة فى القصص من ضرورة انتصار الخير على الشر، وإدارة الصراعات بشكل عنيف أحيانًا، ومحدودية الرؤية، كانت من المشكلات التى أثارت انتباه الكاتبات بعد عقود من انتهاء طفولتهن وتأملاتهن الهادئة لها الآن.
عزة رشاد: القصص المصورة والاحتياج لنموذج
أحببت «ميمى»، صديقة «ميكى»، خاصة مع تلك التفاصيل الأنثوية الصغيرة: الخدود الوردية والفيونكة الملونة على شعرها، لكنها شخصية ثانوية مقارنة بميكى، فمغامرات ميكى هى الأكثر تشويقًا.. هى كل شىء، أما سندريللا: فعالم نسائى بالكامل تقريبًا، عالم الرقة التى تميل للضعف وقلة الحيلة، فلولا الساحرة ما تحقق لها شيئًا من حلمها، يأتى الخير من الساحرة ويأتى الشر من زوجة الأب «القوية» بدلًا من أم تكون أمًا لابنة زوجها، خير مطلق، وشر مطلق/ طيبون ضعفاء، وأشرار أقوياء، فى قصة فقدت ألقها بالنسبة «لطفولتى» بعد مرات قليلة من المشاهدة. بعيدًا عن هذه النماذج المستوردة فصور ست الحسن والجمال التى سيأتى الشاطر حسن ليختطفها على حصانه لم تلهمنى نموذجًا مغايرًا، فمن سيختطفها سيتزوجها، يحبها وتحبه «حيث يبدو هذا الخطف جميلًا» ويعيشان فى تبات ونبات. كل صور البنات فى «الكوميكس» جميلة، يمكننا أن نقول عروسة، عروسة النيل فى الوجدان، مصيرها الموت لتكون هبة للنيل، وثمة عروسة يصنعونها بقص ورقة بحجم الكف على هيئة جسم أنثوى يثقبونه بكل طاقتهم فى كل سنتيمتر منه، ثم ينتهون بإشعال هذه العروسة «إحراقها» لفك «الأعمال». النموذج المدرسى هو الآخر لم يشبع احتياجى، ففى ابتدائى «سوسن ونصر» بطلا كتاب القراءة: تبدو سوسن أكثر من نصر التزامًا وانتظامًا وانصياعًا لكل أمر، لمَ أنتِ مملة إلى هذا الحد يا سوسن؟! لم تجبنى قط.. «وليد وراندا فى الفضاء» لم تتقدم عن «سوسن ونصر» إلا أقل القليل، فرغم علمية الموضوع، إلا أن المعالجة ظلت محافظة ووقورة بشكل مبالغ فيه، بشكل لا يدع أفقًا للتمرد، أو الخروج على المألوف. لشد ما كنت بحاجة لنموذج ما، وربما هذا الحرمان، أو لنقل الافتقاد، هو الذى جعلنى أتعلق أكثر بفكرة الكتابة.
حنان بيروتى: القصص المصورة منبع الحكايات
من البدَهى أن تكون القصص المصورة بالنسبة لى هى الشرفةُ السحريةُ ومنبعُ الحكايات الملونة والحكايات الساحرة التى تحرّك الراكد من الخيال الطفولى المتعطش للتنفس ولطاقةِ اللون والحركة لينمو وتضىء فيه القدرةُ على الابتكار، وترفرف أجنحته متهيئةً لتحليق آتٍ فى عوالم الرؤى، وأن تكون «بساط الريح» الذى كنتُ أتنقل عبره مبهورةً بعوالم ملونة ومضيئة وساحرة، متشرِّبة كلَّ كلمة وموقف، ممتنة لفضاءٍ بدا حينها فسيحًا وساحرًا وآسرًا، ونافذة فى جدار العزلة؛ فكلما قلّت الخيارات المتاحة ازداد وتعمّق التأثير وتركّز الأثر كوشمٍ على صفحة الطفولة البيضاء النقية كسطحِ نبعٍ بكر. أتذكر شخصية «ساندى بل» فى قصة المراسلة الصحفية التى تبحث عن أمها وتستقصى الحقيقة وتنثر قيم المحبة والتسامح والإنسانية، و«لبنى السريعة» التى تحفز روح التحدى والإصرار و«سالى» و«الليدى أوسكار» و«جزيرة الكنز» و«صاحب الظلّ الطويل» و«السندباد» وغيرها من الشخصيات الكرتونية التى أسرتنى وسيّجت طفولتى بمتعة انتظارها والتحليق معها فى الخيال عبر ما تضمنته من خبراتٍ خياليةٍ اكتشفتُ قدرتها على التصوّر وتخيُّل الحدث وتوقع الآتى ومحاكمة الأسباب منطقيًا، وملاحظة المسببات وبناء الحكاية، والحفر فى أرض الخيال والتنقيب عن المعانى والعبر والقيم والبحث عن الألوان المخبوءة فى جدار الحياة، وساهمتْ فى تشكيل المنظومة القيمية لدىّ بما بثّته من العواطف والمعانى الإنسانية؛ لأنّ الطفولة تمثل مرحلة النقاء والتشرّب والتأثر بعيد المدى فى أولى تجاربى، وبواكير تفتح الوعى بالوجود وبالحياة؛ حيث تذوبُ التجارب البصرية والمعانى والأفكار المطروحة كالحبر فى بحر النفس التى تتلون، وربما تتلوث لاحقًا بالمؤثرات والمصادر.
استقيتُ منها دروسًا فى الحياة وقطفتُ ثمرة تجارب كونها حملت رسائل تربوية إيجابية، وبعثت السعادةَ فى نفس كلّ من يشاهدها، وغالبًا ما كان الأخوة الكبار يشاركون الصغار فى حضورها ومتابعتها، لعلّ أهم ما يميز القصص والأفلام الكرتونية التى عُرضت فى الثمانينيات والتسعينيات من القرن المنقضى بأنها مستوحاةٌ- فى معظمها- من رواياتٍ عالمية، وبعيدة عن العنف أو بثّ رسائل الكراهية وروح الانتقام وطغيان العقل أو المنطق على العاطفة، فساهمت فى تنمية الإحساس الجمالى وقيم الحب والتسامح والتضحية من خلال شخصياتها القريبة من الواقع والقلب، فهى تسهم فى زيادة الخبرة وتقديم إجابات أولية لأسئلة بكر تتوالد فى النفس الطفلة. ومن القيم التى بثتها فى نفسى: التحمّل والتأقلم مع ظروف الحياة التى لا يغلب عليها اللون الوردى كما تصورها قصصُ الأمهات الطيبات.
صابرين فرعون: الدور التربوى للكوميكس
لأفلام الكرتون والقصص المصورة أثر كبير فى وعى الطفل وتطوير مهارات اللغة ومهارات التفكير والتخيل لديه، فالطفل يربط بين المفردات والصور لتكوين صورة ذهنية، يتعاطى معها كواقع مجسد بأشكال وألوان.. فى المراحل الأولى من عمر الطفل، يكون ذهنه صافيًا، فيعتمد على حواسه لاستكشاف الأشياء والأشخاص، وفى كل مرحلة عمرية سيظهر أن للكوميكس أهمية فى توسيع مداركه سواء بتعلم اللفظ والنطق الصحيح للأشياء أو عمل مقاربات ذهنية بين الصورة والكلمات أو حتى القراءة وحب المطالعة لما فى القصص المصورة من تشويق واستطلاع وكشف وخيال وحكايات.
مع التقدم التكنولوجى أخذ الكوميكس يظهر بأشكال أخرى، كالرموز التعبيرية فى مواقع التواصل الاجتماعى أو برامج الفوتوشوب، والمجلات والقصص المصورة للأطفال، والكاريكاتير الساخر فى الصحف والكاريكاتير الرقمى أو المحوسب. فى صغرى تعاملت مع الكوميكس باعتباره فنًا تربويًا ترفيهيًا، أحببت أفلام الكرتون مثل برنامج «المناهل»، و«فى جعبتى حكاية»، و«السيدة ملعقة»، و«أرسين لوبين»، وكنت أشترى من مصروفى أعداد مجلة سمير ومجلة الغدير، وما زلتُ أشترى القصص المصورة مثل سلسلة المكتبة الخضراء وكتب الفراشة ونوادر جحا للأطفال وسلسلة «WALT DISNEY»، وأتشارك قراءتها مع طلابى. لم تكن هناك شخصيات كرتونية مفضلة عندى، لكن أحببت شخصيات ساندى بيل وجودى أبوت وليدى ليدى، لمست بهم شخصيات حقيقية حالمة، لا تستسلم للألم، وربما ساعدن فى نمو شخصيتى.
قد يرى البعض فى الكوميكس مجالًا للسخرية اللاذعة، خصوصًا الكاريكاتير السياسى والاجتماعى الذى يهاجم الزيف فى مجتمعاتنا ورسالته إيصال رسائل الشعوب، بينما أرى أن المنشورات الانطباعية على وسائل التواصل الاجتماعى لا تُعطى الحق للفرد لتبنى موقف منحاز يثير الجدل ويقسم العرب.
سهير عبدالله رخامية: غياب القصص الهادفة
أذكر كيف كان تعلقنا كأطفال وكبار بالقصص الكرتونية المصورة والأفلام، والتى ما زالنا حتى الآن نتوارثها من جيل إلى جيل، كان لها تأثير محبب حسب الموضوع الذى يُطرح، إما اجتماعى أو أكشن وغيرهما، وكان المحبب والمفضل هو «توم وجيرى» الذى يستحوذ على مشاهدته الفتيات والفتيان من الأطفال، يعطى صورة وفكرة عن كل ما يحدث من علاقات فيها القوى والضعيف، فيها من يستغل قوة الآخر بقوته وتفكيره واستغلال ذكائه، وأن هناك دائمًا بالحياة صراع بين طرفين، كانت هذه الأفكار تُطرح بقالب كوميدى محبب للشخصيات، يجذب المشاهد له وينتظره وقت عرضه ليتابعه، وهناك أيضًا أفلام تمثلها حيوانات، كل لها شخصية تفيد بعبرة وتوصيل فكرة لها مدلول، تبين أن العلاقات الاجتماعية لا تقتصر على الإنسان بل حتى الحيوانات لها نظام خاص للتودد بين بعضها والنفور من بعضها الآخر، وكأنها توضح لنا صورة مخلوقات الله وتعاملهم كيف يكون بصور تراجيدية أو كوميدية، وكان هناك «زينة ونحول» التى تبين علاقة الإنسان مع باقى المخلوقات.
إن ما يعرض على شاشة التليفزيون بشكل عام يؤثر على فكر الأطفال، فهو مُربٍّ للفرد ومكمل لشخصية الأطفال، يتأثرون به تأثرًا كبيرًا، فالطفل هو أكثر من يجلس أمام التلفاز لمتابعة المسلسلات الكرتونية التى يعشقها، ولا يكاد بيت يخلو من القنوات الفضائية التى تبث أفلام الكرتون. إن عقلية الصغار يمكن أن نشبهها بالصلصال، فالصغير فى هذه المرحلة يكون فى بداية تشكل تفكيره وسلوكه، وبوسعنا أن نوجهه كما نريد عن طريق المتابعة والإرشاد من قِبل الوالدين لرؤية هذه الأفلام الكرتونية، فنختار له الإيجابى منها ونضيف تأثير ما يشاهده على نفسيته وشخصيته.
فى السابق كانت المسلسلات الكرتونية تعُم «بالفائدة» والمتعة الكبيرة، ولكن السلبى والسيئ بالموضوع أن تلك الأفلام والمسلسلات الكرتونية أصبحت تنتج وتعرض لأسباب تجارية بحتة، وأغلب ما يعرض الآن أكثر محتواها سخافات، حيث نجد العنف واضحًا والجرائم والخرافات الخارجة عن طبيعة الحياة التى يعيشها الطفل.
وهناك بعض السلوكيات يتعلمها الطفل ويطبقها على إخوته فى المنزل، مثل: ترديد الكلمات التى يسمعها بين الشخصيات التى تلعب أدوارها الكرتونية مثل: سأقضى عليك، الموت لك، سأستدعى وحش إعادة الروح، كلمات خارجة عن الأخلاق وعن الدين، افتقدنا فى عصرنا هذا الكثير من مسلسلات الأطفال الجميلة والهادفة مثل «زينة ونحول».
انتصار السرى: عشت طفولتى مع بطلات القصص العالمية
عاشت انتصار الطفلة زخمًا خياليًا، كانت بطلة إحدى تلك القصص والأفلام الكرتونية التى ظلت فى وجدان كل الأطفال وخاصة الفتيات من تلك القصص أمثال «مسلسل فلونة»، و«توم سوير»، «سالى فتاة المراعى»، و«أوسكار وريمى» وغيرها الكثير، كما عاشت أحدث قصة «سندريلا» بل كانت هى تلك الفتاة الحالمة التى سقط منها حذاؤها الزجاجى. تلك القصص كانت تحمل قيمًا إنسانية تعلمت انتصار منها وأثرت فيها، وأيضًا بعض تلك القصص كانت تسرد أحداثًا تاريخية مثل قصة «أوسكار» التى تحدثت عن تاريخ اندلاع الثورة الفرنسية. هناك أيضًا القصص العالمية التى كانت كل قصة تحكى حكاية من كل الشعوب فيها عاداتها وتقاليدها ومدنها، ومن قصص الأطفال التى حُفرت فى أعماقى قصة مسلسل «سالى»؛ تلك الطفلة التى تحولت بين يوم وليلة من طفلة برجوازية إلى طفلة عاملة نظافة فى المدرسة الداخلية التى وضعها والدها لتدرس فيها، وحرمت من كل ممتلكاتها، تلك الفتاة أثرت فى وجدان انتصار الطفلة، التى صارت كاتبة وما زالت تعيش مع سالى ومع كل فتيات قصص الأطفال العالمية.
إيمان الزيات: ضعف المحتوى العربى
لا شك أن الكتب المصورة وأفلام الكرتون إذا كانت ممنهجة فإنها تعمل على تنمية مهارات الصغار، وتطلق العنان لخيالهم، وتثرى لغتهم، وتقوم بعدة وظائف مهمة فى آن كالوظيفة التربوية، والتعليمية والترفيهية.
وربما كانت تجربتى مع القصص المصورة والأفلام الكرتونية لا تختلف عن تجربة أى طفل عربى، كنت أهوى مجلات «ماجد» وأقتطع من مصروفى الشخصى لشرائها، أما عن الشخصيات الكرتونية فأيضًا ككل الفتيات كنت أعشق أميرات ديزنى الشهيرات، كما أحببت شخصية «السندباد» لما فيها من حرية وتنقل من مغامرة لأخرى، ولعلنا جميعًا متفقين على أن الطفل يمارس التقمص المتبوع بمحاكاة لشخصيته الكرتونية المفضلة، لذلك كان من المهم والضرورى أن ننتقى له نوعية إيجابية وتتميز بالهوية القومية، بدلًا من هذا التغريب الذى عانت منه أجيال متتابعة من الأطفال نظرًا لعدم توفر مادة ترفيهية عربية ملائمة لهم، مما جعلهم حقلًا متسعًا لغرس قيم مغايرة لقيمنا كالبطل الخارق، والسحر، والبعد عن فكرة الواقعية وتنمية المهارات الذاتية، ولقد سمعنا فيما سبق عن العديد من الحوادث بين الأطفال نتيجة محاكاة أبطال الكرتون الخارقين، ولكن مؤخرًا أعتقد أن هناك تناميًا فى الوعى العربى واهتمامًا لافتًا بكل ما يخص الطفل الذى يعد ذخيرة المستقبل، وأفضل مدخرات الشعوب على الإطلاق.
غادة العبسى: الكوميكس أسّس خيالى الأدبى
قد يبدو الأمر للقارئ مجرد استعادة لذكريات الطفولة السعيدة الهانئة، ولكن لا شك، مشاهدة أفلام التحريك كان لها أكبر الأثر فى بناء خيالى ككاتبة، بل إننى ما زلتُ أستعيد مشاهد بعينها وأضعها فى قصصى، أذكر أننى شاهدتُ فيلم «يونى كورن» أو وحيدة القرن للمرة الأولى فى برنامج سينما الأطفال، وتأثرتُ به لدرجةٍ كبيرة، دفعتنى إلى البكاء تعاطفًا مع البطلة التى يحتجزها ويعذبها الثور الأحمر النارى بسبب جمالها، الثيمة التى بنيت عليها أغلب أفلام التحريك فى الصغر، فإن كان هناك أميرة جميلة فلا بد من سيناريو اختطاف وسجن وحرمان، الدرس الذى لم نستوعبه جيدًا فى الصغر؛ أن الجمال أو التميّز ذنبٌ كبير تحاسب عليه صاحبته ويكون سببًا فى تعاستها أو تعريضها للخطر أو النبذ، والفكرة التى تم تمريرها لأجيال عديدة أن كل جميلة لا بد لها من مخلّص ينقذها من الجحيم الذى تعيشه، الأمر الذى تغيّر على مدار عقود فصارت الأميرة الجميلة هى التى تخلّص بطلها وتنقذه من الموت كما فعلت «رابونزل».
عبر الكرتون فهمتُ كيف تُختبر الحواس، فعلى وجه توم كانت تظهر علامات الاستمتاع واللذة وهو يتذوق الحساء الذى يصنعه بعدما وضَع شرائح البصل والبهارات تمهيدًا لقذف «جيرى» فى الصحن، وصلت المتعة إلى ذروتها عندما كبرت وشاهدتُ فيلم «الفأر الطباخ»، وصار «ريمى» الفأر الموهوب بطلًا فى عالمى فعلًا، لا أذكر كم مرة شاهدتُ هذا الفيلم ولا أستطيع وصف إحساسى عندما خلط ريمى الطعوم للمرة الأولى وكيف بات يحترف الشم قبل تذوق أى طعام، وأنها هبة استغلتها عشيرته لتجنّب الطعام المسمّم، تذكرت كيف علمتنى أمى الأمر نفسه، ألا آكل شيئًا قبل أن أشمه، أظنها كانت تحاول تعليمى ألا أتورط فى أمر قبل أن أختبره أولًا، أى أنها حاولت تعليمى شيئًا يسمى الحذر، أما ريمى فصنع قانونه الخاص كان حذرًا بنفس القدر من المغامرة بل والمقامرة بحياته عدة مرات من أجل ما يؤمن به؛ موهبته. أما «ماروكو»، الطفلة اليابانية التى تحب المعكرونة، الوديعة التى تتعاطف مع زملائها وزميلاتها فى الفصل، الطفلة العادية للغاية المحبوبة والمتوسطة فى كل شىء، كنتُ أغبطها فعلًا، أجمل شىء فى ماروكو أنها لم تكن «سوبر» فى أى شىء، تناسب صديقة البطلة فى أفلامنا العربية، المؤازرة الطيبة الناصحة راجحة العقل التى تفضل ألا تكون فى دائرة الضوء، يكفِيها أن تصير صانعة ألعاب بلغة الكرة، كانت ماروكو تخطئ وتصيب وتقع فى شرك الغيرة ويتحطم قلبها أحيانًا، تتمرد على حياتها أحيانًا أخرى، إنسانة حقيقية وليست بطلة فيلم تحريك.
أما «عبقرينو» و«كعبول» و«السيدة رفيعة» شخوص لن تمحى أبدًا من ذاكرتى، أصواتهم وصورهم محفورة بداخلى، عبقرينو المخترع الذى يعانى بسبب حماقة كعبول، الذى دومًا ما يفسد مخترعاته، الكوميديا السوداء التى نعيشها منذ عقود، فكم من مخترع أو مجدّد أو مفكّر يفسد عمله الحمقى والجُهّال.
هناك أبطال وبطلات كُثر تعلّمت منهم المثابرة والعمل الجاد أهمهم كابتن ماجد لاعب الكرة الموهوب ذو الخلق الرفيع، وبرغم أننى لم أكن فى أى يومٍ من مشجعى كرة القدم، بل كنتُ أمارس السباحة وتمرنتُ على التنس الأرضى لفترة قصيرة، فقد كانت مشاهدة كابتن ماجد يوميًا لعدة أشهر صار طقسًا يوميًا لا يُخرق، لكم علّمنا كابتن ماجد أن تحقيق هدف- قد يستغرق عدة حلقات ليصل إلى الشباك- يستحق كل المعاناة والجهد والتضحية بالوقت وساعات الراحة من أجله. أذكر أننى وقتها كنتُ فى المرحلة الابتدائية، ووصل بى الأمر أننى كنتُ أقوم بوضع جداول للاستذكار وإذا أخفقت فى تحقيق أهدافى من التحصيل أحرم نفسى من وجبات العشاء أو الحلوى التى أحبها من تلقاء نفسى.
ربما لن يتسع المجال هنا للحديث عن موسيقى أفلام التحريك، التى تمثّل مكوّنًا رئيسًا من مكوّنات ذائقتى الموسيقية منذ الصغر، وتشكيل وجدانى واختبار مدى تفاعلى مع الموسيقى بشكل عام. أعترف أننى مدمنة موسيقى وأغانى أفلام الكرتون، وآخر الأفلام التى أدمن موسيقاها وأعتبرها من أجمل ما سمعتُ على الإطلاق الفيلم اليابانى «قلعة هاول المتحركة»، ومؤلفها هو «ﭼو هيسايشى».
ديمة محمود: مفاهيم مغلوطة وجنوح عن الواقع
رغم أننى لم أعش طفولة طبيعية حينما اختار والداى لى دخول المدرسة فى سن مبكرة جدًا هى الرابعة، فقد شكلت لى القصص الكرتونية متنفسًا جذابًا وممتعًا. لم أعد الآن أذكر كثيرًا عن تفاصيل تلك البرامج وشخصياتها لكن مما أذكره «سنان» ورفاقه الطيبون «بنان» و«لالا» وغيرهم فى القرية، و«جريندايزر» ومواجهاته مع الأشرار الذين يسعون لاحتلال الكوكب و«هايدى» وجدها الحانى وبيتر الصبى الريفى المخلص لهما عن رواية بالألمانية بنفس الاسم، والليث الأبيض ومواجهاته ضد الصيادين فى الغابة وعوالم الحشرات من خلال «زينة» و«نحول» و«بشار» الذى يبحث عن أمه، و«عدنان» و«لينا» وأصحابهما «عبسى» و«سيلفر» و«جيم» عن رواية «جزيرة الكنز» للأسكتلندى روبرت لويس ستيفنسون، و«فلونة» فى الحلقات المستوحاة من رواية عائلة روبنسون السويسرية لجوهان رودولف، والتى تحاكى رائعة دانيال ديفو «روبنسون كروزو».
أعتقد أن الصبغة العامة لهذه الشخصيات، التى كانت سائدة فى تلك الفترة، هى الصبغة الإنسانية حتى لدى شخصيات الحيوانات، فالقصة بما تتضمنه من حوارات قيمية بشكل أساسى هدفها ومحور دورها هو تكريس القيم الإيجابية فى وجه القيم السلبية أو «قوى الشر».
لا أدرى إذا ما كان تصوير الأمور للأطفال واليافعين فى حالات كثيرة باعتبارها صراعًا صحيحًا أم لا، خصوصًا أنه قد يولد استنفارًا مسبقًا وتحفزًا «عدائيًا» للآخر حتى بدون وقائع فعلية، لكننى أفكر الآن مثلًا أن الواقع هو الواقع، ولسنا فى معرض تأسيس يوتيوبيا، وفى الوقت نفسه أظن أن تعزيز قيمة السلوك الإيجابى والقيم الإيجابية من خلال القصة المرئية أكثر تأثيرًا وإيقاعًا، لذا فإن إبراز الاختلاف هو الأرضية المناسبة لذلك، لكن تبقى فكرة حالة الصراع وإدارتها واللقطة النهائية فيها مثار تحفظ وريبة لدىّ فى البرامج الموجهة للطفل. ويرتبط بذلك تسطيح النهايات بشكل خيالى من حيث بقاء أحدهما وغالبًا قوى الخير، وجلاء الطرف الآخر هو «حل» مفرط فى الافتراض والتنظير. فمثلًا كنت أنحاز دومًا لجريندايزر وفريقه لكننى الآن أتساءل هل كان من الصواب طرح فكرة شمولية وهى أن الخير بالضرورة سينتصر دائمًا وسينفرد بالبقاء على أرض الواقع؟ أليس هذا حلمًا ومنافيًا للواقع؟
فى رأيى أن إنهاء الأحداث دومًا بسيادة الخير قدم مفهومًا مغلوطًا وتصورًا تنظيريًا يجنح عن الواقع، بالتأكيد لم أكن وسواى من الأطفال آنذاك ننتقد هذا أو نقف عنده لكننى الآن لا أعتقد أن المشهد ذاته لن يثير تساؤل أو اعتراض أطفال من نفس الفئة العمرية.
أما بالنسبة لشخصيات مثل فلونة وعائلتها وسنان وأصدقاؤه فكانت مليئة بتعزيز قيم المحبة والخير والمساعدة للآخرين والود والتعاون والحياة التشاركية الفاعلة. ويمكننى أن أقول إن مثل هذه الشخصيات كانت مؤثرة جدًا وكان بالإمكان التفاعل معها لدرجة تصل إلى الشعور بالتعايش معها فى بيئتها والانتماء لتفاصيلها المفرحة والمحزنة بل والتماهى معها لفترة غير قليلة خارج نطاق مشاهدتها.
وبلا شك فإن الطابع الجدى للتعاطى مع الأمور كان واضحًا فى معظم هذه البرامج الكرتونية وشخصياتها على خلاف معظم البرامج والشخصيات الكرتونية حاليًا والتى لا تتمحور غالبًا قصتها حول قيم معينة وربما حتى ولا فكرة معينة، وجل ما تعبر عنه أقرب للبلاهة والاستهتار، ناهيك عن العديد من الألفاظ النابية التى صارت وللأسف مألوفة. جدير بالذكر أيضًا أن تلك الشخصيات ارتبطت فى الذاكرة بأغانى المقدمة والنهاية لتلك البرامج، التى تحمل معظمها لغة قوية وشعرية وموسيقى جميلة ولا تزال ذاكرتى تستدعى معظمها بشكل شبه كامل.
آن الصافى: الشخصيات الكرتونية محفورة فى الذاكرة
يوجد فى السودان مجلة للصغار أذكر أن بعض الأعداد كانت تصلنى منها نسخ فى الخليج عبر الأسرة تسمى «مجلة الصبيان»، وكذلك توفرت مجلة «ماجد»، وبالطبع مجلات «ميكى» و«سمير» ومجلات وكتيبات أخرى بالعربية والإنجليزية وقصص ترافقها رسوم فى كتب رافقتنا فى الطفولة والصبا، وتزامن ذلك مع ما يعرض عبر شاشة التلفاز والسينما من رسوم متحركة مثل ساندى بيل، زينة ونحول، سندباد، هايدى، عدنان ولينا، وبكار وتوم وجيرى، والعديد من الشخصيات الكرتونية لازمت أجيالًا وتركت أثرها ومحفورة فى مخيلتنا عبر السنين.
كنت أتابع جميع محتوى المجلات التى تقع فى يدى والرسوم المتحركة والأفلام متى ما توفر لى الوقت. كان هناك شغف خاص بشخصية الجدة بطة وشخصية لولو الصغيرة وشخصية ميمى، وكذلك سنوبى وزينة ونحول وهايدى وتوم وجيرى والصغيرة المتألقة دومًا «ماشا والدب» والقصص العالمية وشخوص افتح ياسمسم بنسختيه العربية والإنجليزية. حتى اللحظة كلما وجدت فرصة أجلس وأشاهد ما يعرض عبر التلفاز والسينما من رسوم متحركة وأفلام ثلاثية الأبعاد. من أجمل ما شاهدته مؤخرًا فى السينما زوتوبيا، وكذلك فيلم كوكو Coco أعتقد أن كليهما نال جائزة أوسكار مؤخرًا، عمومًا هناك تسلية وفكاهة كما توجد قيم إنسانية نبيلة فى الفيلمين؛ عبر عرض الأفكار والحوارات، وتقنية العرض جاذبة وهادفة. مجملًا كل ما مر بى عبر الكوميكس فى الصغر يحث على عمل الخير وتقوية الأواصر الأسرية والاجتماعية ومثلت دورًا توعويًا مبكرًا لفهم ما هو الوطن والدين والهوية وبعض المعلومات العلمية عن الطبيعة والكائنات الحية. بالطبع هناك موضوعات الفكاهة فقط ولا يتعدى دورها رسم الابتسامة ولكن لا أذكر أن هناك ما يتعدى المسموح به. فى الغرب توجد مؤسسات مخولة بمتابعة ما يعرض للفئات العمرية المبكرة وتحدد ما يجب عرضه وما لا يجب. فى إقليمنا يحدد ما يعرض قالب المسموح بأن لا يقوم بعرض ما يأتى بالمحظور اجتماعيًا أو دينيًا أو سياسيًا.
للبيت والأسرة أيضًا دور مهم فى متابعة ما يعرض للصغار. معظم ما وصل إلىّ فى طفولتى عبر والدى ووالدتى وبتشجيع على القراءة والمتابعة. هناك دومًا حوارات ماذا قرأت وماذا شاهدت وماذا استفدت. كان لهذه الحوارات ترسيخ جيد للمعلومات والفهم والتحفيز لبواكير الوعى بأهمية التوجه نحو عوالم القراءة وكيفية اختيار الجيد من الردىء، وآلية ترسيخ ما يفيد ولفظ ما لا يجدى، بالإضافة لتفعيل دور التخيل وما ينقله الحرف والرسم للعقل عبر التلقى. هناك دومًا معايير يجب الوقوف عندها وفهمها وفهم مغزاها، وكل مجتمع له أسلوب حياة ومعطيات تحدد هذه المعايير.