المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

«يا عندليب ما تخافش من غنوتك».. إبداعات من الجامعات (3)

حرف

جامعاتنا مليئة بالمواهب الإبداعية فى كل المجالات تقريبًا، من دون أى شك، لكنها فى نفس الوقت تعانى غياب ذلك «الصائغ»، الذى اعتدنا على وجوده فى مؤسساتنا الصحفية، بأنامله الخبيرة التى يمكنها إزاحة التراب عن لآلئ هذه الجامعات، من إبداعات تبحث عن فرصة للظهور، وأسماء لا نريد أن «يقتلها» التجاهل ويوقف مسيرتها، من قبل أن تبدأ. 

فى هذه الزاوية من «حرف»، نمد يدنا إلى كل موهوب فى جامعات مصر، من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، ننشر لهم إبداعاتهم فى الشعر والقصة والكتابة الساخرة، إلى جانب الفن التشكيلى والكاريكاتير، مُرددين ما قاله صلاح جاهين قبل سنوات طويلة: «يا عندليب ما تخافش من غنوتك».

طارق أشرف طارق يكتب: وحزنٌ يُداريه ذاكَ المُزَاحُ

طارق أشرف طارق

يقولُ وَداعٌ وضوضاءُ تلكَ الأنا حدثتنى، ومرتْ رياحُ

وتَحملُ بعضَ السؤالِ الليالى 

ترى؟ 

لا أرى! 

بلْ يرانى الصباحُ 

ودَوْشَةُ كلِّ احتضارٍ على العُشبِ رغم الهدوءِ الرهيبِ نُبَاحُ 

وأسمعنى رغمَ هذا السكوتِ الذى بين عيْنَىَّ هَمْسٌ مُبَاحُ! 

أنا أسْتَشِفُّ العصافيرَ حُرًا 

ولكنْ تخطَّاه ذاكَ الجَناحُ! 

أُعَرِّفُ فىَّ الدموعَ: انتحارٌ من الجَفْنِ حينَ المساجين ساحوا:

أنا 

رفقتى طفلُ ذكراىَ

حُبِّى 

وفوضى حنينٍ 

وَموتٌ مُتَاحُ

سرابٌ 

تفاصيلُ عبءٍ قديمٍ، 

جنونى 

وَمُزْدَحَمٌ وبَرَاحُ! 

فتاةٌ تمنَّى بها الوهمُ قلبى! 

ولحنٌ حزينٌ

وسُكْرٌ ورَاحُ

ووجهٌ جميلٌ

وقبحٌ

وطينٌ تُشَقِّقُه فى المساءِ القِرَاحُ

وشِعرٌ تخوفه الأمنياتُ

وحزنٌ يُداريه ذاكَ المُزَاحُ

أرى العشبَ..

لا، بلْ أنا من يراكَ ارْتِواءَ الشُجَيْرَاتِ حينَ استراحوا!

يُعَذِّبُكَ البوحُ فى كلِّ معنى 

ويهوى القُطَيْراتِ ذاكَ السَّراحُ

وإثمكَ أنْ قد تحَمَّلْتَ إحساسَ حبٍّ وأبكاكَ منه اجتياحُ

لماذا السكوتُ الضبابىُّ يحلو؟

يناديكَ نحو الكلامِ انزياحُ! 

لأنَّ الكلامَ اسْتباحُ المعانى

سَـ أصمتُ كَىْ لا تَموتَ الجِراحُ!

سَـ أصمتُ مثلَ التوابيتِ! 

موتى إلى الصمتِ جاءوا 

إلى الصمتِ راحوا! 

أيا عُشبىَ

البوحُ لىْ: بعضُ صوتٍ يوزِّعه- كَىْ نَذوبَ- الصياحُ!

أراكَ احتضانًا لطيفًا لِمَوْتى! 

لَهمْ مِن مماتى- هنا- مُسْتَراحُ

ويأبى رحيلى على بعضِ أنفاسِ سَعىٍ مقيتٍ عليلٍ

كِفاحُ! 

هنا الروحُ تُمْسِكه بَعضىَ 

الآن يخنقنى مِنْه ذاكَ الوشاحُ! 

أقولُ: السماءُ استتابت من البوحِ غيمٌ ينادى دموعى تُباحُ!

نوافذُ شُرْفاتِهم بعضُ حُزنى على ضِحكةٍ للسماءِ تُزاحُ

أنحنُ ارتِباكٌ بعينَىْ وحيدٍ يُمَزِّقُه فى الليالى ارتياحُ؟!

وَصَيْحاتِ طِفْلٍ مَلَولٍ لها بينَ ضوضاءِ صمتى القديمِ اكتِساحُ:

وَقْلْ- فى ابتِسامٍ خفيفٍ-: وداعًا؛ لِتَحمِلَ روحكَ تلك الرياحُ

لوحة لـ ليلى سامح

ليلى سامح- ثانوية عامة

يحيى عباس يكتب: قلبى اللى حب السرمحة

يحيى عباس- جامعة الأزهر

أنتى اللى علمتينى أشوف حضنك ده دنيا

من غيرها تقسى العيشة وأتسوح وأضيع

أنتى اللى علمتينى وقت الكسرة أحبى

وأنتى اللى علمتى الزهور وقت الجفاف تطرح ربيع 

وأنتى اللى حفظتينى قرآن ربنا

قولتيلى يوم الحشر يبقالك شفيع 

صعبان عليا إنى ألمحك مش قادرة تمشى

وألقى الزمن سارق خَضَار من صِحِّتِك وعارضُه فـ الأسواق يبيع

سامحينى لو من فرط جهلى ماكنتش الابن المطيع

وماتلوميش قلبى اللى حب السرمحة

لو راح يجيب لك «أنسولين» مـ الصيدلية ومالقاهوش قرر يصيع!

ابنِك كِبِر وأهو ده اللى كان من ثانيتين عيل رضيع!

شوفت الليالى شادة روحى لـ مُفتَرَق

والذكريات المؤلمة وقت المرض مترصصين عـ الباب طابور

موهوم ما بين الماضى والخوف والقلق

وعيون حاضرنا اللى ما شاف فـ القسوة نور 

قلبى اللى خاض فـ الوحدة كان أملُه

يلمس وَنَس من كَفِّك البَنُّور 

بستَنجدِك.. ابنِك يا أمى ما عادش حى!!

مقدرش ينفد بجلدُه من إيد النسور 

مافضلش منُّه بس غير صُوتُه الجَسُور!

ببكى وبَترَجَّى المرض يطلق سَرَاحِك من إيديه 

جوايا شَعب من الوجع واقف يثُور!

يا أمى يا أجمل قصيدة كتبتها

والحُزن طاغى على السطور 

من غير تَكَلُّف فـ الصور ولا فلسفة ولا تشبيهات

بكتب وبس فـ بوصفِك أصدق شُعُور

أمى مش كانت نَبِيَّة

بس عاشت ملكة فارضة نفوذها على عرش الحياة 

أمى جنة

نازلة من فِردُوس إلَهِى

وضحكها عِنَّاب مِسكّر 

والخُدُود بساتين بَهِيَّة 

أمى كانت تبتسم للصعب يخجل

أمى حمالة قسية

سلمى ناصر تكتب: قهوة ونَفَس

سلمى ناصر- جامعة القاهرة

فى مركز «قهوة ونَفَس» للاستشفاء...

فى غرفةٍ واسعة، ألوانها مريحة للعين، تتدرج ما بين ألوان السكر الفانيليا واللاتيه والكراميل، ويوجد بها ركن مُخصَص للقهوة، تجلس مجموعة من الناس على شكل حلقة، ويبدأ «نوّار»، الأخصائى الاجتماعى والـ«لايف كوتش» الحديث:

مرحبًا يا أصدقاء، موضوعنا الأول سيرسم الابتسامة على وجوهنا، ويجعلنا نغوص فى أعماق أنفسنا لمحاولة اكتشاف بعض منها.. سنتحدث عن «مفهوم السعادة».

فى بداية الأمر أريد أن أوضح لكم أننا رغم كل هذا التعقيد، فطبيعتنا كبشر تحتم علينا التشابه، تشابه فى أفعالنا ونتائجها، فالحياة تشبه الحلقة، كما نجلس الآن، ومعروف أن الحلقة دائرة، الدائرة التى نعيشها وندور على مسارها كل يوم، الدائرة التى نسير على أقطارها قطرًا قطرًا، فنبدأ من نقطة «الأفعال» إلى أن نصل لنقطة القطر الثانية «النتائج».

«سارة» تؤدى إلى «أيمن»، و«فريدة» تؤدى إلى «جُمانة»، وأنا أؤدى إلى «آسر».

الآن أريد منكم أن يتحدث كل فرد عن مفهوم السعادة عنده، ولنبدأ باليمين.. تحدثى «سارة».

نظرت «سارة» إلى «نوّار»، وفكرت برهة، ثم قالت: أحب الطبخ كثيرًا، يشعرنى بدفء لذيذ، خاصة خبز الكعكات والبسكويت، لأرى بسمة أختى الصغيرة حين تستلذ بما صنعته يداى بكل حبٍ لها.

أشار «نوّار» إلى «أيمن» بأن عليه الدور، فقال: السعادة بالنسبة إلى أن أصل إلى نقطة تكليل الحلم بالنجاح، أن أرى نتيجة ما بذلته يداى متمثلةً أمامى بكل فخر.

- وأنت يا «آسر»؟

= لم أصل إلى إجابة، أريد الاستماع فقط اليوم.

- كما تحب... و«فريدة»؟

- حسنًا، لا أعرف تحديدًا، لكن أعتقد أن السعادة تكمن فى أن تلمس أيادينا الحب والجمال فى كل الأمور.

= جميل جميل يا «فريدة».. «جمانة»؟

- أوه، أنا؟ ابتسمت وقالت: أمم أعتقد أن السعادة هى لحظة وصولى إلى البيت بعد يومٍ متعب، واحتضانى إخوتى وسريرى، تنهدت قبل أن تتابع: خاصة سريرى، وأكمل المسلسل الذى أتابع مع مشروبى المفضل، وأطلى أظافر يدى بـ«المانيكير» الوردى.. أكون وقتها ملكة زمانى.

ابتسم الجميع على بساطة الإجابات الجميلة، وشعروا بأثرها اللطيف على نفوسهم، وختم «نوّار» الجلسة بقوله: 

أحببت إجاباتكم كلها، فى روحكم يكمن كل ما هو جميل، فالسعادة هى السعادة يا رفاق، لا توجد كلمة أو وصف يصفها غيرها، أن ترى ضحكة طفل، ولمعة عين، حلمًا تحقق، راحةً خالصة، أن تستشعر الحلاوة بعد تقرُّح حلقك من الألم، أن تنظر إلى صنيع يدك وتبتسم، السعادة هى كل بسيط، هى الحب الضحك الحزن العثرات، هى الوصول إلى نهاية الطريق، والاستلقاء على عشب الوصول متنهدًا تنهيدة تصلح كل ما بداخلك.

تبدأ الجدران بالذوبان، درجات السُّكرى والفانيليا تحترق، وتصل إلى الرمادى فاحم اللون، تتمزق صور الأشخاص وتحترق، يختفى كل شىء عدا الجدران الرمادية و«نوّار»، و«آسر»، الذى يجلس أمامه، يقول الأخير:

- لكنى أختلف معك يا «نوار»، أيها البائس المُصدِق خُرافات نور آخر النفق، إنها نارٌ ستحرقنا، أو سيتم أسرنا فى النفق إلى الأبد، ليست هناك سعادة فى الأصل أيها الأحمق، وإن كانت هناك فهى اللا شعور، عدم محاربة تلك الأشباح لى، عدم غرقى فى ذلك المستنقع المقزز، أفكارى التى تصارعنى، فتقتلنى حزنًا وكمدًا، لا سعادة لى، فأنا شخص تنتهى عنده الحلاوة ويبقى العلقم وحده، تبكى الأطفال لرؤيته، تفر الأحلام من نومه خوفًا لئلا تتلوث وتصير كوابيس شنيعة. لسبب ما لا يحدث معى كل بسيطٍ تسميه، ترتجف يدى حين تلمس كل ما هو جميل لأنى «ميدوسا»، أحجر السعادة وأفتتها حين تلمسها يدى..

كان سيكمل «آسر» حديثه لولا أن حطم «نوّار» المرآة، ثم نظر إلى الجزء السليم منها وابتسم وقال:

- نحن ما تصنعه أيدينا

وذهب إلى عمله فى مركز «قهوة ونَفَس» للاستشفاء، خاصة فى غرفته ذات الألوان المريحة للعين، متدرجة الألوان ما بين ألوان السكرى والفانيليا واللاتيه والكراميل!

لوحة لـ ماريو نسيم 

ماريو نسيم- جامعة الأقصر

أحمد الديب يكتب: من قال للبدرِ أن يعصى نوافذنا؟

أحمد الديب- جامعة أسوان

قَالُوا: وَجَدْتَ الْمسَا حُلْوًا فَلِنْتَ لَهُ، قَلتْ:

اَلظَّلَامُ سَيُغْرِى كُلَّ مُكْتَئِبِ

هُنَاكَ نَاسٌ سَتُنْهِى كُلَّ مَا بَدَأَتْ 

لَوْ أَنَّ شَمْسًا هَوَتْ مِنْ شِدَّةِ التَّعَبِ

هُنَاكَ منْ بَدَأوا فِى اللَّيْلِ قِصَّتَهُمْ 

وَيَعْزِفُونَ الْأَسَى لَحْنًا لِمُغْتَرِبِ

طَالَ اَلنَّهَارُ قَلِيلاً عَلَّه أملٌ

سَيُرْجِعُ اَللَّيْلَ فَرْحَاناً مِنْ اَللَّعِبِ

وَظَنَّ يَأْجُوج أَنَّ السّدَّ مُنْهَدِمٌ

وَقَالَ لِلْقَوْمِ : كُلّ الْيَوم لِلنَّقْبِ

وجَاءَ شَيْخٌ عَجُوزٌ

قَلتُ: اسْأَلْهُ مَنْ أَنْتَ يَا مُشْعِل الْأَحْزَانِ؟

قَالَ: نَبِي

اَلْيَائِسُونَ.. أَنَا اَلْمَنْفَى لِوَحْدَتِهِمْ

وَالرَّاحِلُونَ إِلَى اَللَّاشْىَءْ مِنْ نَسْبِى 

لَا مَاءَ فِى اَلْبَحْرِ 

لَكِنِّى وَجَدَتُ دَمًا

يَسِيلُ مِنْكُمْ وجُرَحًا بَعْد لَمْ يَطِبِ

مَنْ قَالَ لِلْبَدْرِ أَنْ يَعْصِى نَوَافِذَنَا؟

مَنْ قَالَ لِلشَّمْسِ: عَنْ شُبَّاكِنَا احْتَجَبِ؟! 

مَنْ قَالَ لِلْغَيْمِ سَافِر؟ 

فَالْبِلَادُ هُنَا مَكْفُوفَة اَلْحِسِّ 

لَا تَحْتَاجُ لِلسُّحُبِ 

هُمْ يَسْأَلُونَ وَما فى القلب أَجْوِبَةٌ

لِأَنَّنِى يَائِسٌ مِنْ سَالِف اَلْحِقَبِ.