هذه البنت
تلك الأنثى أقدمها للناس لعلهم يعرفون ويفهمون حالى وتجوالى كقاطع طريق فى زحمة الليالى وتربصى فى عتمة السكك المقطوعة لأقتنص فرص ما سانحة.. وحين يفهمون ويعرفون «رجاء» لسوف يجدون الذريعة لكل أفعالى التى قد لا تصدق، وسيجدون لى ألف مبرر لانصرافى إلى هوامش المدينة، كمسكين يبحث عن صدقة تخصه وحده..
إنها دنيا صغيرة، فى قلبها «رجاء».. إنها «رجاء» العادية البسيطة وفى قلبها الصغير دنيا كبيرة.
من أجلى تستيقظ كل فجر جديد، وتتمطى فتلين الأشياء العصية أمامى.. تفتح باب بيتهم الطينى الضيق، وتطلع للفجر الرخامى الملامح، وتكتب بأقدامها الناصعة فوق أرض الحارة، أول أحداث نهارى.. وتتمطى فتتثنى وتنفرد مفاتن الروح والجسد أمامى، ويستقر الصباح الجديد فى المسافة القصيرة الفاصلة ما بيننا.. وتروح بحماسة المحبين نحو «عشة الفراخ» الرابضة قرب باب بيتهم، وتطمئن على سكانها المشاغبين، وتطعمهم وتسقيهم بمهل وهى تناغيهم، ثم توارب الباب القصير ليخرج دجاجها وهو يقأقئ مستريبًا، ويشرع الدجاج فى اكتشاف العالم ببطء، غير مصدق أنه امتلك حرية مجانية بغير مقابل.. وهى تتابعه بروح نظيفة.. وتتمطى فى جلبابها المنزلى.. ترنو إلى فوق، وتكلم السماء بهمس بالكاد أسمعه، فينساب شعرها الفحمى، ويلمس وجه النور القادم من عند الرب.. تفرد ذراعيها وتعانق صدر العالم، وكالعادة تفور «قهوتى» الموضوعة على الموقد، وينزل بعض منها من حافة «التنكة» الصغيرة.. أشم رائحة شياطها، وأسمع وشيشها وهى تناقش النار التى انطفأت.. أترك النافذة الصغيرة المطلة على الحارة، وأسرع إلى عتمة البيت، وأنشغل بتفاصيل مزمنة غير مهمة، تاركًا الحديث الخافت بين البنت الحلوة وبين السماء.. أرتشف قهوتى وأنا أعرف أن فى مثل هذا الوقت حتمًا الدجاج قد استدار حول البنت، ليشوف معها نقاء الصباح، وبهجة القادم من بعيد.. «رجاء» أول خبر يأتينى من الخارج.. نور صافى يدخلنى كل فجر.. وطمأنينة تكفينى حتى أعبر هذا اليوم بسلام.. هى آخر نبأ يُدهشنى قبل أن يقفل الليل بابه علىّ ويسجننى.. والبنت الحلوة «رجاء» باستمرار تمنح البهجة لى وللدجاج.