«شعرة معاوية».. التحالف المراوغ بين هيكل والسادات

- كتاب «شعرة معاوية» لأكرم القصاص ينسف سردية هيكل عن السادات بالوقائع والأدلة
- القصاص: هيكل ظل صاحب سلطة بلا منافس لفترة طويلة مع عبدالناصر ولبعض الوقت مع السادات
- الأستاذ لعب دورًا كبيرًا فى دعم السادات ضد مراكز القوى.. والرحيل من «الأهرام» فجَّر «خريف الغضب»
- هيكل لعب دورًا فى تلطيخ صورة الرئيس السادات العامة بشكل تجاوز الاختلاف فى الرأى
فى 17 فبراير عام 2017 رحل عن عالمنا الصحفى المصرى والعربى الأشهر الأستاذ محمد حسنين هيكل بعد سنوات طويلة من اغتيال الرئيس محمد أنور السادات فى حادث المنصة فى زلزال قوى عصف بمصر بالسادس من أكتوبر عام 1981، لكن الستار رغم ذلك لم يُسدل على التطورات الدراماتيكية التى مرت بها علاقة الرئيس والأستاذ، والتى ما زالت تفتح حتى الآن شهية الكثير من القراء والكتاب، خاصة أن للحكاية تفاصيل كثيرة تستحق أن تُروى.
إعادة البحث فى الدفاتر القديمة عبر استقصاء التحولات التى مرت بها علاقة الرجلين والتى انقلبت بزاوية 180 درجة من التحالف والتعاون إلى الصراع والصدام- من شأنها أن تسهم إلى حد بعيد فى الوقوف على الكثير من حقائق التاريخ السياسى المصرى المغيبة بفعل فاعل وفى ظل حالة ممتدة من سبق الإصرار والترصد.
بعد كل هذه السنوات الطويلة أصبح من حق أجيال كثيرة لم تعاصر حرب تكسير العظام بين السادات وهيكل- ورغم ذلك تأثر وعيها بنتائجها- أن تدرك أن الكثير من الحقائق المستقرة لديها ليست سوى قصور من الوَهم التى شُيدت واحدًا خلف الآخر؛ من أجل حجب العديد من الحقائق الكبرى عن الأعين.

بات من الضرورى أن نفهم تفاصيل العلاقة المعقدة بين هيكل والسادات والتباينات التى أفضت إلى صدام خسر فيه الطرف- الذى يفترض فيه أنه الأقوى- الكثير، حيث تعرض لما يمكن وصفه بواحدة من أقوى حملات التشويه والتقزيم فى التاريخ.
من وجهة نظرى، فإن علينا اليوم أن نمتلك شجاعة الاعتراف بأن دس السم قد جرى فى الكثير من صفحات تاريخنا حتى تاهت حقائق شتى، واختلطت أوراق لا حصر لها مع بعضها بعضًا وهو ما تزامن مع نسبة بطولات كبرى بالزور والبهتان لأبطال من ورق، فى الوقت الذى تعرض فيه زعماء حملوا أرواحهم على أكفهم؛ دفاعًا عن الوطن فى مواجهة عواصف الداخل وعدوان الخارج لحملة تصفية حسابات ممنهجة ما زالت تلاحقهم وتلصق بهم كل نقيصة حتى وهُم فى داخل قبورهم.
مثل كل أبناء جيلى كنت وما زلت واحدًا من المتيمين بهيكل، ومن الذى لا يحب الأستاذ العابر للعصور، والذى ينفرد فى كل مرة يكتب فيها أو يتكلم بالوثائق السرية لذا فإننى أعترف بأن ذرة من شك لم تتسرب لنفسى أبدًا حول حرف واحد مما سطره خاصة حول عبدالناصر والسادات ومبارك، لم يكن الرجل مجرد شاهد عيان على الحدث، ولكنه فى أغلب الوقت كان مشاركًا فى صنعه، ملمًا بأدق تفاصيله.

زعيم سماوى ورئيس أرضى
بمرور الزمن ترسخت فى أذهان الكثيرين من أبناء جيلى وربما أجيال كثيرة سابقة ولاحقة صورة ذهنية لزعيم بمواصفات سماوية هو جمال عبدالناصر، ورئيس أرضى مسكون بعقدة الجدود والجدات وهو السادات كما صوّره لنا الأستاذ هيكل فى خريف الغضب، لكنّ سؤالًا مهمًا بقى على الدوام عالقًا فى الهواء بلا إجابة: كيف لم تحاكم كتب التاريخ الموجه جمال عبدالناصر عن هزيمة يونيو ١٩٦٧ وحاولت فى المقابل أن تعلق الأمر فى رقبة آخرين؟ وكيف سمحت فى الوقت نفسه بالنيل من السادات بهذا الشكل وهو الذى قاد البلاد من الهزيمة إلى الانتصار واستعاد الأرض بالقوة من المحتل؟!
فى ظل حالة الالتباس هذه استوقفنى كثيرا مؤخرًا كتاب «شعرة معاوية.. السادات وخصومه» والصادر حديثًا للكاتب الكبير أكرم القصاص، رئيس مجلس إدارة «اليوم السابع»، عن دار بتانة، والذى يتضمن من وجهة نظرى إجابات للكثير من الأسئلة الحائرة فى فضاء التاريخ المصرى حول الرئيس السادات والظلال الكثيفة التى أحاطت بعلاقته بهيكل.
أعترف فى البداية بأن كتاب «شعرة معاوية» جاء مخالفًا للكثير من توقعاتى، وأنه يتضمن اشتباكا واضحًا منذ الصفحات الأولى مع أفكار مستقرة خاصة لدى الناصريين، حول طبيعة ودور السادات فى الداخل المصرى، ومفهومه للصراع العربى الإسرائيلى وطريقة تعاطيه معه.
لم أتخيل أن يضع الأستاذ أكرم القصاص نفسه فى مواجهة عواصف عاتية أتوقع أن يثيرها كتابه الجديد بكل هذا القدر من الجرأة؛ من أجل أن ينتصر لحقائق تعمد الناصريون حجبها عن الأعين لسنوات طويلة، خاصة أنه عمل لفترة زمنية ليست بالقصيرة فى صحيفة «العربى الناصرى».
ينحاز القصاص فى هذا الكتاب للحقائق، ويرى أن من واجبه أن يحطم الكثير من التابوهات ومن بينها رواية هيكل للأحداث التى يتعامل معها كثيرون حتى يومنا هذا ومنذ زمن بعيد بوصفها حقًا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لكن القصاص الذى بدأ حياته مثل الكثيرين كارهًا للسادات لا يُسلم لأحد بالعصمة، ويرى أن من واجبه بعد هذه السنوات أن يسبح ضد التيار، وأن يُخضع كتابات هيكل حول السادات للنقد والتحليل قبل أن ينزع عنها المصداقية ويُجردها من الكثير من أوراق التوت، وهو لا يفعل ذلك بالأساس من أجل إنصاف السادات وهو رئيس يرى أنه يستحق ذلك بالطبع، ولكن بهدف إعادة تحليل الوقائع التى جرت بالفعل على الأرض فى سياقها العام، وهو فى ذلك يسعى جاهدًا إلى تخليصنا من أَسر السرديات غير المنصفة التى سادت لفترة طويلة، والتى نبتت فى مناخ ساده الانتقام وسيطرت عليه الرغبة فى تصفية الحسابات.
لا يمكن وصف هذا الكتاب بأنه محاولة للانتصار للسادات على حساب هيكل، ولكنه بالأساس مراجعة نقدية بالغة الدقة لفترة بالغة الأهمية من تاريخ مصر، وتحديد ١١ عامًا سار فيها الرئيس الأسبق فوق عشرات الألغام التى نجا منها جميعًا قبل المشهد الأخير فى المنصة، حيث قابل قدره واقفًا ليرحل تاركًا خصومه يصفون حساباتهم معه على طريقتهم الخاصة، وهو الذى ظل طوال عمره حريصًا على أن يترك بينه وبينهم شعرة معاوية.

ظل الرئيس فى ميزان مراكز القوى
فى ٢٥ أكتوبر عام ١٩٦٨ كتب هيكل مقالًا تحت عنوان كيف تنشأ مراكز القوى؟ أشار فيه إلى أن الرئيس جمال عبدالناصر استخدم تعبير مراكز القوى فى خطاب له أمام مجلس الأمة فى خريف سنة ١٩٦٥ قبل أن يدرك الناس معناه بعد زلزال هزيمة يونيو ١٩٦٧، لكن أكرم القصاص فى كتابه «شعرة معاوية» يشدد على أن هيكل نفسه كان محسوبًا على مراكز القوى، بل كان أكثر مراكز القوى امتلاكًا للسلطة فى عهد الرئيس عبدالناصر، حسب تعريف ألفين توفلر فى كتابه «تحول السلطة».
لم يكن هيكل فى عهد عبدالناصر مجرد رئيس تحرير يتمتع بعلاقة قوية مع الرئيس، ولكنه كان يحوز اثنين من عناصر القوة، أولهما الوجود بالقرب من أعلى سلطة فى الدولة، وثانيهما المعرفة والمعلومات، ولم يكن خاليًا من الثروة وإن لم يكن يحسب من بين الأثرياء، ويكمل القصاص فى كتابه: كان الأستاذ فى كل مراحل الصراع خلال حكم ناصر وأيضًا السادات يضع نفسه فى مساحة خاصة بعيدًا عن السلطة بمعناها الخشن، ولكنه فى الواقع أجاد استعمال السلطة فى توقيتها ومكانها، فالواقع يؤكد أن هيكل كان يعرف الكثير، ويعرف جيدًا كيف يستعمله ومتى يلوح به فى وجه الجميع.
فى كتاب «وثائق ١٥ مايو» يكشف موسى صبرى عن أن مراكز القوى فى مصر نشأت بعد حرب ١٩٥٦ وتحديدًا بعد رفض الرئيس عبدالناصر إزاحة المشير عبدالحكيم عامر، فرغم أن الحرب أسفرت عن انتصار سياسى، فإن أحدًا لم يستطع إنكار أن هناك إخفاقًا عسكريًا وهو ما دفع بعض ضباط الثورة للمطالبة بإقالة عامر، ولكن ناصر رفض بشدة بل لوح بالاستقالة وهو الأمر الذى أدى إلى إغلاق الملف برمته، ويشير القصاص فى كتابه إلى أن الرئيس عبد الناصر عندما ألف وزارة جديدة فى عام ١٩٧٠ أدخل فيها اثنين من مراكز القوى حيث عين سامى شرف وزيرًا لشئون رئاسة الجمهورية، ومحمد حسنين هيكل وزيرًا للإعلام.

تحالف قصير وصدام طوبل
واقع الحال أن هيكل استمد سلطته من امتلاك المعلومات واحتكار الوثائق وهو ما أطلق عليه الدكتور فؤاد زكريا فى كتابه «كم عمر الغضب» سطوة الأرشيف، وحسب ما يؤكده القصاص فإن هيكل ظل صاحب السلطة بلا منافس لفترة طويلة مع الرئيس عبدالناصر، وتواصل الأمر لبعض الوقت مع وصول الرئيس السادات لسدة الحكم، وهو ما أدى لتكون تحالف قصير بين الرجلين قبل أن يندلع الصدام، ويمتد حتى ما بعد رحيل السادات.
لم يكن هيكل مستعدًا للتخلى عن الدور الذى لعبه طوال سنوات حكم عبدالناصر مع قدوم السادات، حيث كان لديه إصرار واضح على أن يظل فى المساحة التى رسمها لنفسه، لذا لعب دورًا كبيرًا فى مساعدة السادات على توطيد أركان حكمه فى مواجهة مراكز القوى، ومن هنا نشأ التحالف بين الرئيس والأستاذ الذى جاء فى ضوء التقاء المصالح، ويكشف القصاص عن أن هيكل وظف المعلومات بشكل كبير من أجل ترجيح كفة الرئيس فى مواجهة خصومه، بل إن هيكل هو من أعلن فى أعقاب التأكد من وفاة جمال عبد الناصر أن الدولة يجب أن تتحرك، وأن السادات هو نائب الرئيس، وعليه أن يتحمل المسئولية وأن تتم الإجراءات بسرعة.
ويشير القصاص فى كتابه «شعرة معاوية» إلى أن هناك اقتراحات طالبت بأن يتولى السادات الرئاسة مؤقتًا لحين ترشيح وانتخاب رئيس جديد، ولكن هيكل حسم الأمر بالقول إن السادات الذى يلقى بيان الوفاة إلى الأمة يجب أن يتم نقل السلطة إليه بسرعة لظروف الحرب وبسبب المعركة.
فعل هيكل الكثير وفق هذه المعطيات من أجل بناء تحالف قوى مع الرئيس الجديد، قدم الأستاذ كل أوراق الاعتماد الممكنة للسادات حسبما يمكن استخلاصه من كتاب أكرم القصاص، فما الذى أدى إلى وقوع الصدام الكبير بين الرجلين بعد ذلك؟!
السبب الرئيسى فى ذلك والذى يستخلصه القارئ من كتاب «شعرة معاوية» أن أحدًا من الطرفين لم يستطع إغفال الصورة التى كان فيها هيكل حليفًا للسلطة وشريكًا لها فى عهد جمال عبدالناصر.
كان هيكل مهندس الصراع مع مراكز القوى وهو الطرف الرئيسى الذى حسمه لصالح السادات وكتب عدة مقالات شهيرة لشرح ما جرى، ومن بين ما سطره فى هذا الشأن هذه الكلمات القوية: حين رفض السادات قميص الحديد الذى صنع له ولشعبه لم يجد نفسه وحيدًا وإنما مرة أخرى تحرك شعب مصر بسرعة، وتبنى هيكل فى هذا السياق اسم ثورة التصحيح.
ويشدد أكرم القصاص فى كتابه على أن ما جرى فى مايو ١٩٧١ لم يكن صراعًا بين السادات ومراكز القوى فقط، بل كان أيضًا بينهم وبين محمد حسنين هيكل نفسه الذى كان يملك الأوراق والمدفعية الإعلامية التى حسمت الصراع، ولذلك ليس غريبًا أن يتوسع هيكل فى وصف خصومه فى تلك الفترة الدقيقة بأنهم خصوم الاشتراكية، وأنصار القيود وخنق الحريات، وأن أنور السادات راهن على جماهير ٩ و١٠ يونيو ١٩٦٧.
ويفسر كتاب «شعرة معاوية.. السادات وخصومه» تحرك هيكل القوى لصالح السادات فى معركة مراكز القوى بالقول: «كانت شهادة محمد حسنين هيكل شهادة من شارك وساند وتحالف ليس فقط لضمان تثبيت سلطة الرئيس السادات، وإنما أيضًا لثبيت سلطة هيكل نفسه الذى كان يواجه صراعًا على السلطة مع مجموعة ١٥ مايو ١٩٧١».
أعلن الرئيس السادات فى أعقاب توليه السلطة وفى أثناء خوضه صراعًا مع مراكز القوى أنه ينوى فتح المجال أكبر للديمقراطية، وللتخلى عن تجربة الاتحاد الاشتراكى الذى أثبت فشله وهو ما دافع عنه، والحقيقة التى يخرج بها المرء حتى من كتاب خريف الغضب هى أن هيكل كان حريصًا على تدعيم وجود السادات فى السلطة، لأنه اعتقد أن مصلحته سوف تستمر فى وجوده.
تضارب المصالح
يفسر أكرم القصاص فى كتابه «شعرة معاوية» سر الصدام بين الرئيس والأستاذ رغم التحالف الذى جمع بينهما خاصة فى البدايات بالقول: «الواقع أن الرئيس أنور السادات والأستاذ محمد حسنين هيكل بقدر ما كان بينهما من خصومة، فقد كانت بينهما تشابهات كثيرة أهمها أن كلًا منهما كان يفهم الآخر بشكل كبير، السادات فلاح خبير بشئون العمل السياسى والتنظيمات السرية، بقى بجوار عبدالناصر مندوبًا ونائبًا ومبعوثًا إلى إفريقيا وسوريا، كانت المهام الموكلة إلى السادات تضاعف قدرته على فهم السلطة والعمل السياسى بجانب قدراته غير المحدودة على إخفاء نواياه وآرائه وما يريد قوله، وهى ميزات اعترف بها كل من اقترب منه».
ظل هيكل شريكًا للرئيس السادات فى كل خطواته حتى الإطاحة به من الأهرام، وكان يلعب نفس الدور الذى لعبه مع الرئيس عبدالناصر، بلورة أفكار الرئيس وتبرير السياسات والقرارات باستعمال ما يصفه أكرم القصاص فى كتابه خريف الغضب بالكتابة الدائرية، التى يتحاشى فى بعضها إعلان آرائه فى غلاف من الموضوعية والزحام والمقولات والإنشاء.
بدا الصدام حتميًا بين رجلين يعرفان عن بعضهما كل شىء، وتجمعهما رغبة مشتركة فى بسط السيطرة، فى ظل تشابكات مساحات النفوذ، وبعد أن أطاح الرئيس السادات بجميع مراكز القوى بضربة واحدة لم يكن صدامه مع هيكل سوى مسألة وقت، صحيح أن الرئيس السادات قرر تأجيل المعركة لعدة سنوات لأسباب كثيرة داخلية وخارجية، ولكن قراره صدر فى عام ١٩٧٥ بإبعاد هيكل عن الصورة، والإطاحة به من رئاسة تحرير جريدة الأهرام.
ويرسم كتاب «شعرة معاوية» المشهد المعقد لرحيل هيكل عن الأهرام حيث يقول: «الواقع أن طريقة الإطاحة بمحمد حسنين هيكل من الأهرام تحمل كثيرًا من المناورات، ولا تخلو من إهانة، فلم يكتف السادات بإخراجه، وإنما عين بدلًا منه خصمه اللدود على أمين، توأم مصطفى أمين، الذى سجن فى قضية اتهامه بالتخابر مع الولايات المتحدة، وأفرج عنه الرئيس السادات بقرار إفراج صحى.
ويشدد القصاص على أن خلاف الرئيس السادات مع هيكل هو خلاف نوعى على السلطة وليست السلطة بالضرورة الحكم أو المناصب، ففى حالة هيكل كانت السلطة التى امتلكها أكبر من أى مناصب وفوقها، إنه ملاصق للرئيس، يشرح أفكاره ويختص نفسه بالأسرار، ويبتعد وقت الجد عن تحمل المسئولية، وفى نفس الوقت كانت سلطة هيكل على الوزراء والمسئولين هى نفسها سلطة الرئيس جمال عبدالناصر، ولم يكن هناك من يجرؤ على رفض طلب للأستاذ، وقد أرسى خطًا ساخنًا مع الرئاسة، وخطًا ساخنًا مفتوحًا مع البرلمان، وهى سلطات لم تتح لغير الأهرام ولا لغير هيكل، وهو أمر كان يعلمه الرئيس السادات الذى كان يهدف إلى تغيير السياسة كليًا عما كانت عليه فى عهد عبدالناصر، فالزمن تغير وكل رئيس له ظروفه وإمكاناته.
وحسب كتاب «شعرة معاوية.. السادات وخصومه» فإن هيكل الذى كان شريكًا وصاحب مصلحة فى الانحياز لصالح السادات فى معركته ضد مراكز القوى ظن أنه استثناء من كل السوابق فى العلاقة مع السلطة، لكن السادات كان قد اتخذ قراره بالإطاحة بالأستاذ بسبب اختلاف فى أولويات السلطات، وليس بسبب تباين فى الآراء، فلم يكن هيكل مختلفًا مع اتجاهات الرئيس السادات فى الصراع مع إسرائيل، وكان الأستاذ أكثر مَن أكد أن الولايات المتحدة هى الطرف الفاعل فى الصراع، وفى كتاب «محاوراتى مع السادات» ينقل أحمد بهاء الدين عن السادات قوله: «هيكل كان يريد سلطة أخرى، أن يكون أو يظل فى الصورة وحيدًا ومقربًا مالكًا للوثائق».
ورغم أن هيكل دعم السادات بقوة وشاركه فى الإطاحة برجال عبدالناصر، لكن الاختلافات بينهما كان سببها بالأساس محاولة هيكل البقاء بالقرب من مركز السلطة، فى حين أن السادات نفسه أراد أن يكون مختلفًا، ولديه تصوراته الخاصة عن السلطة والأحزاب والعمل السياسى.
يشدد القصاص على أن هيكل لعب دورًا فى تلطيخ صورة الرئيس السادات العامة بشكل تجاوز الاختلاف فى الرأى إلى ما يشبه الانتقام بعد أن أطاح به من الأهرام، وهى الحادثة التى تفسر الحنق الذى اتسمت به أفكار هيكل تجاه السادات، والتى ظهرت بشكل واضح حتى قبل أن يصدر كتابه الشهير «خريف الغضب».
النتيجة التى يخرج بها المرء من كتاب «شعرة معاوية «هى أن السادات خسر كثيرًا رغم امتلاكه السلطة السياسية، بسبب خلافه مع هيكل الذى حاز ما يمتلكه الكتاب القادرون على رواية القصة من وجهة نظرهم، فعل الأستاذ ذلك حسبما يؤكده أكرم القصاص بعد رحيل السادات حيث أصدر كتابه خريف الغضب الذى يمثل اغتيالًا ثانيًا للسادات.
ويؤكد القصاص أن البعض خلط بين الاختلاف مع السادات وبين الانتقام منه وإهانة تاريخه مثلما فعل محمد حسنين هيكل فى كتابه «تاريخ الغضب» الذى يعد واحدًا من أكثر أنواع الهجاء قسوة، وإن كُتب نثرًا وليس شعرًا على طريقة «جرير والفرزدق».
يحسب لأكرم القصاص أنه بذل فى كتابه جهدًا ضخمًا من أجل تخليص السادات وتاريخه من أسر كتابات هيكل التى جاءت فى سياق حالة من الانتقام الشديد بعد أن وجد الأستاذ نفسه خارج الأهرام وبعيدًا عن المشهد؛ بعد أن تم تجريده لأول مرة فى حياته من سلطة الأرشيف.
كما يقدم الكتاب قراءة نقدية فى كتابات هيكل حول ١١ عامًا فارقة فى تاريخ مصر تولى خلالها الرئيس السادات السلطة وقاد معارك كثيرة فى الداخل والخارج خرج فى الكثير منها منتصرًا رغم التركة الثقيلة التى ورثها عن عبدالناصر.