كثير وقليل.. من المهرجانات ومن المسرحيات
هل يعرف الجمهور، أى الشعب المصرى شيئًا عن المسرح وبالتحديد ما نسميه نحن مسرح الدولة؟ نحن فى مصر ما يزيد عن مائة وأربعة ملايين نسمة، وفقًا لإحصائيات عام ٢٠٢٢، وهذا العدد يمثل فقط المصريين المقيمين فى مصر بخلاف المهاجرين إلى بلاد أخرى وأيضًا ملايين العرب المقيمين فى مصر، فكم من هولاء يذهب إلى المسرح، لا أظن أن نسبة واحد فى المائة تعرف عنه شيئًا، أو حتى بضعة آلاف، فالسواد الأعظم من المصريين، وخاصة الأجيال الجديدة لا تعرف إلا المادة المضحكة التى تقدمها الفضائيات وتسميها مسرحًا، هذا ما يعرفه الجمهور، وغالبًا حين تذهب إلى المسرح سوف تشاهد الجمهور الذى تعرفه من المسرحيين، وأصدقاء فريق العمل، وإذا ضَل أحدهم طريقه سيكون من أجل نجم سمع عنه أو يعرفه.
لم يعد لدينا جمهور للمسرح وهذه حقيقة، ومن يذهبون إلى المسارح سوف تكون الزيارة ليس للمتعة أو محبة المسرح أو بحكم العادة، فهذا لا يحدث إلا قليلًا! فمن سيذهب ستكون زيارته غالبًا لأغراض عملية.. وهذه الظاهرة بدأت منذ سنوات، بل منذ عقود ولم يلتفت أحد، أو قل لم يهتم، ففى تسعينيات القرن الماضى كان المركز القومى للمسرح يقدم مع إحصائية العروض أعداد المشاهدين فى كل ليلة عرض، وبالطبع توقفت كثيرًا أمام الأرقام التى كانت مخزية أو هكذا كنت أظن إلى أن عشت هذه الأيام التى اختفى فيها الجمهور والمسرح معًا، وبالطبع منذ سنوات توقف المركز عن إحصاء الجمهور وليالى العرض.
نعم نحن نقدم مسرحيات يشاهدها الأهل والأصدقاء، أهل المهنة وأهل فريق العمل وبعض المدعوين والصحفيين، وفى الوقت نفسه نقيم مهرجانات عديدة لا يشاهدها أيضًا إلا أهل المسرح والصحفيون والمتسابقون وأعضاء اللجان والضيوف إذا كان المهرجان دوليًا، مثل التجريبى وشرم والشيخ والمونودراما، مهرجان الجنوب، ملتقى المسرح الجامعى، إيزيس، وما أكثر المهرجانات فى مصر، وخاصة الدولية، وهذا من المضحكات المبكيات دون شك، مهرجانات من المفترض أنها دولية، كلها يضع هذه الصفة فى العنوان، وفيما عدا التجريبى كلها مهرجانات حديثة لا تقيمها وزارة الثقافة، بل تدعمها وتقام برعايتها، حيث تشارك جهات أخرى فى تمويلها! ناهيك عن أن المهرجانات الأخرى المحلية، مثل القومى ومهرجانات قصور الثقافة، وأيضًا ما تقدمه المعاهد المسرحية، مثل المهرجان العربى والعالمى، هى مهرجانات ضرورية مطلوبة، فالقومى يقدم النتاج المصرى بكل أطيافه حتى وإن شاهده أهل المسرح، فهو يقدم بانوراما للهواة والمحترفين أقرب إلى تقرير سنوى عن الحالة المسرحية فى مصر، أما مهرجانات قصور الثقافة فتعمل وفق فلسفة إنشاء هذه المؤسسة ودورها فى الأقاليم، ناهيك عن الأعداد التى تنتجها وتتجاوز ٣٠٠ عرض مسرحى كل عام، وفيما يتعلق بمهرجانات المعهد العالى للفنون المسرحية فهو أيضًا ضرورة، ليس فقط لأنها جزء من المنهج التعليمى، بل وسيلة لتشجيع الدارسين من الطلبة والطالبات وتقييم مستواهم، وهناك مهرجانات أخرى يتم استحدثها وإضافتها مثل الميكروتياترو، ومسرح بلا إنتاج، ومهرجان آفاق، ومهرجانات الهواة بأنواعها، وأخرى لا أذكرها، ودون شك هناك مهرجانات لا أعرفها! وأستطيع القول إننا فى مصر لدينا مهرجانات تفوق أعداد المبانى المسرحية، وإذا نحينا العروض التى تنتجها قصور الثقافة فى القاهرة والأقاليم ومسارح الهواة والمسرح الجامعى، سنقول أيضًا إن عدد المهرجانات فى مصر أكبر من عدد العروض الاحترافية التى ينتجها البيت الفنى للمسرح وقطاع الفنون الشعبية، والغريب أننا عكسنا الأعراف والتقاليد، ففى أحيان كثيرة ننتج العروض من أجل المهرجانات، بل وتموت وتنتهى بانتهاء الحفل أو المهرجان.
والنتيجة أن ما نسميه مسرح الدول لم يعد الجمهور يعرفه أو يتفاعل معه إلا فى حالات نادرة، وسوف يكون السبب أحد النجوم، ولا بد أن نتساءل لماذا؟ لماذا التصميم على إقامة المهرجانات دون أن تكون هناك عروض مسرحية جيدة أو حتى متوسطة، بالفعل المسارح لا تعمل إلا قليلًا، فإذا قارنا بين إنتاج العقود الثلاثة الأخيرة منذ تسعينيات القرن الماضى حتى وقتنا هذا سنجد أن إنتاج العروض المسرحية يتناقص وبقوة، وخاصة فى إنتاج مسرح الدولة، بالإضافة إلى تناقص أعداد دور العرض المسرحى، إما لعودتها إلى الورثة، مثل مسرح محمد فريد الكوميدى، أو لإغلاقها لأسباب تتعلق بالدفاع المدنى وهذا يحدث كثيرًا، وفى كل الأحوال ليست هناك نية أو تفكير فى إنشاء مسارح جديدة، إذن ليست هناك عروض مسرحية أو دور عرض، ويشعر من يتابع تطور المهرجانات فى العقود الثلاثة الأخيرة أن هناك إبداعًا فى تطوير واستحداث المهرجانات!
فإذا كانت العروض المسرحية ودورالعرض فى تناقص مقابل ازدياد أعداد المهرجانات، وهى ظاهرة غير طبيعية كما ذكرت، فماذا عن العروض المسرحية، فماذا تقدم، وهل ثمة علاقة بين تناقص المسارح والمسرحيات مقابل الاهتمام بالمهرجانات والرغبة فى تسييد هذه الظاهرة؟ وظنى أن هناك علاقة حتى وإن كانت غير متعمدة أو غير منظمة أدت إلى أن تكون العروض المسرحية القليلة عروضًا بعيدة عن الواقع وأسئلة اللحظة الراهنة، عروض لن يتفاعل معها الجمهور! فنحن فى العقود الثلاثة الأخير أمام ظاهرة معالمها تؤكد ما يلى، تناقص أعداد دور العرض، تناقص المنتج من المسرحيات وخاصة فى مسرح الدولة، تراجع كبير لمسرح القطاع الخاص، زيادة غير مبررة لأعداد المهرجانات، مع ابتعاد السواد الأعظم من العروض المسرحية عن قضايا الواقع، وبالتالى تراجعت خطوات المشاهدين للخلف بعيدًا عن المسارح. فهل هذا مقصود أم يتم عن جهل لمن يضعون السياسة المسرحية وأنا أرجح الاحتمال الثانى؟
العرض القادم: موسم تغيرر البطلة!
تغيرت بطلة عرض «رصاصة فى القلب»، الذى يعرض الآن فى المسرح القومى ثلاث مرات فى مصادفة لا تحدث كثيرًا، فقبل أن يبدأ العرض اعتذرت ريم أحمد، التى كانت تؤدى دور «فيفى» وجاءت آية سليمان، وافتتح العرض وبعد اليوم الثالث أصيبت آية فى حادث سير بعد أن أتقنت الدور وقدمت ثلاث حفلات، فاضطر المخرج للبحث عن بطلة ثالثة، وكان الدور من نصيب بسمة ماهر التى حفظته وتدربت عليه فى أقل من يومين.. ويبدو أن الدور كان ينتظرها!
وأيضًا اعتذرت بطلة مونودراما «دارت الأيام» حنان شوقى بعد أن أوشكت على الانتهاء من البروفات فى مركز الهناجر، ولم يستقر المخرج على بطلة أخرى.