الخميس 21 نوفمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

شفيقة.. أسرار سيدة الكاسيت فى مصر

شفيقة محمود عطا
شفيقة محمود عطا

- ظلت عشر سنوات تغنى أغانى المطربين الآخرين حتى طرحت ألبومها الأول عام 1980

صوتٌ خشن بعيد عن صوت أى أنثى، لكنه قريب لقلب كل من يسمعه، يترك أثرًا عميقًا لا يعرف أحد مصدره، وسر إعجاب الملايين بصوتها حتى هذه اللحظة، إنه يلتف حول القلب فيُنعشه ويخنقه أيضًا، له حضور ويخطف الأذن، وأقول بصدق إننى لست من هواة ولا دراويش هذا اللون من الغناء، لكن عندما سمعت هذا الصوت يتجلى قائلًا: «جربت الحب مرة.. كانت مرة وهى مرة، أنا عشت فيه ليالى وكانت ليالى مُرة»، تداعت فى أعماقى كل معانى الألم والحزن والقوة فى آن واحد. 

ما السر إذن؟.. السر فى شخصية صاحبة هذا الصوت، وهى المطربة شفيقة، فحياتها الشخصية ألوان من العذاب، فهى المطربة التى غنت للحب فهزمها، وتجلت فى حياتها بقوة وكبرياء وإصرار.. فغلبها المرض واستسلمت له وقضى عليها فى سن مبكرة، ورحلت عن دنيانا ولم تتجاوز سنها 54 عامًا. 

فمن هى المطربة شفيقة.. سيدة الكاسيت فى مصر.. والملقبة بـ«أم كلثوم الغناء الشعبى»؟

والدها عازف أوكورديون.. وبدأت الغناء فى الأفراح وعمرها 13سنة

اسمها شفيقة محمود عطا، ولدت عام ١٩٥٧ بطنطا، لم تُكمل تعليمها وخرجت من المدرسة مبكرًا، وفى عام ١٩٧٠، عندما كانت فى الثالثة عشرة من عمرها، قدمها والدها للجمهور كمغنية متميزة على المسرح المتميز لفرقة «ليالينا» فى طنطا، ولم يتخيل والدها، الذى كان قائدًا لهذه الفرقة، أن ابنته ستُحدث هذا الجنون على المسرح.

من هنا بدأت رحلتها وقرر الوالد الاستثمار فيها، وظلت عشر سنوات تغنى أغانى المطربين الآخرين، حتى طرحت ألبومها الأول عام ١٩٨٠، عندما تعرفت على المنتج أحمد فخرى، صاحب شركة «الغربية للصوتيات»، الذى قدمها للجمهور بشكل آخر، وسجل لها لـ٨ ألبومات، وحققت مبيعات كبيرة فاستحقت عن جدارة سيدة الكاسيت فى مصر. 

وحققت أشرطة كاسيت شفيقة التى تضم ألبوماتها المتنوعة أرقام مبيعات ممتازة، واشتهرت خارج حدود العالم العربى، وكانت موضع تقدير بسبب موهبتها الصوتية القوية وأغانيها المليئة بالحزن والبهجة فى آن واحد. 

أجرها كان 15 الفًا فى الفرح وأم كلثوم قدوتها

بحكم شهادة فرقتها وكل من عمل بها، فكان أجرها فى الليلة من ١٠ آلاف إلى ١٥ ألف جنيه، وكانت تحكم الفرح بشخصيتها القوية وأدائها المتمكن البديع، لدرجة أن الناس أطلقوا عليها «أم كلثوم الغناء الشعبى». 

وسر هذا اللقب، هو أنها تشترك مع أم كلثوم فى نفس الإحساس، فعظمة أم كلثوم كانت تكمن فى أنها عندما تغنى، يشعر المستمع أنها تغنى له وحده، وهو نفس الإحساس الذى كان يشعر الناس به عندما يقفون أمام مسرح شفيقة فى أى فرح من الأفراح. 

هذا بخلاف أنها كانت عاشقة لأم كلثوم، وكانت تغنى أغانيها فى كل ليلة، وتعتبرها المثل الأعلى فى الغناء. 

ويؤكد أحد عازفى الأورج فى فرقة شفيقة، أنها كانت تغنى على المسرح أفضل من كل خريجى معاهد الموسيقى، وكانت صاحبة شخصية قوية وأداء لم يشاهده فى حياته مع أى مطرب من قبل. 

أنشأت نقابة الموسيقين فى طنطا ورفضل تولى منصب بها

ما لا يعرفه كثيرون عن شفيقة أنها كانت من مؤسسى نقابة الموسيقيين بطنطا، وامتنعت عن شغل أى منصب بسبب رغبتها فى التركيز على الغناء واكتشاف المواهب الشابة، لكن هذا الحلم تخلت عنه بعد سلسلة كبيرة من النجاحات وتحقيقها شهرة كبيرة فى مصر، وهذه الشهرة امتدت حتى إلى الوطن العربى. 

ويجمع كل من عمل معها أنها كانت تدعم كل الفنانين فى طنطا وكل المحافظات، وأن خيرها امتد إلى ما هو أبعد من ذلك، حتى إلى المعازيم فى بعض الأفراح، فرغم هيأتها التى تشعرك وكأنها امرأة جامدة وقاسية، فإنها كانت على نقيض وامتد عملها الخيرى إلى كل إنسان ليس أهلها فقط. 

وتؤكد أختها «عزيزة»، أن شفيقة كانت تنفق على ١٥ بيتًا: «شفيقة هى اللى جوزت كل عيالنا وكل قرايبها وكانت فلوسها كلها لينا ولغيرها وعشان كده راحت ومحليتهاش حاجة». 

تزوجت 5 مرات.. وزوجها الأخير سرق كل ما تملكه

تزوجت شفيقة خمس مرات ولم تنجب، وكانت معروفة بأخلاقها ولم يجرؤ أى رجل أن ينال منها شيئًا إلا فى الحلال، وهذا ما أكده العاملون معها وكل من رافقها فى رحلتها. أول أزواجها كان «حودة الرشيدى»، والثانى اسمه «شكوكو» وتعرفت عليه فى الزقازيق خلال أحد الأفراح، والثالث «مصطفى رشاد» والرابع كان من عائلة الموسيقار حسن إش إش، أما الخامس فكان من الإسكندرية ويدعى محمد حسنى، وهو الذى تسبب فى اعتزالها ٢٠٠٤، ونصب عليها بفكرة محل سمك فى الإسكندرية وفشل المشروع وعادت من الاعتزال بعدما أخذ منها كل شىء. 

الفشل فى الإنتاج أحبطها وجلطة فى القلب قضت عليها

طوال مسيرتها المهنية الناجحة، قررت شفيقة الدخول فى مجال الإنتاج بعد العودة، إلا أن هذه الخطوة لم تحقق النجاح بسبب افتقارها إلى الخبرة فى مجال التسويق والتوزيع، فأحبطت واقتصرت حفلاتها بسبب مرضها على محافظة الإسكندرية. وفى ٢٠١٠، أصيبت بجلطة فى القلب، ولم تجد أحدًا بجانبها سوى عائلتها، فى هذا الوقت كان كل ما ادخرته ذهب هباءً، بعدما سرق زوجها الأخير كل شىء منها، لدرجة أن الأهل تواصلوا معه كى ينقذها ويساعدها فى العلاج، فرفض، وضحك. بحسب شهادة منتجها «أحمد فخرى». توفيت شفيقة فى مايو ٢٠١١، متأثرة بجلطة القلب، وضاع الأهل من بعدها فهى كانت تعول الجميع ومسئولة عن أكثر من ١٠٠ فرد يرزقون من ورائها. 

أعضاء فرقة شفيقة عنها: ست اجدع من مليون شنب

فى فيلم وثائقى صادر عن مركز «المصطبة» الفنى، قدم عدد من المقربين شهاداتهم عن شفيقة، وأجمعوا كلهم على طيبة قلبها، هذا القلب الذى لم يعرف سوى الحب لكل من اقترب منه. قال العازف جمال عبده: «مفيش حد كان يحتاج حاجة إلا ويلاقى شفيقة بتعملهاله، إحنا كنا عايشين فى خير من وراها ولا عمرنا شفناه ولا هنشوفه». 

أما الراقصة أمل وكانت زميلتها فى الفرقة، أكدت: «والله والله شفيقة كانت بتموت ونزلت غنت، مش عشان نفسها، لكن عشان أهلها، كانت تقول هنزل عشان الناس اللى محتاجة هيعملوا إيه من غيرى». وأدلى «سامح» الذى يعتبر أقرب الناس لها ويعتبر نفسه ابنًا لها: «أنا اللى كنت معاها على السرير وهى بتموت، وكانت آخر سنة راقدة على السرير، وأنا اللى خليتها تتشاهد ورفعت إيديها وهى بتموت وقالت: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله». أما الحاج جمال أبوحشمت، أحد أقاربها، فيؤكد أنها كانت تخلق حالة غريبة فى الأفراح، قائلًا: «أقسم بالله لو الفرح فى ١٠٠ ألف واحد كانت بتخليهم يتنططوا.. كأنهم اتسطلوا مش بس اتسلطنوا، كنا نسمعها كأننا خدنا حقنة للقلب تدوب الجلطة»، وهو نفس المعنى الذى ركز عليه العازف أشرف الشهداوى فى شهادته عن شفيقة التى عمل معها لسنوات: «دى كانت بتودينى أنا شخصيًا فى عالم تانى، عمرى ما اتمزجت فى شغل غير معاها، وأنا لما اشتغلت معاها مكنتش مصدق نفسى، كنت طاير من الفرحة زى المجنون.. شفيقة دى أحلى حاجة ماتت».