السبت 23 نوفمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

مهمة صعبة.. أسرار تحركات العنانى فى معركة «اليونسكو»

خالد العنانى
خالد العنانى

نافست مصر مرتين على منصب المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو»، لكن مرشحينا أخفقوا فى كل مرة؛ الأولى عندما ترشح وزير الثقافة الأسبق، فاروق حسنى، وفازت بالمنصب وزيرة الخارجية البلغارية السابقة، إيرينا جيورجييفا بوكوفا، التى أصبحت أول امرأة ترأس هذه المنظمة الأممية. 

وكانت المرة الثانية في الانتخابات التى انتهت بخروج السفيرة والوزيرة السابقة مشيرة خطاب من المنافسة بالجولة قبل الأخيرة من التصويت النهائى، فيما ترشح مصري للمنصب أيضًا لكنه لم يكن مرشح مصر، وهو الدكتور إسماعيل سراج الدين، الذي ترشح باسم بوركينا فاسو ودعمت مصر وقتها مرشح السعودية التزامًا بالقرار العربي في هذا الشأن.

والآن، تخوض مصر السباق بمرشح استثنائى هو الدكتور خالد العنانى، وزير السياحة والآثار السابق، وسط آمال كبيرة بتمكنه من صنع منافسة شديدة وصولًا إلى الفوز بالمنصب الرفيع، استنادًا لمؤهلاته وإنجازاته الأكاديمية والتنفيذية.

كواليس الترشيح

فى أبريل ٢٠٢٣، أعلن الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، عن تقدم مصر بـ«العنانى» مرشحًا لمنصب مدير عام «اليونسكو» للفترة من ٢٠٢٥ إلى ٢٠٢٩.

هذا الاختيار جاء بعد التوافق على الاسم داخل اللجنة الوطنية التى تم تشكيلها بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم ١٧٦٩ لسنة ٢٠٢٢، والتى ضمت ممثلين عن جميع الوزارات المعنية لدراسة فرص فوز مصر بهذا المنصب، وتحديد المعايير لاختيار أفضل المرشحين، لتتوصل اللجنة فى ختام أعمالها إلى ترشيح «العنانى» للمنصب.

وفى حيثيات الاختيار استندت اللجنة إلى المؤهلات التى حصل عليها، وإنجازاته الأكاديمية والتنفيذية فى مجالات عدة، فضلًا عن إسهاماته الكبيرة والقيّمة، على الصعيدين الوطنى والدولى، فى مجالات العلوم والتربية والثقافة، والتى تُعد نتاجًا لخبراته التى تمتد لأكثر من ٣٠ عامًا فى مجالات التدريس الجامعى، والبحث العلمى، وعلوم المصريات، والآثار والتراث والمتاحف والسياحة، بخلاف أنشطته وإسهاماته بالعديد من كبرى الجامعات والمؤسسات البحثية والعلمية، داخل وخارج مصر.

تحركات مؤسسات الدولة

بعد ترشح «العنانى» صدرت توجيهات من القيادة السياسية لجميع الوزارات المعنية بدعم الترشيح المصرى وتوظيف الإمكانات المتاحة كافة للترويج له على النحو الملائم، استعدادًا للانتخابات المقرر إجراؤها بمقر المنظمة بباريس عام ٢٠٢٥، فضلًا عن تكثيف التحرك والتنسيق مع الدول الشقيقة والصديقة، على نحو يعظم من فرص فوز مصر بهذا المنصب الرفيع.

وكان الإعلان عن المرشح المصرى بمثابة إشارة للبدء فى تنفيذ خطة دبلوماسية دولية مدروسة ومحكمة، هدفها دعم «العنانى» وضمان حصوله على الأصوات اللازمة للفوز بالمنصب.

وأجرى «العنانى» العديد من الجولات الخارجية بدأها بالدول العربية والإفريقية الأعضاء، بهدف التنسيق ومعرفة رؤاهم فيما يتعلق بأعمال وأنشطة المنظمة، لتطبيقها حال الفوز بالمنصب.

ومن بين الدول التى زارها جنوب إفريقيا وبوتسوانا وفرنسا، فضلًا عن مجموعة موسعة من اللقاءات مع وزراء خارجية الدول أعضاء المنظمة، حيث أسفرت هذه اللقاءات والزيارات عن نتائج مبشرة.

توافق عربى إفريقى

يبدو أن الدول العربية تعلمت الدرس من انتخابات ٢٠١٧ التى تم تفتيت الأصوات فيها بين مرشحين عربيين، هما السفيرة مشيرة خطاب، المرشحة عن مصر، والدبلوماسى القطرى حمد الكوارى، لذا قام مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزارى باعتماد ترشيح «العنانى» مرشحًا عربيًا لمنصب مدير عام منظمة اليونسكو للفترة ما بين ٢٠٢٥ حتى ٢٠٢٩.

وحسب القرار الصادر من الجامعة العربية اعتمد المجلس فى اجتماعه، برئاسة المملكة المغربية، الترشيح ضمن اعتماد تأييد الترشيحات العربية لعدد من المناصب الدولية.

ولم يكن الدعم عربيًا فقط؛ فقد أعلن المجلس التنفيذى للاتحاد الإفريقى، فى دورته الرابعة والأربعين التى عقدت بأديس أبابا يومى ١٤ و١٥ فبراير الماضى، اعتماد ترشيح «العناني» للمنصب، الأمر الذى قابله المرشح بالتعبير عن سعادته العميقة بالإجماع العربى والإفريقى الذى حظى به ترشيحه لشغل المنصب، مشيدًا بالدعم الذى يحظى به الترشيح من الدولة المصرية التى يشرف باختيارها له لخوض الانتخابات المقبلة للحصول على هذا المنصب الدولى المرموق.

وشدد «العناني» على أهمية هذا الاعتماد الإفريقى الصادر عن الاتحاد الإفريقى، ومن قبله الاعتماد العربى الصادر عن جامعة الدول العربية، متعهدًا ببذل قصارى جهده خدمة لقضايا التربية والتعليم والعلوم والثقافة والاتصال والمعلومات، لتمكين منظمة «اليونسكو» من تحقيق رؤيتها وأهدافها النبيلة فى بناء عالم أكثر سلامًا وتسامحًا وتقدمًا.

تشكيل الحملة

وفق مصدر خاص فإن أنشطة دعم المرشح المصرى تقوم على محورين؛ الأول تتولاه لجنة وطنية تضم الوزرات المعنية، مثل الخارجية والتعليم العالى والبيئة والاتصالات، برئاسة دبلوماسى بارز، وقد تشكلت بناء على توجيهات رئاسية، بهدف دعم المرشح وتذليل جميع العقبات والتنسيق بين الجهات المختصة.

والمحور الثانى حملة دبلوماسية تضم خبراء مصريين ودوليين لديهم خبرات تتعلق بعمل «اليونسكو». وحسب المصدر جارى تشكيل مجلس استشارى لحملة الترشيح.

ويعتزم المجتمع المدنى- خاصة الجمعيات النشطة فى حقل التبادل الثقافى والتواصل مع مثيلاتها على المستوى الدولى- القيام بخطوات لدعم المرشح المصرى، فيما سيكون للبرلمان، بغرفتيه النواب والشيوخ، دور مؤثر، خاصة بالنسبة للجان الشئون الخارجية، حيث سيجرى التواصل مع البرلمانات الشقيقة والصديقة لدعم «العنانى».

ويجرى التفكير حاليًا فى الاستفادة من المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة ضمن أنشطة الحملة، مع الترويج للمرشح فى جميع الفعاليات التى تقوم بها جميع المؤسسات الحكومية.

حظوظ المرشح

يحظى الدكتور خالد العنانى بقبول دولى واسع، لا سيما بين الدول الأوروبية، ولديه علاقات واسعة فى فرنسا، على وجه التحديد، ومؤخرًا، وبدعوة من سفير فرنسا فى مصر، عرض مرشحنا «نظرته والقيم التى يود الدفاع عنها كمرشح لمنصب المدير العام لليونسكو خلال لقاء تم تنظيمه بمقر السفارة»، كما أن الدعم التركى له يمكن أن يلعب دورًا فى السباق.

وفى هذا السياق، رأى الدكتور زاهى حواس، وزير الآثار الأسبق عالم المصريات، أن حظوظ «العناني» قوية جدًا خاصة بعد التوافق العربى والإفريقى عليه، مشددًا، فى الوقت ذاته، على ضرورة التنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية لدعم المرشح المصرى، موضحًا أن «أوراق اللعبة فى يد أمريكا، ومن أهم الخطوات التى ستساعد على الفوز بالمنصب هو إقناع أمريكا بالمرشح المصري».

ورأى أن وزارة الخارجية تقوم بدور جبار فى هذا الملف، حيث تقوم بالتواصل مع الدول صاحبة الحق فى التصويت بشكل مكثف، بالإضافة للزيارات التى يقوم بها «العنانى» لهذه الدول.

نظام الانتخاب

يجرى اختيار المرشح الفائز لإدارة اليونسكو على مرحلتين؛ فى الأولى يحصل المرشح على موافقة المجلس التنفيذى لليونسكو، ثم يحصل فى الثانية على موافقة المؤتمر العام للمنظمة، بعدها يقدم المرشحون ملفاتهم وسيرهم الذاتية إلى الإدارة المختصة فى المنظمة، ثم يقوم المجلس التنفيذى لليونسكو بإجراء «المقابلات الشخصية» للمرشحين لمنصب المدير العام للمنظمة، مع الاستماع لعروض حول خططهم ومقترحاتهم وأفكارهم.

عقب ذلك يتم التصويت على المرشحين فى جولة أولى من ممثلى ٥٨ دولة بطريقة سرية، وفى حال لم يحصل مرشح على الأغلبية المطلوبة «٥٠٪ +١» تجرى جولة ثانية، ثم ثالثة، ثم رابعة ليحصل المرشح على الأغلبية المطلوبة (٣٠ صوتا).

وبعد الجولة الرابعة يتم الإعلان عن المرشحين الحاصلين على أكبر نسبة من الأصوات للمرور إلى الجولة الخامسة التى يفوز فيها المرشح الحاصل على أكبر نسبة من الأصوات بغض النظر عن عددها، وإن تساويا ولم يحصل أى منهما على نسبة تفوق الآخر يتم اللجوء إلى نظام القرعة لترجيح كفة أحدهما وحسم السباق بينهما بشكل نهائي.

ومع إعلان الفائز الحاصل على الأغلبية المطلوبة، يعرض على الجمعية العامة «١٩٥ دولة» التى تجتمع لاعتماده بشكل نهائى، حيث لا يصبح مديرًا عامًا بشكل رسمى إلا بعد موافقتها. وتبلغ مدة الولاية الرسمية للمنصب أربع سنوات يجوز بعدها الترشح لولاية ثانية أخيرة.

وإذا فاز «العناني» سيكون أول عربى وثانى إفريقى يتقلد هذا المنصب بعد السنغالى أمادو مختار مبو الذى ترأس اليونسكو لفترتين ما بين ١٩٧٤و١٩٨٧.

C.V  المرشح الاستثنائى 

تخرج الدكتور خالد العنانى فى قسم الإرشاد السياحى بكلية السياحة والفنادق جامعة حلوان، وعُين معيدًا فى نفس القسم، ثم حصل على الدكتوراه فى علم المصريات من جامعة پول ڤاليرى مونپيلييه بفرنسا.

بدأت علاقته بوزارة الآثار حين عمل مشرفًا عامًا على المتحف القومى للحضارة، بالإضافة للمتحف المصرى بالقاهرة، ثم جاء ترشيحه وزيرًا للآثار نتيجة طبيعية لمسيرة مشرفة فى المتحفين، ليثبت خلال  مدة توليه منصب وزير الآثار ثم وزيرًا للسياحة والآثار بعد دمج الوزارتين، أنه على قدر الثقة، فقد حقق نجاحات غير مسبوقة فى الملفين الأثرى والسياحى.

وخلال فترة توليه قدم نموذجًا لرجل الدولة الناجح، ومن خلال الاكتشافات الأثرية العديدة أصبحت مصر وتراثها حديث الصحافة العالمية، فضلًا عن بعض الأحداث الاستثنائية مثل موكب المومياوات الملكية الذى تابعه ملايين الأشخاص حول العالم، غير مصدقين المستوى الذى وصلت له مصر فى هذا المجال، بالإضافة لحفل طريق الكباش الأسطورى الذى أكد هذه الصورة فى الخارج. 

كما تم افتتاح العديد من المتاحف فى فترة توليه مثل متحف ملوى ومتحف الفن الإسلامى ومتحف شرم الشيخ ومتحف الغردقة والمتحف القومى للحضارة ومتحف كفرالشيخ ومشروع تطوير قصر البارون ومصنع «كنوز» المتخصص فى إنتاج المستنسخات الأثرية عالية الجودة، وغيرها من المشروعات التى عدلت مسار المجال الأثرى فى مصر.

وقد حصل «العنانى» على عدة تكريمات دولية منها وسام الشمس المشرقة من اليابان، ووسام الاستحقاق من بولندا، ووسام فارس فى الفنون والآداب من فرنسا، بالإضافة للعضوية الفخرية بالجمعية الفرنسية للمصريات بفرنسا.