مدينة الأسرار والقلاع 4.. أشباح وأساطير.. الحكايات الشعبية عن الرعب فى براغ
«براغ» مليئة بالأشباح والأساطير، يُقال إن هناك أكثر من 100 شبح ومخلوق من عالم آخر تعتبر براغ موطنًا لها، هؤلاء يتشابكون مع تاريخ المدينة وثقافتها، ما يجعلها براغ المدينة الساحرة والغامضة فى آنٍ واحد.
العديد من الأساطير والقصص حُكيت عن براغ على مر القرون. حاول العلم الحديث تفسير بعض تلك الأساطير، لكن البعض الآخر ببساطة ليس له تفسير، يقول التشيكيون: «هناك بالتأكيد شىء ما بين السماء والأرض».
إذا كانت وجهتك المقبلة هى جمهورية التشيك، فإنك ستكون فى مركز أعظم الأساطير والألغاز التى تم حل بعضها، بينما لا يزال البعض الآخر فى انتظار حلها.. حاولت«بقدر الإمكان» أن أخوض تجربة لاكتشاف بعض من تلك الأساطير.
البلدة القديمة: أشباح مقطوعة الرأس تطارد المارة
إذا كنت مجرد سائح أو مسافر لديه خطط أو مستكشف تهوى المغامرات، فإنك ستتجه إلى «البلدة القديمة» باعتبارها مركز براغ، وأهم مقر للمعالم السياحية. لكن ليس فقط الآثار والسياح والبنايات الفريدة والهندسة المعمارية المذهلة والساعة الفلكية الشهيرة وكنيسة القديس نيكولاس ما ستجده فى البلدة القديمة أو «ستارى ميستو» كما يسيميها التشيكيون.. «الأشباح» أيضًا ستكون فى انتظارك.
حتى لو حاولت، من الصعب تجنب ساحة المدينة القديمة فى براغ، وحتى لو حاولت فمن الصعب تجنب الأشباح أيضًا، هكذا قالوا لى.. قال لى رجل تشيكى: كونى حذرة فى المكان الذى تخطين فيه، أو الأرض التى تصطدمين بها، لأنها ليس كلها أشباح ودودة»، ورغم نصيحته، إلا أننى فى ذات اليوم تعثرت فى صخرة وطرت على مسافة متر قبل أن أسقط مرة أخرى وأنا أحتضن صخرة أخرى، فلم أعرف كم شبح اصطدمت به فى الطريق.. لكن إذا كنت اصطدمت بها حقًا فيبدو أنها كانت من النوع الودود..
الأساطير فى البلدة القديمة لا تنتهى، موجودة على الإنترنت، لكن عندما تسمعها من التشيكيين، وأنت فى أحد المقاهى القديمة ووسط البنايات المذهلة، فتكون أكثر إثارة، قالوا لى إن سيدة نبيلة قتلت خادمتها ولكنها ندمت وتابت، وأصبحت راهبة وتقضى الآن حياتها الآخرة فى قرع أجراس كنيسة السيدة العذراء «قبل تين»، فعندما سمعت أجراس الكنيسة تخيلت الراهبة وهى تخرج منها فجريت فى الشارع بدون سبب.. وعندما حكيت القصة للسائحة المكسيكية التى كانت ترافقنى جرت معى.. والطريف أن التشيكيين لم يتعجبوا منّا!
فى يوم آخر، كنت فى أحد المقاهى الهادئة، حذرنى النادل، وهو شاب أشقر طويل، من السير فى شارع سيليتنا ليلًا، وقال لى: سيكونون فى انتظارك!، والحقيقة أننى أتخذ أى تحذير بأنه دعوة للذهاب. قال إن الأسطورة تقول إنه كان هناك شجار بين كاهن وعاهرة، فقتلها الكاهن بصليبه ثم مات على الفور بأزمة قلبية، وأصبح الثنائى محكومًا عليهما بمطاردة شارع سيليتنا معًا كل ليلة. ذهبت فى الشارع مساء، والحقيقة لم أرَ أيًا منهما، ولكنى رأيت صليبًا فوق أحد الجدران، فرسمت السيناريو فى رأسى.
حتى كنيسة القديس نيكولاس قالوا لى إنها مسكونة بـ«اليهودية الخانقة»، التى يُقال إنها عشيقة راهب يُدعى أنسيلم، حيث اكتشف راهب الكنيسة «أبوت» الأمر وأخرج «أنسيلم» من المدينة، فأصيبت المرأة بالجنون من الحزن وخنقت «أبوت» فى النهاية حتى الموت. ولا تزال تتجول فى الشوارع بحثًا عن رجال دين لخنقهم. ولكن إذا لم يكن هناك أحد، فسوف تهاجم بكل سرور كل من هو متاح. وكان لطيفًا بالنسبة لى أننى لست ضمن قائمة المستهدفين إذا عرفت أننى مسلمة!
حتى جسر تشارلز، الذى يعتبر أهم معلم سياحى فى براغ، له أيضًا حكاية؛ تقول الأسطورة إن الجسر تم بناؤه بمساعدة الشيطان نفسه، وهناك حكاية أخرى عن الجسر تقول إنه تم إلقاء القديس يوحنا نيبوموك من الجسر لرفضه إخبار الملك باعتراف زوجته. وبعد أن غرق ظهرت خمس نجوم فوق المكان الذى غرق فيه، ويطل تمثاله الآن فوق الجسر. ذهبت بجوار التمثال والتقطت صورة، ثم بحثت فى خلفيتها عن شبح أسود يخيم فى الأجواء ولم أجد شيئًا!
وبعد أن فاتتنى كل تلك الأساطير، عرفت أنه فى ٢١ يونيو من كل عام يمكنك رؤية ١٢ شبحًا مقطوعة الرأس تسير فى موكب من جسر تشارلز عائدة إلى ساحة المدينة القديمة. هذه هى أشباح بعض الرجال الذين أُعدموا فى ساحة البلدة القديمة، حيث تم وضع رءوسهم فى سلال حديدية وتعليقها من برج جسر المدينة القديمة فقط لأولئك الذين يعتبرون الأكثر نفوذًا، ففاتتنى أيضًا رؤيتهم لأن رحلتى كانت فى فبراير!
فاتتنى الإثارة فى الجولة الأولى رغم أنها امتدت لساعات، ولم تظهر الأشباح، لكن مجرد معرفة أنك قد تكون بينها كان رائعًا، بعد الجولة الكبيرة، حتى وصلت إلى بناية، قالوا إنه فى تلك البناية كانت تسكن طائفة دينية، والآن هناك شبح امرأة كانت عضوًا فى تلك الطائفة تطارد وتهين السكان الجدد لأنهم لا ينتمون إلى هناك، فتأتى أحيانًا إلى الخارج وتكون وقحة مع المارة، وأثناء انتظارى تلك المرأة لاختبر مدى وقاحتها رأيت امرأة بملابس غريبة وتتمتم بكلمات غير مفهومة، لكنها لم تعترض طريقى، فاعتقدت إما أننى لم أستفزها بشكل أو بآخر أو أنها ليست الشبح المقصود.
الحكايات الشعبية ليس فقط مما يرددها التشيكيون فى المقاهى والحانات، فبعض منها أساطير مرتبطة بحكايات حقيقية فى التاريخ، فعلى عكس كل الدول العالم حيث الكنائس هى بيوت مقدسة لا تدخلها أشباح، إلا فى براغ، يمكن أن تجد كنيسة مسكونة بالأشباح، مثل كنيسة سانت جيمس، ففى ساحتها الخلفية يمكن أن تجد جنديًا لاتفيًا يطارد الكنيسة ليلًا، يقال إن وجهه شيطانى، ويرتدى غطاء رأس أحمر، كما يقال إنه قُتل لأنه رفض القتال فى انتفاضة براغ عام ١٦١١، ويعود كل عام فى يوم القديس بارثولوميو «٢٤ أغسطس» بفأس نارى لينتقم.
إذا دخلت كنيسة سانت جيمس فقد ترى ذراعًا محنطة تتدلى من السقف، فهذه تنتمى إلى لص حاول سرقة الكنيسة، حيث عادت الحياة لتمثال مريم العذراء وقطعت ذراع اللص، والآن يتم تعليقها كتحذير لأى شخص آخر لديه نوايا مماثلة!
جوزيفوف «الحى اليهودى القديم»
الأمر لا يتعلق فقط بالكنائس، فلا تندهش إذا عرفت أن شواهد القبور القديمة المنتشرة فى مقبرة الحى اليهودى القديم- ويسمى أيضًا «جوزيفوف»- هى واحدة من أكثر الأماكن المسكونة فى براغ!
أكثر من عشر أرواح تتجول فى الحى اليهودى، الذى تجولت فيه فى يوم غائم ممطر، وسمعت قصة اليهودية الراقصة التى يُقال إنها عاهرة تم جلدها حتى الموت يوم الجمعة العظيمة، وتعود كل عام يوم الجمعة العظيمة وترقص للرجال حتى وفاتهم.
روح أخرى تتجول فى الحى اليهودى لعازف الأرغن المتجول الذى يتنقل بين المقبرة اليهودية القديمة وكاتدرائية القديس فيتوس، حيث كان يعزف عندما كان على قيد الحياة. وباعتباره يهوديًا تحول إلى المسيحية، فهو مرتبط بكلا المكانين. يسافر ذهابًا وإيابًا وهو يعزف على الأرغن، وقد تراه أيضًا مع قطة سوداء يُقال إنها زوجته السابقة. فى المكان سمعت صوت أرغن، ووجدت رجلًا يعزف، لا أعرف إذا كان هو المقصود فى الأسطورة، لكن العزف كان رائعًا والحكاية كانت لطيفة.
المنطقة الواقعة داخل وحول دير سانت أغنيس ليست آمنة أيضًا، حيث أُجبرت إحدى النبيلات ذات مرة على دخول الدير، واضطرت كراهبة إلى ممارسة العزوبة. ومع ذلك، كان لديها عشيق سرى، وعندما اكتشفهما والدها، قتلها. شبحها يطارد الدير الآن، ولكن لحسن الحظ أنها معروفة بفعل الأعمال الصالحة.
شمال الدير مباشرة، يمكن رؤية شبح أمريكى أصلى عند شروق الشمس فى نا فرانتيسكو، بالقرب من النهر. يقال إنه كان مسافرًا مع عرض Wild West Show وتوفى أثناء وجوده فى براغ، ويظهر كل صباح مشتاقًا للعودة إلى المنزل.
مالا سترانا «المدينة الصغرى»
فى اليوم الثالث، كنت قد قررت الذهاب إلى مالا سترانا، أو المدينة الصغرى، الواقعة على الضفة الأخرة من جسر تشارلز، من المؤكد أن أى شخص يزور براغ سينتهى به الأمر هنا فى وقت ما لرؤية قلعة براغ وكاتدرائية سانت فيتوس، ورغم أننى خططت لها لتكون جولة بدون أشباح، إلا أن جوجل أخبرنى أن القلعة والكاتدرائية كلاهما مسكونان بشكل لا يصدق، فعرفت أن شارع كارميليتسكا تطارد فيه سيدة سابقة الرجال الأغنياء، وذلك بعد أن نزفت حتى الموت بعد أن قام أحد العملاء بتثبيت لسانها على اللوح، وهى الآن تصرخ بشكل غير مفهوم على أى شخص تظهر عليه علامات الثراء. لم أخف من حكايتها أبدًا فكان واضحًا جدًا أننى لست من الأثرياء!
وقالت لى فتاة برتغالية، التقيتها عند سفح القلعة: هنا يسكن دراكولا، لذا ابق عينيك مفتوحتين بحثًا عن الأشباح!، وأكدت لى أن هناك شبحًا بالقرب من درجات القلعة، هو شبح امرأة نبيلة وقعت فى حب أحد عامة الناس، وغضب والدها عندما اكتشف الأمر وقام بتجنيد الشاب، وتجمدت المرأة حتى الموت فى انتظار حبها ذات مساء، وهى لا تزال تنتظر عودته إلى المنزل.
لم تعرف الفتاة أن صعود القلعة أرهقنى إلى حد أننى نمت فى قمتها، ولم توقظنى الأشباح، أيقظنى ضابط شرطة ليسألنى عن سبب نومى فى القلعة!! لم أعرف كيف أشرح له أننى نمت وأنا أنتظر دراكولا!
فى طريق العودة من القلعة مررت بمنطقة قيل إنها مسكونة بغضب طباخ سابق فى القصر يُدعى جيندريتش، لأنه قتل كلبه وقدمه على العشاء. لا تزال روحه تطارد سكان المنطقة، ويقال إنهم يتعرضون لهجوم الكلاب بانتظام، والحقيقة أننى أيضًا سمعت أصوات الكلاب هناك!
اقرأ أيضًا:
مدينة الأسرار والقلاع.. لا شىء يوازى الغموض فى براغ
مدينة الأسرار والقلاع 2.. ما تبقى من الشيوعية وهتلر فى شوارع براغ
مدينة الأسرار والقلاع 3.. ما الذى قدمته براغ إلى العالم؟