حب ونضال.. مقطع من رواية «فتنة» للروائى المغربى خالد أقلعى
إن خلوتها التأملية، فى غرفة العيادة، حيث كانت تُعالج، ذوّبت، بما حفّزته من صور الذاكرة، كتلة المشاعر الثقيلة التى كانت تجثم على صدر فتنة تجاه عزوز، وكانت تحسبها حبًّا عظيمًا لا مثيل له! لكن، تجلى لها بوضوح أن ذلك الحب لم يكن إلاّ مزيجًا من صدمة تجربتها الحسيّة الأولى معه، التى وسمها إكراه أقرب ما يكون إلى الاغتصاب منه إلى شىء آخر؛ كانت فتاة يافعة، مغمضة العينين، تتوق إلى أن تخوض تجربة عاطفية مأمونة العواقب، لكنه كان وحشًا راشدًا بما يكفى ليراود فريسته، قليلة الخبرة، ويلتهمها، ويمصمص عظمها، ولا يبقى منها شىء، غير هذه التابعة الذليلة التى تقتفى أثره مطرقة أينما حلّ وارتحل!
نعم؛ لا يتعلّق الأمر بحبّ عظيم، وإنما بخنوع وخضوع ذليلين، وخوف مستفحل من ثمار غضبه التى كانت أقلها التعنيف اللفظى والضرب.
ومن العجيب، حقًا، أنه بقدر ما كانت فتنة تستحلب ذاكرتها لتقطر تفاصيل علاقتها بعزوز بقدر ما كانت صورته تعتم فى ذاكرتها، ويكتسحها المسخ والغمل فتصبح أكثر بشاعة من صورة دوريان غراى الحقيقية المفزعة المقززة! لقد سقط القناع الوسيم الذى كان يخفى حقيقة الكائن الانتهازى البشع الذى سرق سنتين من حياتها ولا يزال يطمع فى المتبقى!
غير أن القلب لا يعتبر، أحيانًا، من مجرد الظنون، ويأبى أن يقتنع بالحقيقة المرة حتى ولو كانت البراهين من الوضوح بحيث لا يخطئها الأعمى! يحتاج القلب أحيانًا إلى زلزال يعصف به، ويكسر طوق عناده، ويقلب منطقه الأبله رأسًا على عقب. ومن حسن حظ فتنة أن الزلزال حدث، وهى لا تزال فى فترة النقاهة، وإلاّ لغلبها الحنين، وعادت إلى حضن عزوز كامارادا قبل أن تتضح صورته الحقيقية فى عيون كل من يعرفه!