الموصلية أسيرة.. السيد البدوى عاشقًا
- القلوب عند بعضها أساطير الغرام فى الغناء الشعبى
- السلفيون يصفونه بأنه المجذوب ذو الوجه المصاب بالجدرى والعقل التائه
- مصطفى عبدالرازق: البدوى ليس صوفيًا بل علوى يهدف لإرجاع المُلك الفاطمى
ساكن طنطا.. فى قلة صلاته
«المرأة تحن للرجل لأنه أصلها.. والرجل يحن للمرأة لأنها مشتقة منه».
هكذا رأى أحد رموز الصوفية محيى الدين بن عربى علاقة المرأة بالرجل.. فكيف لرجل صوفى من أقطابهم الكبار أن يرفض الأميرة جميلة الجميلات وأن يصمد أمام غوايتها؟!
هل صَمد البدوى فعلًا أمام «الموصلية» وكيف صمد.. وهى التى «غلبت الجان» وخروا لها عشاقًا ومريدين؟! هكذا قرر رواة السيرة.. ومجاذيب «ساكن طنطا» وتلك روايتهم، التى يذهب فى إثرها ملايين المحبيين.. ليس هذا وحسب، بل إنهم يقولون إن «الأميرة فاطمة» هى التى «غشيت» عندما رأت وجه «السطوحى» وأعلنت توبتها عن إغواء الرجال وكسر ظهورهم.. «ناخت» و«نحت» وألقت بجمالها ومالها تحت قدميه، فلما أبى وتجسر ورحل إلى طنطا.. تركت الموصل وجاءت خلفه تسعى..
«عرفتك يا فحل الرجال
يا بدوى يا شيخ العربان
انت جيت لتقهرنى..
لكن يا أبا الفتيان لا تقتلنى»
«قالت خذنى زوجة
وخدامة ليك
واعيش معاك
يا سيدنا السيد
فى أراضيك»
لم يتزوج البدوى أحدًا.. يتفق المؤرخون على ذلك.. وعاش وحيدًا فوق سطح بيت لا يملكه فى طنطا، التى كانت مجرد قرية تتبع «المحلة الكبرى» حتى رحل.. لكن الأميرة التى جاءت خلفه لا يعرف أحدهم إلى أين ذهبت.. فقط فى قرية صغيرة جنوب مدينة قوص على حدود قنا، حيث قرية اسمها خزام يوجد ضريح صغير.. كتب أحدهم على مدخله «هنا ترقد فاطمة بنت برى».
السادات وعبدالناصر وبيبرس.. ملوك ورؤساء فى رواية البدوى
قبل أن أخبركم كيف صارت «قصة غرام» فاطمة بنت برى للشيخ واحدة من أساطير العشق عند مرتادى المقامات.. وفى أغنيتنا الشعبية والرسمية أيضًا.. أحكى لكم ثلاث روايات عن الشيخ.. والعهدة على رواتها..
«١» لما يوم القيامة ما جاش..
الروائى الشاعر والباحث محمد رفعت الدومى.. من أبناء نجع حمادى.. صيدلى يمارس البحث والكتابة ويرفض انخراط «العامة» فى «سراديب» غواية أهل الطريقة.. الدومى كتب مقالًا مطولًا عن الأكاذيب التى تطول رحلة السيد البدوى وروى فى مقاله المنشور بعنوان «البدوى ومحليات المتعة العميقة» بتاريخ ١٣/٦/٢٠١٤ بمنصة «الحوار المتمدن».. أنه وفى أحد أيام عام ١٧٣٥م «انتشرت فى مصر من أقصاها إلى أقصاها شائعة تقول إن يوم البعث سيكون فى يوم الجمعة الموافق ٢٦ من شهر ذى الحجة.. وراح الناس يودعون بعضهم بعضًا الوداع الأخير.. ويهيمون على وجوههم فى الحقول والطرقات.. وانقضى ذلك اليوم ولم تقم الساعة والناس ما زالوا أحياء يرزقون.. هنا تدخلت السلطة بشائعة أخرى تقول إن الشافعى والدسوقى والبدوى تشفعوا للناس عند الله أن يؤجل يوم القيامة فقبل شفاعتهم».. الدومى لم يقل إن صاحب الرواية هو عبدالرحمن الجبرتى.. وإن الراحل جمال بدوى نقلها عنه فى كتابه «من نافذة التاريخ» دليلًا على سيادة الخرافات فى ذلك العصر.. ولكن ما لم يقله جمال بدوى إن الخرافات تلك ظلت تعيش بيننا حتى أيام السادات..
يروى الزميل الكاتب الصحفى أيمن الحكيم نقلًا عن بعض مجاذيب السيد البدوى الذين لم يحددهم فى مقاله المنشور بتاريخ ٢٢ مارس ٢٠١٩ بمجلة الإذاعة والتليفزيون.. أن الرئيس محمد أنور السادت وفى يوم الرابع من أكتوبر عام ١٩٧٣.. بالتحديد فجر ذلك اليوم.. ذهب إلى طنطا حيث أدى صلاة الفجر- كما اعتاد- لكنه هذه المرة لم ينصرف بعدما أدى الصلاة- كما اعتاد- بل همس فى أذن إمام المسجد يطلب ما أثار دهشته «عايز أدخل غرفة الأثر الأحمدى»، حيث تضم آثاره الباقية، وعلى رأسها عباءته.. التى لم يجرؤ أحد على استخدامها، لكن السادات وحده جرؤ وطلب إخراج عباءة البدوى من دولابها.. تناولها بخشوع وقبلها برفق ثم فردها وارتداها ونام على أرض الحجرة حتى الصباح.. ولما طال نوم الرئيس دخل عليه إمام المسجد وخادم الضريح الشيخ أحمد حجاب، فوجد آمارات البشر على وجهه.. عانقه السادات وقبل رأسه ثم مضى عائدًا إلى غرفة عمليات القوات المسلحة وبعدها.. عبرنا!!
لا تندهش.. لقد انتصرنا فى أكتوبر ببركة عباءة «السيد البدوى».. ولِمَ لا.. ألم يكن هو «محرر الأسرى من سجون الصليبيين؟!
الرواية الثالثة.. كتبها عمنا عبدالرحمن فهمى فى جريدة الأهرام بتاريخ ٢٠ ديسمبر ٢٠١٣ يقول: «اتصل جمال عبدالناصر بثروت عكاشة وقال له إن الناس تقول إن المسرحية- يقصد مسرحية بلدى يا بلدى لرشاد رشيدى التى تحكى سيرة البدوى- موجهة له شخصيًا.. خاصة دور عبدالله غيث.. فقرر عكاشة أن يشاهد المسرحية ويرفع له تقريرًا، لكن عبدالناصر أصر أن يذهب معه ليشاهداها سويًا.. وفى ركن مظلم جلس عبدالناصر الذى دخل من باب خلفى للمسرح حتى نهاية العرض.. وعندما خرج التفت إلى ثروت عكاشة وسأله (هوه أنا بهذا السوء يا ثروت؟!)».
ورغم ذلك لم يأمر عبدالناصر بوقف العرض الذى استمر لفترة طويلة يحكى كيف غرر «الأتباع والمريدون المطبلاتية بالسيد البدوى حينما عزلوه عن الناس».
ثلاث روايات.. كل منها.. سواء رواية الجبرتى أو قصة السادات المزعومة أو غضب عبدالناصر الذى توقف أمام جبروت الشيخ.. كلها تصب فى خانة واحدة.. إلى هذا الحد يحب المصريون الرجل الذى يصفه السلفيون بأنه المجذوب.. ذو الوجه المصاب بالجدرى والعقل التائه؟!! كيف لرجل كان يبول على المارة من «سطح» المنزل الذى يعيش فيه فى طنطا أن يحصل على كل هذه الحظوة!
«أنا السطوحى
واسمى أحمد البدوى
فحل الرجال
إمام القوم فى الحرم
مذ كنت طفلًا صغيرًا
نلت منزلة
وهمتى قد علت
على سائر الهمم»
«قالوا ده بطل مافيش منه»
«قالوا الرفاعى بطل
واعى.. مافيش منه
راح يزور سيدنا النبى
لقى البدوى قادعد
فى ريح منه
سلم عليه الرفاعى
وطلب منه.. يزوروه فى العراق
لأمر ما ينسكت عنه
سأله شيخ العرب ع السبب
عشان يشوف المطلوب بقى منه
قال الرفاعى فاطمة بنت برى
بتعمل عمل ما حدش رضى عنه
مافيش ولى ظهر
إلا ما تاخد شربته منه»
هذا الموال الشعبى الذى حفظه الجنوب المصرى بطريقة وغناء الشيخ محمد الضوى، وقد تمت طباعته على شرائط كاسيت انتشرت بشكل مريب منتصف سبعينيات القرن الماضى.. كان سببًا فى بحث الكثيرين عن «أصل الحكاية».. وبالرغم من تقديم التليفزيون المصرى مسلسلًا كاملًا عنها قامت ببطولته «نوال أبوالفتوح» عام ١٩٧٣.. ومن قبلها ما قدمته تحية كاريوكا من خلال فيلم سينمائى تم إنتاجه وعرضه فى عام ١٩٥٣.. إلا أن التوظيف السياسى للطرق الصوفية من ناحية.. وللخلاف التاريخى بين السنة والشيعة.. تسبب فى عدم إعادة عرض الفيلم والمسلسل، وظلت حكاية فاطمة أغنية يرددها «الشعبيون» فى موالهم وما أكثرها فى مصر.
«يا بنت برى
يا موصلية
سلطان جمالك
حاكم عليه
سبع عجايب
محاوطه بك
إذا مشيتى.. مشيتى
تتبع كابك
من أرض بصرة
للقيصرية»
لا أعرف.. أين تقع «القيصرية» التى يذكرها بيرم التونسى فى أغنيته التى شدت بها المطربة المجهولة «دنيا زاد» من ألحان يوسف صالح فى أوائل خمسينيات القرن الماضى.. ولا أعرف لماذا توقفت القصة عند توبة «فاطمة» ورحيلها إلى مصر.. لكن ما أعرفه أنهم يختلفون من الأصل فى سر مجىء «البدوى» إلى مصر..
الباحث محمد رفعت الدومى يؤكد أنه جاء إلى مصر بعد وفاة صلاح الدين الأيوبى مباشرة.. وأنه جاء ليحطم عن عمد.. وقد كان ضالعًا فى خطة «شيعية» متعددة الأبعاد لاستعادة مصر إلى النطاق الشيعى الذى أخرجها منه صلاح الدين.. ثم يضيف رفعت الدومى «فشل السيد البدوى فى أن يستعيد الدولة الفاطمية لصلابة عضلات الدولة المملوكية، خاصة فى عهد بيبرس، لكنه نجح بالتأكيد فى أن يصنع دينًا موازيًا».
يقول الشعرانى.. صاحب الطبقات:
«فى شوال سنة ثلاث وثلاثين وستمائة.. رأى فى منامه ثلاث مرات قائلًا يقول له «قم واطلب مطلع الشمس واطلب مغرب الشمس.. وسر إلى طنطا فإن بها مقامك أيها الفتى».
وينسب للشعرانى أيضًا: «وكان الملك الظاهر بيبرس يعتقد فى سيدى أحمد اعتقادًا عظيمًا.. وكان ينزل لزيارته، ولما قدم من العراق خرج هو وعسكره من مصر فتلقوه وأكرموه غاية الإكرام».
«الله. الله يا بدوى
وآدى آوانك
يا رافع رايتك
بترفرف على فتيانك
يا ملثم لجل ما نيل ربك
يجرى مكانك
ده جهادك لله.. وطريقنا وياك نصرة الله. الله يا بدوى.. جاب الأسرى».
تاهت قصة فاطمة العاشقة التى تابت مثلما تابت رابعة العدوية.. وبقيت قصة البدوى جلاب الأسرى من عند الصليبيين.. والقصة الأخيرة مكذوبة تاريخيًا ومختلف عليها أيضًا.. لكن الباحث سامح عسكر فى مقاله «حقيقة السيد البدوى» بتاريخ ٧/٢/٢٠٢٣.. يؤكد أن «السيد أحمد البدوى كان سُنيًا متصوفًا لم يكن شيعيًا».. وأنه لاحقته تهمة التشيع لأنه سليل أسرة علوية مهاجرة، خصوصًا بعد معركة فخ التى فشل فيها العلويون ضد الخليفة العباسى موسى الهادى.. وأن تلك الأسر هاجرت إلى فاس بالمغرب وأسست مدينة فارس.. واستقرت بها حتى جاءت دولة الموحدين فاضطهدوا عرب المدينة فهاجر منهم كثيرون إلى مصر، ومنهم عائلة أحمد البدوى.
المهم أن سامح عسكر يؤكد أن الشيخ البدوى اشتهر بعلاقته بالأنثى الفاتنة بارعة الجمال «فاطمة بنت برى»، التى كان يتحاكى العرب عن جمالها، فأرادت فتنته، ولكنه رفض وأبى فتابت على يديه واختارت طريق الزهد والتصوف».
«وقاله رح لفاطمة بنت برى
جمالها خلته يفتن ويغرى
بنظرة أبهة فى القلب تسرى
وتأسر كل من شاهدها دوغرى
وعمره يوهبه عشان رضاها
رجال أحوال بهرهم نور جبينها
وقعوا فى الهوى
عشان عيونها
وسقطو لما سقطو
فى امتحانها
ودى خصلة على الأيام تشيلها
حرام كده تفضل على هواها
مافيش غيرك حيتولى أدبها
يرجع عقلها.. ويعيد صوابها».
هكذا يغنى الشيخ محمد الضوى.. فهل عاد عقل فاطمة بنت برى أم ذهب؟.. الدكتور يوسف زيدان لم يترك القصة.. وعرض إليها ضمن مقالات سبعة تناولت أئمة الصوفية، ومنهم «البدوى».. يقول:
«لهذه القصة وجهان.. وفيها أيضًا رأيان وقولان، القول الأول إن السيد أحمد البدوى حين ارتحل من مكة إلى العراق.. تسلطت عليه امرأة فاتنة ذات مال وجمال هى فاطمة بنت برى، التى كانت تسلب أحوال الصوفية بأن تثير فيهم الغريزة الحسية وتدفعهم إلى الخروج عن الطريق الروحى بإثارة الاشتهاء فى نفوسهم وتعذيبهم بالرغبة.. وقد تفرغت هذه المرأة للشيخ فبذلت كل ما فى وسعها لإسقاطه من دائرة الولاية، فاستعصم وهو ما دل على تمكنه من المقام».
والقول الآخر ألطف، ومفاده أن فاطمة بنت برى أحبت الشيخ وطلبت الزواج منه، وهو طلب كان من المنطقى قبوله لأنه كان مشغوفًا بحبها ومالها الكثير وجمالها الفاتن؛ غير أن الشيخ- حسب د. عامر النجار- وجد نفسه أمام دعوة كبيرة تحتاج منه إلى تفرغ كامل، والزواج قد يشغله فاستطاع البدوى أن يؤثر فيها وأن يحولها إلى امرأة متدينة وأخذ عليها العهد ألا تعود إلى ماضيها وغوايتها».
هاتان هما القصتان.. أما د. يوسف زيدان فيرى أنهما خياليتان وتجانبان وجوه الصواب.. ويضيف «القصة الأولى صيغت على منوال أدبى معتاد، بل جاءت مع القصتين القرآنية والتوراتية اللتين تحكيان عن امرأة العزيز التى سعت لإغواء النبى يوسف فاستعصم.. والقصة الثانية صيغت على منوال الحكاية الإنجيلية المشهورة عن مريم المجدلية، التى كان السيد المسيح سبًبا فى هدايتها ولم يتزوجها لأن له شغلًا أهم».
د. يوسف زيدان.. يشير إلى أمر مهم.. أن القصتين تتناقضان مع سيرة كبار الصوفية الذين تزوجوا وأحبوا النساء، مشيرًا إلى أن ابن عرب» الذى كان يرى أن «الكون أنثى».
شرب الملثم.. حتى تبسم
فى عام ١٩٢٧.. يعنى من حوالى مائة عام تقريبًا، خرج مقال منسوب إلى العالم الكبير الشيخ مصطفى عبدالرازق فى مجلة السياسة.. وقيل إنه وقعه باسم «عالم كبير».. ونسبوا للشيخ أنه اضطلع على مخطوطة مغربية ينكر صاحبها أن السيد البدوى كان صوفيًا ويؤكد أنه كان علويًا طموحًا يهدف لإرجاع المُلك الفاطمى.. ورغم أنه مقال بدون توقيع؛ إلا أن أحمد صبحى منصور وآخرين ذكروا صراحة أنه «مصطفى عبدالرازق»، وكتب الكثيرون يدحضون فكرة أن يكون المقال بالأصل للشيخ مصطفى.. حتى إن البعض استعان بأبناء الشيخ لتكذيب ذلك المقال ونفى فكرة نسبه لوالدهم..
فى المقابل لم يسلم الشيخ عبدالحليم محمود من هجوم ضار لا يزال مستمرًا إلى يومنا هذا، لأنه وضع كتابًا عن «السيد البدوى».. ودخلت دار الإفتاء المصرية فى المعركة.. الشيخ عبدالحليم محمود اختصر الأمر حين قال «سار فى الطريق الذى سار فيه أسلافه.. سار فيه كمريد. وانتهى فيه إلى أن أصبح شيخًا له مريدون.. لقد عالج نفسه حتى استقامت».
وتابع المصريون كل هذه المعارك.. لكنهم انصرفوا عنها إلى ما يعرفونه ويصدقونه فقط.. هم صدقوا أن بنت برى أحبته.. وجاءت خلفه تسعى.. وأنه «جاب الأسرى» فهتفوا له «الله. الله.. يا بدوى».
ورغم أن حكاية الأسرى هذه طالها ما طال سيرة البدوى بأكملها؛ إلا أنها وبفعل الخيال الشعبى أصبحت أمرًا واقعًا.
سامح عسكر فى قراءته سيرة الرجل يؤكد أنه كان رجلًا عاطفيًا.. وأن عزلته الأولى كانت لفقدانه والده وأخاه.. ويشير إلى أنه قبلها كان فارسًا يحب الخيل.. لكن د. يوسف زيدان يؤكد أنه لم يثبت مشاركة البدوى فى أى معارك عسكرية.. ورغم ذلك يذهب كثيرون إلى أن زوار طنطا كانوا يسألونه فى أمر السياسة وأحوالها.. وأنه أسهم فى «تربية» المجاهدين الذين حاربوا الصليبيين.
د. عبداللطيف فهمى فى كتابه «دولة الدراويش» يشير إلى أن مسألة الأسرى ترجع لواقعة تاريخية.. ذلك أن وزارة الأوقاف أرسلت السيوف والدروع التى غنمها الجيش المصرى من جيش لويس التاسع لتخزينها فى المسجد الأحمدى، فكان أتباع الشيخ يتقلدونها ويمشون بها فى مواكب الأحمدية، ويزعمون للناس أنها للأسرى الذين جاء بهم السيد من بلاد أوروبا».. د. يوسف زيدان كذب هذه الرواية، مؤكدًا أن ما جرى جرى وقت لم تكن فيه وزارات من الأصل.
لا حرب.. ولا صليبيين.. ولا أسرى إذن.. لكن الذين جعلوا من فاتنة الموصل مجرد «عبدة خادمة» فى ركاب الشيخ.. ليس عليهم بقليل أن يروه هكذا.
«السيد البدوى
من الشباك مد إيده
من بلاد الكفر
جاب الأسير بحديده
فى أول الليل يقرا الوِرد ويعيده
وفى آخر الليل
يسلم ع النبى بإيده»
ومن أجمل ما سمعت.. ما صاغه هذا الخيال وغنته خَضرة محمد خضر على موسيقى شعبية وإيقاع صوفى بديع.
«الله. الله يا بدوى
نظرة يا سيد
يابو فراج بين الأجاويد
إنت الجيد
همومنا والله كتير
وانت بحرى كبير».
لقد لخصت خضرة الحكاية فى «همومنا كتير»، فهذه الهموم هى التى جعلت المصريين على مدار سنوات طويلة يخترعون الموالد ويقيمون الأضرحة لمن يعرفون.. ومن
«السيد اللى مقامه فى العلا سايح
نده المعلم وهوه فى الجلالة
من السنة للسنة
ف نحر ودبايح..»
هى مواسم للفرح يقتنصونها من فم «السلطة» أو «الاحتلال» أو «الحزن» أيًا كان سببه.
وفى مواسم الفرح تلك وعبر مائة عام.. تعددت الإشارات إلى شيخ العرب وكراماته.. وتنوعت بين الغناء الإباحى الصريح مثلما هو الحال فى أغنية «بهية المحلاوية»، التى كان يصاحبها رقص شفيقة القبطية، وهى تعدد كرامات رجل يُدعى عبده
«عم عبده..
... قده
لو كان مده
فلق الشجرة..
الله. الله يا بدوي
جاب اليسرى»
مرورًا بالشيخ سيد مكاوى الذى حولها إلى أغنية ساخرًا من «الزوجة».
«الله. الله يا بدوى.. جاب اليسرى
أنا الأديب الأدباتى.. أنا اللى تعبان فى حياتى
غلبت م الست مراتى.. يا ناس وربتلى الحسرة»
الشيخ إمام أيضًا استخدم نفس «التيمة» من كلمات أحمد فؤاد نجم «أنا الأديب الأدباتى.. غايظنى حال بلدياتى.. وغلبت أوحوح وأهاتى.. لكن بلدنا سمعها تقيل.. الله الله يا بدوى. هات الشخاليل».
ثم عاد الشيخ إمام ليستخدمها مجددًا بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد فى توظيف سياسى مغاير للنداء الشعبى المعروف والمتداول من سنوات طويلة:
«أنا الأديب وانتم أدرى
وعاشق الناس والخضرة
لا عمرى طبلت ف حضرة
ولا قلت حاضر للنصاب
الله. الله يا بدوى
ولا كنا صحاب..
مشيوا الجيوش مشية وزة
ترقص وعقبى ليوم غزة
أشرب وحيجيبوا المزة
من أورشليم فستق وكباب
الله. الله يا بدوى.. والعيشة هباب»
وليس نهاية ببليغ حمدى وصلاح أبوسالم فى أغنيتهما البديعة لمحمد رشدى فى فيلم السيرك.. حيث أصبح البطل.. صاحب الكرامة مجرد عاشق محب لا يملك سوى مواويله، لكنه يستطيع أن يشق الجبال بمهره الجامح ليأتى بستة جمال هى مهر حبيبته.
«قالوا مهرك ست جمال
وانا واد جمَّال على قد الحال
وماليش ريس مال غير الموال
وعد وتاخديه والله عليا
لا أهد جبال.. واعمل خيال
واجيبلك مهرك يا صبية
الله. الله.. يا بدوى.