الخيال العلمى.. 6 مؤلفين يجيبون عن 7 أسئلة

- عندما ينسى الكتّاب أن هذه هى وظيفتهم الرئيسية فإن عملهم يتدهور

وراء كل ملياردير تقريبًا فى مجال التكنولوجيا رواية خيال علمى قرأها فى سن المراهقة. بالنسبة لبيل جيتس، كانت رواية «غريب فى أرض غريبة»؛ ملحمة الستينيات عن الصدامات الثقافية التى تنشأ عندما يزور أحد سكان المريخ الأرض، وبالنسبة لسيرجى برين؛ المؤسس المشارك لجوجل، كانت رواية نيل ستيفنسون الكلاسيكية «تحطم الثلج»، وهى رواية من نوع «السايبربانك» تدور حول المتسللين وفيروسات الكمبيوتر فى مدينة لوس أنجلوس الأورويلية.

أما رجل الأعمال جيف بيزوس فيستشهد بسلسلة إيان بانكس الثقافية، التى تدور أحداثها فى مجتمع يوتوبى من البشر والذكاء الاصطناعى، يدار بواسطة ذكاء اصطناعى قوى. فيما أطلق إيلون ماسك على ثلاث طائرات بدون طيار تابعة لشركة SpaceX أسماء سفن فضائية من كتب بانكس، وذلك تقديرًا للدور الذى لعبته فى شحذ أفكاره. يوسع الخيال العلمى حدود تطلعاتنا، فهو يقدم لنا التكنولوجيات الجديدة التى يمكن أن تشكل العالم، والأفكار الجديدة والأنظمة السياسية التى يمكن أن تنظمه. هنا مقابلات مع ستة من أبرز مؤلفى الخيال العلمى اليوم، أجرتها مجلة «نوتيلوس» طالبة منهم بإبداء رأيهم فى مدى التأثير الذى يعتقدون أن الخيال العلمى قد أحدثه، أو يمكن أن يحدثه، على المجتمع والمستقبل. تضم قائمة المؤلفين ن. ك. جيميسين المشهورة بأعمالها الرائدة فى الخيال التأملى، مثل «الموسم الخامس» و«المدينة التى أصبحنا عليها»، وآندى وير، صاحب الرواية الشهيرة «المريخى»، الذى يستكشف بأعماله عوالم الفضاء، ولويس ماكماستر بوجولد المعروفة برواياتها الجامعة بين عناصر الخيال العلمى والفانتازيا، وديفيد برين، الذى تقدم أعماله فحصًا للحضارات التى تتصارع مع التقدم التكنولوجى والمعضلات الأخلاقية المقابلة لها، وكورى دكتورو، الذى يقدم بأعماله رؤى مثيرة حول التكنولوجيا والمجتمع، وتشارلز ستروس، الذى قدم روايات تمزج ببراعة بين المستقبلية التأملية والمكائد السياسية والتعليقات الاجتماعية.

1- هل ينتهى الأمر بالخيال العلمى ليكون مخططًا للمستقبل الذى سنبنيه؟

ترى ن. ك. جيميسين أن الخيال العلمى رؤيوى، لكن مثل أى نوع أدبى، فإنه ينتهى فقط بدراسة قضايا يعمل المؤلف من خلالها على الراهن بشكل أكثر مجازية. فإذا نظرنا إلى الخيال العلمى قبل ٥٠ عامًا، سنجد أن عددًا قليلًا جدًا من الكتاب وصل إلى أى شىء قريب من حاضرنا. لقد تنبأ الكثير من تلك الكتب القديمة بتقنيات معينة بدقة، لكن هذا كان كل شىء، فهى لم تحدد كيف سنطبقها، وكيف سنتجاوزها، وكيف ستحطمنا. 

يقول كورى دكتورو: ليس هناك من ينكر أن الكثير من الأشخاص الذين يصنعون الأشياء بالفعل يستلهمون أفكارهم من الخيال العلمى. وهناك الكثير من الأمثلة الملموسة على ذلك. لكن التعامل مع المجاز كما لو كان حقيقة، يعوق استيعابه. 

أما تشارلز ستروس فيرى أن مجموعة محدودة جدًا من أعمال الخيال العلمى يمكن أن تخدم مثل هذه الغاية. كما أنه فى كثير من الأحيان، تجنح الروايات نحو التحذير الديستوبى بدلًا من اليوتوبيا المطلوبة. وتشير لويس ماكماستر بوجولد إلى أنه يمكن اعتبار الخيال العلمى بمثابة عصف ذهنى ثقافى، لكن الخيال لا يمكنه تطوير منتجات، فذلك يحتاج إلى باحثين ومساهمين يضطلعون بالمهمة. ويعتقد ديفيد برين أن مفاهيم الخيال العلمى ألهمت اتجاهات التكنولوجيا الإيجابية من أجهزة الكمبيوتر إلى الهواتف المحمولة والعديد من التطورات فى الطب، لكن الأخطاء التى نجحنا فى تجنبها، أحيانًا فى الوقت المناسب، هى التى تؤهل بعض حكايات الخيال العلمى لتغير العالم. يشهد ضباط عسكريون متقاعدون أن أعمالًا مثل Doctor Strangelove، وFail-Safe، On the Beach، وWar Games، أحدثت تغييرات وساعدت فى منع نشوب حرب غير مقصودة. 

أما آندى وير، فيقول: لا أعتقد أنه ينبغى اعتبار الخيال أداة لتوجيه العالم الحقيقى، أنا أكتب فقط للترفيه وليس لأى غرض آخر، فالأخلاقيات والأجندات فى القصص مزعجة.

2- هل هناك أوقات يؤخذ فيها الخيال العلمى حرفيًا؟

يقول تشارلز ستروس: نعم، فقاعة الذكاء الاصطناعى الحالية بأكملها هى كذلك. لقد تحولت فكرة الذكاء الاصطناعى بأكملها إلى محور دين علمانى مروع، يمكننا من خلاله خلق عبيد أذكياء يفوقون طاقة البشر، ويحلون جميع مشاكلنا الفكرية البشرية المعقدة، ثم يعملون على تحرير أرواحنا النقية من أكياس اللحم المتعفنة الخرقاء، ويحملوننا إلى الجنة الافتراضية، وفى الوقت الحالى، يدير بعض المتعصبين الذين يؤمنون بهذه الأشياء أكبر شركات التكنولوجيا.

ويرى أندى وير أن الخيال العلمى اختطفه رهاب التكنولوجيا المظلم والكئيب. فأعمال مثل Black Mirror تدور حول نفس الشىء؛ التكنولوجيا سيئة لأن الإنسانية سيئة، مضيفًا: لكننى أعتقد أن هذا ليس صحيحًا، فمن الصعب تسمية تكنولوجيا كان ضررها أكثر من نفعها. 

وتوضح ن.ك. جيميسين رأيها قائلة: ما يكتبه المؤلف هو نصف القصة فقط، ثم يجلب القارئ إلى تلك القصة؛ مخاوفه الموجودة سلفًا، وأحكامه المسبقة، وفهمه العالم. ومع ذلك، أعتقد أنه من المثير للدهشة أن عددًا لا بأس به من أعمال الخيال العلمى التى استشهد بها المليارديرات هى حكايات تحذيرية حول ما يحدث إذا تولى المليارديرات والتكنوقراط السلطة. 

3- ما رأيك عندما تسمع ماسك أو بيزوس أو مارك زوكربيرج يتحدثون عن تأثرهم بالخيال العلمى؟

يعتقد كورى دكتورو أنه من الصعب استخلاص معنى الخيال العلمى وأهميته بالنسبة للتكنولوجيا دون التفكير فى علاقة التكنولوجيا بالخيال العلمى. فالكثير من قصص الخيال العلمى كتبها أشخاص يعملون فى مجال التكنولوجيا، وكانوا متحمسين جدًا لها. لذا فمن الخطأ الاعتقاد بأن الخيال العلمى هو الإلهام الأدبى للتكنولوجيا دون أن نفهم أن التكنولوجيا هى مصدر إلهام للخيال العلمى أيضًا.

ويرى تشارلز ستروس أنه فى هذه المرحلة، تقوم ثقافة وادى السيليكون باختيار الأشخاص المتوافقين مع النظرة العالمية التى تجسدها. لقد نشأت من ثورة صناعية قادها فى البداية المهندسون، وهى تناشد بشكل أساسى الذكور البيض المتعلمين فى مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، والذين تم تدريبهم على النظر إلى أنفسهم باعتبارهم النخبة المثقفة والاعتقاد بأن جميع المشاكل البشرية يمكن حلها عن طريق التطبيق الصحيح للتكنولوجيا، وهذا بحد ذاته موضوع للخيال العلمى من القرن العشرين.

4- هل فكرت يومًا أن شخصًا ما قد يقرأ عملك فيتخذ قرارات يمكن أن تؤثر على مستقبل جنسنا البشرى؟

تجيب ن.ك. جيميسين: لا. أنا لا أضفى طابعًا رومانسيًا على التكنولوجيا بشكل خاص أو أمنحها قوة أكبر مما تتمتع به بالفعل. التكنولوجيا هى أداة، والأدوات لا تملك القدرة على تغيير الطبيعة البشرية الأساسية؛ الشخص الذى معك بمطرقة هو نفس الشخص الذى بدونها. هل تريد إلقاء اللوم على الشخص الذى فكر أولًا فى المطرقة لم تفعله بهذه المطرقة؟ هل هذا منطقى؟ اللغة هى أيضًا أداة، أكثر تعقيدًا، وأكثر قوة، لكنها لا تملك القدرة على التحكم بك. لذا فإن فكرة أن الخيال يدفع الناس إلى القيام بأشياء، هى مجرد فكرة طفولية وغريبة بالنسبة إلىَّ. يتعرض البشر للأفكار والتكنولوجيا الجديدة طوال الوقت. حياتنا كلها، منذ الولادة حتى الموت، نتكيف مع مواد جديدة، وأساليب جديدة، ومخاوف جديدة. كيف نتكيف/نتفاعل مع تلك المخاوف؟ هذا هو الاختيار. هذا ما يهم. وأى شخص يختار تدمير الديمقراطية أو تدمير البيئة كان سيفعل ذلك على أى حال. الكتاب لم يجعلهم يفعلون ذلك. لقد اتخذوا خيارًا، ثم ألقوا اللوم على كتاب من أجل التهرب من مسئوليتهم أو تخفيفها. وربما ينبغى لنا أن نتوقف عن تصديق هذا العذر من المليارديرات أيضًا.

5- ما هى أسوأ فكرة من الخيال العلمى تخشى أن تتحول إلى حقيقة؟

يجيب تشارلز ستروس: جمع البيانات. لقد كان الأمر موجودًا منذ عقود ويزداد سوءًا. وعلى حد تعبير أحد المحررين: إن أكبر تهديد للإنسانية فى القرن الحادى والعشرين هو كثرة المعلومات. فهو يجعل من السهل تنفيذ ذلك النوع من الدولة البوليسية المتطفلة التى أرادتها دكتاتوريات القرن العشرين. 

أما لويس ماكماستر بوجولد فتقول: أنا متأكدة من أن وادى السيليكون قادر على ابتكار كل أنواع الأشياء التى لا أريدها ولا أحتاجها. 

6- هل ترى تأثير الخيال العلمى على وادى السيليكون وقيادته إيجابيًا أم سلبيًا؟

يجيب كورى دكتورو عن السؤال بقوله: أحيانًا أستمع إلى هؤلاء الأشخاص وهم يتحدثون وأفكر: لا أعرف ما هو الخيال العلمى الذى قرأته؛ لأنه لا يبدو مثل أى خيال علمى قرأته أو أكتبه. وهذا أمر غريب؛ لأننى أعتقد أن أول مراجعة إيجابية تركها بيزوس على أمازون كانت لروايتى الأولى.

وتقول ن.ك. جيميسين: لا أعتقد أنهم متأثرون بأى خيال علمى، أعتقد أنهم يدعون ذلك؛ لأنهم يظنون أن ذلك يجعلهم يبدون أذكياء، بصراحة أظن أن بعض هؤلاء الرجال لا يستطيعون القراءة. أما ديفيد برين، فيقول: يعتمد ذلك على أى حكايات من الخيال العلمى تؤثر عليهم. أولئك الذين يتبرعون لقضايا، مثل إنقاذ الكوكب؛ لأنهم قرأوا روايات مثل Earth أو شاهدوا Soylent Green قد يساعدوننا فى تجنب المصائر الأليمة. 

7- هل يمكن للخيال العلمى أن يؤثر على اتجاه المجتمع؟

يجيب آندى وير: لا، نحن فنانون. عندما ينسى الكتّاب أن هذه هى وظيفتهم الرئيسية، فإن عملهم يتدهور. لا أحد يحب أن يوعظ به. إذا تمكنت من إلهام بعض أطفال اليوم ليكونوا علماء الغد، فهذا عظيم. لكننى لا أعتقد أن هناك أى أفكار محددة لدى من شأنها أن تؤدى إلى اختراق علمى. 

ويقول ديفيد برين: يجب أن نعامل على أننا أصحاب رؤية حكيمة. آخر ١٠٠ عام من الخيال العلمى هى كنز يجب تذكره واستغلاله، عندما يلوح فى الأفق أى شىء غريب حقًا؛ من المحتمل أن أحد المجانين كتب عن شىء كهذا فى الماضى.

ديفيد برين