السبت 23 نوفمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

محو الأمية العلمية.. مناهج دراسية أشمل من «الويندوز» و«الأوفيس».. ورفع شعار «الثقافة للجميع»

محو الأمية العلمية
محو الأمية العلمية

تلعب الثقافة العلمية دورًا كبيرًا فى تكوين جيل قادر على فهم ذاته، ومتطلبات مجتمعه، وذلك لما تقوم به من بناء عقول وبلورة رؤية الشباب داخل المجتمعات ونظراتهم إلى الذات والمجتمع والعالم؛ خاصة فى حالة المجتمعات التى تشهد غلبة وسطوة اللا مبالاة والاستسلام والإحباط والخرافات.

وتسهم الثقافة العلمية فى وضع خارطة طريق واضحة المعالم لتكوين جيل قادر على الإنتاج والإنجاز فى مجال العلم والتقنية؛ والتفاعل مع الوسائل التكنولوجية والرقمية من مدخل الوعى نظرًا لخطورة ما تقدمه من معلومات قد تكون مضللة أو كاذبة، وهو ما ينعكس على حركة المجتمع ونظرته على نحو ناضح لطبيعة التحديات التى تواجه فى الحاضر، بهدف التغلب عليها فى المستقبل القريب؛ ومن هنا تأتى أهمية أن نطرح هذا التساؤل على خبراء الثقافة العلمية: لماذا تتراجع الثقافة العلمية فى مصر؟

القضاء على ظاهرة التصحر المعرفى أولوية قصوى الآن.. والبداية من التعليم

قال الدكتور خالد نجم، مستشار وزير الاتصالات للحوكمة الرقمية، إن تراجع الثقافة فى مصر بشكل عام يعود إلى أن محفزات الثقافة فى الماضى كانت تأتى من المدرسة والمنزل والمجتمع، لأن الشخصية القارئة مكوناتها كان لها عائد داخل المجتمع، وكان المجتمع ينظر إليها بإعجاب، مشيرًا إلى أنه إذا حددنا الثقافة التى كانت مصادرها وقتها من الكتاب أو من مصادر أصيلة للمعلومات وهى متعددة، وهو النهج الذى كان يسير عليه من أولى الفئات العمرية من سن ١٠ إلى ١٢ و١٥ سنة فى مصر، وكان فكرة الطفل المتواجد فى المدرسة تتحدث آنذاك عن حصيلة المعرفة بانبهار، وهو ما كان يلفت نظر الأطفال ممن حوله، وما أقصده أن البداية كانت من هنا، أى من الثقافة التى هى «تحويشة المعرفة» التى يتحصل عليها الطالب من المدرسة والمنزل والمجتمع، أما حاليًا فلا يوجد ذلك، حيث يتحصل الطفل على الثقافة الآن من الإنترنت وليس من الكتاب، وهو ما يتطلب تعديل مفهمومنا للثقافة والمعرفة، خاصة أن تفاعل الطالب مع المعلومة أصبح تفاعلًا لاحظيًا لا تخزينها على عكس ما كان يحدث فى الماضى، أى المعرفة التراكمية.

وأضاف «نجم» فى تصريحات لـ«الدستور»، أن الثقافة العلمية تحصر من يحاول الحصول عليها فى كوادر معينة وليكن فيمن يعملون فى مجال الأبحاث أو المعاهد والأكاديميات فقط، وهى فئة ثقافتها أفقية، أما بالنسبة لدوافع الثقافة العلمية نتساءل: هل هناك عائد لها أم لا من ورائها أو محفزات؟، لأن مفهومنا خاطئ عن مواهب المبتكرين ومن يقومون بحل المشكلات وهو ما جعل الناس تعتمد على هؤلاء ولم نكون ملكة الحصول على حل المشكلات من خلال الثقافة العلمية بأنفسنا.

وأشار مستشار وزير الاتصالات إلى أن الحلول موجودة ومجربة، حيث شاركنا فى حلقة نقاشية بالجامعة منذ أسبوع كنا نتساءل فيها عن الأسباب التى وراء تمسك كل من الصين وروسيا وألمانيا بتخريج شخصية متزنة من المدرسة؛ وكانت الإجابة تتمثل فى أن تلك الدول ما زالت تهتم من خلال تكوين شخصية متعلمة متوازنة دون شوائب مع الاحتفاظ بالهوية، وهو ما يجب أن يحدث هنا لا سيما أن من ٦٠ الى ٧٠٪ من الشعب المصرى بين ١٧ الى ٤٢ سنة وهى فئة مصابة بالتصحر المعرفى، وثانيًا لأن التضخم والابتزال فى المجاميع خاصة مجاميع الثانوية العامة التى أصبحنا نسمع عنها مثل حصول بعض الطلاب على ١٠٢٪ مثلًا وكأنهم عباقرة وهو مؤشر فى غاية الخطورة ما دفع بعض هؤلاء للغرور. 

مناهج تعليمية جديدة لطلابنا فى المدارس

أكدت الدكتورة بسنت صلاح، مدير مشروع «حياة كريمة رقمية»، أن نوعية المصادر الموثوق فيها غائبة لكون اعتماد الأطفال والشباب على السوشيال ميديا لتلقى المعلومات منها؛ وهى مصادر غير موثوقة، كما أنها لا تقدم لأولادنا بشكل ممنهج بل تقتحم عليهم حياتهم؛ مشيرة إلى أننا لدينا نوعان من المستخدمين؛ الأول مستخدم لديه من الشغف للمعرفة وهو يتعاطى مع التكنولوجيا ووسائلها ومواقع التواصل الاجتماعى، وهذا المستخدم يكون قادرًا على التعامل بحرص ووعى معها، والنوع الثانى المستخدم غير الشغوف فى التعاطى مع الوسائل التكنولوجية الجديدة وهو ما تقل لديه نسبة الوعى بكونها مصادر غير موثقة وهو النوع الغالب من المستخدمين.

وأضافت «صلاح» فى تصريحات لـ«الدستور»، قائلة: «نتمنى محو الأمية التكنولوجية من خلال إقرار بعض المناهج لطلابنا فى المدارس يتجاوز فكرة شرح برامج الويندوز والأوفيس، لكونها تتناول الثقافة العلمية على نحو أوسع وتحديات التكنولوجيا وتأثيرها فى المجتمعات، حتى يكون مواطنًا رقميًا قادرًا على التفاعل مع مجتمعه بإيجابية، وكذلك الحال فى الجامعات على أن يتم إقرار شهادة فى محو الأمية الرقمية للإجازة العلمية؛ قبل التخرج.

وتابعت، أتمنى مؤسسات الدولة مثل وزارة الاتصالات المصرية مع التربية والتعليم والتعليم العالى والبحث العلمى أن تقوم بوضع منهجية لطلابنا فيما يخص محو الثقافة التكنولوجية والرقمية على نحو سريع؛ وهو ما نسعى لتفعيله فى مشروع «حياة كريمة رقمية».

استراتيجيات وطنية على مستوى الدولة لتبسيط العلوم

رأى الدكتور حامد عبدالرحيم أحمد عيد، الأستاذ بكلية العلوم جامعة القاهرة مقرر لجنة الثقافة العلمية والتفكير الابتكارى بالمجلس الأعلى للثقافة، أن اليوم يواجهنا جيل جديد من التكنولوجيات الحديثة، والتى تُعلن عن حضارة علمية جديدة. وهنا لا بد من وسائل الإعلام العلمية أن تلعب دورًا حيويًا فى تقريب العلوم من الجماهير، وتقديم مجالات علمية وتقنية حديثة ومتقدمة من خلال وسائط متنوعة حتى تتصل بالإنسان وأفكاره وعقله وحياته، لكن للأسف يفتقر الإعلام فى كثير من الأحيان إلى اهتمام بالمعلومات العلمية، وأيضًا يفتقر معظم الصحف إلى صفحات متخصصة أو أقسام يومية أو أسبوعية تناقش العلوم والتكنولوجيا، كما أننا نعتبر دور الجامعات ووزارات الإعلام والثقافة فى هذا الصدد ضعيفًا.

وأضاف «عيد» فى تصريحات لـ«الدستور»، موضحًا أنه لتعزيز الاهتمام بالثقافة العلمية ورد اعتبارها، يجب وضع استراتيجيات وطنية على مستوى الدولة من خلال تحضير، وجذب، وتحفيز الكفاءات والمواهب لتبسيط العلوم ونشر الفكر العلمى بين الأشخاص ذوى التخصصات العلمية والتقنية. ويعتبر التركيز على التواصل والتفاعل بين الأشخاص ذوى التخصصات العلمية والذين لديهم تخصصات فى الفكر والثقافة ووسائل الإعلام والأدب والإنسانيات أمرًا أساسيًا. كما يجب على أقسام الإعلام فى الجامعات المصرية أن تولى اهتمامًا للدراسات والأبحاث والمناهج المتعلقة بوسائل الإعلام العلمية، والسعى لتشخيص واقع الإعلام العلمى واستكشاف سبل تفعيله وتطويره. ونشر الحماس والتفاعل مع القضايا العلمية والتطورات التقنية. إن الاهتمام بالتنوير العلمى وتغذية فروع الثقافة العلمية هو مسار لا بد من اتباعه، حيث يمكن أن تؤدى التغييرات العالمية ولغتها الواسعة إلى مزيد من الضحالة والتسطح الفكرى والعلمى.