الخميس 21 نوفمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

اغتيال نجيب محفوظ برعاية الجامعة الأمريكية… مترجمة يونانية تشوّه أعمال أديب نوبل بإضافات غير موجودة فى النص الأصلى

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ

- بيرسا كوموتسى أقحمت إضافات زائدة فى ترجمات الأعمال إلى اليونانية

- نسبة التدخل بلغت 85%.. والتشويه الأكبر طال «الحرافيش» و«أولاد حارتنا»

الصفحة الرابعة من العدد الثالث والعشرين لحرف

فجّر المترجم والباحث الدكتور هشام محمد حسن، أستاذ مساعد تخصص فقه اللغة والأدب البيزنطى، قسم «اللغويات التطبيقية» بالجامعة الهيلّينية الأمريكية فى العاصمة اليونانية أثينا-مفاجأة من العيار الثقيل تتعلق بترجمات أديب نوبل نجيب محفوظ إلى اللغة اليونانية الحديثة، وتحديدًا روايتيه «الحرافيش» و«أولاد حارتنا».

ونشر «حسن» مجموعة من التدوينات، عبر حسابه على موقع «فيسبوك»، كشف فيها عن جريمة مكتملة الأركان فى حق نجيب محفوظ، ارتكبتها المترجمة اليونانية بيرسا كوموتسى، من خلال فحصه ترجمتها لروايتى «الحرافيش» و«أولاد حارتنا» إلى اللغة اليونانية. «حرف» تواصلت مع المتخصص فى فقه اللغة والأدب البيزنطى، للتعرف على القصة الكاملة لهذه الجريمة، فأرسل إلينا التفاصيل التالية.

غلاف رواية ملحمة الحرافيش

الحرافيش

كان اليونانيون فى مصر «Aigyptiwtes» يتعلمون اللغة العامية المصرية التى تكفل لهم مستويات التواصل الشفاهى مع المصريين، لكن غير ذلك كان اهتمام أفراد الجالية يتعلق بتعلم اللغات الأجنبية مثل الفرنسية والإيطالية والإنجليزية.

وكنتيجة لذلك لم يولوا أى اهتمام يُذكر بتعلم اللغة العربية الفصحى، ومن تداعيات هذا الأمر هو عدم وجود نتاج أدبى لهذه الجالية باللغة العربية، رغم عددهم الكبير فى مصر، وتناولهم موضوعات كثيرة عنها فى أدبهم المعاصر آنذاك. 

والمترجمة التى نتناول موضوعها فى حوارنا اليوم «بيرسا كوموتسى» تنتمى لجيل اليونانيين الذين ولدوا فى مصر خلال فترة الستينيات، وأنهت دراستها الأساسية بالمدرسة اليونانية فى القاهرة، ثم التحقت بكلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية جامعة القاهرة وتخرجت فيه، وبعد تخرجها تركت مصر ورجعت إلى اليونان، حيث بدأت العمل فى مجال الترجمة منذ التسعينيات.

عندما تركت «كوموتسى» مصر كان نجيب محفوظ مشهورًا بالفعل على الساحة الدولية والحركة الأدبية، إثر حصوله على جائزة نوبل للآداب، فبدأت فى ترجمة أعماله إلى اليونانية الحديثة، حتى اُقترن اسمها باسم «محفوظ اليونان»، لأنها تُعتبر- فى عيون اليونانيين- هى من قدَّمت نجيب محفوظ بشكل كامل إلى القارئ اليونانى.

وبمساعدة دار نشر يونانية خاصة كبيرة يُطلق عليها «Psychi-ios» أو «بسيخييوس»، حصلت المترجمة على حقوق ترجمة هذه الأعمال من دار نشر الجامعة الأمريكية فى القاهرة، إبان فترة التسعينيات. وبطبيعة الحال حرصت دار النشر اليونانية بشدة على أن تذكر فى غلاف الترجمات حصول نجيب محفوظ على «نوبل».

عندما شرعتُ فى تفحص الترجمات اليونانية الحديثة، لاحظتُ أن دار النشر اليونانية تذكر فى الصفحة الأولى بعد الغلاف مباشرة أن الترجمة تمت باتفاق مع دار نشر الجامعة الأمريكية فى القاهرة. لكن فى نفس الوقت يتم ذكر اسم المُترجمة بيرسا كوموتسى على غلاف الطبعة، فى إطار التنويه إلى أن الترجمة تمت من النص العربى لنجيب محفوظ مباشرة.

عندما شرعتُ فى الاطلاع على الترجمة اليونانية لـ«ملحمة الحرافيش»، ذلك العمل الأدبى الهام، بهدف معرفة المنهجية التى تتبعها المترجمة، ومدى قدرتها على توصيل أدب نجيب محفوظ إلى القارئ اليونانى، وضعت نصب عينى نص «محفوظ» العربى، وبجانبه النص اليونانى الذى ترجمته «كوموتسى»، علاوة على ترجمة الجامعة الأمريكية إلى الإنجليزية.

بيرسا كوموتسى

هنا لاحظتُ وجود إشكاليات فى الترجمة، تتمثل فى نقطة محددة ألا وهى الحياد عن النص العربى الأصلى، والخروج عنه بطريقة واضحة. فقلت إنه ربما هذا الخروج عن النص الأصلى يرجع إلى خلل فى الترجمة الإنجليزية.

على الفور رجعت إلى الطبعة الصادرة عن الجامعة الأمريكية فى القاهرة، فوجدت أن الترجمة الإنجليزية لا يوجد بها أى إضافات مُقحمة على النص الأصلى، فاعترتنى الحيرة من الأمر كله، خاصة أن غلاف الترجمة إلى اليونانية يُعد تقليدًا كاملًا لنفس غلاف طبعة الترجمة الإنجليزية، ما يترك إيحاءً بأن هناك علاقة وثيقة بين الترجمة اليونانية وترجمة الجامعة الأمريكية إلى الإنجليزية، حتى ولو تغاضينا عن ذكر المترجِمة، وأنها تترجم من النص العربى مباشرةً. 

عند مقارنة النص العربى بالترجمة اليونانية لاحظتُ أن الترجمة اليونانية لا تتماشى لا مع الأصل العربى ولا مع الترجمة الإنجليزية، وهذا كان شيئًا غريبًا جدًا بالنسبة لى.

آثرتُ الاستمرار فى المطالعة والمقارنة بهدف سبر غور طريقة معالجة الترجمة إلى اليونانية، ووقفتُ عند فقرة أخرى فى الترجمة اليونانية الشائكة، وطبقت نفس منهجية المقارنة والمعالجة، فوقفتُ على نفس الإشكالية بعينها فى عملية الترجمة نفسها، وهى أننا لسنا بصدد ترجمة أدبية إلى اللغة اليونانية، لكننا بصدد وضع إضافات من عنديات المترجمة، وإقحامها فى نص «محفوظ» الأصلى.

النص من الفقرة الأولى فى رواية «ملحمة الحرافيش» باللغة العربية، تليه الترجمة لليونانية لـ«بيرسا كوموتسى»، ثم الترجمة الإنجليزية للجامعة الأمريكية فى القاهرة، ثم ترجمتى إلى اليونانية لنفس الفقرة، موضحًا فيها باللون الأحمر النقاط التى لم تستطع المترجمة اليونانية فهمها وإدراكها فى ترجمتها إلى اليونانية لنفس الفقرة.

نجيب محفوظ

وفى هذا الموضع بدأتُ أطرح تساؤلات تتعلق بمنهجية المترجمة اليونانية «كوموتسى»، فالكل يعلم أن المترجم عليه أن يلتزم بالنص الأصلى الذى أمامه، خاصةً عند التعامل مع كاتب كبير بحجم نجيب محفوظ، ذلك الأديب الذى كُتبت عنه المئات من الدراسات العلمية والأبحاث، فضلًا عن عدد وفير من رسائل الماجستير والدكتوراه، فى جامعات أوروبا وأمريكا.

التعامل بهذه السطحية أو الصبغة التجارية مع كاتب مثل «محفوظ» أصابنى بلا شك بصدمة، لأننى وجدت نفسى فى حيرة من أمرى، ولا أعرف السبب وراء تغيير فحوى نص «محفوظ» نفسه فى الترجمة اليونانية.

وأحدث نشر هذه النتائج تفاعلًا بين المهتمين بالترجمة من العربية إلى اليونانية، خاصةً بعد تقديم النص الأصلى مصحوبًا بالترجمة إلى اليونانية الحديثة، وإضافة التوضيحات والتنويهات اللازمة، التى ألقت الكثير من الضوء على الموضوع برمته.

هذا شجعنى على الاستمرار فى النقد، فتوصلت إلى نموذج آخر من نفس العمل الأدبى «ملحمة الحرافيش»، وهى الفقرة التى تبدأ بـ«مضى يتلمس طريقه بطرف عصاه الغليظة...»، وهى فقرة بسيطة وواضحة فى لغتها العربية، لكن عندما قارنتها بالترجمة اليونانية لاحظتُ أن أكثر من ٦٠٪ من الفقرة ذاتها هى إضافة مُقحمة على النص من عند المترجمة. 

نقطة أخرى فى غاية الأهمية تتعلق بفهم وإدراك البعد الثقافى للنص العربى لـ«محفوظ» والذى يذكر: «بين مسكنه عند مشارف القرافة وبين الحارة يخوض أشق مرحلة فى طريقه إلى الحسين وأعذبها».

نلاحظ أن المُترجمة ألصقت صفة «القديس» (Hagios-Auos) على «الحسين»، وهى ترجمة غريبة جدًا فى حد ذاتها، فكلمة «القديس» بالنسبة لى كمتخصص تخلق إشكالية كبيرة لدى المتلقى والقارئ العادى، وهذا تباعًا يلقى الضوء على أنها كمترجمة لم تُدرك من هو «الحسين»، وماهية علاقته برسول الإسلام، ولهذا نجدها بكل أريحية أسبغت صفة «قديس»، التى لها معانٍ وتوظيفات واضحة وجلية فى المسيحية، على شخصية هامة فى تاريخ الإسلام مثل حفيد النبى «الحسين».

وهذا بلا منازع ينم عن جهلٍ مطبق، لأن المترجمة لم تدرك، رغم ولادتها فى مصر واحتكاكها بالمجتمع المصرى وغالبية سكانه المسلمين، أن الإسلام لا كهانة ولا كهنوت فيه، وتباعًا لا يوجد به «قديسون».

غلاف رواية أولاد حارتنا

أولاد حارتنا

قررتُ أن أترك ترجمة «ملحمة الحرافيش» إلى اليونانية، وأن أطلع على ترجمة «أولاد حارتنا»، وبمجرد أن بدأتُ فى قراءة الترجمة اليونانية، ووقفتُ عند الافتتاحية المكتوبة فى النص العربى بقلم نجيب محفوط، وقارنتها بالافتتاحية المترجمة إلى اليونانية، وجدت أن المترجمة تتبع نفس النهج والمنهجية، وهو إقحام جمل وعبارات من عندياتها فى ترجمتها غير موجودة فى النص الأصلى.

اتبعت من جانبى نفس المنهجية التفكيكية لترجمتها إلى اليونانية، فقدمتُ النص الأصلى المخطوط باللغة العربية مع ترجمة «كوموتسى» إلى اليونانية، مع عقد ترجمة إلى اللغة العربية للنص اليونانى المُترجَم منها. وهنا وجدتُ نفسى فى حالة من الذهول، بعد أن لونت الكلمات والجمل غير الموجودة فى النص العربى باللون الأحمر، ووجدتُ أنها «تُشرك نفسها» بكل أريحية فى تأليف النص مع نجيب محفوظ، لدرجة أنها أقحمت ٣ أسطر كاملةً فى ترجمتها إلى اليونانية، لا وجود لها فى نص نجيب محفوظ بتاتًا، وهى: «وأحيانًا كان يدخن النارجيلة بوجه عابس، ويهز رأسه برويَّة متأملًا فى أنغام العود الحزينة، مستحضرًا فى قلبه أبطال حارته المجيدين- أدهم وجبل ورفاعة وقاسم- الذين جاهدوا لرفع شأنها إنسانيًا ومحاربة الظلم والحقد»!! 

هذا يؤكد لنا أن الترجمتين اللتين نحن بصدد تقديمهما لم تخضعا لأى مراجعة من أى جانب، لا من الجانب المصرى ولا اليونانى. 

ومن نتائج البحث- حتى الآن- التى خرجنا بها، نجد أن المترجمة «كوموتسى» لا تلتزم بالترجمة الإنجليزية لـ«محفوظ» الصادرة من الجامعة الأمريكية فى القاهرة، ولا بالنص العربى الأصلى، بل إنها تقحم إضافات زائدة على نص «محفوظ» الأصلى، وتقدم هذه الإضافات إلى القارئ اليونانى على أنها ليست إلا ترجمة من العربية للنص الأصلى.

وعندما نرجع إلى الخطوط الحمراء فى ترجمتيها نجد أن نسبة إقحام جمل وكلمات مقارنةً بالنص العربى الأصلى تتعدى الـ٨٥٪، وهذه نسبة غير عادية بالمرة.