الأحد 08 سبتمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

بناة الكعبة.. من زمن الملائكة حتى المهندسين المصريين

الكعبة
الكعبة

لا يعرف الكثيرون أن مَن بناها هم الملائكة، وأنها تعرضت لأهوال الحياة وتصاريف الزمن أكثر من مرة، حتى أعيد بناؤها نحو 12 مرة، حتى اتخذت شكلها الحالى، الذى يرجع الفضل فيه إلى مهندسين مصريين.

الكعبة المشرفة، أول بيت وضع للناس، بنتها الملائكة منذ زمن طويل، وأخذها طوفان نوح مع ما أخذ من الأرض، حتى جاء نبى الله إبراهيم وولده إسماعيل، وأعادا بناءها مرة أخرى، فوق قواعد «الكعبة القديمة». 

وحسب ما ترويه كتب التراث، بنى الخليل الكعبة على هيئة نصف دائرة، وجعل بابها ملاصقًا بالأرض، وكان ارتفاعها من الأرض إلى السماء يبلغ 9 أذرع. وبعد سنوات، تعرض مبنى الكعبة إلى تصدع، ما دفع قصى بن كلاب، الجد الرابع للنبى محمد، صلى الله عليه وسلم، لتولى إعادة بنائها، أو قل ترميمها، من واقع مسئوليته عن «الحجابة والسقاية والرفادة والندوة واللواء»، ففعل ذلك، وغطاها بخشب الدوم، وجريد النخل، وجعلها على ارتفاع 25 ذراعًا.

الصفحة الخامسة من العدد الثالث والعشرين لحرف

 

وشارك من جاءوا بعده من أهل قريش فى سلسال بناء الكعبة، ورمموها كما فعل جد النبى الرابع، وفق ما أخبرنا به النبى حين سألته السيدة عائشة عن «الجدر»، وإذا ما كان من البيت أم لا، فقال: «نعم، فعل ذلك قومك، ليدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا، ولولا أن قومك حديث وعهد بجاهلية، فأخاف أن تنكر قلوبهم، أن أدخل الجدر فى البيت وألصق بابه الأرض».

ويروى فى ذلك أن أموال قريش قصرت معهم عند إعادة البناء هذا، فنقصوا من بناء الكعبة، وهو ما دفع النبى للقول إنه لولا حداثة قريش بالإسلام، لأعاد بناءها وجعل لها بابين، ليدخل الناس من أحدهما ويخرجوا من الآخر.

ونال الكعبة ما نالها فى نزاع عبدالله بن الزبير مع يزيد بن معاوية، وهو النزاع الذى اندلع لرفض «ابن الزبير» مبايعة «يزيد»، فما كان من الأخير إلا أن حاصر مكة، ورماها بالمنجنيق، ما أدى إلى اشتعال الحريق فى الكعبة. 

وعقب تولى عبدالله بن الزبير الخلافة سنة ٦٤ هجرية، فاضل بين ترميم الكعبة، كما فعل من قبله، أو هدمها وإعادة بنائها من جديد، حتى استقر على هدمها، ثم إعادة بنائها على قواعد سيدنا إبراهيم، مع تنفيذ رغبة النبى سالفة الذكر فى وجود بابين للكعبة، واحد للدخول والثانى للخروج.

وعندما قرر عبدالملك بن مروان التخلص من عدوه ومنافسه عبدالله بن الزبير إلى الأبد، جهز جيشًا ضخمًا لمنازلته فى مكة، وولى الحجاج بن يوسف، وأمره بالسير إلى مكة للقضاء على «ابن الزبير».

خرج الجيش إلى الطائف، وانتظر الخليفة ليزوده بمزيد من الجيوش، فتوالت الجيوش إليه حتى تقوى تمامًا، ثم زحف «الحجاج» إلى مكة فى موسم الحج، ونصب المـجانيق على جبلى «أبى قبيس» و«عيقعان»، بل وفى نواحى مكة كلها، فتحصن «ابن الزبير» فى المسجد، وأخذت أحجار المنجنيق تتساقط على المسجد. وبسبب هذا القصف احترقت الكعبة، فاضطر «ابن الزبير» إلى الخروج للقتال مع جماعة من أتباعه، حتى قتل هو وجميع أتباعه.

وبعد أن سيطر «الحجاج» على مكة، كتب إلى الخليفة عبدالملك بن مروان أن «ابن الزبير» قد زاد فى البيت ما ليس فيه، وأحدث فيه بابًا آخر، فكتب إليه «عبدالملك»: «سد بابها الغربى واهدم ما زاد فيها من الحجر».

حدث تصدع جديد فى جدران الكعبة خلال فترة حكم الدولة العثمانية، ورأى السلطان أحمد الأول ضرورة هدمها وإعادة بنائها من جديد. لكن مهندسين أشاروا إليه بنطاقين من النحاس الأصفر المطلى بالذهب، علوى وسفلى.

ورغم ذلك لم تصمد الكعبة طويلاً، وتهدمت جدرانها عقب أمطار غزيرة شهدتها مكة عام ١٠٣٩ هـ الموافق أبريل ١٦٣٠م، وتحول هذا المطر إلى سيل عظيم دخل المسجد الحرام والكعبة، وبلغ منتصفها من الداخل، وحمل جميع ما فى المسجد من خزائن الكتب والقناديل والبسط وغيرها، وخرب الدور واستخرج الأثاث منها، ومات بسببه خلق كثير.

وسقط جدارها الشامى، وجزء من الجدارين الشرقى والغربى، وسقطت درجة السطح، لذلك أمر السلطان مراد الرابع بسرعة عمارتها وتجديدها على أيدى مهندسين مصريين، فى سنة ١٠٤٠ هـ١٦٣٠مـ، وهو البناء الأخير والحالى للكعبة.