الخميس 21 نوفمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

عبدالوهاب الحمادى يكتب: عن موسيقى الشارع التى نتجاهلها

موسيقى الشارع
موسيقى الشارع

لم أستطع يومًا أن أتذوق موسيقى الراب، أحاول التحليل والتذكر، لم تكن هناك محاولات جدية منى للتعاطف معها، إذ لم أجدها قريبة من الموسيقى الشرقية المنحوتة فى أرواحنا وما نطلبه من قفلة حراقة، لكننى صرت أستطيع فهم نشأتها وأتفهم سرعة كلام المغنى تماشيًا مع عصر يطير بسرعة الضوء عندما بدأت فى قراءة كتاب الشاب سيد عبدالحميد المعنون «فن الشارع- حكايات عن كتابة الراب والموسيقى» الصادر عن دار صفصافة.

كنت كأنما دفعت بابًا بسبب الفضول لآخذ لمحة ثم وجدت نفسى محاصرًا فى عالم من الصوت والضوء والإيقاعات اللاهثة والشهب. عرفت أن أساس فن الراب وكل شىء تفرع منه هو الشخصانية، إذ إن مغنى الراب فى الأغلب الأعم هو من يكتب حياته فى أغانيه، يختصر لحظاتها ويكثفها أو يعبر عنها بكلمات تصف القدر الظالم دائمًا الذى يحرمه من المال والحبيبة والعيشة الهنية وكل شىء جميل فى هذه الدنيا. كبسولة الكلمات المرة تلك والمعجونة بالإيقاع السريع سرعان ما تجد صداها لدى شباب يهوم مع إيقاعات العصر ويلقاها قد اخترقت روحه ونطقت بلسان حاله. عبر سيد فى كتابه الرائع عن تلك الحالة عبر استقراء سير أشهر «هل أقول مطربى الراب؟!» لنقل الرابرز. مع القراءة دخلت على عالم جديد ومدهش ومع كل اسم أجد البحث يفتح بابًا جديدًا ويعرفنى على جيل أغلبه ولد على مشارف الألفية أو بعدها، جيل وجد نفسه ضائعًا وتائهًا وباحثًا عن الفرص حتى وإن كانت دخانًا وأوهامًا. فى رأى سيد عبدالحميد كانت هذه الأغانى وموجتها بل موجاتها المستمرة تأتى من سياق زمنى يريد تأسيس نموذج يشبهه بعيدًا عن منصات الموسيقى وشركات الإنتاج الرسمية والرعاة، لكن تلك الرأسمالية التى تكره الفراغ ما لبثت قليلًا حتى هرولت خلف هذه الحالة الشبابية المكتسحة لتقتنص فرصة ركوب الموجة والموجات. مع اسم كل رابر، أدخل إلى اليوتيوب وأستمع إلى الأغنية لأُكون صورة عن حديث الكاتب الشاب سيد عبدالحميد ولغته الممتازة. كانت حروب أولئك الرابرز على عدة جبهات، حرب دونكيشوتية ضد الدهر الذى يسلبهم كل جميل، وحروب أهلية فيما بينهم تسمى «الديس» وهى آتية من disrespect، كأنما هى صورة عصرية لنقائض الفرزدق وجرير، إذ إنها حرب هجاء بين الرابرز، أحيانًا بشكل فردى بين قطبين، وأحيانًا حرب جماعية يسنها كل فريق على الآخر وخذ يا ضرب بمفردات متعددة. علمت أن لكل مغنى أو رابر أسلوبه الخاص فى صياغة الكلمات وبصمة يتميز بها، منهم من يسرب لها مفردات ثقافية دالة مثل استخدام اسم الروائى كافكا، أو إدخال كلمات أجنبية.. إلخ، ليصنع كل رابر هويته.. ومنهم من يتعمد الغموض فلا يعرف عن حياته الشخصية سوى لمحات. بسبب وسائل التواصل الاجتماعى استطاع الرابرز اكتساح المنصات الشبابية ووصلوا لترند عالمى واستعانت بهم شركات تجارية عملاقة.

الكتاب رائع رغم صغر حجمه، ويشير ويعلن عن مؤرخ فنى يمتلك ناصية البحث والكتابة والتحليل بلغة مباشرة وتؤدى الغرض دون فذلكات. استمتعت بقراءته، وخرجت من عالم لم أكن أهواه، لكننى بت أفهمه أكثر وأفهم سياقاته، وأفهم الشباب المتحلق حوله فى كل أرجاء العالم العربى.