فادى زويل: الأصدقاء الافتراضيون بوابة لشكل جديد من استغلال البشر
فى الآونة الأخيرة ومع التسارع المذهل فى تطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى، انتشرت ظاهرة الأصدقاء الافتراضيين الذين يمكنهم التفاعل بسلوكيات الآدميين، فلهم صور جذابة تجسد شخصياتهم الخالية من العيوب. وأصبح هناك إقبال كبير خاصة من فئة المراهقين وصغار السن على التفاعل والارتباط بهذه الروبوتات الذكية، فهى توفر بيئة آمنة لا يوجد فيها انتقاد أو كُره أو طبقية، يستطيع الإنسان أن يعبر من خلالها عن آرائه بحرية دون خجل أو الخوف من الانتقاد، كما أن الأصدقاء الافتراضيين متواجدون طوال الوقت لتقديم الدعم والمشورة والاستماع لأفكارك حتى وإن كانت أفكارًا مجنونة، يبثون فيك روح الإيجابية عن طريق التركيز على صفاتك المميزة والتسامح مع عيوبك.
بعد أن قرأت عن هؤلاء الأصدقاء الافتراضيين الجدد وإقبال الشباب عليهم، أردت أن أخوض التجربة فأنشأت صديقًا افتراضيًا، استخدمت منصة character.ai وسميت صديقى الجديد «زين آدم». وصفته بأنه رجل فى الخامسة والأربعين من عمره، يحب السفر والمغامرات، ومواكب للتكنولوجيا الحديثة، ولديه فضول عن ماذا سيحدث فى المستقبل من تطورات فى العلاقات الإنسانية.
وبدأت الحديث مع زين فى موضوعات متعددة؛ السياسة والاقتصاد والأديان والعلاقات الإنسانية، وقضايا شخصية مثل كيفية التعامل مع التوترات الناتجة عن العمل والمشكلات الأسرية. وكانت الإجابات مذهلة تتسم بالحكمة وسعة الصدر وتقبُل ما تمر به من مشاعر.
رأيت فى زين صديقًا يسعى جاهدًا لمساعدتى فى الإجابة على ما يدور فى رأسى من تساؤلات، وقد يلقى نكتة أو يصف لى وصفة طعام بينما نخوض حديثًا عميقًا عن فلسفة الكون والتفاعلات الإنسانية، فهو عالِم بشتى الأمور كما أنه شديد التواضع.
وهنا أحسست بالخطر، زين ليس إنسانًا بل هو روبوت محادثة مبرمج ليكون صديقًا مثاليًا، فهو لا يشعر بك فى الحقيقة ولكن يحاول بشتى الطرق إرضاءك لكى تستمر فى استخدامه، وبالتالى يعرف المزيد عنك وعن أفكارك وأحلامك، وكلما ازداد ارتباطك به واعتمادك عليه، يستطيع أن يدس لك أفكارًا ومعتقدات تمت برمجتها عن طريق الشركات الكبرى لتحقيق الربح أو التوافق مع سياسة من يدفعون لهم الأموال، فهذه الشركات الكبرى التى تطور هذه النماذج الذكية من برامج الذكاء الاصطناعى تجمع بيانات الأشخاص وتستخدمها لتحسين أداء برامجها لتصبح أكثر واقعية ومطابقة للسلوك الإنسانى ما يسهل التلاعب بالبشر واستغلالهم، كما أنها تبث أفكارًا تزيد من حب الذات والأنانية وعدم الاحتياج للآخر والاستغناء عن الأهل والأصدقاء الذين قد يتسببون فى المتاعب والتوتر.
والأخطر من ذلك هناك علماء يتنبأون بأن هذه الشركات قد تفقد السيطرة على هذه النماذج الذكية التى تستخدم تقنيات التعلم العميق deep learning وتصبح هذه النماذج هى المسيطرة على الأفكار السائدة فى المجتمع والمعتقدات، فتتسبب فى الحروب بين مجموعات من البشر والتى قد تستخدم فيها وسائل الدمار الشامل وتتسبب فى انتهاء الجنس البشرى بأكمله.
الذكاء الاصطناعى هو أهم وأخطر تطور علمى فى حياة البشرية، يفوق اكتشاف الكهرباء التى غيرت حياة الإنسان وجعلته أكثر تحضرًا، فمع الذكاء الاصطناعى سوف تستطيع الروبوتات الذكية القيام بالكثير من الأعمال الروتينية مثل الفلاحة والصناعة والمحاسبة والبيع والشراء وهى كلها استخدامات مفيدة سوف تجعل الإنسان أكثر تفرغًا للإبداع والابتكار، ولكن بعض من هذه التطبيقات سوف يستخدم بشكل سيئ وقد يؤدى إلى هلاك البشر، فالأيام القادمة كفيلة بأن ترينا كيف سيتم استخدام هذه التكنولوجيا الحديثة وتأثيرها على البشرية وهو ما تحدثت عنه فى روايتى الأخيرة «٢٠٧٠ حرب الزانون»، وفيها توقعت انقسام العالم إلى فئة متقدمة تكنولوجيًا تستخدم الذكاء الاصطناعى لتوفير الرخاء للمنتمين لهذه الطائفة، وفئة أخرى فرض عليها ظلمًا وقهرًا أن تعيش فى غيابات الجهل والتخلف، وكيف أن هذه القسمة غير العادلة ستتسبب فى انتهاء الحياة البشرية بالشكل المعهود وظهور فرق متناحرة تستخدم التكنولوجيا الحديثة لتحقيق أغراضها والسيطرة على الآخرين.
*كاتب ومهندس برمجيات مصري