السبت 23 نوفمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

المَنْوَر.. مقطع من رواية «شجو الهديل» لجار النبي الحلو

لوحة لصلاح عناني
لوحة لصلاح عناني

أخيرًا انتهيت من توضيب المنْوَر، ثلاثة أيام وأنا أَحطُّ وأشيل وأرمى، رميتُ الكثير من مخلَّفات هذه العمارة ذات الطوابق الخمسة. سكانها يستسهلون رمى الأشياء الصغيرة، فجمعتُ من المنور علب سجائر فارغة لأنواع مختلفة، وأعقابَ سجائر، وولاعات رخيصة، وأقلامًا جافة، وعلب مشروبات غازية هشَّة، وورد بلاستيك، وأوراقًا مكوَّرة متهالكة، وصورًا من مجلات وجرائد لنساء عاريات، وصورًا لقادة، وجمعتُ هذه الأشياء فى بطن شوال، ثلاثة أيام وأنا أنظِّف المنور، بل لمَّعت ماسورة المجارى البعيدة فى الركن، وفوق غطاء بير المجارى فردتُ كرتونة كبيرة تحمل اسم سوبر ماركت.

غلاف الرواية 

فى البداية كان فتحى مذعورًا من المكان، يدعك عينيه ليَرى، هو القادم من بلدة ريفية بواسطة خال صاحب البيت، الخال يرى أن فتحى تعدَّى الأربعين من عمره، وكلَّت عيناه ويشوف «طشاش» وهو فى الآخر من العائلة؛ فهو ابن عمَّة عَمِّه التى تعثَّرت حياتها منذ مات زوجها، وانكسر عظم حوضها حتى ماتت. صاحب البيت يحب خاله ويسمع رأيه، وقرَّر أن الموضوع بسيط، وقال: «أرميه فى المنور ويلقَّط رزقه».

سهير هى أول من دقت على بابى، هذا الباب المشغول بالحديد ولا يُخفى شيئًا، ولا يَستُر. فى القريب العاجل سوف أُدبِّر بعض الكراتين من السوبر ماركت لأَسدَّ البابَ المفتوح علىَّ، لا يخلو الأمر من أننى أخلع ملابسى أو أتجوَّل بملابسى الداخلية. الفتاة خلف الباب الحديدى تبتسم ابتسامة لم أرَ مثلها فى عمرى. اقتربتُ من الباب، اتسعت ابتسامتها وسألتنى بصوتٍ رطبٍ مثل صوت جدتى: «اسمك إيه؟» ترددتْ! وقالتْ: «ف.. فتحى». مدتْ يدَها بِلفَّة وأعطتها لى، وهرولتْ. جلستُ على البلاط الصغير الأحمر والأبيض، وفتحتُ «اللفَّة»، بالراحة لأحافظ على ورق الجريدة، لأننى سأحتاجه حتمًا. كان فى اللفَّة مفاجأة العمر:

قميص «كاروهات» بنصف كُمّ لونه أرزق وبنطلون جينز أزرق، نهضتُ مسرعًا، وبجوار ماسورة المجارى وبئر الصرف خلعتُ الجلباب وارتديت القميص الأزرق الكاروهات، والبنطلون، وتخيلتُ أننى صرت شخصًا آخر، وقررت أن أشترى مرآةً صغيرة، سأعلقها على الحائط، وأُبحلق فيها لأرى ما أنا فيه.

فتحى عزت.. فى أيامه القليلة الأولى بالمنور لفت انتباه معظم السكان، أطلُّوا من علٍ، فتحوا النوافذ بحرص وأطلُّوا عليه، كان مرَّةً بالجلباب، ومرةً بالقميص والبنطلون، وبدأ البعض يتلصَّص عليه من الباب الحديد الذى يفصل المنور عن مدخل العمارة، وبعض العيال حاولوا إزعاجه، وحاولوا مداعبته، لكنه لم ينفعل، فقد علَّق كلام صاحب البيت حلقةً فى أُذنه: «لا ترى.. لا تتكلم». وحين يسأله البعض عن اسمه يتردد ثم يقول: «فتحى».. لم يتضرر سوى الأستاذ فتحى مدير المدرسة الثانوية الذى يحمل نفس الاسم، خفَّفت عنه زوجته وقالت: «الجميع يناديك أستاذ فتحى.. وأنا لا أقول لك إلا يا سى فتحى، روَّق والنبى». ولفت انتباهَ الجميع صمتُ فتحى الدائم وسكونه وانكماشه فى أى ركن، حتى إن عماد طالب الثانوية العامة أهداه كرسيًّا قديمًا فى حالة جيدة، ولما جلس عليه فتحى للمرَّة الأولى لم يصدِّق، ووضع رِجلًا فوق رجل، ثم أحسَّ بخجل من فعلته فاعتدل على الفور، وشدَّ الكرسى بجوار باب المنور المشغول بالحديد الذى يسمح له بالفُرجة، فأخذ يتفرَّج بما يسمح له بصره، حاول قدر ما يستطيع التعرُّف إلى السكان.

أنا مستغرب من شكل هؤلاء السكان، على وجوههم غضب، لا يبتسمون، ولا يكلِّم أحدهم الآخر، الشخص يضرب فى كتف الآخر ولا يكلِّمه. صمْتُ الطابق الأول الأرضى غريب ومريب، لم أسمع بابه يُغلق أو يُفتح رغم بُعده عنى بخمس درجات سلَّم. أجمل وقت عندى هو الصبح عندما ينطلق تلاميذ العمارة بصخبهم ويذكِّروننى بزقزقة العصافير فوق الشجر ساعة الفجر، وعرفت بعد ذلك أن البعض يركب «ميكروباص» المدرسة المنتظر فى الخارج، والآخرون يمشون فى شوارع متفرقة. ووقت عودتهم من المدرسة حين أسمع صخبهم أخرج من المنوَر وأشد الكرسىَّ وأجلس بجوار الباب الحديدى، لأراهم عائدين من المدارس وعلى وجوههم عَرق، وأصواتهم عالية مسلوخة، حتى وقف أمامى تلميذ صغير، حقيبته المدرسيَّة مشدودة على كتفيه، ومد يده بباكو بسكويت وقال:

- خذ يا عَمُّو.

فرحتُ جدًّا بكلمة عمُّو، فعدلت ياقة القميص الأزرق جيدًا، وشكرته، وعرفت أن اسمه سعيد ابن الست نعمات، هو قال لى هذا عندما سألته: «أنت ابن مين؟» قال: «ابن الحاجَّة نعمات».

ونطَّ إلى دماغى أنه يمكننى أن أسأله عن العيال وأعرف أسماء السكان. وأول واحد من السكان قال لى: «صباح الخير يا فتحى»، كان الأستاذ فتحى ناظر المدرسة، وانتفضتُ لِمنظره المَهِيب، ونظارته التى تمنيتُ نظارة مثلها لعلَّى أرى بوضوح، رغم أننى أقترب من التليفزيون وأشاهد عمر الشريف وهند رستم بوضوح، وأستلقى على قفاى من الضحك لما أشوف إسماعيل ياسين- يا عمّتى!!

كانت مشكلة عبدالسلام صاحب البيت أنه لم يعرف أبدًا ماذا سيفعل بفتحى؟ فهو لم يسعَ لأن يكون بوابًا لبيته ذى الطوابق الخمسة، وأيضًا خاله لم يفكر بالأمر، لكن عبدالسلام أخذ فتحى وحطَّه فى المنور، وقرَّر أن يعطيه مبلغًا كل شهر ليُعينه على الحياة، وأضافت مدام عبدالسلام: «ونعطيه كيس سكر أو زجاجة زيت من بواقى التموين، أو طبق بامية بدل رميه فى الزبالة». تنهَّد عبدالسلام ووضع يديه على كرشه الصغير، وفكّر بِعمق لأن فتحى مهما كان من العائلة، وتمتم: «ولكن لا ينفع النوم على بلاط المنور». المدام طبطبت على كتفه وقالت: «عندنا بطاطين قديمة ومخدَّة». ونادت على ابنتها الكبيرة: «يا حنان». ونهض عبدالسلام ودخل حجرة نومه، وخلع حمَّالة البنطلون عن كتفيه وارتمى بظهره على السرير. فيما حنان، طالبة كلية الآداب قسم الفلسفة، التمعتْ عيناها بأفكار متلاحقة، ونزلت من الطابق الثالث حتى المنور، وأشارت لفتحى: «تعالَ»، فنهض مسرعًا وقفل الزرار العلوى لقميصه الأزرق الكاروهات وقالت له: «افتح». ففتح وقدمتْ له كرتونة كبيرة جدًّا، متهالكة قليلًا لكنها كبيرة جدًّا.

لم أُصدِّق نفسى عندما فتحتُ الكرتونة ووجدتُ بها بطانيَّة لونها بُنى فى بيج فى حالة جيدة جدًّا، ورائحتها طيِّبة، أنا حاسَّة شمى قوية جدًّا، وكانت أمى صغيرًا تضربنى، ثم كبيرًا تنهرنى لأننى أضع كل شىء على أنفى لأشمه قبل أى استعمال، حتى الأكل. بطانية عمرى ما تغطَّيت بمثلها، ومخدة قصيرة ولها تلبيسة مطرَّزة بخيوط زرقاء وحمراء، وقميص أبيض كبير شكل عبدالسلام أفندى، ياقته متآكلة لكنه نظيف، وشِبشبًا. نعم شبشب بُنِّى اللون، دسستُ قدمى فيه فدخلت بسهولة، ووجدتُ فى قعر الكرتونة حافظة نقود صغيرة، لونها أسود جلدها متآكل، و.. حين مددتُ يدى لأفتحها، خفتُ أن يضحك علىَّ الشيطان، ماذا سيكون فى الحافظة؟ وما دخلى أنا؟! أنا برىء! هل تكون خطَّة لكى يرمينى الأستاذ عبدالسلام فى الخارج؟ وما الذى أعرفه فى الخارج، سأهيم مثل كلب فى الشوارع، وأمدُّ يدى للخلق لأجمع ثمن تذكرة ميكروباص أو أُتوبيس، لطمت وجهى بيدى، وهتفتُ: «يوم أسود!!» بعد وقتٍ، جمعت كل شجاعتى وأخذتُ الحافظة السوداء فى يدى وهرولتُ على درجات السلالم، وخبطتُ فى شخص مُلتحٍ يفوح برائحة عطر نفَّاذة، وفى الطابق الثالث كانت إصبعى المرتعشة تدق جرس الباب، فتحتِ المدام وخلفها حنان فى بيجامة شبه أطفال التليفزيون، مددتُ يدى المرتعشة بالحافظة السوداء ذات الجلد المتآكل، وأقسمتُ باللَّـه العظيم وشرحتُ ما حدث، فضحكتْ حنان وأخبرتنى: «هى حافظة قديمة ليس فيها ورقة»، وقالت المدام وهى تبتسم: «خذها يا فتحى». أطبقت على الحافظة بفرح الناجى من مصيبة، نزلتُ بعض الدرجات ثم جلستُ ألتقط أنفاسى، وفككتُ الزرار العلوى للقميص، وكانت سيدة سمينة جدًّا تصعد الدرجات وصوت أنفاسها اللاهث عاليًا وتقريبًا كانت تنفخ فى قرف، أزاحتنى بركبتها ولزقتنى فى الجدار. لكننى حمدت اللَّـه كثيرًا الذى أنقذنى من ظنٍّ سيِّئ ومصيرٍ أسود، وخطرتْ على بالى فكرة مفرحة، فنزلتُ أتقافز درجات السلم مثل طفلٍ ممسكٍ بالدرابزين الخشبى الناعم حتى وصلتُ لباب المنور المفتوح، ودخلت، واتجهت إلى الركن حيث الكرتونة التى وضعتُ فيها بعض حاجياتى، ومِن تحت الهدوم أخرجتُ بطاقتى الرقمية التى دُخت السبع دوخات لاستخراجها بمساعدة الأستاذ إسماعيل، سكرتير مدرسة التجارة فى بلدنا، أمسكتُ البطاقة بحرص، وفتحت الحافظة السوداء، وبحذرٍ فتحتُ سوستة الجيب الصغير بالحافظة ووضعتُ البطاقة الرقمية وتحسَّستُها فى الداخل لأتأكد من وجودها، ثم شددتُ السوستة بمَهَلٍ حتى النهاية. وفرحت بالحافظة ودسستها فى الكرتونة تحت الهدوم.

صاحب البيت عبدالسلام يبصُّ بين وقتٍ وآخر من شباك المطبخ بالطابق الثالث على المنور، وكل مرة يدهشه، ويقلقه، ما يفعله فتحى بالمنور، كل يوم يتغير شكل المنور، منذ كنسه ومسحه أول مرة، ثم فرشه بقطع الكرتون، ودق مسمارًا فى الحائط علَّق عليه الجلباب، بعد أن ارتدى قميصًا أزرق كاروهات، بل وغيَّر المصباح الكهربائى القديم، ووضع مكانه مصباح «ليد» يضىء بنور أبيض، شَغَله أن فتحى لا يسأله ولا يستشيره ولا يطرح عليه أى فكرة، والعجيب أن فتحى غيَّر قفْل الباب الحديدى الصغير بقفل آخر. رآه عبدالسلام أكثر من مرة مستلقيًا على بطانية لونها بُنى فى بيج واضعًا رِجلًا فوق رجل وهو يتأمل السماء البعيدة. حَسَده على راحة باله، وهو-عبدالسلام- الذى يهجره النوم، ويتقلَّب طول الليل من جنبٍ إلى جنب، يحسب ويخاف ويُعذر ويُدين ويتمنَّى، ويَعضُّ إصبعه غيظًا. دكاكين القماش التى يمتلكها لم تعُد تكفيه، يريد المزيد، فى كل بلد دكان، وعلى كل شاطئ شاليه، أحلامه أصبحت عبئًا، تُحطِّم رأسه، ومشاكل الابن الكبير، والبنت آمال العانس، والزوجة التى تتحايل بكل الألوان لتكنز النقود بالدولار!! هو يتقلب على جمر النار، وهذا الفتحى يستلقى على ظهره ويضع رِجلًا على رِجْل. انتهى من سيجارته فرمى بها إلى المنور، استقرت بجوار فتحى الذى نهض فورًا. وفركها بالشبشب والتقط عُقب السيجارة، وبَصّ لفوق حيث لا يرى أحدًا، وهتف بتوسل: «عيب يا ناس كده!»

أنا الآن مطمئن جدًّا فى هذا المنور، لم يعُد خلفى ولا أمامى مشاكل وبطاقتى الرقمية فى حافظتى، وأنا هنا لا بوَّاب ولا متسوِّل، ولا أريد شيئًا من أحد، والباب المشغول بالحديد سأغطِّيه بالكرتون ويا دار ما دخلك شر، ولن أختلط بأحد، لا يلزمنى أحد، ولا أحد فى حاجة لى، فقط سأسأل يومًا ما الأستاذ عبدالسلام صاحب البيت عن طبيب عيون يكشف على عينىَّ، لعلَّه يعيد النظر فأرى وأستوضح الوجوه التى تتشابه علىَّ فأخلط بين البنت الطيِّبة سهير والستّ السمينة التى أظن أنها تزغر لى كلما رأتنى.

التحذير من الشخص الذى حطَّ فجأةً فى المنور كان ما يشغل الآباء والأمهات، التهديد بالخطف يرعب العيال، فأصبحوا يطلقون أرجلهم ويتقافزون الدرجات من عتبة البوابة الكبيرة حتى الطابق الثانى. فتحى هو المجهول، وعليهم الحفاظ على أولادهم، ولم يحاول أحد باستثناء كمال الرسَّام الذى يسكن حجرة فوق السطح. وهو من المجهولين أيضًا بالعمارة، هو الوحيد الذى حاول أن يسأل الأستاذ عبدالسلام عن فتحى، لكن الأستاذ أنهى الحوار بحسم قائلًا: «ما لِكْش دخل!» أما تهديد البنات بالتحرُّش والاغتصاب فقد أثار دهشة البنات واستنكارهن، لأن فتحى ضعيف النظر وجسده النحيل بالكاد يحمله، ليس سوى شعره الأسود الناعم الطويل الذى يُذكِّرهن بأبطال الأفلام الهندية. حالة من الدهشة الصامتة اجتاحت الجميع، ولم يكن حَلًّا سوى الحذر وتجاهله.

فى تلك الليلة الحارة الكاتمة للنفس ببخار الماء، قرر فتحى أن يخلع جلبابه وينام بالفانلَّة النصف كُمّ وببنطلون البيجامة ذى اللون الزيتى الواسع جدًّا الذى سقط ذات ظهيرة من سماء المنور إلى البلاط، ولم يسأل عليه أحد، واستبعد فتحى أن يمرَّ على الشقق ليبحث عن صاحب بنطلون بيجامة زيتى. فعلَّقه على مسمار فى الحائط، كل شبابيك المطبخ ودورات المياه والحجرات التى تطل على المنور وترصد بسهولة أى صرصار يمشى على البلاط، ألم ترَ بنطلون بيجامة! بعد أسبوع ارتدى بنطلون البيجامة الزيتى على استحياء لمدة ساعات، ثم خلعه، ثم اعتاد عليه، وها هو يرتديه فى تلك الليلة الحارة الكاتمة للنَّفَس، واستلقى.

ياه.. شبابيك منوَّرة، وشبابيك مطفأة، شباك يُفتح وسرعان ما يُغلق، سطح يضىء، لا بُدَّ أن سيدةً تصنع الشاى وزوجها جالسٌ ممدَّدٌ يتفرَّج على التليفزيون الملوَّن، حلمتُ كثيرًا أن أُمدِّد رِجْلى وأنا أتفرَّج على تليفزيون ملون، شمّ روائح الطبخ متداخلةً، فأشم رائحة البصل مع الكزبرة مع السمن، لعلهم يعدون لتناول أكل العشاء من بيض وبسطرمة وعسل ولحم ولبن وخبز، لماذا يجرى ريقى؟ أنا لا أعرف ماذا يأكلون؟ أنا آكل فولًا وطعمية أو جُبنًا. فى الليل الجميل تتسلل أصوات أجهزة التليفزيون، لا أعرف مصدرها، لكننى أتنصَّت وأعرف صوت أغانى عبدالحليم حافظ وليلى مراد وشادية، وأسمع موسيقى الضرب والمعارك الخاصة بالملك فريد شوقى، أحيانًا أسمع ضحكات بنات، وأحيانًا زعيق أب، وأحيانًا صراخًا، وفى آخر الليل تخفتُ الأصوات. وبعد صمت أسمع صوت موسيقى يتناهى إلىَّ، كل ليلة ينبعث هذا الصوت الموسيقىّ الناعم، وبعد تخلصى من همومى وتعبى أُحملق فى الشبابيك لأميزها، هذا شباك يظل مضيئًا طول الليل. وشباكٌ مظلمٌ دائمًا، وشباك المطابخ يُطفأ ويُضاء من حين لآخر، وهذا الشباك نادرًا ما يُضاء. انتبهتُ على صوت خافت يتكلم فى الموبايل، ثم انفتح شبَّاك مطبخ بالطابق الرابع، وأطلَّت برأسها للخارج، والموبايل على أُذُنها تؤكد بصوت خفيف: «لازم أشوفك بُكرة فى الكلية». كانت أول مكالمة تلتقطها أذنى فى ليل بهيم.