إبداعات البحر الأحمر.. ثنائية البحر والصحراء (1)
البحر الأحمر محافظة ساحلية تمتد على ساحل البحر الأحمر، وتنحصر بينه شرقًا وبين كتلة جبلية مُطلة على وادى النيل من ناحية الغرب؛ وصفها العبقرى جمال حمدان فى «شخصية مصر» بأنها أرض عبور وليست أرض إقامة.. شمس مشرقة وصحراء محرقة ومياه صافية جعلت من «الغردقة» عاصمة المحافظة مقصدًا ووجهةً سياحية عالمية.
أصبحت السياحة خيارًا اقتصاديًا واجتماعيًا مهمًا، واكبه حراك ثقافى، ولما كان الأدب دائمًا هو نتاج لحركة الحياة المنطقية فما اجتمعت جماعة فى أى مكان إلا وابتكرت فنونًا أدبية متنوعة، وفى سبعينيات القرن الماضى وعلى يد الشاعر جلال الأبنودى الذى يعتبره الجميع «الأب الروحى» للأدب والأدباء، ومعه الشاعر محمد كمال هاشم؛ أحد أهم رواد الحركة الثقافية والأدبية فى المحافظة، بدأ الاثنان بتحريض ذوى المواهب على التنافس وعقد الأمسيات والندوات، وكان ذلك مبتدأً لظهور عدد كبير من الأدباء آنذاك منهم على سبيل المثال، كل من «أحمد عمر، رمضان الخطيب، د. أبو الفتوح، صلاح العويضى، محمد سيد عبدالباقى، محمد الأنصارى، جمال بدوى، محمد على، محمد يوسف، عبداللطيف مبارك، محمد المعتصم، إبراهيم خطاب»، والشاعرة نادية جبران كأول سيدة تطرق الباب الأدبى. ويعد هذا التاريخ مفصليًا فى تحوّل الحركة الأدبية من نظام الأفراد إلى نظام مؤسسى؛ حيث تم تأسيس أول جمعية أدبية باسم «أدباء البحر الأحمر».
وعلى التوازى كانت أبواب «قصر ثقافة الغردقة» مفتوحة تستقبل الأدباء آنذاك، وتم إصدار عدد من الكتب تضم أعمال ونصوص الشعراء؛ بعضها يتبع الجمعية مثل كتاب «أحاسيس وأصداء» الذى تم إصداره عام ١٩٩٢، والبعض يتبع الثقافة مثل كتاب «همسات البحر».. وكان الشعر أظهر الأجناس الأدبية انتشارًا فى ذلك الوقت، حتى عاد بقلمه وحلمه متفردًا القاص والروائى سعيد رفيع؛ أحد رواد القصة والرواية، وقد جاء ليصنع تاريخًا لحياة البدو فى الصحراء الشرقية.. وبدأ يفتح لكتاب القصة الأبواب، وبدأت الحركة الأدبية تستقبل عددًا من مبدعى القصة، وفى مقدمتهم القاص والروائى محمد على رفيع الحائز على عدد من الجوائز والتكريمات، ومن أهم كتاب القصة والرواية فى البحر الأحمر نسوق على سبيل المثال لا الحصر أسماء المبدعين «طه الشريف، بهاء الدين حسن، منى السعيد، منى الشيمى، هدى سعيد، رفاعى سعدالله، وشريف الجهنى».
خطت الحركة الأدبية خطوات واسعة امتدت إلى بقية المدن، فبدأ الحراك الأدبى يعلو صوته فى مدينة سفاجا، حيث الشعراء «محمد سعيد مصطفى، شاذلى عبدالعزيز، وعبيد طربوش».. ثم مدينة القصير بشعرائها وباحثيها «أبو ضيف شلبى، محمود سيد، محمود القصاص، ووائل على».. ومدينة رأس غارب بشعرائها «حامد أبو دقة، أيمن أمين، أحمد أبو كوع، الحسن عباس، بولا سمير، محمد أمين فرج، وآمنة شاهين».
ومع بداية القرن الواحد والعشرين واصل جيل الوسط «فرج الضوى، سيد الطيب، رفاعى سعدالله، سعيد صابر، سعاد مصطفى، وشريف الجهنى»، ذلك الحراك الثقافى فى جميع المجالات «الشعر والقصة والرواية والنقد وأدب الطفل»، واهتموا بالعمل الثقافى وخصوصيته الفنية والمجتمعية فى البحر الأحمر، وشجعوا على خروج «الشعر النبطى» الذى تميز فى كتابته وأصبح رائدًا من رواده الشيخ على سليمان، وفتح هذا الجيل آفاقًا جديدة وأفكارًا تواكب العصر، واستقبلوا الأجيال الجديدة الباحثة عن نفسها بتنظيم الأمسيات والندوات.. وانضم إليهم من الأدباء «أحمد على، سعيد صابر، عبدالباسط عثمان، جمال الشيمى، سعاد مصطفى، علاء رسلان، محمد عبدالعزيز، مجيب عيد، رمضان المهدى، عيد السويفى، عباس سيد عباس، وشيماء حسن» وياسمين عبدالفتاح فى أدب الطفل، ثم انضم من جيل الشباب محمد إبراهيم كوش.
إن ما نتحدث عنه- رغم مرور نصف قرن على هذا البعث الأدبى على أرض البحر الأحمر- ما هو إلا إرهاصة لعصور من الازدهار فى سماء الفن العربى؛ شعرًا وسردًا ورؤية وتفاعلًا مع البحر وأسراره والصحراء ودروبها.. وهذا التنوع والتضاد الجميل لا بد وأن يكون خلاقًا لطاقاتٍ إبداعية دائمة ومتجددة.