الثنائى محمود حسين.. القصة الكاملة لكاتبين يحملان اسمًا واحدًا

هذه قصة تستحق أن تُروى.
من بين ما كتبه سمير غريب عن ذكرياته مع صديقيه بهجت النادى وعادل رفعت نسجت قصة العلاقة التى نمت بينهما هنا فى القاهرة، وتواصلت حلقاتها فى باريس بداية من العام 1966، التى وصلا إليها وأقاما فيها بداية من هذا العام.
فى ديسمبر 1965 سافر عادل إلى باريس.
وفى مارس 1966 لحق به بهجت ليستقرا نهائيا هناك.
لكن ما الذى حدث هنا فى مصر حتى يقررا الهجرة نهائيًا وبلا عودة.
يمكننا أن نتعرف عليهما أولًا.
الأول هو بهجت محمد محمد النادى الذى ولد فى ١ أكتوبر ١٩٣٦.
كان والد بهجت مدرسًا فى مدرسة إلزامية «ابتدائية»، يعيش فى قرية الشيخ ضرغام بجوار عزبة البرج، وكان لديه حلم كبير هو الحصول على الدكتوراه من جامعة فؤاد الأول «جامعة القاهرة فيما بعد»، لذلك انتقل مع أسرته عام ١٩٤٨ إلى حى السيدة زينب ثم إلى منيل الروضة وأخيرًا الدقى فى الجيزة، ليكون بالقرب من جامعة القاهرة، وسكنت العائلة فى شقة فى شارع جابر بن حيان بالدقى.
التحق والد بهجت بجامعة القاهرة ليدرس اللغة الفارسية من الخارج، لكنه لم يحصل على الدكتوراه؛ نظرًا لكبر سنه.
والتحق بهجت بكلية الطب جامعة عين شمس، لأنه كان من المتفوقين.
وقذ ذهب إلى جامعة عين شمس وليس جامعة القاهرة، لأنه كان ماركسيًا، وفى امتحان الثانوية كان مطلوبًا فى امتحان اللغة العربية أن يكتب موضوعًا عما فعلته ثورة يوليو للفلاحين، فكتب موضوعًا ينصف فيه الفلاحين ولم يكتب عن ثورة يوليو، فلم يحصل على درجة جيدة، مما أثر على مجموعه الذى كان سيؤهله لدخول كلية طب القاهرة.
دخل بهجت المدرسة السعيدية فى الجيزة لمدة خمس سنوات حتى حصل على شهادة التوجيهية، وأثناء دراسته شارك فى المظاهرات التى تخرج من المدرسة، ومن جامعة القاهرة القريبة منها ضد الملك والاحتلال الإنجليزى، بعد ذلك التحق بكلية الطب فى جامعة عين شمس، وفى السنة النهائية تم اعتقاله.
عقب الإفراج عنه هاجر من مصر إلى فرنسا، وفى فرنسا أراد استكمال دراسته للطب، فطلبت منه كلية الطب هناك أن يبدأ دراسته من البداية فرفض، وانخرط فى العمل والدراسة فى جامعة السوربون.
أما عادل رفعت فولد فى منطقة الحضرة بالإسكندرية لأسرة مصرية يهودية فى ٢٦ مارس ١٩٣٨.
كان والده تاجرًا، وكانت أمه سيدة منزل، تزوج والداه بعد قصة حب، أنجبا ثلاثة ذكور وأنثى، غادرت أسرة عادل مصر بعد العدوان الثلاثى عليها، وهاجرت إلى بروكسل، فرفض عادل المُغادرة واعتنق الإسلام وتسمى عادل رفعت.
لكن كيف التقى عادل وبهجت؟
يمكننا أن نعود إلى العام ١٩٥٥.
كان بهجت فى إعدادى طب، وعادل فى المدرسة الثانوية الفرنسية، عندما التقيا لأول مرة فى أحد اجتماعات لجان تشكلت من أجل السلام، بعد انعقاد مؤتمر باندونج فى أبريل ١٩٥٥، وكانت لجانًا يسارية، تأسست فى مؤتمر باندونج حركة عدم الانحياز التى قادها الرئيس جمال عبدالناصر مع الرئيس اليوغسلافى تيتو ورئيس وزراء الهند نهرو، بعد ثلاثة أو أربعة أيام أشهر من تشكيلها ألغى النظام فى مصر هذه اللجان، بينما استمرت صداقة بهجت وعادل.
وفى العام التالى ١٩٥٦ تطوعا لمحاربة العدوان الثلاثى على بورسعيد، لكن النظام أعادهما إلى القاهرة.
كان بهجت من طبقة متوسطة فى دلتا مصر، بينما كان عادل من طبقة بورجوازية، لكنهما كانا يساريين فسجنا، تعلم بهجت اللغة الفرنسية من عادل أولًا فى السجن، ثم واصل تعلمها فى عام ١٩٦٦ بعدما انتقلا إلى باريس فى مدرسة تعليم اللغة الشهيرة «أليانس فرانسيز»، وهناك تعرف على فتاة بريطانية من مانشستر اسمها «سيليا دان» تزوجها بعد ثلاث سنوات عام ١٩٦٩.
صعود عبدالناصر أدى إلى إصلاحات اقتصادية واجتماعية كبرى
فى العام ١٩٥٩ وضع عبدالناصر الشيوعيين وقطاعًا واسعًا من المعارضة فى المعتقلات، ومنهم بهجت وعادل الذى تم اعتقاله أولًا فى يناير ١٩٥٩ فى سجن الواحات الخارجية، ثم اعتقل بهجت فى سجن «الأوردى» أى ملحق أبوزعبل.
لم يرَ بهجت وعادل أحدهما الآخر أثناء اعتقالهما لمدة ثلاث سنوات، فقد كان كل واحد منهما فى معتقل مختلف عن الآخر، حتى لحق بهجت بعادل فى معتقل الواحات الخارجة فى الصحراء الغربية، كان يستغرق الوصول إليه من القاهرة فى ذلك الوقت نحو ١٨ ساعة، قضيا ما يزيد على خمس سنوات فى سجون القلعة والفيوم ومعتقل أبوزعبل وبعده معتقل الواحات الشهير.
كان اللقاء الأول بينهما فى أوردى أبوزعبل دراميًا.
كان بهجت فى أبوزعبل عندما وصل عادل إليه قادمًا من معتقل الواحات فى طريقه إلى الإسكندرية لحضور محاكمته، كان هناك تقليد اسمه الاستقبال، يعنى استقبال المعتقل الجديد باحتفال خاص يتم فيه تعذيبه بداية من دخوله باب المعتقل هناك، وبعد حفل تعذيب بشع فوجئ عادل ببهجت يحمله على عنقه ليتحمل الضرب بدلًا منه، هكذا توثقت العلاقة الشخصية بينهما.
أفرج جمال عبدالناصر عن المعتقلين الشيوعيين بعفو عام، ومنهم بهجت فى أول أبريل ١٩٦٤، قبل زيارة نيكيتا خروشوف، زعيم الحزب الشيوعى السوفيتى، لمصر للمشاركة فى الاحتفال بتغيير مجرى النيل لإنشاء السد العالى فى أسوان فى منتصف مايو ١٩٦٤، أما عادل فكان محكومًا عليه، وبالتالى يحتاج إلى عفو خاص، لذلك تأخر الإفراج عنه ثلاثة أسابيع.
يتذكر عادل جيدًا يوم الإفراج عنه.
يقول: حدث هرج ومرج وضرب نار فى سجن الواحات، جاءت رصاصة فى معتقل اسمه لويس إسحق فمات، فقرروا نقلنا من الواحات، كنا نحو ٢٠٠ معتقل، وزعونا على سجون مصر، رحنا إلى سجن طنطا، كان الجو شديد البرودة، كنا فى سيارة لورى، فتشونا بشكل رهيب ومُذل، كان فيه جناح كامل فى آخر دور فارغ، وزعونا على زنزانتين، بعد الظهر جاء ضابط فجأة وقال إنهم أفرجوا عنى وثلاثة آخرين، رجعنا إلى سجن مصر وأفرجوا عنا من هناك.
فى سبتمبر من العام نفسه ١٩٦٤ عادا لمواصلة الدراسة فى الجامعة، بهجت فى كلية الطب بجامعة عين شمس، وعادل فى سنة ثانية بكلية الآداب جامعة القاهرة، ثم قررا مغادرة مصر قبل أن يحصلا على شهادتيهما الجامعيتين.
عندما وصل بهجت وعادل إلى باريس لأول مرة عام ١٩٦٦ سكنا فى الحى اللاتينى قرب مقبرة الخالدين، ثم سكنا عند صديق لهما من أصل مصرى عدة أيام فى شارع «سيفر بابيلون» حتى وجدا لهما سكنًا «ستديو» فى الحى الرابع بالقرب من مبنى بلدية باريس، ظلا فيه حتى تزوج بهجت.
عندما تزوج بهجت ظل مع زوجته فترة فى الاستديو، ثم انتقل معها إلى شقة بجوار شارع «دى سانتوان» حتى استقرا فى شقتهما فى شارع «لاكروا» المتفرع من شارع «دى كليشى».
بعدما هاجرا إلى فرنسا حصلا معًا على درجة دكتوراه واحدة.
وكانت هذه أول مرة يحصل فيها شخصان أو طالبان على درجة علمية مشتركة معًا، فهما لم يقتسما درجة واحدة، وهى غير قابلة للانقسام، وإنما حصل كل منهما على الدرجة نفسها فى الوقت نفسه عن العمل نفسه.
حصلا على درجة الدكتوراه عام ١٩٧٤ بعد ٨ سنوات من استقرارهما فى باريس.
تكونت لجنة المناقشة من المؤرخ وأستاذ التخطيط شارل بتلهايم والفيلسوف فرانسوا شاتليه «فيلسوف ثورة الطلبة فى فرنسا عام ١٩٦٨»، والمفكر وأستاذ الاقتصاد المصرى الفرنسى سمير أمين، وأقيم احتفال فى جامعة السوربون لتقديم محمود حسين والاحتفاء بهما، وكان المدرج ممتلئًا عن آخره.
فى بداية حياتهما فى باريس عملا مع منظمة «فتح» الفلسطينية، وأصدرا فيها مجلتين واحدة بالفرنسية اسمها «فدائيون»، والثانية بالعربية اسمها «المسيرة».
قابلا خلال تلك الفترة معظم القيادات الفلسطينية، ثم عملا مع محمود الهمشرى ممثل منظمة التحرير الفلسطينية، وبعده جاء إبراهيم الصوص سفيرًا لفلسطين فى اليونسكو عام ١٩٧٥، وكان صديقًا لأحد السنغاليين من أصدقاء مختار إمبو مدير عام اليونسكو.
وذات ليلة دعا بهجت وعادل على العشاء مع مختار أمبو الذى كان غير راض عمن يكتبون له الخطب، فاقترح عليه الصديق السنغالى المشترك أن يعمل عادل وبهجت معه ويكتبا له الخطب.
أكد أمبو أنه لا يحتاج إلى اثنين لأداء مهمة واحدة.
فردا عليه إنهما لا يعملان إلا معًا.
كان هذا موقفًا غريبًا على أمبو، لكن بعد ما يقرب من عام عينهما معًا فى مكتبه، وعملا لعشر سنين إلى أن جاء بعده الإسبانى «فيديريكو مايور».
خلال فترة عملهما فى اليونسكو زار بهجت وعادل الولايات المتحدة الأمريكية عدة مرات.
ظلا بهجت وعادل يحملان الجنسية المصرية فقط حتى العام 1983
وذات مرة ذهبا إلى البيت الأبيض لمقابلة رئيس مجلس الأمن القومى التابع للرئاسة الأمريكية، وكان الرئيس وقتها بيل كلينتون، كانت نتيجة الزيارة كتابة الرئيس الأمريكى خطابًا إلى فيديريكو مايور.
اقترح بهجت وعادل على مايور أن ينتقلا إلى مجلة «رسالة اليونسكو» فوافق، وعين بهجت رئيسًا للتحرير وعادل مديرًا، حتى بلغ بهجت سن المعاش أولًا، وكان السؤال هل يترك عادل وحيدًا؟
عاد بهجت للعمل كموظف من الخارج، حتى وصل عادل إلى سن المعاش، فخرجا معًا، وبعدها بنحو سنتين توقف الإصدار الشهرى للمجلة.
ظلا بهجت وعادل يحملان الجنسية المصرية فقط حتى العام ١٩٨٣، وحدث أن بهجت كان يجلس ذات يوم فى أثناء حكم الرئيس ميتران مع أحد أصدقائه الذى سأله عما إذا كان حصل على الجنسية الفرنسية، فرد بهجت بالنفى، فطلب الصديق من جاك لانج الرئيس الأسبق للتليفزيون الفرنسى أن يعمل على حصول بهجت وعادل على الجنسية الفرنسية، وقد حدث.
أى أن محمود حسين لم يحصلا على الجنسية الفرنسية إلا بعد ١٧ عامًا من إقامتهما هناك.
يقول بهجت: لم نطلبها من الأساس، كنا نكتفى بتجديد كارت الإقامة، كما أن الوضع لم يقلقنا، إذ كان تصنيفنا كلاجئين سياسيين قبل الالتحاق باليونسكو يسمح لنا بالسفر والتنقل بحرية نسبية، الأمر الذى تغير جذريًا بعد حصولنا على جواز سفر خاص أممى، بعد التحاقنا بالمنظمة الدولية.
وقد تسأل عن سر الاسم الواحد الذى جمع بينهما، وهنا يمكن أن نعرف القصة الغريبة.
لقد كتب بهجت وعادل كل كتبهما معًا، لم يكتب كل واحد منهما فصلًا أو نصًا مستقلًا باسمه ثم يجمعا النصوص فى كتاب واحد كما يحدث عادة، إنما اشتركا معًا فى كتابة كل نص، يتفقان بداية على الموضوع ثم تفاصيل معالجته ومصادره وحتى العنوان النهائى.
عندما وصل بهجت وعادل إلى باريس لأول مرة عام 1966 سكنا فى الحى اللاتينى قرب مقبرة الخالدين
ما كان يفعلانه نوعًا من التفكير والعصف الذهنى الجماعى، وهو عمل مرهق جدًا، لكنهما اعتادا عليه، طريقة فريدة فى الكتابة لم تحدث من قبل.
يقول عادل رفعت: اكتشفنا بالذات فى السجن أننا كنا نفكر معًا، وكنا نكمل بعضًا، كان حظًا عظيمًا أن الحياة سمحت لنا أن نكون معًا، كنا نتناقش حتى نقتنع، وإذا لم نقتنع نترك الموضوع أصلًا.
عندما تقدما إلى دار «ماسبيرو» للنشر فى باريس وهى دار يسارية معروفة صاحبها «فرانسوا ماسبيرو» لينشرا كتابهما الأول «الصراع الطبقى فى مصر من ١٩٤٥ إلى ١٩٧٠» الذى تحدثا فيه عن فترة حكم جمال عبدالناصر- كتبا اسميهما الحقيقيين على الغلاف.
لم يتحمس الناشر لنشر اسمين لمؤلفين غير معروفين على كتاب واحد، قال إن ذلك لا يساعد على انتشار الكتاب، واقترح عليهما نشر اسم واحد منهما فرفضا، واختار اسمًا مستعارًا يجمعهما، فقد وجدا أن اسم «محمود حسين» منتشر بكثرة فى مصر فاختاراه.

وعندما نشرت دار الطليعة فى بيروت ترجمة لهذا الكتاب فى أبريل ١٩٧١ التزمت بهذا الاسم الجديد، وقد ترجم الكتاب من الفرنسية إلى العربية مترجمان اثنان أيضًا، لم يجمعهما اسم مستعار هما عباس بزى وأحمد واصل.
المفارقة أن المفكر اللبنانى أحمد بيضون نشر فى عام ٢٠٢٣ على حسابه الخاص بالفيسبوك أنه واحد من اثنين ترجما الكتاب إلى اللغة العربية عندما كان ناشطًا بمنظمة العمل الشيوعى فى لبنان بين ١٩٦٦-١٩٧٣ وله اسم مستعار هو عباس بزى، وشاركه الترجمة نصير مروة الذى كان يسمى أحمد واصل.
وقد أهدى محمود حسين كتابهما الأول إلى مصطفى خميس العامل فى كفر الدوار الذى أعدمه النظام الناصرى فى ٧ سبتمبر ١٩٥٢، وكتبا فى الإهداء: إلى الذين ماتوا وهم يحاربون الباغين على الشعب المصرى أجانب ومحليين، والذين تشكل انتصاراتهم اليوم وهزائمهم وموتهم نفسه تراثنا الأعلى.. إلى ذاك الذى كان نضاله محملًا بأنقى القيم الثورية، والذى بقى اسمه منقوشًا بإجلال فى قلب طبقتنا العاملة.. إلى مصطفى خميس.
هذا رغم أن محمود حسين لم يأتيا من طبقة عاملة، لكن جمع بينهما حب الدفاع عن الطبقة العاملة، والانخراط فى نضال سياسى، ودفعا الثمن بالاعتقال والسجن والهجرة.
خلال وجودهما فى باريس تعرفا محمود حسين على عدد من المفكرين والفلاسفة.
فى العام ١٩٧٢ التقا محمود حسين الفيلسوف الوجودى جان بول سارتر، وتحدثا معه عن الصراع العربى الإسرائيلى، وهما يعلمان تمامًا مدى تعاطفه مع إسرائيل.
سألاه مباشرة عن حق العرب فى استرداد أرضهم المحتلة بالقوة حتى لو أدى ذلك إلى قيام حرب جديدة، ففوجئا بإجابة سارتر الواضحة: نعم للعرب حق.
وفى العام التالى مباشرة ١٩٧٣ بدأت حرب أكتوبر.
المفاجأة أن سارتر نشر مقالًا فى جريدة «ليبراسيون» أدان فيه بشدة الهجوم العربى، وقد أثار ذلك دهشة محمود حسين، وتساءلا: لماذا غير سارتر رأيه الذى صرح به لهما.
وتعرفا محمود حسين أيضًا على الفيلسوف ميشيل فواكو، وقد ذهبا إليه بعد أن أصدر الرئيس السادات فى سبتمبر ١٩٨١ أمرًا باعتقال عدد كبير من الشخصيات السياسية والثقافية والدينية، لكى يوقع على نداء إلى السادات للإفراج عنهم.
كان بهجت النادى عند فوكو عندما عرف بالقبض على المثقفين، فخطرت له فكرة كتابة النداء، فطلب منه ورقة وكتب النداء الذى كان أول من وقعه، ثم نشرته عدة صحف مهمة.
أوضح فوكو- رغم توقيعه على النداء- عدم اقتناعه بتأثير هذا النداء، بل رأى أن الإكثار من التوقيعات يقلل من قوة تأثيرها، وأن هذا النداء مجرد عزاء من المفكرين الفرنسيين إلى قلوب المساجين، ورسالة بأنهم ليسوا وحدهم، وأن هناك مَن يدافع عنهم.
تعاطف الثلاثة محمود حسين وفوكو مع ثورة الخمينى فى إيران وحاولوا فهمها وتفسيرها، بل سجلوا آراءهم فيها بأصواتهم على مدى عشر ساعات، لكن هذه التسجيلات التى تعتبر وثيقة سياسية وثقافية ضاعت ولا أحد يعرف مصيرها.
كان بهجت النادى يحب النكت، ويحفظها باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، لدرجة أنه طلب من سمير غريب ذات مرة عندما علم أنه قادم إلى باريس أن يشترى له كتب نكت، وكانت تباع على سور الأزبكية، ولم يكن بهجت يحب أن يقرأ ما يكتب عن محمود حسين، فهو إما سيئ يجعله يتعفرت، وإما جيد يخجله، لذا فإن عادل رفعت هو من يقرأ ويخبره بما قرأ.
أول مرة عاد بهجت وعادل فيها إلى مصر كانت فى مارس ١٩٨٨، واحتفل عادل رفعت بعيد ميلاده الخمسين، وفى هذه المرة تعرف عليهما سمير غريب فى مكتب فاروق حسنى وزير الثقافة وقتها، الذى كان يتعرف عليهما هو الآخر لأول مرة.
يقول سمير: اندهشت أن محمود حسين لم يلتقيا فاروق حسنى فى باريس أثناء عمله هناك فى السبعينيات ملحقًا ثقافيًا ومديرًا للمركز الثقافى المصرى هناك، كيف لم يسع إلى التعرف عليهما فى باريس التى قضى فيها سبع سنوات وكانت كتبهما تنشر بالفرنسية؟
ظل عادل وبهجت يلتقيان يوميًا، ومع تقدمهما فى السن أصبحا يلتقيان بوتيرة أقل، ويحرصان على الاتصال التليفونى يوميًا مرتين، مرة فى الصباح، والمرة الثانية بعد أن يستيقظ بهجت من حصة نومه بعد وجبة الغداء التى يتناولها كمعظم الفرنسيين نحو الساعة الواحدة ظهرًا، فلبهجت نظامٌ صارمٌ فى مواعيد الأكل والنوم.