«يا عندليب ما تخافش من غنوتك».. إبداعات من الجامعات (4)

يا عندليب ما تخافش من غنوتك
قول شكوتك واِحكى على بلوتك
الغنوة مش ح تموتك.. إنما
كتم الغنا هو اللى ح يموتك!
فليسمح لنا صلاح جاهين بأن نستعير رباعيته الخالدة، ونحن نعود فى الزمن إلى أيامه، حين كانت الصحف قبلة المُبدعين، خاصة طلاب الجامعات، والدارسين فى مراحلها المتقدمة من ماجستير وغيره، الموهوبين فى كتابة الشعر والقصة والمسرح، والقادرين على سرقة الضحكة من فم الحزن بالكتابة الساخرة، وأيضًا أولئك الذين لديهم قدرة على نفخ الروح فى لوحة خشبية صماء، فتدب الحياة فى أوصالها لوحة تشكيلية أو رسم كاريكاتيرى يسحر الألباب والعقول.
جامعاتنا مليئة بالمواهب الإبداعية فى كل المجالات تقريبًا، من دون أى شك، لكنها فى نفس الوقت تعانى غياب ذلك «الصائغ»، الذى اعتدنا على وجوده فى مؤسساتنا الصحفية، بأنامله الخبيرة التى يمكنها إزاحة التراب عن لآلئ هذه الجامعات، من إبداعات تبحث عن فرصة للظهور، وأسماء لا نريد أن «يقتلها» التجاهل ويوقف مسيرتها، من قبل أن تبدأ.
فى هذه الزاوية من «حرف»، نمد يدنا إلى كل موهوب فى جامعات مصر، من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، ننشر لهم إبداعاتهم فى الشعر والقصة والكتابة الساخرة، إلى جانب الفن التشكيلى والكاريكاتير، مُرددين ما قاله صلاح جاهين قبل سنوات طويلة: «يا عندليب ما تخافش من غنوتك».
محمد صابر من جامعة القاهرة يكتب: وقت اللقا والوداع

المرة دى..
واقف هنا.. على سطر بادئ فى القصيدة بيشتكى
صابه البلل
من دمع خارج مـ الفؤاد
حالف يبوِّش ضحكتى
المرة دى..
أنا جاى حالف ع الملأ
إن الفؤاد لو يوم هينبض
اسمك أنتى هينطقه
تقدر تقولى
الفايدة إيه جوه الحياة
والقلب جوه الصدر متخيَّط
أو إيه لزومها الوقفة ع الأطلال؟
لما أنت عيِّل لسه بتعيَّط؟!!
بين الحقيقة والسراب
أوقات بتحصل معجزة
وبيتولد شاعر..
وأنا وإنتِ شُعرا
ما بين حقيقة «حُبنا»
وما بين سراب «هنكون لبعض»
جت معجزة رسمت لقلبك ضحكتى
وسابت قليبى بينتظر ترويه بنظرة ولو فـ حلم
أنا كنت فعلًا بتقتل وقت انتظارى
مشهد دمائى مكانش فيلم
«أرض الحروب شبعت جثث
مشتاقة ترجع أرض سلم»
حتى الزمن بيكون حزين على حالى لما أشتاقلها
ويقولى إيه..
افهم بقى..
خسفت فـ روحك ع الملأ
بكّت قصايدك ع الورق
خلّت قليبك يبتسم..
لما يدوق طعم الغرق
شوفت الجفا..
شايفاك عيونها بتنتهى
ولا مرة خالص حتى حست بيك
افهم بقى..
كان إيه لزومها التجربة الفاشلة
لما أنت عارف إنها مش ليك؟!
وقت اللُقا..
كانت ضلوعى منطورة
بصّت لها، لمِّت ضلوعى بنظرتين
ما هو عادى جدًا لمهم
طول ما العينين دول جنتين
كان جسمى واقف يرتعش
زى اللى غاص جوا المحيط والدنيا برد
«الكدب دايمًا ع الورق
عمره فـ يوم ما اتسمى سرد»
وقت الوداع..
نفّضت قلبى من البشر ومشيت لها
علشان قلبى يكون مؤهل إنه يحضن
قلبها..
كانت عروسة جميلة جدًا وقتها
وأنا كنت زى إللى اتشنق
مرات كتيييير
تحسبها دايمًا ع الورق تجتاز
عدد الجثث جوا الحروب..
عدد الخطاوى فـ الدروب..
عدد العيون اللى بتنظر للسما..
عدد اللى بص فـ وشى أنا..
عدد الطرق..
عدد المُشاة..
عدد الدموع جوا الحياة..
عدد القصايد ع الورق..
«مش عدل خالص مَن فك حبل المشنقة فـ وقت اللُقا
وقت الوداع تتركنى واقف بتشنق»!
لوحة لـ ميرا راضي من جامعة أسيوط


محمد السيد من جامعة القاهرة يكتب: الخروج إلى النهار

لم أقتل عصفورًا
لم أخلع شجرًا
لم أشرب خمرًا
لم أزعج قطًا نام على راحة عشب
لم أفتن بامرأة
أو مرآة
العالم أسود
ليل
نام البدر على ركن آخر لم نره
أسود والنجمات سهارى تحلم وهى سهارى
تحلم بالفجر المتسلل من خلف سحاب
والحلم نجاة
يا آمون
أنقذ عالمك البائس من وحش طبيعته
من خلد مزعوم يتربص فيه العالم بالجاهل
وانظر أبناءك شردهم خوف ما زال يحاول تفسير الدنيا
فالرعد إله يبطش
والبرق ملائكة تتعارك فى الجو الغامض
والأمطار دموع جنائزهم
والليل مُخيف
عارٍ
والأرض كذلك عارية من زينتها
جغرافيا صامتةٌ تلهو بالناس ووجهتها
وحشى
والأنس كذلك وحشى
عارٍ من أنثى تحمل دفء الجسم وأمن الروع
من ناى يمنح لطفًا للعالم
من قاموس تذكر فيه النار
النار كتكنولوجيا طهى أو مدفأة
لا كبدائية تعذيب الموتى
اخرج من تمثالك يا آمون
فسر للإنسان الإنسان وقدرته
وامنحه العقل الطاهر من إثم الخوف
كم أنت مخيف
ونهارك مثلك يا آمون مخيف
حين اقترب نهار حتى أخرج للنور تعريت ونمت
الحلم نهار والرؤية واضحة فيه
وأنا أقف على أرض ثابتة
ومخبأة سوءاتى تحت ثياب
والعقل طريقى والخوف تلاشى
واستقيظت
الكون نهار
وتماثيل حولى تحملنى وتسوق خطاى
لمحكمة أولى لم تدرِ براءتى المحكمة وكيف تكون
ولكنى بالفطرة صرت أدافع عن جسدى من هول بدائية نار
لم أقتل عصفورًا!
صحت بما أوتيت من الصرخة فى وجه قضاة
لم أقتل عصفورًا
لكنى قصقصت جناحيه لئلا يغريه مكان آخر فيطير
وحين نما لى ريشٌ صرت أروح وأتركه
لم أخلع شجرًا من طينته
لكنى كم نمت على ظل رسمته الشمس ليحترق الشجر البائس وأنام
لم أشرب خمرًا أبدًا
لكن السُّكر تناوبنى حين عرفت الأنثى أول مرة
لم أُفتَن بامرأة أبدًا
لكنى انسقت لفطرتى المشتاقة حين تعرت فوق النهر
وراحت تغسل ماءً بكعوبٍ حنتها الشمس
وتطلق أجراس الفتنة من خلخال صنعته يدا فينوس فراح يضىء
ومالت كى تقنعنى أن الأرض تميل وتغرى صاحبها
والأرض تميل
لم أفتن بالمرآة
ولكن حين نظرت رأيتك يا آمون
رأيتك تدهش وكأنك تنظر فى المرآة
كم كانت قاسية لحظة أن شفتك تدهش مثلى
كيف صنعت الفطرة فىّ بأن العصفور طعام
والشجرة ظل
والمرآة غرور
والخمر امرأة حانية
والخوف نجاة
وتحاكمنى
صورة لـ كريم محمد من جامعة أسيوط


شريف محمد من جامعة القاهرة يكتب: لن يهبطوا منها جميعًا

فى ساعةٍ
عجَّ الطريق بكل قلبٍ مجهدِ
والليل حول وجوهنا مثل النهار الأسودِ
نرنو جميعًا للزحام..
نرجو التحرر من غباء السائقين إلى السرير
لكنه أمل عسير..
لا اليوم يطمع فى غدٍ
لا الصبح يغفره المساء
لا نرتدى زىَّ العناء
إلا لنشترىَ العَشاء
فى ساعةٍ..
جالت برأسى فكرةٌ
فتسرَّبت خطواتى البكماء بين ضجيجهم
لم يشعروا أنى أمرُّ خلالهم
حتى قفزت إلى الطريق..
ما كان أبطأَه طريق!
وبلحظةٍ أطلقتُ رجلى للرياحِ
فطرتُ من دون الجناحِ
كم أمَّلونى بالجناحِ!
كم أوهمونى: نحن من نعطيكه
كم أوهمونى: لن تطير دونه
وسألتهم عن ريشه.. عن لونه.. عن حجمه..
حتى شُغلت بحاله
ونسيت بعد ضنًى شديد
ماذا أريدْ؟
الآن أقدر أن أجيبْ
لكننى أخشى الإجابة فى الظلام
أخشى الحجارة فى المياه الراكدة
حتى وإن حلَّقت بين ضياء تلك الشمس
ما زلت أسمع بعضَ همس
من جوف نفسى الفاسدة
توصى بما يوصى الجبان:
عِش بين صمتك والأمان
ودعِ الأتوبيس البطىءَ يموت فى ذاك الزحام..
وانظر إلى الركاب غرقى فى هلاوسهم نيام
إن شئت أخبرهم
ولكن..
ذق غباء السائقين
فأنعم بنوم الجاهلين
نورهان سمير من الأكاديمية البحرية تكتب: لعنة الألسنة الضائعة

مَدَّ المسيحُ يدَهُ إلى السماء،
«إلهى، إلهى، لِمَ تركتنى؟»
ومددتُ يدى أنا أيضًا
للسماء، وللقضاء، وللناس
أدافع عن المقهورين لأننى واحدةٌ منهم
لستُ ابنةَ فلان
مشيتُ كالغريبِ فى المدرسة
وفى الجامعة وفى الشارعِ والبيت
لستُ يهوديًا
ولكنَّ الله لعن البشر
حتى لا يسمعَ بعضُهم لسانَ بعض
وقفتُ أتكلم،
ولكنه لم ينتبه،
ولم يفهمنى أحد
وددتُ الرحيل، فلم أعرف
كيف أسألُ عن الطريق
ووددتُ الموت
فلم أعرف كيف أنطقُ الشهادتين
فقررتُ المسير، ولم يفهمنى العابرون
ظلّوا يسألون عنى
وكان الله يردد:
«فى البدء كانت الكلمة»
ولكنَّ الله لعن البشر
فلم يَعُدْ بعضُهم يفهمُ لسانَ بعض
مشيتُ بلسانى
أحاول العبور
ولكنَّ الجنود شوّهوا جسدى
لم أكن يهوديًا
لكنهم لم يكونوا يفهمون
ما أقول
وكان الله يرى هذا حسنًا
وحتى لا يفهمَ الناسُ بعضَهم بعضًا
لَعَنَهُم
مريمُ لم تُنجب بنتًا
وليس فى بلدتى جبلٌ أُكلمُ منه الله
ولم أكن فى بابل حينها
ولكنى غفوتُ
وقمتُ
فلم يفهمْ كلامى أحد
هذا ما حدث
وهذا ما يحدث
أتكلمُ، فلا أقدرُ على الشرح
وتخوننى لغتى
ربما وُلِدتُ لأحدِ عصاةِ فرعون
جدى كان رحالةً
ترك ديانةَ أهله
وترك بلدته وأتى إلى مصر
ربما لم تكن فى قدميهِ تلك الأغلال
لَعَننى الله
ولم أقدرْ على لعنِه!
إلى من أمدُّ يدى
وابنُ الإلهِ نفسه صُلِب؟!