الأربعاء 02 أبريل 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

محكمة جوجل.. الجمهور هو الفائز فى السباق الرمضانى

حرف

مع مطلع رمضان 2025 ظهرت مفاجآت على ساحة البحث الإلكترونى، لم يعد كافيًا أن يضمّ العمل نجمًا لامعًا، أو أن تطرحه فى ساعة الذروة، أو حتى أن تغمره بالإعلانات؛ بل بات النجاح رهينًا بمعادلة دقيقة: أصالة القصة، وصدق الأداء، وأساليب الترويج، وإثارة الفضول.

فى هذا التقرير النقدى التحليلى، نخوض رحلة داخل خريطة مسلسلات الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، لا نتتبع فيها مجرّد الأسماء، بل نستنطق الأرقام، ونفتّش فى خلفيات الإنتاج، ونقارن ما بحث عنه الناس بما شاهدوه فعلًا. نُقسم الأعمال كما قُدِّمت: ما امتدّ على مدار الشهر، وما اختصر نفسه فى نصفه الأول أو الثانى، ونضعها تحت مجهر مؤشرات Google Trends التى امتدت من 1 إلى 20 مارس.

فى ثلثى الشهر اللذى انقضيا، انطلق الموسم الرمضانى بظواهر غير تقليدية، ليفرض السؤال نفسه: ما الذى يحدد انجذاب المشاهد الرقمى اليوم، القصة والمحتوى أم الأسماء والنجومية؟ ما الذى جعل «الغاوى» يكتسح النصف الثانى؟ ولماذا تقدّم «ولاد الشمس» على «النُّص» رغم التوقعات المعاكسة؟ كيف انتصر «فهد البطل» بمزيج من القسوة النبيلة والترويج الذكى، بينما خفت بريق أعمال أخرى رغم نجومية أبطالها؟ أسئلة لا يجيب عنها سردٌ سطحى، بل تحليل ينصت للمنحنيات البيانية كما ينصت لحكايا الكواليس وأصوات الجمهور.

حرصت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية هذا العام على تنويع خريطتها الدرامية بين مسلسلات طويلة من 30 حلقة طيلة الشهر، ومسلسلات قصيرة من 15 حلقة توزعت بين النصفين الأول والثانى من رمضان. 

وفيما يلى تقسيم الأعمال وفق فئاتها:

خارطة الاهتمام على Google: الأعلى بحثًا والأقل جذبًا

مع هذا التنوع الغنى، تباينت معدلات بحث الجمهور عن كل مسلسل على Google خلال الفترة 1–20 مارس 2025. بيانات Google Trends المرفقة تكشف بوضوح عن صعود بعض الأعمال إلى قمة الاهتمام الرقمى، فيما بقيت أخرى دون الضجة المتوقعة.

مسلسلات الـ30 حلقة

تصدر مسلسل «فهد البطل» قائمة الأكثر بحثًا فى فئته. يظهر الرسم البيانى أعلاه كيف انطلقت عمليات البحث عنه بقوة منذ اليوم الأول لرمضان، وواصلت الارتفاع لتبلغ ذروتها مع منتصف الشهر.

هذا التقدم الرقمى تزامن مع عرض مشاهد أكشن مثيرة وأغنية دعائية أصدرها أحمد العوضى زادت الحماس. على النقيض، يظهر منحنى البحث الخاص بكوميديا «شهادة معاملة أطفال» عند مستوى شبه ثابت طوال الفترة، ما يعكس فتور التفاعل مع العمل.

ورغم مشاركة هنيدى المخضرم، افتقد المسلسل لعناصر تجذب اهتمام الجيل الرقمى، وقد انتقده البعض لضعف الكوميديا فيه، كما ظهر فى تعليقات مواقع التواصل. أما «حكيم باشا» فقد حقق حضورًا متوسطًا على محركات البحث، وارتفعت مؤشرات الاهتمام به تدريجيًا بالتزامن مع تصاعد حبكة صراع الميراث فى أحداثه. وبالنسبة لمسلسل «وتقابل حبيب» الرومانسى، فجمهوره التقليدى ربما اعتمد على المشاهدة التليفزيونية ومنصات المشاهدة حسب الطلب، أكثر من البحث الإلكترونى، لذا جاء منحنى اهتمامه منخفضًا نسبيًا.

مسلسلات النصف الأول «15 حلقة»

كشفت بيانات Google Trends عن أن الرابح الأكبر فى النصف الأول هو بلا شك مسلسل «ولاد الشمس»، الذى حقق منحنى تصاعديًا بلغ أوجه فى ليلة عرض الحلقة الأخيرة «حوالى ١٤ مارس» إذ أثار النهاية تشويق الجمهور، خاصة مع أداء أحمد مالك ومحمود حميدة القويين. على الجانب الآخر، تُظهر بيانات البحث كيف حافظ مسلسل «كامل العدد++» العائلى على اهتمام ثابت، مع قمم صغيرة تزامنت مع تطورات كوميدية رومانسية مؤثرة فى منتصف الأحداث. كذلك انطلق مؤشر «النُّص» تصاعديًا مع بداية رمضان، متصدّرًا أغلب مسلسلات النصف الأول. هذا الزخم المبكر ارتبط بعنصرى التجديد والإبداع فى القصة وأداء أحمد أمين الكوميدى الجاد، فضلًا عن حديث النقاد الإيجابى وتحقيقه نجاحًا دفع لإعلان إنتاج جزء ثانٍ منه. أما الكوميديا «الكابتن» بطولة أكرم حسنى، فرغم انطلاقة معقولة، تراجع نسبيًا وسط المنافسة، ربما لتكرارية بعض الأفكار الكوميدية، قبل أن يتحسن قليلًا مع ظهور مشاهد الأشباح الطريفة التى جددت اهتمام البعض.

اللافت فى النصف الأول هو الإخفاق الرقمى لمسلسل «إخواتى» رغم كوكبة نجماته. ما يدل على أن التشويق والفانتازيا فى حكايته لم تترجم إلى بحث وفضول كافيين لدى الجمهور. هذا برغم أنه يجمع نيللى كريم وروبى وكندة علوش، وإخراج محمد شاكر خضير المعروف – عوامل نجاح تقليدية لم تشفع له رقميًا. يمكن تفسير ذلك إما بازدحام المنافسة أو بتلقى المشاهدين للقصة المعقدة بفتور، وربما آثر الكثيرون متابعته عبر الشاشة دون تفاعل بحثى. وبصورة مشابهة، لم يحظَ «أثينا» و«عقبال عندكم» سوى باهتمام بحثى محدود. أثينا رغم أهميته فى طرح قضايا الصحة النفسية للشباب، والزخم حوله بمواقع التواصل الاجتماعى، بدا أنه مخاطب لفئة محدودة، ولم يحقق رواجًا واسعًا بين جمهور رمضان الساعى للترفيه. ومسلسل عقبال عندكم ذو الطابع الكوميدى الخفيف قد يكون عانى من عرضه فى ساعة متأخرة وكونه حلقات منفصلة لا تولّد تتبعًا قصصيًا كافيًا يدفع للبحث. أما المفاجأة السارة فكانت نجاح مسلسل المنصة «الشرنقة» فى حجز موقع ضمن الأعلى مشاهدة على منصة Watch It رغم ضعف البحث العام عنه، ما يشير إلى أن مشاهديه توجهوا مباشرة للمنصة دون الحاجة للبحث – وهى سمة جمهور المنصات الرقمية.

مسلسلات النصف الثانى «15 حلقة»

مع انطلاق موجة المسلسلات الجديدة فى منتصف رمضان «بدءًا من ١٥ مارس»، اشتعلت المنافسة مجددًا على محركات البحث. يُبرز الرسم البيانى التالى صعودًا صاروخيًا لمنحنى مسلسل «الغاوى» وتوازيه مع «عايشة الدور». بالفعل، تربّع هذان العملان على قمة اهتمام جمهور النصف الثانى – الغاوى مدفوعًا بكاريزما أحمد مكى وحنين المشاهدين لأدواره الكوميدية الشعبية، وعايشة الدور مستفيدًا من عودة دنيا سمير غانم بعد غياب فى تجربة فانتازية غير مألوفة. تصاعد البحث عن «عايشة الدور» بشكل تدريجى ليبلغ ذروة توازى تقريبًا ذروة الغاوى خلال الأسبوع الأول لعرضهما، ما يعكس حديث الناس عنهما على السوشيال ميديا «سواء بإشادة بخفة ظل دنيا سمير أو مقارنة ظهور مكى بشخصيته المحبوبة فى الكبير أوى».

إلى جانب هذين، حقق مسلسل «شباب امرأة» و«قهوة المحطة» معدلات بحث متوسطة، إذ حافظا على وتيرة اهتمام ثابتة دون الصعود لقمة الـ«ترند». ربما استقطب شباب امرأة فئة مهتمة بالدراما الكلاسيكية والنوستالجيا للفيلم الأصلى، فيما جذب قهوة المحطة محبى الدراما الريفية الهادئة، وهؤلاء يتابعون دون إحداث ضجة رقمية كبيرة.

 فى المقابل، كان الأداء الرقمى لمسلسلات مثل «حسبة عمرى» و«الأميرة ظل حيطة» محدودًا، على الرغم من القيمة الاجتماعية للأول وبطولة روجينا التى حظيت بدعم نقدى لأداء دور مطلّقة تناضل لحقها. ضعف البحث هنا ربما يعود لكون الكوميديا فى حسبة عمرى موجهة لفئة عائلية تقليدية أقل تواجدًا على الإنترنت، فيما الأميرة ظل حيطة لم يتمكن من إثارة الفضول بعنوانه الغريب أو عناصره الفنية. على نحو مغاير، تميّز مسلسل «ظلم المصطبة» – رغم انخفاض مؤشر بحثه نسبيًا – بتحوّل الحديث عنه إلى إعجاب نقدى وشعبى ملحوظ خارج نطاق محركات البحث. فالمسلسل الذى يجمع إياد نصار وريهام عبدالغفور وفتحى عبدالوهاب قدّم دراما صادقة عن قسوة الأعراف؛ ونال إشادات واسعة من الجمهور والنقاد على واقعيته وأداء نجومه، كما تصدر مناقشات فيسبوك وتويتر رغم عدم انعكاس ذلك تمامًا فى حجم البحث. هذا يؤكد أن بعض الأعمال قد تنجح بـ«الصيت» والتفاعل الاجتماعى أكثر من البحث الإلكترونى المباشر.

القصص والإنتاج بين ثقل الأسماء وبريق المحتوى

النجاحات الرقمية المرتفعة هذا الموسم أظهرت أن المحتوى المتجدد والجرىء هو ما يقود اهتمام الجمهور أولًا. «النُّص» مثلًا استفاد من فكرة غير مألوفة بطلها نشّال يتحول لشيخ مناضلين، ومن أداء أحمد أمين المحبوب بروحه الساخرة الذكية. المحتوى هنا سابق للنجومية؛ فأمين ليس نجم شباك تقليديًا، لكنه كسب الرهان بفكرته وفريق شباب الممثلين حوله، مما خلق زخمًا دفع صنّاعه للإعلان المبكر عن جزء جديد. فى «ولاد الشمس» أيضًا اجتمع عنصر التشويق بقصة صديقين من دار الأيتام يخوضان عالم الجريمة، مع توليفة ممثلين من أجيال مختلفة «الشابان أحمد مالك وطه دسوقى مدعومان بمخضرم كالفنان محمود حميدة». هذا الخليط شدّ فئة الشباب والكبار معًا، وترجم ذلك إلى ارتفاع مطّرد فى البحث خاصة عند ذروة الأحداث العاطفية والتشويقية فى الحلقات الأخيرة.

فى المقابل، بعض الأعمال ذات الأسماء الرنانة كشفت أن النجومية وحدها لا تكفى. مسلسل «إخواتى» جمع ثلاث نجمات صف أول «نيللى وروبى وكندة» تحت إدارة مخرج قدير، وطرح مزيجًا من الواقع والفانتازيا. ورغم ذلك خرج العمل بعيدا عن الضجة الرقمية. يبدو أن المشاهد لم يتفاعل مع الحبكة المعقدة بالشغف المتوقع، وربما شعر بتشتت بين عناصر الإثارة النفسية ومسار القصة الأخلاقى. كذلك مسلسل «شهادة معاملة أطفال» أبرز مثال: محمد هنيدى من أكبر نجوم الكوميديا، عاد بمسلسل عائلى ظاهره كوميدى، لكن البحث الشحيح عنه يدل على برود الاستقبال. بعض النقاد أرجعوا ذلك إلى اعتماد هنيدى على كوميديا المواقف التقليدية التى لم تعد تكفى وحدها لإضحاك جمهور اعتاد جرأة أطراف أخرى «مثل أحمد مكى». هنيدى نفسه ظهر وكأنه يكرر أداءه المعتاد دون جديد، فجاءت النتيجة أن الجمهور فضّل أعمالًا أخرى أكثر ابتكارًا. حتى «وتقابل حبيب» برغم شعبية ياسمين عبدالعزيز كنجمة رومانسية، افتقر إلى عنصر المفاجأة فى قصته عن زوجة ثرية تطلق زوجها الخائن وتعيش قصة حب جديدة. هذه الثيمة المكررة جعلت التفاعل الرقمى معه محدودًا، حيث شعر الجمهور أنه «شوهد من قبل» ولم يجدوا ما يدفعهم للبحث والنقاش عنه بعمق.

على الجانب الآخر، بعض الأعمال استفادت من ثقل مؤلفيها ومخرجيها رغم غياب الضجة الجماهيرية، مما يُكسبها قيمة طويلة الأمد. نذكر هنا مسلسل «لام شمسية»، تأليف «ورشة سرد» للموهوبة مريم نعوم. ورغم أن حضور العمل على الترند كان متواضعًا، إلا أن معالجته لقضية التعليم والتنشئة لاقت تقدير نخبة من المشاهدين. وربما يحقق العمل مشاهدة متأخرة «Binge Watching» بعد رمضان لدى الباحثين عن دراما جادة. الأمر نفسه ينطبق على «أثينا» لريهام حجاج – لم يشعل منصات البحث، لكنه جذب انتباه المهتمين بالدراما النفسية الجادة، خاصة مع إشادة خاصة بجرأة تناوله لأثر الحروب على الصحة النفسية للشخصيات. هذه الأعمال قد لا تحقق انتشارًا شعبيًا كاسحًا فورًا، لكنها تترك بصمة فنية وتتداول توصيات مشاهدتها فى نطاق محدود قد يكبر مع الوقت.

وبالطبع، لا يمكن إغفال دور الحملات الترويجية ووسائل التواصل الاجتماعى فى دفع بعض المسلسلات إلى القمة. مسلسل «فهد البطل» استفاد بشكل واضح من حملة دعائية ذكية ركزت على مشاهد الأكشن والمواجهات قبل العرض، بالإضافة لأغنية راب حماسية أصدرها أحمد العوضى «بطل العمل» واجتذبت ملايين المشاهدات. هذا المحتوى التسويقى الترندى ترجم إلى بحث مكثف عن المسلسل مع بدء عرضه. أيضًا «الغاوى» لأحمد مكى انتفع من التشويق الذى صنعه مكى على فيسبوك وإنستجرام عبر نشره مقتطفات كوميدية لشخصيته «شمس الغاوى» قبل رمضان، فترقبه جمهور واسع، وعندما انطلق لم يخب الظن فأحدث طفرة بحث. وعلى المنوال ذاته، حقق «عايشة الدور» دفعة إضافية بفضل تفاعل دنيا سمير غانم مع جمهورها الإلكترونى – هى نشرت كواليس طريفة وصور تنكرها فى أزياء الشخصيات التى «تعيش دورها» فى المسلسل، مما خلق حديثًا جانبيًا رفع الفضول لدى من لم يكن يخطط لمتابعته.

فى المقابل، الأعمال الأقل حظًا رقميًا اتضح أن بعضها لم يستثمر جيدًا أدوات الترويج الحديثة. على سبيل المثال، «حسبة عمرى» اعتمد غالبًا على اسم روجينا وقضيتها النسوية المطروحة ظنًا أنها تكفى لجذب الاهتمام، لكنها ربما احتاجت لحملة أقوى تستهدف الأجيال الشابة لتبيان جانبها الكوميدى التوعوى بشكل جذاب. أيضًا «الأميرة ظل حيطة» خرج هادئًا بلا ضجيج دعائى، فمر مرور الكرام وكأنه غير مرئى على الخريطة الرقمية. هذا يبرز درسًا مهمًا مفاده أن جودة العمل وحدها لا تضمن انتشاره اليوم؛ لا بد من خطة تواصل حديثة تخلق حوارًا حول العمل وتولّد فضول المتابعة.

منصات المشاهدة الرسمية: Watch It تكشف الترتيب

مع نهاية الثلثين الأولين من الشهر، أصدرت منصة Watch It «منصة البث الرقمية التابعة للشركة المتحدة» تقريرًا حول الأكثر مشاهدة عبر خدمتها. جاءت النتائج مثيرة للاهتمام وتؤكد بعض ما رصدناه من توجهات البحث، مع بعض الفوارق. بحسب المنصة، احتل «فهد البطل» المركز الأول كأكثر مسلسل تمت مشاهدته أونلاين، يليه فى المركز الثانى «ولاد الشمس». هذا التطابق مع بيانات الترند يؤكد الشعبية الجارفة لهذين العملين. فى المركز الثالث جاء مسلسل «قلبى ومفتاحه» الرومانسى الخفيف، رغم أنه لم يكن فى طليعة ترند البحث، مما يدل على أن شريحة كبيرة فضّلت مشاهدته مباشرة عبر المنصة ربما لكونه عملًا عائليًا مناسبًا للمشاهدة المجمعة. تلاه رابعًا «الكابتن»، ثم خامسًا العمل الحصرى «الشرنقة» الذى فاجأ بتحقيق مشاهدات عالية على المنصة «وربما معظم جمهوره من مشتركى Watch It الذين تابعوه هناك حصريًا». وجاء فى المراكز اللاحقة «حكيم باشا» سادسًا، ثم «إخواتى» سابعًا – بالرغم من ضعف بحثه كما أسلفنا – مما يعنى أن له متابعين التزموا بالمشاهدة المباشرة من دون إثارة نقاش كبير. واستمر الترتيب بوضع «وتقابل حبيب» ثامنًا و«شهادة معاملة أطفال» تاسعًا، وصولًا إلى «جودر ٢» فى المركز العاشر والأخير على المنصة. من اللافت هنا تدنى ترتيب جودر ٢ رقميًا رغم إنتاجه الضخم ونجومه، مما يؤكد أن الفانتازيا التاريخية لم تكن خيار الأغلبية هذا الموسم، ربما لانصرافهم إلى أعمال أكثر معاصرة وأقرب لواقعهم.

عمومًا، كشفت بيانات المنصة أن الأعمال الكوميدية والاجتماعية الخفيفة حصدت النسبة الأكبر من المشاهدات أونلاين «مثل فهد البطل وولاد الشمس وقلبى ومفتاحه»، بينما الأعمال الأكثر جدية أو ذات الطبيعة الخاصة تذيّلت القائمة رغم جودتها «كجودر ٢ والشرنقة وإخواتى». وهذا يتماشى إلى حد كبير مع انطباعات الترند العام، حيث ينجذب مستخدمو المنصات لما يُثار حوله حديث وشهرة أكبر. منصة Watch It نفسها ساهمت فى تسويق بعض أعمالها الحصرية كـالشرنقة عبر حملات على مواقع التواصل، مما أنقذها من الغياب التام عن الواجهة وأدخلها ضمن الخمسة الأوائل على المنصة. وإذا ما قارنا بين الشرنقة الحصرى وظلم المصطبة «الذى يُعرض على قنوات فضائية أيضًا»، نرى أن الأول تفوّق فى المشاهدات المنصّاتية بينما الثانى تفوق فى الاستحسان النقدى – وكلٌ له شريحة مختلفة من الجمهور.

دروس فى ذائقة الجمهور ومستقبل الدراما

يؤكد مشهد رمضان ٢٠٢٥ أن ذائقة المشاهد الدرامية باتت أكثر تنوعًا ووعيًا مما مضى. فالنجاح لم يعد حكرًا على الأعمال الطويلة أو النجوم المخضرمين، بل أصبح مرهونًا بعناصر التجديد والجرأة فى الطرح والتسويق الذكى. الجمهور الشاب الذى يقود زخم الترند أثبت أنه ينجذب إلى القصص غير التقليدية والشخصيات المرسومة بحرفية «كما فى النص والغاوى»، وأنه مستعد لرفع عمل ما إلى القمة إذا وجد فيه ما يثير حديث السوشيال ميديا ويمنحه قيمة ترفيهية أو فكرية مضافة. وفى المقابل، لم يتردد هذا الجمهور فى تجاهل أعمال أخرى رأى أنها مستهلكة الحبكة أو تفتقر للإبهار، مهما كانت أسماء صنّاعها.

ومع بروز منصات المشاهدة الإلكترونية كطرف أساسى فى معادلة النجاح، يتضح أن استراتيجية إنتاج الأعمال تتجه مستقبلًا نحو تقسيم الموسم إلى وحدات أقصر وأكثر تركيزًا. نجاح العديد من مسلسلات الـ١٥ حلقة هذا العام – بل وتفوّقها على بعض مسلسلات الـ٣٠ حلقة – سيشجع صنّاع الدراما على تبنّى هذا النسق المرن الذى يسمح بسرد مكثف ومؤثر دون مطّ أو تطويل. كما أن المنصات ستواصل استثمارها فى أعمال حصرية تستهدف شرائح محددة مثل «الشرنقة» مع دعمها ترويجيًا للوصول إلى الجمهور المناسب. من جهة أخرى، سيبقى للتليفزيون التقليدى دوره مع شريحة من المشاهدين، لكن نجاح أى مسلسل سيقاس أكثر فأكثر بدرجة حضوره الرقمى وتفاعله على مواقع التواصل إضافة لنسب المشاهدة.

باختصار، الدرس الأهم لصنّاع الدراما اليوم هو الإنصات لهذا الصوت الرقمى الجمعى، الذى أصبح البوصلة الأصدق، والتكيّف مع توجهاته من دون التفريط بالقيمة الفنية. وبينما نودّع هذا الموسم، يظل السؤال: أى من هذه التجارب سيترك أثرًا ممتدًا لما بعد رمضان، وأيها سيُنسى مع هلال الشهر المقبل؟ الإجابة ستظهر فى قادم المواسم، مع استمرار الجمهور فى فرض كلمته... بقوة البحث والمشاهدة.