الخميس 21 نوفمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

«إمبراطورية ميم».. حرف تنشر «النص الأصلى» من مجموعة إحسان عبد القدوس

إحسان عبد القدوس
إحسان عبد القدوس

أنا رجل ناجح..

بدأت حياتى موظفًا صغيرًا بعد أن نلت بكالوريوس التجارة.. وسرت بخطوات ثابتة منتظمة، إلى أن وصلت إلى منصب مدير عام إحدى المؤسسات «لا داعى لذكر اسم المؤسسة حتى لا تكون القصة واقعية أكثر من اللازم».. ووصل مرتبى إلى ٢٤٠٠ جنيه فى العام، وأقوم ببعض الاستثمارات الخارجية التى تدر علىّ دخلًا يصل إلى ألف جنيه فى العام، وأحيانًا إلى ألف وخمسمائة.. وأنا أذكر هذه الأرقام بصراحة لأنى لم أحاول يومًا أن أخفى شيئًا عن مصلحة الضرائب.

وأنا أيضًا رجل طيب.. طيب بلا افتعال.. ربما لأن الرجل الناجح أقل حاجة إلى الشر.. وإلى إطلاق حقده، من الرجل الفاشل.. وقد نجحت بطيبتى.. الطريق الطويل الذى سرت فيه كان دائمًا طريقًا نظيفًا.. لا أذكر يومًا اضطررت فيه إلى إيذاء أحد.. أو الاشتراك فى دسيسة.. أو اضطررت إلى نفاق رئيسى، أو مداهنة مرءوس.. ولكنى لست حمارًا.. إنى أهوى العمل.. إنى أعمل كأنى أستمع إلى أم كلثوم، أو أرسم لوحة فنية.. وليس لى هواية أخرى.. لا أسكر.. ولا ألعب طاولة.. ولا أمارس الرياضة.. ولا.. ولا.. فقط أعمل..

وليس معنى هذا أنى رجل «مقفول»..

بالعكس..

إنى متحرر فى كل اتجاهاتى، وفى كل تصرفاتى وفى كل آرائى.. وأبدو أكثر تحررًا فى حياتى العائلية..

وأعتقد أنى يجب أن أتحدث بتفصيل أكثر عن عائلتى.. فالقصة ليست قصتى وحدى.. إنها قصتى مع عائلتى..

لقد تزوجت منذ خمسة وعشرين عامًا.. وكنت موفقًا فى اختيار زوجتى.. إنها تمثل الخطوة الأولى والأساسية فى طريق النجاح الذى سرت فيه.. زوجة مثالية.. ذكية.. مدبرة.. مطيعة.. تحبنى.. وتؤمن بى.. لا أذكر طوال الخمسة والعشرين عامًا، أنها أثارت مشكلة، أو أخذت من عقلى ما يشغلنى عن عملى.. ولا أذكر أنى رفضت لها يومًا طلبًا، أو حاسبتها على شىء.. لا مجاملة لها، ولكنى لأنى دائمًا مقتنع بكل ما تطلبه وكل ما تفعله..

وقد أنجبنا ستة أولاد.. كلهم أولاد.. مصطفى، ومجدى، ومدحت، وماهر، ومحمود، ومنير.. وأنا اسمى محمد مرسى.. كل أسمائنا تبدأ بحرف الميم.. من أول أبى حتى آخر أولادى.. إنى أتفاءل بحرف الميم.. ولكن.. بجانب التفاؤل كان هناك إحساس آخر يضطرم فى داخلى.. إحساس يملؤنى زهوًا وغرورًا.. كنت أحس كأنى أقيم إمبراطورية شعارها حرف الميم.. وكنت أفرح كلما زاد عدد أفراد إمبراطوريتى.. ورغم أنى كنت أحس أحيانًا بحاجتى إلى إنجاب بنت، إلا أن اعتزازى بإمبراطوريتى كان يغلبنى.. فأتمنى أن أنجب ولدًا.. وأسرح فى الخيال، وأتصور أولادى الستة وقد تزوج كل منهم وأنجب بدوره ستة أولاد، أطلق على كل منهم حرف الميم.. ويتزوج الأحفاد، ويرفعون الشعار، شعار الميم.. و.. و.. إلى أن تصبح مصر كلها.. ميم.

أحلام كانت تراودنى كلما رفعت رأسى عن عملى.. أحلام ساذجة.. ولكنها جميلة...

وأكبر أولادى.. مصطفى.. فى الثانية والعشرين من عمره الآن طالب متفوق فى كلية الهندسة..

ولكنه ليس ألمع أولادى.

المهم هو ابنى الثانى.. مجدى.. رغم أنه طالب فى كلية الآداب قسم الفلسفة.. 

اقرا ايضًا: مغامرة رمضان 2024.. عبد المالك: البطل رجل.. والمسلسل غير الفيلم

إنه دائمًا الشخصية التى تثير الانتباه فى البيت.. وأكثر الأولاد كلامًا.. وأشدهم تأثيرًا على إخوته.. حتى أخوه الأكبر يتأثر به وينقاد له.. وهو صاحب مشاريع عائلية كثيرة.. أدخل فى البيت نظام المكتبة الجماعية، بعد أن أصدرت أمرًا ألا يمس أحد من الأولاد مكتبتى لا بخلًا منى ولكن لأنها مكتبة فنية.. كلها كتب فى الاقتصاد والإحصاء، لا يفهم منها الأولاد شيئًا.. وقد نجح مشروع المكتبة الجماعية.. دفع كل واحد من الأولاد عشرة قروش من مصروفهم، وأقنعوا أمهم بأن تشترك معهم بجنيه.. وأنشأوا نواة المكتبة.. وكانت المناقشة التى دارت بين مجدى وأمه ليقنعها بدفع الجنيه مناقشة عجيبة.. فقد حاول أن يقنعها بأنها يجب أن تدفع جنيهًا- لا عشرة قروش- لأنها لا تقرأ الكتب.. ولا تحاول أن تقرأها.. والذى يقرأ يبذل مجهودًا أكبر من الذى لا يقرأ، ويجب أن تدفع تعويضًا أو غرامة عن هذا المجهود الذى لا تبذله.. وقطعًا لم تقتنع أمه بهذا المنطق، ولكنها دفعت الجنيه مرضاة له.. أما أنا، فلم يعرض على مجدى الاشتراك فى المشروع، ربما لأنه لا يريد أن أتدخل بسلطانى كأب فى إدارته..

ولم يكن مجدى لامعًا فقط فى هذه الناحية.. كان لامعًا أيضا فى علاقته مع.. البنات.. معظم التليفونات التى تدق فى البيت، ينطلق منها أصوات بنات يطلبن مجدى.. وكان هو الوحيد بين أولادى الذى أجهل الكثير عن حياته الخاصة.. فهو- رغم أنه كثير الكلام- إلا أنه لا يتكلم أبدًا عن حياته الخاصة.. لا يتحدث عن أصدقائه، ولا عن البنات، ولا حتى عن حياته الجامعية. ولا أريد أن أقول إن مجدى هو أقرب أولادى إلى قلبى.. فأنا دائمًا حريص على أن أضع أولادى كلهم فى مستوى واحد من قلبى.. وحريص على أن أعاملهم كلهم معاملة واحدة. وربما كان فى معاملتى لهم بعض الضعف.. لا.. ليس ضعفًا.. إنه نوع من التوفيق بين العقل والعاطفة.. وأنا لا أستطيع أن أتصرف بعقلى تصرفًا لا تحتمله عواطفى.. وربما كان هناك من يؤمن بأن من واجب الأب أن يصل فى تهذيب أولاده إلى حد الضرب.. ولكنى لا أطيق أن أضرب واحدًا من أولادى مهما أخطأ.. غاية ما وصلت إليه هو أن أخصم من المخطئ بعض مصروفه الخاص، ثم لا ألبث بعد أيام أن أعيد له ما خصمته منه.. بل إنى فى حالات كثيرة كنت لا أطيق أن أؤنب واحدًا منهم، فأوصى زوجتى بتأنيبه.. وكنت أترك لهم دائمًا حرية التصرف فى الحدود التى وضعتها لهم.. وأترك لهم حرية مناقشتى بكل صراحة ودون تقيد بالهيبة التى يشعر بها بعض الأبناء نحو آبائهم.. كل ما كنت أحرص عليه هو الاحترام المتبادل بيننا.. احترام أساسه الحب لا الخوف والاقتناع لا الاستسلام.

و.. أظن أنى تحدثت بما فيه الكفاية عن عائلتى.. تحدثت بما يكفى التصوير الحادث الكبير الذى وقع لنا.. 

لقد كان البيت هادئًا.. لم يكن هناك ما ينبئ بأى شىء جديد. وكنت جالسًا فى الصالة على المقعد العريض، وقدمای ممدودتان أمامى وعینای نصف مغلقتين.. أستريح بعد الغداء.. ولمحت مجدى خارجًا وقد ارتدى أزهى حلله.. البنطلون الأسود، والبلوفر المخطط الذى اشتريته له من ألمانيا عندما كنت هناك فى العام الماضى فى بعض أعمال المؤسسة..

وقلت له فى هدوء ودون أى قصد:

- إلى أين؟

قال: سأخرج.

قلت: إنى أراك خارجًا بالفعل.. ولكن.. إلى أين؟

قال: أليس لى حق أن أخرج وقتما أشاء؟..

قلت: ولى حق عليك أن تطمئنى إلى أين تخرج.

قال: لا.. ليس هذا من حقك.. إن من حقك فقط أن تسألنى.. ومن حقى ألا أجيب..

قلت وقد اتسعت عيناى دهشة لجرأته: أنا أبوك..

قال: ماذا يعنى هذا؟

قلت: يعنى أننى مسئول عنك.. ومن حقى أن أعرف أين تذهب...

قال: معنى هذا أن من حقك أن تمنعنى من الخروج

قلت: نعم..

قال: هذه ديكتاتورية. وعدت أردد فى دهشة:

- ولكنى أبوك..

قال: لا فضل لك فى هذا.. أى إنسان يستطيع أن يكون أبًا.. ونحن لا نناقش إذا كنت أبى أم لا.. ولكننا نناقش سلطة إدارة العائلة، وسلطة إعطاء الأوامر.

قلت وقد بدأت أحتد من الغيظ:

- أنا رب هذه العائلة.. أنا الذى أنفق عليها.. أكد وأشقى لأحصل على المال الذى أنفقته عليها.. و..

وقاطعنى: ليس هذا سببًا كافيًا لتنفرد بإصدار الأوامر.. لو اتبعنا منطق «كل من يصرف يتولى الإدارة» فمعنى هذا أن من حقى أن أبحث عن أب آخر أغنى منك، يصرف علىّ أكثر، ويتولى إدارة حياتى..

قلت وأعصابى ترتعش:

- إذن.. فمن حقى إذا لم أتول إدارة العائلة، ألاّ أصرف عليها..

قال: هذا منطق مغلوط.. إنك لا تنفق علينا بإرادتك.. ولا تستطيع أن تقرر عدم الإنفاق علينا.. القانون والنظام الاجتماعى يحتمان عليك الإنفاق علينا.. وهناك مجتمعات أعفت الآباء من مسئولية الإنفاق على الأولاد، كمجتمع السويد.. ونحن لم نصل إلى ما وصلت إليه السويد.. ولكن الدولة هنا فى مصر تسهم معك فى الإنفاق علينا.. إن مجانية التعليم، وتخفيض الأسعار.. و.. و.. كل ذلك هو مساهمة من الدولة فى الإنفاق على الأولاد.

قلت وأنا أخبط بيدى على مسند المقعد:

- والحب.. إنى لم أشعر بالدولة ولا بالمجتمع، وأنا أشترى لك هذا البلوفر.. كل ما شعرت به هو أنى أحبك..

وأجاب وهو بارد كلوح الثلج:

- هذه عاطفة رأسمالية.. ومنطق الديكتاتورية.. إنك لا تستطيع أن تستبعدنى لأنك تحبنى.. ولا تستطيع أن تتحكم فى حياتى لأنك اشتريت لى بلوفر.. أنا أيضًا أحبك ورغم ذلك لا أطالب بالتحكم فى حياتك..

قلت: إنك لا تحبنى.. إنك تنسى أنى أنا الذى أعمل.. أنا الذى أشقى.. قال محتفظًا ببروده:

- كلنا نعمل.. وحاجة المجتمع إلى عملك، لا تقل عن حاجة المجتمع إلى عملى.. أنت تنجح فى المؤسسة، وأنا أنجح فى الجامعة.. والمجتمع عندما يدفع لك مرتبك يكلفك ضمنًا بأن تدفع لنا مرتباتنا...

قلت: إذن أنتم تستفيدون منى.. وأنا لا أستفيد منكم..

قال دون أن يهتز: ليس المفروض أن يستفيد فرد، المهم أن يستفيد المجتمع.. ثم إنك تستفيد أيضًا.. فإنك بعد أن تحال إلى المعاش، ستدفع لك الدولة معاشًا.. من أين تدفع لك.. من عملك؟ لا.. لأنك تكون قد توقفت عن العمل.. ولكنها تدفع لك من عملنا نحن الجيل الذى يتولى العمل بعدك.. وقبل أن تحال إلى المعاش.. تستفيد أيضًا.. فائدة معنوية كبيرة.. إننا ندخل السعادة والزهو على قلبك.. إنك تتباهى بنا.. وقد اخترت حرف الميم شعارًا لمباهاتك بنا...

وصرخت:

- ماذا تريد.. قل لى ماذا تريد.. سأجن.. واقترب منى وجلس على مقعد بجانبى وقرب وجهه من وجهى وقال وعلى شفتيه ابتسامته التى تفتح قلبى: 

- اسمع يا بابا.. الواقع أن الأسرة هى الخلية الأساسية فى المجتمع.. وكل النظم التى تطبق على المجتمع، تطبق بالتالى فى داخل الأسرة.. والأسرة بحكم تكوينها الطبيعى هى خلية اشتراكية. فكل ما تملكه أنت، أو تعتقد أنك تملكه، هو فى الواقع ملك للأسرة كلها.. ودخلك هو دخل الأسرة كلها، وهو يوزع على أفرادها كل عمله.. فأخى الأصغر تعطيه الأسرة أقل منى.. لأنى أعمل بحسب أكثر منه.. وأخى الأكبر يأخذ أكثر منى لأنه يعمل أكثر منى.. وكذلك بقية إخوتى.. وكذلك أنت وأمى.. ولا أقصد المصروف الشخصى لكل منا، ولكنى أقصد حجم الإنفاق على كل منا.. هذا من ناحية الاشتراكية.. تبقى ناحية الديمقراطية.. والاشتراكية تتطلب حتمًا ديمقراطية الإدارة فمن يتولى الإدارة.

قلت بسرعة وبحدة صارمة: أنا..

قال مبتسمًا: لا..

قلت ساخطًا.. أظن أنت؟!

قال: ولا أنا.. القاعدة الشعبية.. أى كل أفراد العائلة...

قلت: أنت مجنون..

قال كأنه لم يسمعنى:

- بالانتخاب.. تنتخب العائلة الشخص الذى تثق فيه ليتولى إدارتها.. ويتجدد انتخابه كل عامين ونضع لائحة لسلطات الإدارة...

ولا مانع من أن نكون مجلس إدارة من ثلاثة مثلًا.. و...

قلت صارخًا: هذا كلام.. مجانين الفلسفة لخبطت مخك.. ابعد عنى.. وقمت ثائرًا ودخلت غرفتى ودمائى تغلى..

ولكن مجدى لم ييأس.. لقد جمع إخوته وأخذ يلح عليهم بأفكاره حتى أقنعهم.. بل إنه أقنع زوجتى أيضًا، وفوجئت بها تقول لى قبل أن تنام وهى تلف ذراعها حول كتفى:

- يا أخويا.. طاوع.. الأولاد.. دعهم يفرحوا بشبابهم.

وانقلب البيت...

كلهم يتحدثون عن الاشتراكية والديمقراطية.. حتى ابنى منير الذى لم يتجاوز التاسعة من عمره.. يسير فى البيت وهو يهتف... تحيا الديمقراطية.. لا ديكتاتورية بعد اليوم..

والواقع أن بينى وبين نفسى كنت أشعر بأنى عجزت عن الرد على منطق مجدى.. وكنت فى محاولة لإقناع نفسى بأن أقبل أفكار أولادى..

وأخيرًا...

قبلت...

وبدأ الاستعداد للانتخابات.. انتخاب الأب.. وضعنا كشفًا بأسماء الناخبين.. واشترطنا ألا يقل سن الناخب عن تسع سنوات حتى ندخل معنا منير.

وقررنا فى الوقت نفسه أن تشترك فى الانتخابات خادمتنا سنية «١١ سنة» والخادم شكرى «١٨» سنة... ثم فتحنا باب الترشيح.

وترددت كثيرًا قبل أن أرشح نفسى خفت أن أبهدل نفسى بين أولادى.. ولكنى خفت أكثر من ألا أرشح نفسى ثم يسير المشروع سيرًا جديًا وأنا بعيد عنه.. بعيد عن أولادى.. وأخيرًا استطعت أن أقنع نفسى بأن المسألة كلها لا تعدو مجرد لهو برىء وأنه من الأفضل أن أشترك مع الأولاد فى لهوهم..

ورشحت نفسى.

ولم يرشح نفسه أمامى إلا مجدى.

وبدأ مجدى يقوم بدعاية انتخابية ضخمة لنفسه. إنه لا يكف عن التحدث مع إخوته عن مشروعاته.. العائلية وملأ جدران البيت باللافتات الانتخابية.. انتخبوا المكافح الاشتراكى.. انتخبوا المجاهد..

فى سبيل مطالبكم.. انتخبوا أخاكم الفالح.. و.. و... أما أنا فقد احتفظت باحترامى لنفسى.. لم أقم بأى دعاية انتخابية.. ولكنى لا أنكر أننى ازددت رقة فى معاملة أولادى.. وكنت أسرع من العادة فى إجابة مطالبهم.. بل إنى ازددت توددًا لزوجتى خوفًا من أن تعطى صوتها لابنها.. نعم.. كنت خائفًا.. خفت من نشاط مجدى الانتخابى وخفت على مركزى كأب.. وكنت أنام وأحلم أنى سقطت فى الانتخابات.. وأنى عدت إلى البيت فى أول الشهر وسلمت مرتبى لمجدى ليتولى إدارته.. وأن أولادى أصبحوا يلجأون إلى مجدى بدلًا عنى فى كل ما يريدونه.. وزوجتى... و.. و...

ورغم ذلك سرنا فى التجربة..

وجاء يوم الانتخابات. وأنا أشد خوفًا..

وكنا قد صنعنا صندوقًا صغيرًا لتلقى أصوات الناخبين.. وكونا لجنة للإشراف على الانتخابات أنا رئيسها بحكم السن. واجتمعت العائلة بما فيها سنية وشكرى وكل فرد يدخل ويكتب اسم مرشحه فى ورقة ويطويها ويلقى بها فى الصندوق.

ثم بدأنا فرز الأصوات..

وقلبى فى قدمى.. وعيناى مخنوقتان

الورقة الأولى.. محمد مرسى.. أنا..

والثانية محمد مرسى.. أنا..

والثالثة والرابعة والخامسة.. والسادسة.. أغلبية الأصوات... كلها محمد مرسی.. أنا.. لقد فزت.. انتخبت.. ودق قلبى.. فرحت.. لم أفرح فى حياتى قدر هذه الفرحة.. والورقة السابعة.. محمد مرسى..... أنا..

والثامنة.. محمد مرسى.... أنا.. والتاسعة.. محمد مرسى.. أنا.. لم تبق إلا ورقة واحدة.

لا بد أنها ورقة مجدى.

وفتحنا الورقة الأخيرة محمد مرسى.. أنا...

واغرورقت عيناى بالدموع.. شكرًا يا رب... كل هذا الحب.. وكل هذا الإيمان.. لقد انتخبونى بالإجماع... حتى مجدى..

وتلقيت مجدى بين ذراعى.. أقبله... واجتمع الأولاد كلهم بين ذراعى.. يقبلوننى.. وزوجتى تضحك فى مرح... وسنية تطلق زغرودة.

وقلت فى صوت جاد وقلبى يخفق بالسعادة: عيب يا أولاد.. ممنوع تقبيل الرئيس.. المهم أن نضع الآن اللائحة...

ووضعنا اللائحة.. لائحة مؤقتة إلى حين تكوين مجلس الإدارة.

وبعد أسبوع.. أجرينا انتخاب عضوين لمجلس الإدارة.

أتدرون من فاز.. زوجتى.. ومصطفى ابنى الأكبر.

لم ننتخب مجدى.

خفنا من تطرفه...

ولكنه لا يزال ألمع إخوته..

و.... وزوجتى تطرز حرف «الميم» على كل شىء فى البيت.. على المفارش والوسائد.. والبيجامات.. و.... و.... لقد أصبحت إمبراطورية «ميم» جمهورية اشتراكية ديمقراطية.

والعمارة كلها تتحدث عن تجربتنا.