سيرة قاتل.. حسين توفيق من «العقدة النفسية» إلى اغتيال أمين عثمان
- حسين نشأ مضطربًا نفسيًا بشكل من الأشكال فوالده رجل صارم يسوس بيته بالجهامة والانضباط والشدة
- أسس «جمعية وطنية» هدفها إخراج الإنجليز من مصر بالكفاح المسلح
فى 26 من شهر يناير عام 1946، وبينما كان أمين عثمان وزير المالية ورجل الإنجليز فى مصر، يدخل عمارة أنيقة فى شارع عدلى، فى طريقه لمقر «الرابطة» التى أسسها الباشا يجمع فيها خريجى كلية فيكتوريا الوثيقة الصلة بالسفارة الإنجليزية، من الخريجين ومن المحبين للاحتلال الإنجليزى، تسلل خلف الباشا شاب طويل القامة، وبينما الباشا فى طريقه للأسانسير، عاجله الشاب بثلاث رصاصات دوت عاليًا وبددت صمت الشارع الهادئ الأنيق، وأردت الرصاصات الباشا قتيلًا على الفور، وخرج القاتل رابط الجأش إلى شارع عدلى وسرعان ما تعرض للمطاردة، وأسرع الخطى ليعبر إلى شارع عبدالخالق ثروت عبر ممر صغير بين الشارعين، ويزداد المطاردون فيطلق الشاب طلقات فى الهواء مسرعًا إلى ميدان الأوبرا، وأخيرًا يتخلص القاتل الشاب من مطارديه عندما ألقى بقنبلة يدوية فى حديقة الأزبكية، ودخل إلى شارع البيدق ليختفى بين الجماهير فى الزحام.
هذه الحادثة أقامت الدنيا ولم تقعدها، وكما كان ديستوفسكى العظيم يردد بأن «القصص والروايات على قارعة الطريق» و«أن الواقع ربما يتجاوز أى خيال». ألهمت الحادثة الكبرى الروائى الكبير فتحى غانم فأبدع رائعته «تلك الأيام»، وإحسان عبدالقدوس الذى أبدع «فى بيتنا رجل»، والروايتان بطلهما حسين توفيق، ذلك الشاب الذى ألهب خيال المصريين.
قبل أن نتكلم عن القاتل وعن الاغتيال السياسى الذى قام به ليهز مصر، لا بد أن نتناول فى عجالة الظروف والملابسات التاريخية للحادث ولظروف ذلك العصر. فى تلك الأيام كانت مصر تغلى، ولم يكن مصرع أمين عثمان فى عملية الاغتيال السياسى الأول من نوعه، فقبلها بعام واحد قام إبراهيم العيسوى، وهو محام شاب «٢٨ عامًا»، بقتل رئيس الوزراء أحمد ماهر، لأنه سيزج بمصر فى حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل، فكيف ندافع عن من يستعبدون بلادنا؟ وكان القتل، واتضح أن القاتل الشاب ينتمى إلى الحزب الوطنى المعروف بتطرفه فى الوطنية، ووقعت الجريمة فى البهو الفرعونى فى مجلس الشيوخ، حيث كان القتيل قد حصل على موافقة البرلمان على دخول الحرب العالمية فى صف إنجلترا، والقتيل كان فى طريقه للحصول على موافقة مجلس الشيوخ على إعلان دخول مصر الحرب على ألمانيا ودول المحور لصالح بريطانيا التى تحتل مصر. وإذا كانت مصر لم تدخل الحرب رسميًا ضد المحور إلا أنها بتعبير العامة «جعلت مصر من خدها مداسًا للاحتلال» فقد سخرت الدولة إمكانياتها المالية والزراعية والاقتصادية لخدمة إنجلترا، وبرطع جنود الحلفاء فى شوارع القاهرة، واعتدوا على المصريين، ووثق أديبنا العظيم نجيب محفوظ فى ثلاثيته الخالدة إذلال الاحتلال للشعب عندما تأخر بطل الرواية السيد أحمد عبدالجواد فى سهرة من سهرات الأنس مع رفاقه عند زبيدة العالمة، فقبض الإنجليز عليه وأجبروه- وهو من هو- مع عدد من المواطنين على أن يمسكوا بالمقطف والجاروف ليحفروا خندقًا. وانتهت الحرب بانتصار الحلفاء، وإذا بالمصريين يشعرون بأن تضحياتهم ذهبت سدى، وأن الساسة الإنجليز سيتلاعبون بهم كالعادة، وبدلًا من إعلانهم نهاية الاحتلال، فهم يرومون «جولة جديدة من المفاوضات»، فيذهب المفاوض المصرى إلى لندن فلا يقابل إلا بالمراوغة والعجرفة والاستعلاء، فيرفض المفاوض المصرى استجابة للضغط الشعبى- عادة رئيس الوزراء- الإملاءات الإنجليزية، فيعود ليعلن فشل المفاوضات، فيقدم استقالته... وهكذا.
فى منتصف الأربعينيات نشأ جيل جديد من الشباب والصبية المصريين، جيل ثورى رومانسى اعتبر أن جيل ١٩ أفلس تمامًا، وأن المفاوضات لا تفضى إلا لمعاهدات جوهرها تجديد الإذعان، ولن يخرج الإنجليز من مصر إلا بالسلاح والقتل، نبتت تلك الأفكار الثورية التى تؤمن بالكفاح المسلح لدى مجموعة من الشباب من سكان ضاحية المعادى، وهم أولاد خالة، والآباء من كبار موظفى الدولة فالأم شركسية ولأمهات شقيقات شركسيات ويسكنون جميعًا فى فيلات أنيقة فى ضاحية المعادى. وقاتل أمين عثمان «حسين توفيق» والده يشغل منصب وكيل وزارة المواصلات، ومعه أحمد وسيم خالد ووالده صاحب جريدة البلاغ ورئيس تحريرها، وسعد كامل الذى سيصبح من كبار الصحفيين، ومعهم محمد إبراهيم كامل الذى سيصبح وزيرًا للخارجية وسيستقيل من منصبه قبيل توقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد، وكتب مذكراته المهمة بعنوان «السلام الضائع»، ومنهم محمد أنور السادات الذى كان فى وقتها متهمًا فى قضايا سياسية وهاربًا من السجن ومفصولًا من الجيش.
الموضوع بدأ بزعيم المجموعة حسين توفيق الذى قرر أن يؤسس «جمعية وطنية» هدفها إخراج الإنجليز من مصر بالكفاح المسلح، ونشر حسين دعوته أولًا بين أبناء خالته وعماته، وتحمسوا جميعًا، ثم ضموا إليهم من زملائهم وأقاربهم ممن شاركوهم الرأى والرؤية الثورية، وكانو جميعًا ممن الذين يعانون من تمزقات نفسية، فراحوا يفرغونها فى العمل السياسى العنيف، وأحدهم، وهو «أحمد وسيم خالد» ابن خالة الزعيم حسين توفيق، كتب عن «الجمعية» وكفاحها مذكرات «الكفاح السرى ضد الإنجليز»، والذى جنده حسين توفيق وهو دون الخامسة عشرة من عمره، ومن الكتاب ومن مذكرات وسيم سنعرف الكاريزما العظيمة التى كان يتمتع حسين بها وسيطرته الهائلة على أفئدة وعقول الرفاق، فمذكرات وسيم خالد نصفها عن حسين وشخصيته ونفسيته وأفعاله، والذى قدم مذكرات وسيم خالد التى صدرت ١٩٥٧ لم يكن سوى أنور السادات. منها سنعرف أن حسين نشأ مضطربًا نفسيًا بشكل من الأشكال، فوالده رجل صارم يسوس بيته بالجهامة والانضباط والشدة، وعلاقته بابنه الأكبر ملتبسة، بها شىء من الجفاء والنفور المتبادل. فيذكر لنا أن حسين ووالده وصديق للوالد ذهبوا فى رحلة بالقطار، وغفا حسين فظن والده أنه نام، فسمع حسين والده وهو يقول لصديقه فى أسى «هذا ولد مجرم، انظر إلى كف يده، هذه كف قاتل»، وقبلها بقليل عرف الوالد أن حسين رسم بالجير الأبيض الصليب المعقوف على أسفلت الشارع فى المعادى كيدًا فى الإنجليز وتعبيرًا عن كراهيته العميقة للاحتلال.
قبل أن نستغرق فى العمليات التى قامت بها «جمعية» حسين توفيق، لا بد أن نذكر أن أمه كانت تركية، ومن النوع الذى يكتم عواطفه ويخفيها، فلم يشعر حسين بالحنان والعطف الأسرى، ومن أعضاء الجمعية عضو أقل اجتماعيًا من المؤسسين، كان يحمل مرارة وحنقًا بالغًا، لأن جده الشيخ الأزهرى كان يعمل فى دائرة واحد من البرنسات، وكان الجد العالم الأزهرى يؤلف الكتب، وبعد أن ينتهى منها، يأخذها البرنس مستغلًا سطوته وضعف حال الجد، فيسطو البرنس على الكتاب ويضع اسمه عليه.
أول عملية ضد الإنجليز نفذها حسين توفيق قام بها بمساعدة خادم الأسرة، حينما حملا جردلًا وفرشاة، ورسم الصليب المعقوف على أرضية شارع من شوارع المعادى وقُبض على حسين، وأجبرته الشرطة على أن يمحو الصليب من على الأسفلت. قامت الجمعية بحرق عدد من السيارات التابعة لمعسكرات الإنجليز فى المعادى، عملية القتل الأولى قام بها حسين توفيق، حيث جاب شوارع المعادى المظلمة وقد ركب عجلة وخلفه أحد الرفاق، ليظفرا بفريسة إنجليزية، ووجدا جنديًا إنجليزيًا وانقض عليه حسين وطرحه أرضًا، وظل حسين يضرب الإنجليزى بعصا حتى لفظ أنفاسه، ويعلق وسيم خالد فى كتابه: «هكذا ولدت الجمعية، بعد أن مارس أحدنا.. تذوق الدم» ولم يعلن الإنجليز عن القتيل، فشعروا بالخيبة لأن العملية لن توقظ الشعب ولن يعرفوا أن هناك من يقتل الإنجليز الذين لن يخرجوا إلا بالسلاح، وكما احتلوا البلاد بالسلاح لن يتركوها إلا بالسلاح، وانضم أنور السادلت إلى الجمعية، وكان فى السابعة والعشرين من عمره وهاربًا ومفصولًا من الجيش لجرائم سياسية، احتواهم السادات بدهائه، ودربهم على السلاح الذين كانوا يشترونه من مصروفهم، ومنحهم ثلاث قنابل يدوية ودربهم على استعمالها، وكانت العملية الثانية من خلال سيارة والد أحدهم، ركبوها ليلًا وتسكعوا بها فى شوارع المعادى المقفرة المظلمة، وبعد ساعات من البحث بزوج من العسكريين، يطلق حسين عليهما الرصاص، فيقتل أحدهما الذى كان جندى مراسلة أما الثانى الذى كان يحمل رتبة بريجادير فيصاب، وفرح أبناء الجمعية عندما أعلن عنها الإنجليز ورصد ١٠٠٠ جنيه مكافأة لمن يرشدهم عن الجناة، وسعد أبناء الجمعية وقد حققت العملية هدفها، وسيستيقظ الشعب المصرى، وستقوم الجمعيات فى كل مكان، ويحلم حسين توفيق بأن يرأس جمعية من ١٠٠٠ متطوع وأن يقود مقاومة شعبية مثل التى تكونت فى فرنسا ساهمت فى رحيل وهزيمة النازى.
كانت مصر الرسمية بأحزابها الأغلبية والمعارضة على وشك بداية جديدة للمفاوضات، وحدث تطور فكرى فى الجمعية، نبتت لدى الجماعة قناعة أن قتل الإنجليز فحسب ليس كافيًا، فلابد من قتل الباشاوات المتعاونين معهم والذى ارتبطت مصالحهم بوجود الاحتلال، ومصر الرسمية بصدد دخول جولة جديدة من المفاوضات، وعلى وشك توقيع معاهدات جديدة وهذا معناه تكريس الاحتلال وإذعانات جديدة. ودار السؤال بمن نبدأ؟، الإجابة بأكثرهم تأثيرًا ومن يستطيع بشعبيته أن يمرر معاهدة جديدة وعارًا جديدًا. ووقع الاختيار على النحاس باشا، وفشلت المحاولة فلم يصب بسوء من القنبلة اليدوية التى ألقاها حسين توفيق على سيارة النحاس، واتهم النحاس المعارضة بتدبير المحاولة، وقررت الجمعية قتل أمين عثمان الذى بدا لهم استفزازيًا فى حبه للإنجليز، فقد منحته بريطانيا لقب «سير»، وجمع ١٠٠ ألف جنيه إسترلينى من مصر وذهب بها إلى لندن متبرعًا لقرية إنجليزية نالت منها كارثة طبيعية، وأعلن لأعضاء رابطة خريجى فيكتوريا ومن لف لفهم «أنه يريد أن يجعل منهم لوردات» و«بريطانيا العظمى التى انتصرت على ألمانيا عندنا مجانين يريدون محاربتها». واقترح حسين توفيق أن يجهزوا أنفسهم لجنازة أمين عثمان ويعدوا لمجزرة للباشاوات الذين سيحضروا الجنازة.
وبعد مراقبات طويلة لاجتماعات الرابطة وانضمام عضوين من الجمعية للتمكن من حضور الاجتماعات ونقل صورة دقيقة عما يحدث داخلها، نفذ حسين توفيق عملية الاغتيال كما أسلفنا، وبعد الجريمة ألقى الأمن القبض على حسين، فقد تعرف عليه مرءوس لوالده وقد رأى حسين وهو يحوم حول الرابطة، وكان المرءوس يرى حسين وهو يزور والده فى وزارة المواصلات، وأبلغ عن حسين، وتم القبض عليه وصمد حسين أربعة أيام، وواجهوه بالشهود الذين رأوه يحوم حول مقر الرابطة، فأنكر ذلك بكل رباطة جأش وقال، يخلق من الشبه أربعين، وفتشوا منزله واكتشفوا وجود المسدسات فقال «أنا غاوى سلاح»، وفشلت النيابة معه، ولجأ أحد أعضاء النيابة إلى حيلة غاية فى اللؤم، فقدم جريدة صفراء كتبت «حسين توفيق قتل أمين عثمان لأسباب نسائية»، وكان القتيل المعروف بغرامياته وبمغامراته العاطفية، وكتبت الجريدة أن حين قتل أمين عثمان انتقامًا منه لأن أمين عثمان كان على علاقة بامرأة لها قرابة بحسين توفيق، وسقط حسين من حالق، ليس غيرة على شرفه لكن لأن تضحياتهم لن يعرف بها الشعب، ولن تنهض الجمعيات المماثلة بحرب الشوارع ضد الإنجليز وعملائهم، فانهار واعترف حسين بالجمعية وبأنه قتل أمين عثمان لخيانته وتعاونه مع المحتل وتصرفاته المشئومة... إلى آخره، لكنه رفض أن يعترف على من معه فى الجمعية، فلعب على حسين المحقق ولوح له بحبل المشنقة الذى ينتظره ليلتف حول عنقه، وللإفلات منه عليه أن يعترف على آخر شاركه فى التنفيذ، فيفلت من المشنقة وينال المؤبد فحسب، وربما نالا العفو سويًا، فمن يدرى بالسياسة فى مصر؟ فيصاب حسين بالهلع من حبل المشنقة، ويعترف على يحيى، ابن عمته وهو ابن على مراد زوج عمة حسين وطالب كلية الهندسة والذى اشترك معه فى قتل أمين عثمان واختاره حسين نظرًا لتقديس يحيى لحسين وانبهاره الشديد به، ونجح حسين فى إقناع يحيى بأن يفتديه من حبل المشنقة، ويصف وسيم خالد فى كتابه الجميل كيف التقى يحيى المحب بزعيمه المنهار الذى بكى على أكتافه، وكان لقاء دراميًا تراجيديًا بامتياز، وودت لو نقلت تفاصيل أخرى لا تقل إثارة وتشويق عن السابقات، كيف توالت اعترافات حسين التى لم تتوقف، وكيف كان حسين تنتابه موجات من الندم حينما واجهه أحد الرفاق؟، والذى لم يقل لحسين سوى «إخص» فطلب حسين النيابة ثم أنكر كل اعترافاته السابقة وعللها بالتعذيب وبالضغوط، وتفاصيل كثيرة فى غاية الإثارة، وجدتها فى مذكرات وسيم خالد، وفى كتاب آخر صادر عن مركز وثائق وتارخ مصر المعاصر التى يرأس تحريرها د. عبدالعظيم رمضان والصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، المهم أن المحكمة قضت بحبس حسين توفيق ١٠ سنوات من الأشغال الشاقة، ونال مجموعة من المتهمين حكم البراءة منهم السادات وسعد كامل ومحمد إبراهيم كامل الذى كان طالبًا فى كلية الحقوق، ومجموعة قضت عليهم بالحبس سنتين.
المهم أن حسين توفيق كان قد تمكن من الفرار بعد أن ادعى المرض، وتفاصيل هروبه مثيرة للغاية، واتصل تليفونيًا بالكاتب الكبير «إحسان عبدالقدوس»، وأبلغه حسين بأنه فى طريقه للشام لمحاربة الصهيونية!! وعُرِفَ أن حسين وصل إلى دمشق، وفى عام ١٩٥٠- بعد عامين من هروبه- جاءت الأخبار أن حسين توفيق انضم إلى تنظيم «القوميين العرب»، وأن النظام البعثى السورى ألقى القبض عليه بسبب محاولته الفاشلة لاغتيال «أديب الشيشيكلى» نائب حزب البعث، وبقى حسين فى السجن بعد أن صدر الحكم عليه بالإعدام ينتظر تنفيذ الحكم، وفى علم ٥٣ أو ١٩٥٤ تقارب النظام الناصرى فى مصر مع النظام البعثى فى دمشق، وطلب عبدالناصر العفو عن حسين توفيق وتسليمه إلى القاهرة، واستجاب البعث لمطلب ناصر، وأطلق سراح حسين توفيق وأعادوه للقاهرة، وأطلق ناصر سراح حسين توفيق، لكن هل يركن حسين توفيق، هذا الكائن العجيب، إلى السكينة ويعتزل الجريمة السياسية؟ يموت الزمار ولا يكف إصبعه عن الحنين، فى عام ١٩٦٥ تعود ريما لعادتها القديمة، فهو خرمان «قتل»!.
ويحدثنا وسيم خالد فى كتابه المهم «إن من يتذوق الدم إنحليزيًا كان أو من الإسكيمو ستحدث داخله تغييرات نفسية عنيقة. المهم أن حسين يعاود الاتصال بعربجى كان يعمل أواخر الأربعينيات فى معسكرات الإنجليز، وكان يبيع لحسين وللجمعية القنابل التى كان يسرقها من المعسكرات، فيطلب حسين من العربجى أن يشترى منه قنابل ومسدسات، فيشى به العربحى إلى الأمن، الذى يلقى القبض على حسين توفيق، ويعترف حسين بأنه كان ينوى اغتيال ناصر لأنه فرط فى السودان، كما ورد فى مذكرات اللواء فؤاد علام، ويخبر حسين رجال الأمن بأن أحد أقاربه، وهو عضو من أعضاء الإخوان، يشترى السلاح والذخيرة، وتتبع الأمن القضية، واكتشف الأمن أن تنظيم الإخوان قد استعاد نفسه، بعد الضربة التى تلقاها عام ١٩٥٤، إثر محاولة اغتيالهم لناصر فى ميدان المنشية، وها هم الإخوان ينهضون مثل العنقاء من رماد السجون، ورأسهم تلك المرة سيد قطب، فشنت الدولة حملة واسعة وألقى القبض على المتآمرين، ونفذ حكم الإعدام فى سيد قطب، وجرت محاكمة حسين توفيق وحكم عليه بالسجن المؤبد، وبعد وفاة ناصر عام ١٩٧٠ أرسل أقارب حسين توفيق التماسًا للرئيس السادات يطلبون فيه بإصدار عفو صحى عن (زعيمه القديم) ورفض السادات طلبهم»، واستمر حسين توفيق فى السجن حتى عصر مبارك، الذى أطلق سراحه عام ١٩٨٣، ليقضى آخر أيامه شيخًا فانيًا وحيدًا إلا من الذكريات المرة ليموت بعد قليل بعد أن حفر اسمه عميقًا فى تاريخ الجريمة السياسية فى مصر.