أسطورة الغازية والأميرة وداد.. العشق على «مزاج» يوليو
الفرار إلى إسنا
«ظهر سفاح فى أولاد محمد على باشا وهو حفيده عباس من ابنه طوسون الذى كان أيضًا شاذًا جنسيًا.. وقد أصبح السفاح الشاذ خديو لمصر وعندما مات جده محمد على باشا رتّب لجثته جنازة وضيعة».. الكلمات بين الأقواس ليست لى.. فأنا لا أعرف عباس.. ولم أحضر جنازة محمد على، لكنها للمؤرخة الكاتبة د. عفاف لطفى السيد فى مقالها المنشور بجريدة «الأخبار» بعنوان «مصر وأسرة محمد على.. نظرة إلى المستقبل».
«تأثر عباس حلمى الأول بدعاة الوهابية لقربه منهم أثناء وجوده فى (جدة) وأخذ عنهم التشدد فى الأمور الدينية فأسس (جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر) وطاف المنتسبون إليها فى شوارع القاهرة والإسكندرية وبنها ليتتبعوا من يخالف أمرًا من أمور الشريعة ويجلدوا الذين لا يصلون أو يرتدون ملابس غير محتشمة».
«أما أخلاق عباس الأول فكانت كأخلاق جميع سلاطين الشرق، حيث يُدلل الغلمان أكثر مما تُدلل الجوارى.. لقد كان عباس يستسلم لمجونه فى الخفاء مع مماليكه الذين يجعلهم يؤلفون حلقة لإمتاعه».. وما بين الأقواس ليس لى هذه المرة أيضًا.. ولكنه نقلًا من مذكرات إدريس أفندى فى مصر.. إدريس أفندى هو المستشرق الفرنسى «بريس دافين» وقد غيّر اسمه بعد إسلامه.
على كل حال.. عباس الأول الذى بنى العباسية وحكم مصر ست سنوات كان، ولا يزال، لغزًا ليس فى قصة وفاته فقط ولكن فى تاريخه كله.. وما يعنينى من قصته الآن هو حكاية «الراقصة النحلة» التى فتنت شاعر فرنسا الكبير «جوستاف فلوبير» الذى جاء إلى مصر ليجمع معلومات لصالح غرفة التجارة فى فرنسا «جاسوس يعنى»، فراح يتغزل فى راقصة شامية عاش معها ليلة هى الأجمل فى إسنا.. وبالمصادفة هذه الراقصة هى «وردة باشا» حبيبة «عباس» المغضوب عليها والتى تحوّلت إلى حكاية فى جنوب الصعيد غنوا لها، وما زالوا يغنون.
بعض الروايات تقول إن اسمها «صفية» وجدها الخديو فى سوق شعبية فى طنطا واتخذها محظية له.. ثم «نسيها بين جوارى قصره».. إلا أنه، وبالصدفة، وجد مع أحد غلمانه «نارجيلة»، شيشة يعنى، كان قد أهداها لها فجن جنونه وأمر ضباطه بالقبض عليها وجلدها ونفيها إلى إسنا.
الكاتب الفرنسى «جوستاف فلوبير» قال إن اسمها «كوتشوك» هانم.. ووصف رقصتها الشهيرة المسماة بـ«رقصة النحلة» وقد عُرفت بها حيث تبدأ مع تصاعد إيقاع الطبلة فى نزع ملابسها قطعة بعد أخرى حيثما تدور مثل الفراش حتى تنتهى عارية تمامًا.
تلك الليلة التى عاشها «جوستاف» فى إحدى ليالى شهر مارس من العام ١٨٥٠م فى جنوب صعيد مصر.. كانت سببًا فى أن يبحث الكثيرون عن «تاريخ الغوازى». من أين جئن؟.. وكيف عشن؟.. و«إيه اللى وداهم قنا؟!».
«وردة باشا» أو «كوشك»، كما يسميها الزميل عماد الغزالى فى كتابه «حكايات من زمن الوالى»، قيل إنها ولدت لأب كان يعمل فى أحد قصور الشام ويميل إلى أحد الحكام، وفى ظل تقلب أحوال البلاد وانتقال حكمها إلى منافسه ذل لسانه فقطعوه وهربت زوجته بـ«ورد الشام» أو «كوتشك» إلى القاهرة.. لكنها وقعت فى فخ تجار الرقيق فباعوها واشتراها عباس ثم كان ما كان، حيث استقرت فى الصعيد، وفى أواخر أيامها تزوجت أحد أعيان إسنا من عائلة مجاهد.. و«تابت» واشترت آلاف الأفدنة وزرعتها وكانت توزع خيراتها على الفقراء فنسى الناس رقصتها.. «رقصة النحلة» وتذكروا عسلها.. «عسل النحل» وتمرها.. وقمحها وشعيرها.
«ورد» لم تكن وحدها.. فقد صدر وقتها فرمان بتطهير العاصمة من «الغوازى والغجر» ورحن يمارسن رقصهن فى طنطا والصعيد.. فهل كانت «ورد» هى «وداد» التى غنوا لها «على حسب وداد قلبى»؟!
الغرام على كوبرى إسنا
«على كوبرى إسنا.. رمانا الهوى ونعسنا».. أغنية شعبية معروفة.. لكن المعروف أكثر عن إسنا أنها القرية الأشهر فى زراعة العدس المصرى الأسمر «أبوجبة».. وقناطر إسنا تعود إلى زمن «عباس حلمى الثانى».
القناطر ليست وحدها أهم معالم إسنا.. منها تاريخ حافل، ومبانيها شواهد على الحضارة المصرية القديمة، ومشربياتها من روايح الاحتلال العثمانى.. ومعبدها هو مكان عبادة الإله «خانوم».
إسنا كانت ملتقى طريق قوافل التجارة القديمة.. وبسبب غنى ساكنيها وجد الغوازى لأنفسهن «مكانًا» حيث المال والرجال والليالى الحلوة بعيدًا عن «أولاد محمد على» وجنونهم.
عاشت مصر والسودان
الكاتب عبدالعظيم رمضان.. ومن خلال سلسلة «تاريخ المصريين» التى تصدرها هيئة الكتاب فى مصر.. حقق عام ٢٠٠٠م كتابًا مجهولًا لمؤرخ مجهول اسمه «أحمد أحمد سيد أحمد».. الكتاب فى الأصل رسالة ماجستير تناقش تاريخ الخرطوم تحت الحكم المصرى فى الفترة من ١٨٢٠ إلى ١٨٥٥.. فى ذلك الكتاب ستكتشف أن الغوازى المطرودات من القاهرة لم يذهبن إلى إسنا فقط.. لكنهن ذهبن إلى الخرطوم أيضًا.. ونفس الكتاب يعرض قصة «كوتشوك هانم»، راقصة إسنا، وحكايتها مع «جوستاف الفرنسى»، لكن ما لفت نظرى هو ما سجله ذلك الفرنسى المولع برقص الغوازى عن عشق هؤلاء الغوازى «إن الجنس هنا ليس كما نعرفه نحن هناك مرتبطًا بالعاطفة.. وإن المرأة الشرقية خالية القلب.. لا فرق عندها بين رجل وآخر.. ولا هم لها غير النارجيلة والكحل وحمام تختلف إليه؟!»
هل ظلم جوستاف الغوازى فى الشرق؟.. هل جردهن من قلوبهن؟.. فلماذا إذن عاشت قصة «وداد» الغازية التى عشقها البرنس حفيد عباس؟! وهل كانت «وداد» قصة حقيقية مثل «وردة هانم».. أم أنها امرأة من خيال جليل البندارى صنعها انتقامًا من أسرة محمد على وأحد رجالها؟!
أغنية وراقصة وأربعة رجال
عام ١٨٩٨ ولد «محمد أفندى العربى».. لا يعرف أحدنا متى حصل على قلب «أفندى»، لكننا نعرف أنه سلطان الغناء البلدى فى بدايات القرن العشرين فى مصر.. والده «عوض العربى» من أبناء محافظة الفيوم.. كان يعمل بالتجارة.. لكن «محمد» الصبى الذى كان يستهويه نداء الباعة الجائلين وأغنياتهم خطفته نداهة الموسيقى.. ويحكى أنه كان يتلقى اللوم من والديه وأسرته بسبب انشغاله بالمغنواتيين فى الموالد، وفى أحد الأيام مر من أمام منزلهم صبى يقود «جملًا» وهو يغنى «يا حلوة ياللى جمالك سبانى».. فراح يراقبه حتى تاه عن العودة لمنزله.. ومن يومها وهو يطوف البلاد مع الفرق الشعبية التى جاءت به لشارع محمد على وقادته أقداره إلى معهد فؤاد الأول للموسيقى فراح يغنى فى الأفراح وامتلك «قهوة» بالعتبة كان يرتادها أساطين الغناء فى عصره.. وعُرف بغناء الموال الشعبى وبلغت شهرته أن غنى للملك أغنيته الشهيرة «ملك البلاد يا زين» وشارك فى مؤتمر الموسيقى العربية الأول عام ١٩٣٢.. وغنى للملك فاروق:
«مبروك عليك الملك
يا فاروق مبروك
يا ملك الجمال والكمال
يا ألف ميت مبروك
خايل بلبس التاج
يا سبع يا بن الأسد
على الوطن حارس»
فهل جامل محمد العربى «ابن الأسد» الذى كان منافسًا للبرنس يوسف كامل بترويج قصة غرام «وداد الغازية»؟!
لا يوجد تاريخ محدد لظهور أغنية «على حسب وداد قلبى» بصوت محمد العربى لكنه توفى عام ١٩٤١.. وهو ما يعنى أن الأغنية صدرت قبل ذلك التاريخ، أى قبل أن يغنيها عبدالحليم حافظ بعشرين سنة كاملة على الأقل.. وقبل أن ينشر جليل البندارى تحقيقاته الصحفية عن ذلك الغرام فى نجع حمادى بعشرين سنة كاملة.. وهو ما ينفى عنهما استخدام «وداد» للانتقام من أحد رموز العصر الملكى.
ربما كان ذلك الاتهام موجودًا بشكل أو بآخر، وهناك ما يبرره من شواهد، لكن هل سبق محمد العربى الجميع فى قصة وداد؟!
«على حسب وداد قلبى
وأنا أقول للزين سلامات
على حسب وداد قلبى يا بوى».
هذه الكلمات هى الرابط الوحيد بين أغنية محمد العربى التى غناها بكلماتها القديمة وتيمتها اللحنية متقال القناوى أيضًا.. واستخدمها الموسيقار على إسماعيل فى مقدمة فيلم «الكرنك»، لكن بليغ حمدى أعاد صياغتها موسيقيًا بلحن جديد عام ١٩٦٣ بكلمات مختلفة كتبها الضابط المتقاعد «صلاح أبوسالم»:
«موال الصبر أهو داب
من يوم الحب ما غاب
ولا عمر يا ليل يا عين
هترجع لينا أحباب
وأنا صابر ع المقسوم
يمكن يرجعلى ف يوم
وتكونلى معاه.. حكاية يا بوى
أيام حلوة وحكايات
على حسب وداد قلبى يا بوى».
الحكاية التى أرادها «مطرب يوليو» والتى كشف عنها فى تسجيل نادر من أحد حفلاته فى تونس عندما قال قبل أن يغنى إن أغنيته تحكى قصة غرام أحد الباشوات براقصة شهيرة فى نجع حمادى اسمها «وداد» تلقفها الكاتب الصحفى جليل البندارى ليكتب عنها سلسلة حلقات فى جريدة «أخبار اليوم» فى ٢٠/١١/١٩٦٥.
ثم يعود ليقدمها كمسرحية غنائية.. وبعدها بسنوات يعود ليكتبها فى فيلم سينمائى قامت ببطولته نادية الجندى فى دور «وداد» وعادل أدهم فى دور «البرنس يوسف كمال».
الكاتب الصحفى أمير الصراف.. فى دراسة له نُشرت على حلقات بجريدة «الوفد».. راح يبحث عن «وداد» فى «عقل» جليل البندارى.. نافيًا وجودها من الأصل فى نجع حمادى حيث تُقيم.
البندارى، وحسب سلسلة تحقيقاته فى «أخبار اليوم»، قال إنه زار نجع حمادى التى أسماها «عاصمة القصب» مع بعثة صحفية.. وإنه راح يتخلف عن تلك البعثة ليزور قصر يوسف كمال، عاشق «وداد».
البندارى قال إن يوسف كمال هجر القاهرة ومنيرة المهدية من أجل عيون «وداد» التى وقع فى غرامها من أول نظرة عندما دُعيت للغناء فى منزله، وعندما راح ليسلم عليها أعرضت عنه وغنت «يا جريد النخل العالى طاطى ارمى السلام».. ويضيف: «فى تلك الليلة شرب يوسف كمال كثيرًا وطلب إليها أن تغنى وترقص لضيوفه عارية كما ولدتها أمها فرفضت وداد واستاء الأمير».
رواية البندارى يستنكرها أمير الصراف الذى يؤكد أن الرواية لم يذكرها أى أحد من أهالى نجع حمادى.. ويضيف: «قصة وداد الغازية لا يوجد لها منبع فى الذاكرة الشعبية بين الأجيال المعاصرة» والقصة الوحيدة المتوارثة عن طبقة الغوازى فى نجع حمادى كانت لواحدة فقط من أصول شامية تدعى «آمنة سالم» وقيل فى رواية أخرى «يامنة سالم» وقد كانت لها علاقات بطبقة كبار التجار والأعيان وكانوا يستدعونها لإحياء حفلات الزفاف والختان.. لكنها ظهرت فى ستينيات القرن الماضى بعد هجرة الأمير يوسف كمال إلى النمسا.
إذن.. «ورد الشام» كانت فى زمن أسبق من «يوسف كمال».. بالتحديد فى عصر «عباس حلمى» الأول.. و«آمنة» جاءت بعد رحيله إلى النمسا.. فلماذا هو وحده من يلحقونه بغرام وداد؟!
«شهرين وأربع ليالى
لم يجينى منام
شهرين وأربع ليالى
أستنظر الأحلام
وأدعى على الشمس تطلع
بعد ست أيام
إن كان لك شوق
وكانلك ميل
أزعق وقول
يا وداد.. يا وداد».
استجاب الباحثون عن سر «وداد» لنداء هدى سلطان الذى كتبه جليل البندارى ولحنه جمال سلامة عام ١٩٨٣ وراحوا يفتشون عنها.. ولكن دون جدوى.
ازعق وقول يا وهيبة
فى عام ١٩٤٨ راح الفتى محمد حسنين هيكل، المحرر فى «آخر ساعة»، يبحث عن صيد جديد بعد تحقيقه الشهير عن عالم الدعارة فى كلوت بك الذى نقله للجازيت عن «مومس متقاعدة».. ولم يجد هيكل الشغوف بالإثارة سوى «غوازى سنباط» ليفتش عنهن على بُعد ٣٠ كيلومترًا من القاهرة.. وهناك فى كفرالغجر راح يفتش عن سر هؤلاء الغرباء لكنه لم يلتق سوى فتاة ووالدها.. ومن بعض حوارات قصيرة نسج تحقيقه «الخرافى» عن هذا العالم.
هيكل الذى لم يكن قد زار أى مدينة فى العالم، وقتها، سوى بلدته القليوبية راح يقارن بين غجر سنباط وغجر ألمانيا.
لا أعرف من أين جاء هيكل بصورة مطعم «التزيحونز» فى برلين ليقارن بين راقصاته و«غوازى» سنباط؟.. وأين استمع إلى ذلك اللحن الغجرى الألمانى الذى نقل كلماته؟.. ولا من الذى ترجمها له من الألمانية «إذا دهمتك العاصفة.. وكنت وحيدًا فى ظلام الغابة.. فاهتف باسمى أقبل على أجنحة الرياح وأقدك إلى الدفء والحب والأمان يا أعز ما عندى من عشيرتى».
ويضيف هيكل مقارنًا:
«والذين أتاحت لهم الظروف أن يزوروا قرية سنباط وسط الدلتا وأن يمروا بكفرالغرباء، أو الغجر كما يسميهم أهل القرية نفسها.. سوف تترامى إلى أذهانهم دقات طبول ودفوف صارخة فيها سحر وحشى غلاب لأغنية تقول:
«إذا أظلم عليك الليل..
ازعق وقول يا وهيبة».
ويضيف الأستاذ هيكل: «كانت وهيبة واحدة من أشهر الغوازى الغجر اللواتى خرجن من كفرسنباط».
إذن «راقصة هيكل» اسمها «وهيبة» وراقصة عباس حلمى اسمها «ورد» أو «صفية».. وراقصة نجع حمادى اسمها «يامنة».. لا وجود لـ«وداد».. وأشهر مغنيات «بنات مازن» ليس فيهن «وداد» واحدة.. سناء وخيرية وصفاء.. وعشرات الأسماء التى توالدت من أسرة واحدة هى الأشهر فى تاريخ غناء ورقص الغجر فى صعيد مصر، وقد جاء الحجاوى بإحداهن منتصف ستينيات القرن الماضى واستمرت إحداهن حتى مطلع الألفية الجديدة، حيث توفيت عام ٢٠٠٣، فهل مزج «البندارى» بين كل تلك الأسماء ليخرج لنا بـ«وداد» لغرض فى نفس صحافة «أخبار اليوم» التى راحت تهيل التراب على كل ما ينتمى للعصر الملكى؟!
الطريف فى الأمر.. أن البرنس يوسف كمال صاحب القصر الشهير فى نجع حمادى الذى تذكر المراجع أن به «قاعة ابن الفارض» وقد أسماها على «العاشق الصوفى» وبها ضريح الشيخ عمران.. ويحكى البعض أن «يوسف كمال» قرر أن يهدم ذلك الضريح عندما أتى بمهندس ليعيد تخطيط قصره.. لكنه «حلم» بأسد يلتهمه وهو الصياد عاشق صيد الوحوش من برارى إفريقيا.. فقام من نومه مذعورًا ليعيد «الدراويش» الذين طردهم.. من حول الضريح.. وليبقى على ضريح «الشيخ عمران» ملحقًا بالقصر بعد أن طلب من المعمارى الأجنبى أن يكون «الضريح» المبروك جزءًا من تصميمه.
قصر نجع حمادى.. أحد قصور عديدة كان يملكها البرنس يوسف كمال صاحب السيرة الغريبة والغامضة والمثيرة.. ومن قصوره أيضًا القصر الذى صورت فيه «مريم فخر الدين» فيلمها الأشهر «رد قلبى».
يوسف كمال الذى مات جده فى أول حادثة من نوعها فى مصر لقطارات السكك الحديدية لينتقل العرش من فرع «أحمد رفعت» لفرع «إسماعيل».. هو نفسه الذى ذهب العرش منه لغريمه فؤاد، بوشاية إنجليزية، قيل إنه كان أحد الداعمين لسعد زغلول.. وإنه إلى جانب كراماته فى دعم الثقافة المصرية وإنشاء مدرسة الفنون التى تخرج فيها مثّال مصر الأشهر «محمود مختار» الذى أرسله البرنس إلى فرنسا ليدرس «الفن على أصوله».. عاشق الموسيقى والمقامات الشرقية استغل فؤاد قصة ميله إلى «الرجال» ليبعده عن حكم مصر.. مثلما استغل آخرون قصة غرامه بالغجرية «وداد» للانتقام من عشيرته كلها.
الروائية منى الشيمى، ابنة نجع حمادى التى تقص سيرة «البرنس» فى رواية وثائقية بلغت ٣٥٨ صفحة كاملة ربما أنصفت «يوسف» لكنها أيضًا أضافت ظلالًا جديدة عن علاقته بخادمه الإفريقى ورفيقه فى النمسا وعن فشل زيجته الوحيدة كونه «لا يحب النساء».
هذه الرواية الطويلة الشائعة لم تكتب عن «وداد» سوى سطور قليلة لا تؤكد القصة ولا تنكرها «وفى وقت تال حُكى أمامى أنه كان مغرمًا بفتاة من الغجر اسمها وداد، فعل الكثير لينالها.. كانت جميلة تدير مع خالتها قهوة صغيرة على أطراف الزراعات.. لاحقها طوال الوقت حد التذلل.. لكنها لم ترفضه فحسب.. بل تزعمت ثورة الفلاحين ضده عندما دهس بسيارته جاموسة أحدهم.. صارت رمزًا بالنجع تغنوا به (على حسب وداد قلبى يا بوى)».
لم تذكر كتب التاريخ التى تناولت ثورات الصعيد ضد الحكام والاحتلال وبعضها سجّل يوميات مقاومة الصعيد لجيوش فرنسا شيئًا عن هذه الثورة.. ولا عن «وداد».. لكن «الهوى» وحده ظل يرددها حتى وصلت للشيخ إمام عيسى وأحمد فؤاد نجم الذى استعادها بصيغة جديدة:
«على حسب وداد قلبى
ومزاج البلديات
أبعد م الشين واتأخر
وأقول للزين سلامات
على صهد الأرض السمرا
أنا أبوى النيل سوانى
ممصوص وخشن من بره
زى الطينة الأسوانى
والخضرة ف قلبى
وقلبى دايمًا على طرف لسانى
ولسانى حصانى رمانى
وتعبنى كتير وهدانى
ياما جابنى وياما ودانى
من قوله فى الحكايات».