ضد القتلـة.. مهرجانات أدبية إنجليزية تلغى عقود الرعاية مع رجال إسرائيل
- حملات لفضح تورط «بيلى جيفورد» فى بناء المستوطنات بالضفة
- مثقفون وفنانون هددوا بالمقاطعة إذا لم تلغ الشركة الداعمة لإسرائيل عقود الرعاية
يعيش الوسط الثقافى فى المملكة المتحدة حالة من الصحوة، مع إعلان أعداد كبيرة من الكتاب والأدباء رفض العدوان الإسرائيلى على غزة، ورفض التعاون مع المؤسسات المتورطة فى دعم الاحتلال، بشكل يرسخ مبادئ الخير والحق والحب والتسامح والشرف.
وكان أحدث تلك المواقف إلغاء عدة مهرجانات أدبية فى المملكة المتحدة، عقودها مع شركة «بيلى جيفورد» الراعى الرسمى لها بعد ضغوط من الأدباء والمؤلفين، فى ظل ارتباط الشركة بجرائم الحرب الإسرائيلية فى غزة.
ورفع الكتاب شعارات إنسانية خالصة، منها «الكتب فى مواجهة الإبادة الجماعية»، و«لا لتدنيس الأدب»، وغير ذلك من الشعارات الرافضة للعدوان والمؤيدة للحق الفلسطينى.
كيف بدأت هذه الصحوة فى الأوساط الثقافية ومن بدأها وما هى كواليسها.. هذا ما تجيب عنه «حرف» فى السطور التالية:
تبييض سمعة
بدأت الصحوة الثقافية ضد «بيلى جيفورد» المتخصصة فى رعاية المهرجانات والأحداث الأدبية، منذ العام الماضى، قبل انعقاد مهرجان إدنبرة الدولى للكتاب بأيام والذى رعته الشركة، حيث ألغت الناشطة المناخية جريتا ثونبرج ظهورها فى الحدث، متهمة الشركة باستخدام دعمها للفنون والآداب لتبييض سمعتها، فى ظل استثماراتها فى قطاع الوقود الأحفورى الذى يخرب المناخ.
وبعد انسحاب جريتا ثونبرج من المهرجان، دشنت الناشطة والكاتبة ميكايلا لوتش، والروائية يارا رودريجز فاولر، والكاتبة المتمردة إلين مايلز، حملة «Fossil Free Books»، وتضم الآن مئات من الأعضاء النشطين من جميع أنحاء وتخصصات صناعة النشر فى المملكة المتحدة.
ومنذ نحو شهر، وسعت الحملة هجومها على «بيلى جيفورد» ونشرت رسالة انتقاد لها موقعة من أدباء ومفكرين وكتّاب يعملون فى مجال صناعة الكتب، بسبب صلاتها بالاحتلال الإسرائيلى وتورطها فى الإبادة الجماعية للفلسطينيين فى الأراضى المحتلة.
وكشفت الحملة عن أن الشركة لديها استثمارات فى شركات لها علاقات بصناعات الدفاع والتكنولوجيا الإسرائيلية، التى لها يد أيضًا فى جرائم الفصل العنصرى والاحتلال والإبادة الجماعية الإسرائيلية فى فلسطين، وفقًا لعدة تقارير نشرتها صحف بريطانية ذائعة الصيت مثل «ديلى تلجراف» و«جارديان» و«صنداى تايمز» و«فيننشيال تايمز» وغيرها.
ووقع أكثر من ٧٠٠ مؤلف وكاتب ومتخصص فى صناعة النشر ضمن الحملة على رسالة أخرى هددوا فيها بتعطيل الأحداث الثقافية للشركة والانسحاب منها ما لم تفك «بيلى جيفورد» ارتباطها بالكيان المحتل.
وطالبت الرسالة الشركة بأن توقف استثماراتها فى صناعة الوقود الأحفورى، والتخلى عن الشركات المرتبطة بإسرائيل، حيث رأت الحملة أن التضامن مع فلسطين وتحقيق العدالة المناخية مرتبطان ارتباطًا وثيقًا.
قال متحدث باسم الحملة إنه على مدار الأشهر الثمانية عشرة الماضية، أظهرت الأبحاث التى أجرتها العديد من المنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان، أن «بيلى جيفورد» تمتلك استثمارات بمليارات الدولارات فى شركات الوقود الأحفورى، والشركات التى لها صلات بالاحتلال الإسرائيلى.
وقالت الحملة فى بيان آخر لها: «نشجع المهرجانات والفعاليات الأدبية التى لا تقبل التمويل من المؤسسات المتواطئة مع انتهاكات حقوق الإنسان، نحن نحب مهرجاناتنا الأدبية كثيرًا، وإنه لشرف كبير أن نتشارك العمل مع القراء، لكن هذا لا يمكن أن يأتى على حساب حقوق الإنسان الفلسطينى والمجتمعات المتضررة من شركات الوقود الأحفورى».
وبرز دور المهرجانات الأدبية فى المملكة المتحدة وإيرلندا على مدار العقود الأربعة الماضية، باعتبارها عنصرًا أساسيًا فى التقويم الثقافى، وزاد عددها من عدة مهرجانات قليلة لنحو ٤٠٠ حدث أدبى، وعلى مدار العشرين عامًا الماضية، أصبحت «بيلى جيفورد» الراعى الرئيسى للكثير منها، ورصدت جائزة سنوية قدرها ٥٠ ألف جنيه إسترلينى للأعمال الأدبية البارزة.
وترعى «بيلى جيفورد» بشكل أساسى ٩ مهرجانات أدبية فى جميع أنحاء البلاد، منها «كامبريدج» و«تشيلتنهام»، بالإضافة إلى رعايتها جائزة بيلى جيفورد للكتب الواقعية.
وفى السنوات الأخيرة، ركزت أيضًا على برنامج يدعم طلاب المدارس الاسكتلندية، عبر إتاحة حضور المهرجانات الأدبية مجانًا ومقابلة المؤلفين والحصول على كتب مجانية.
ورغم أن «بيلى جيفورد» هى أكبر الرعاة فى القطاع الأدبى فى المملكة المتحدة، تعمل حملة «Fossil Free Books» على عرقلة جميع المهرجانات التى سترعاها فى صيف ٢٠٢٤، وسط توقعات من مراقبين بأن تعلن الشركة عن سحب رعايتها من جميع الأحداث الأدبية فى المملكة المتحدة.
وتأسست «بيلى جيفورد» فى البداية فى إدنبرة باسكتلندا عام ١٩٠٨، كشركة لإدارة الاستثمار مملوكة لمجموعة شركاء يعملون جميعًا داخلها، وما زال مقرها الرئيسى فى المدينة، ولديها مكاتب فى نيويورك ولندن، وتدير حاليًا أصولًا بقيمة ٢٢٥ مليار جنيه إسترلينى فى المملكة المتحدة.
وعندما تأسست الشركة كان نشاطها مقتصرًا على المحاماة، ولكن المناخ المالى فى ذلك الوقت، أدى إلى تحويل تركيزها إلى الاستثمار.
الاستثمار الأسود
يواجه مهرجان «كامبريدج» الأدبى انتقادات حادة ودعوات لإسقاط رعاية شركة «بيلى جيفورد» بسبب صلاتها بصناعات الدفاع والتكنولوجيا الإسرائيلية.
وتعرض المهرجان الأدبى لضغوط من عدد كبير من الكتاب والنشطاء لقطع العلاقات مع الجهة الراعية، حسبما ذكرت صحيفة «ديلى تلجراف» البريطانية.
وتتواكب تلك التحركات مع إلغاء كل من مهرجان «هاى» الأدبى و«إدنبرة» للكتاب، عقود الرعاية الخاصة بهما مع «بيلى جيفورد» بعد أن هدد المؤلفون بمقاطعتهما بسبب صلات الشركة بالاحتلال الإسرائيلى.
وطالب الأدباء بأن يتخلى مهرجان كامبريدج الأدبى عن رعاية بيلى جيفورد، وأرسل أكثر من ٢٠٠ كاتب تهديدات بـ«التصعيد والتعطيل» ضد الحدث، منهم الكاتبتان ناعومى كلاين وسالى رونى، اللتان وقعتا على رسالة تدعو الشركة إلى إسقاط استثماراتها فى الشركات التى تستفيد من الاستعمار والقتل.
وعلق مهرجان كامبريدج الذى سيقام فى نوفمبر المقبل، على تلك الانتقادات قائلًا: «توفر المهرجانات الأدبية منصة للمحادثات المفتوحة حول عدد كبير من المواضيع بما فى ذلك تغير المناخ والسياسة.. ونحن نشاطر المؤلفين والناشطين مخاوفهم بشأن الاستثمار فى الوقود الأحفورى والاستثمارات فى بناء المستوطنات بالأراضى الفلسطينية المحتلة».
وأضاف المهرجان فى بيان: «اتصل بنا عدد من المنظمات وبعض مؤيدينا يحثوننا على إنهاء علاقتنا أيضًا مع (بيلى جيفورد) وسيتم التعامل مع هذه القضايا بالأهمية الكبيرة التى تستحقها، وسينظر فيها الأمناء بعناية فى اجتماع مجلس الإدارة القادم فى يونيو الجارى».
ويعد المهرجان هو الحدث الأدبى الأبرز الذى يستهدفه الناشطون الذين يصرون على إنهاء مهرجانات الكتب جميع علاقاتها مع شركة «بيلى جيفورد»، التى ترعى الأحداث الأدبية فى جميع أنحاء البلاد.
وحاولت حملة «Fossil Free Books» أيضًا، التأثير والضغط على أكبر اتحاد للكتاب فى المملكة المتحدة، وهو يعتبر جمعية للمؤلفين، لإصدار دعوة إلى وقف إطلاق النار وإنهاء الإبادة الجماعية فى غزة.
وتجرى «بيلى جيفورد» محادثات مع مهرجانات الكتاب فى المملكة المتحدة، بعد التهديدات والانتقادات الحادة، وإسقاط بعض الفعاليات الأدبية رعاية الشركة.
وتعقد الشركة محادثات مع ٧ مهرجانات أدبية أخرى ترعاها فى المملكة المتحدة، لتحديد ما إذا كان من الممكن مواصلة العلاقات معها من عدمه، وفقًا للعديد من الأشخاص المطلعين على المناقشات.
وقال مطلعون على المحادثات إن «بيلى جيفورد» تتفاوض مع مهرجانات «كامبريدج وستراتفورد وهينلى وتشيلتنهام وويمبلدون فى إنجلترا، وويجتاون وبوردرز فى أسكتلندا»، بشأن رعايتها.
وتحاول «بيلى جيفورد» تبرئة نفسها من الاتهامات الموجهة إليها زاعمة أن استثماراتها البالغة ٢٪ فى صناعة البتروكيماويات أقل بكثير من متوسط الاستثمارات فى الصناعة.
وتزعم «بيلى جيفورد» أيضًا أنه على الرغم من استثمارها فى «أمازون» وشركة التكنولوجيا «نفيديا»، اللتين لديهما تعاملات تجارية فى إسرائيل، فإن كل مستهلك فى العالم المتقدم تقريبًا يستخدم خدمات هاتين الشركتين، لكن «بيلى جيفورد» اعترفت بأن لديها استثمارات صغيرة فى شركات مثل Airbnb وBooking Holdings وCemex، وهى الشركات التى اتهمتها الحملة بأن لها مصالح تجارية فى المستوطنات الإسرائيلية بالأراضى المحتلة.
صحوة ضمير
ألغى مهرجان «هاى» للأدب والفنون الذى يقام فى ويلز، لمدة ١٠ أيام، عقد رعايته مع شركة «بيلى جيفورد» الذى دام ٨ سنوات، بعد الجدل حول علاقات الأخيرة مع الكيان الإسرائيلى وشركات الوقود الأحفورى.
وجاء ذلك بعد ضغوط من أدباء ومؤلفين، ورفض فنانون من بينهم شارلوت تشيرش ونيش كومار، الظهور فى المهرجان المرموق احتجاجًا على رعاية الشركة للحدث، حسبما صحيفة «جارديان» البريطانية.
وفى بيانها الذى نشرته على حسابها بموقع التواصل الاجتماعى «إنستجرام»، قالت المغنية والناشطة المؤيدة للفلسطينيين شارلوت تشيرش، إنها ستقاطع مهرجان «هاى» احتجاجًا على الشبهات التى تلاحق شركة الرعاية، مضيفة «مهرجانكم الفنى ليس أكثر أهمية من حياة الأطفال الفلسطينيين ومستقبل النظم البيئية الصحية على الأرض، وإذا استمر عالم الفن فى تلقى هذه الأموال القذرة، فسنصبح جميعًا متواطئين».
وجاء بيان «تشيرش» بعد أن نشر الممثل الكوميدى كومار، بيانًا لحملة «Fossil Free Books»، على صفحته، وعلق عليه قائلًا «أحب المهرجان والأشخاص الذين يعملون فيه، لكن هذا كان القرار الصحيح بالنسبة لى».
كما انسحبت أيضًا النائبة العمالية دون بتلر، وزميلتها شامى تشاكرابارتى، والكاتبة الاقتصادية جريس بلاكيلى من برنامج المتحدثين فى مهرجان «هاى».
قالت جولى فينش الرئيسة التنفيذية لمهرجان «هاى» إن قرار إلغاء الرعاية، اتخذ فى ضوء المخاوف التى أثارها النشطاء، والضغط المكثف على المشاركين فى المهرجان للانسحاب.
ووصف أحد منظمى الكتب قرار «فينش» رئيسة مهرجان هاى بإلغاء عقد الرعاية مع «بيلى جيفورد» بأنه يظهر «القوة التى نمتلكها عندما نتحد»، حسب قوله.
ويعتبر مهرجان هاى للأدب والفنون حدثًا بارزًا فى الثقافة البريطانية، وتم تسجيل جلساته وإذاعتها ضمن برامج تليفزيونية، وتبنته الحملة الترويجية للقراء والكتاب والعرض الواحد، وشاركت جميع قنوات الإذاعة الوطنية التابعة لهيئة الإذاعة البريطانية باستثناء راديو «بى بى سى ١» فى بث فعاليته، وعرضت «سكاى آرتس» أبرز أحداثه من عام ٢٠١٠ حتى عام ٢٠١٣.
كما تعرض مهرجان «أدنبرة» للكتاب، الذى سيقام هذا العام فى الفترة من ١٠ إلى ٢٥ أغسطس، لضغوط من الكتاب والنشطاء بسبب عقد رعايته من شركة «بيلى جيفورد» التى وصفوها بأنها الراعى الرسمى للجرائم الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، وفقًا لصحيفة «صنداى تايمز» البريطانية.
وأعلن مهرجان أدنبرة فى ٣٠ مايو، عن انتهاء شراكته التى استمرت ٢٠ عامًا مع «بيلى جيفورد»، بعد أقل من أسبوع، من إلغاء مهرجان هاى الأدبى أيضًا رعايته مع الشركة بعد سلسلة من الانسحابات.
وقال مهرجان إدنبرة فى بيان: «قدرتنا على تقديم حدث آمن وناجح فى شهر أغسطس، للجماهير والمؤلفين قد تعرضت للخطر الشديد، بعد انسحاب العديد من المؤلفين، والتهديدات بالتعطيل من النشطاء».
وجاء قرار المهرجان، بعد ضغوط حملة «Fossil Free Books»، التى أطلقها متخصصون فى الصناعة الأدبية، وإصدارهم بيانات متعددة حول أشركة «بيلى جيفورد» تستثمر فى شركات مرتبطة بالجيش الإسرائيلى وإنشاء المستوطنات الإسرائيلية فى الضفة الغربية المحتلة، إضافة إلى عدد من شركات الوقود الأحفورى الكبرى.
وأضافت الحملة أن شركة «بيلى جيفورد» مستثمر كبير فى العديد من شركات التكنولوجيا المتعددة الجنسيات، مثل «أمازون ونفيديا وميتا»، التى لديها تعاملات تجارية مع الاحتلال الإسرائيلى فى سياق أعمالها الشاملة، مشيرة إلى أنها أيضًا تستثمر فى ٣ شركات تمارس أنشطة فى المستوطنات بالأراضى الفلسطينية المحتلة.
وقالت الحملة إن مسئوليتها تتمثل فى صنع مواقف أخلاقية، حول مدى شرعية التعامل مع شركات الوقود الأحفورى أو المرتبطة بأعمال دعم لإسرائيل، وأنشطتها الاستعمارية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة.
ويقام مهرجان إدنبرة الدولى للكتاب لدة أسبوعين فى شهر أغسطس من كل عام، فى وسط مدينة إدنبرة فى اسكتلندا، ويوصف بأنه أكبر مهرجان من نوعه فى العالم، ويستضيف سلسلة من المناقشات الثقافية والسياسية، إلى جانب برنامج فعاليات للأطفال.
وأقيم لأول مرة فى خيمة فى إدنبرة عام ١٩٨٣، وكان فى البداية حدثًا يقام مرة كل سنتين، ثم بدأ يقام سنويًا منذ عام ١٩٩٧، وهو يعتبر حدثًا دوليًا كبيرًا، ضمن أحداث أدبية كبرى تجرى فى إدنبرة.