«إيان فليمنج: الرجل الكامل».. أسرار خفية فى حياة مبتكر أسطورة جيمس بوند
خلال إحدى محاضراته، تلقى الكاتب الصحفى الأمريكى مايكل ديردا، الحائز على جائزتى «بوليتزر» و«إدجار»، سؤالًا من أحد الطلبة: «ما الشخصية الخيالية التى تحب أن تكونها؟»، ليمسك الميكروفون ويجيب بأعلى صوته: «بوند.. جيمس بوند»، فى إشارة إلى شخصية رجل المخابرات، المعروف بـ«العميل 007»، التى ابتكرها الكاتب إيان فليمنج.
وقبل عدة أيام، نشر «ديردا» مقالًا فى صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، كشف فيه تفاصيل كتاب «إيان فليمنج: الرجل الكامل»، لنيكولاس شكسبير، الذى يعد واحدًا من أشهر كتّاب السيرة الذاتية، والأكثر موهبة فى الوقت الحاضر، والذى يتناول فيه سيرة حياة مبتكر شخصية «بوند» إيان فليمنج.
ويكشف «شكسبير»، فى كتابه الذى صدر قبل عدة أشهر، الكثير من أسرار إيان فليمنج، ويعد الكتاب أحدث الإصدارات التى تناولت «بوند» صانع أشهر شخصيات عالم الجاسوسية، والتى حازت شهرة عالمية، سواءً من خلال روايات «فليمنج»، أو من خلال سلسلة الأفلام التى اُقتُبست عنها، وتابعها الملايين حول العالم، والذين لا يزالون ينتظرون المزيد منها حتى الآن.
وفى ذكرى ميلاد إيان فليمنج الـ116، التى تحل الشهر الجارى، تحتفى «حرف» بمبتكر «جيمس بوند»، من خلال تقديم قراءة مختصرة لكتاب «إيان فليمنج: الرجل الكامل».
الرجل الكامل
فى أواخر العام الماضى، نشر نيكولاس شكسبير، الذى وصفته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية، بأنه أحد أفضل الروائيين الإنجليز فى العصر الحديث، كتاب «إيان فليمنج: الرجل الكامل» عن دار النشر الشهيرة «هارفيل سيكر»، وهو سيرة ذاتية جديدة للرجل الذى يقف وراء جيمس بوند.
وتستمد السيرة الذاتية التى كتبها نيكولاس شكسبير عن إيان فليمنج، عنوانها الفرعى، من وصف أحد الصحفيين، لـ«فليمنج» بأنه كان رجلًا كاملًا، فى أثناء عمله لصالح الاستخبارات البحرية البريطانية فى الحرب العالمية الثانية.
وأشار الكتاب إلى أن طفولة «إيان» مع أخيه الموهوب «بيتر»، وأمه، غير العادية، صنعت طموحه فى أن يكون الرجل الكامل، وسعى جاهدًا للحصول على الوسائل اللازمة لتحقيق هذا الكمال طوال حياته، إلى أن أصبح كاتبًا مهمًا خلال سنواته الاثنتى عشرة الأخيرة.
ووضعته حياته الشخصية الدرامية، ومسيرته المهنية المثيرة للإعجاب فى المخابرات البحرية، فى قلب ومركز الأحداث الحاسمة فى تاريخ العالم، كما منحته أيضًا إلهامًا وخيالًا كبيرًا للكتابة والتأليف.
وتعد إحدى نقاط القوة فى كتاب «إيان فليمنج: الرجل الكامل»، هو أن مؤلفه كانت لديه إمكانية وصول غير مسبوقة، إلى أوراق عائلة «فليمنج» الخاصة، بالإضافة إلى أنه امتلك سجلًا ضخمًا لحياته ومسيرته، وامتلك أيضًا نظرة كاشفة عن بريطانيا ما بعد الحرب العالمية، وما بعد الإمبراطورية.
وتعطى الشهادات المأخوذة من المذكرات والأوراق والمقابلات، للكتاب نكهة تاريخية، حيث بذل «شكسبير» جهودًا كبيرة، فى تعقب مسيرة ضابط مخضرم سابق، يعتبر آخر ضابط كان على قيد الحياة فى وحدة كوماندوز سرية، ترأسها خلال الحرب العالمية.
ويتناول النصف الأول من الكتاب، مسيرة إيان فيلمنج، من ناحية العمل العسكرى، والصحفى أيضًا، وكيفية بحثه عن أسلحة الدمار الشامل الألمانية؛ ولهاثه وراء الحصول على سبق صحفى حول «جواسيس كامبريدج»، بالإضافة إلى رصده ما كان يحدث فى غرف نوم الأثرياء الإنجليز.
وفى السيرة الذاتية، المؤلفة من ٨٢١ صفحة، يطالع القارئ الفصول المركزية الطويلة المخصصة، لأعمال «فليمنج» الاستخباراتية فى زمن الحرب، لكن بتوثيق غير واضح، لأن السجلات ذات الصلة إما دمرت أو ظلت سرية.
واستنتج «شكسبير» أن «فليمنج» كان أكثر بكثير من مجرد مساعد مكتبى لرئيس الاستخبارات البحرية، ومن المحتمل جدًا أنه كان العقل المدبر الموجه للإدارة، واصفًا فى هذه الفصول، استراتيجيات التجسس، والاجتماعات، مع كبار عملاء الاستخبارات الأمريكيين، والعمليات الناجحة والفاشلة أيضًا التى أجراها.
العميل 007
رصد «شكسبير» فى كتابه، كيف صنع إيان فليمنج، أعظم إبداعاته، المتمثل فى شخصية «جيمس بوند»، والتى كان لها تأثير هائل ومستمر على الثقافة المجتمعية فى بريطانيا والغرب بشكل عام، حيث قدمت نموذج البطولة الوطنية.
ووفقًا لنيكولاس شكسبير، هناك مصدران أو ٣ مصادر، وراء اختيار اسم جيمس بوند، كبطل لروايات «فليمنج»، فقد كان المؤلف، البالغ من العمر ٤٣ عامًا، حينها، يقضى شهرين من كل عام فى جامايكا، ويستمتع بمشاهدة أنواع الطيور فيها، ويستشير بانتظام عالم طيور من فيلادلفيا يُدعى جيمس بوند فى هذا الأمر، وهو مؤلف كتاب «طيور جامايكا»، وهذا هو المصدر الأول للاسم.
وعندما كان يعمل فى المخابرات البحرية البريطانية، خلال الحرب العالمية الثانية، أشرف على عملية إنقاذ نفذها بطل يدعى رودنى بوند، وكان اسم «بوند» قاسمًا مشتركًا، بين عدد من الأبطال والشخصيات التى التقاها.
ورأى «شكسبير» أن «فليمنج» بنى «بوند»، من مزيج من أسماء العملاء وأبطال القوات الخاصة التى يعرفها، بالإضافة إلى هويته هو شخصيًا، وشقيقه الأكبر الجندى والمغامر والصحفى بيتر فليمنج، مؤلف كتاب السفر الكلاسيكى «المغامرة البرازيلية» الذى كتبه عام ١٩٣٣.
وكشف مؤلف «إيان فليمنج: الرجل الكامل»، أن مبدع «بوند»، عندما كان شابًا، تصرف بنبل مع النساء مثل بطله، وفى الواقع كان يحمل كاريزما خاصة وقدرة على جذب الانتباه إليه.
وتوفى «فليمنج» عام ١٩٦٤ عن عمر يناهز ٥٦ عامًا، بسبب مرض فى القلب، والذى أسهم فيه بلا شك تدخينه ٦٠ سيجارة أو أكثر يوميًا، كما كان يفعل بطل رواياته جيمس بوند الذى يظهر دائما شرهًا للتدخين.
وقال «شكسبير» إن روايات «بوند» الاثنتى عشرة التى كتبها «فليمنج» بدءًا من رواية «كازينو رويال» عام ١٩٥٣، والتى كتبها فى شهر واحد فى مخبئه الشتوى فى جامايكا، كانت فى الأساس التعبير الأدبى عن أزمة منتصف العمر التى عانى منها، «فليمنج» فى حياته الاجتماعية، وفى علاقته الغرامية مع زوجته آن تشارترس، التى تسببت فى فضيحة فى المجتمع الراقى، قبل طلاقها من زوجها السابق وريث «ديلى ميل»، إزموند هارمزورث، حيث تزوجها «فليمنج» عام ١٩٥٢، وبعد عام من زواجهما، كتب رواية «كازينو رويال».
أنجب «فليمنج» من «آن»، ابنًا، وكانت تحب السهر خارج المنزل، حفلات العشاء وضيوف المنزل، وكان هو يعيش أسعد أوقاته عندما يلعب الجولف، لكن لم يكن أى منهما مخلصًا للآخر، وخانته «آن» لاحقًا مع زعيم حزب العمال هيو جايتسكيل، الذى اعترف به فيما بعد، أن روايات بوند «الجنس والعنف والكحول» كانت لا تقاوم بالنسبة لمن يعيش حياة مقيدة مثله.
ساحر النساء
لا ينكر أحد أن «فليمنج» أبدع فى صناعة «جيمس بوند»، وكان «شكسبير»، حريصًا على توضيح كيف تمكن «فليمنج» من استعمال خياله وتجربته الخاصة أيضًا فى صناعة الشخصية، مستعينًا بالجوانب الثرية فى نشأته وخلفيته العائلية.
وكان جد «فليمنج»، روبرت فليمنج، أحد كبار المصرفيين فى بريطانيا، وأحد أغنى الرجال فى العالم، وقد قتل والده «فالنتاين»، خلال الحرب العالمية الأولى، وكتب ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا السابق، نعيه فى صحيفة «التايمز»، وكانت والدته «إيف»، تلجأ للشعوذة لاستحضار روح والده أمامه وإخوته، وكان الشقيق الأكبر له، «بيتر»، بارعًا فى ألعاب القوى فى الدراسة، وكان يُنظر إليه على أنه سيكون رئيسًا للوزراء فى المستقبل.
وولد «فليمنج» عام ١٩٠٨، وهو الابن الثانى المتقلب المزاج لوالديه، وظهرت شخصية شقيقه «بيتر» فى روايات «بوند».
وسرد «شكسبير» فى كتابه، كيفية تحول جد «فليمنج»، رجل المال الاسكتلندى، إلى مليونير، وكيف تجاهل «فليمنج» إخوته فى وصيته، وكيف عاش طفولته المضطربة فى ظل وفاة والده فى الحرب العالمية الأولى، وكيف تولى أصدقاء العائلة فى سويسرا تعليمه، وكيف كانت درجاته فى الامتحانات ليست جيدة بما فيه الكفاية، للتعيين فى وزارة الخارجية.
وقال «شكسبير» «إيف فليمنج والدته سيطرت عليه، وكانت المتحكمة الفعلية فى أموال العائلة، حتى إنها جعلته ينفصل عن المرأة، التى يريد الزواج منها، وهى سويسرية، من خلال التهديد بقطع مخصصاته المالية، ولم تتزوج «إيف» مرة أخرى».
وأكمل: «يرجع ذلك إلى أن وصية زوجها الراحل، نصت على التنازل عن الكثير من ثروتها الهائلة، إذا تزوجت بعد وفاته، لكن هذا لم يمنعها من إقامة علاقة غرامية مع الرسام أوجست جون، الذى أنجبت منه بنتًا، هى أخت فليمنج غير الشقيقة، أماريليس».
وتابع: «عندما كبر فليمنج، اكتشف أن له قدرة على سحر النساء فحسب، واستخدمها مرارًا وتكرارًا، ودخل فى علاقات مع صديقات وزوجات أصدقائه، والأكثر غرابة، كان استعداده لقبول الهدايا والأموال من النساء الأكبر سنًا مقابل الدخول فى علاقات معهن، لدرجة أن إحداهن أعطته ما يعادل ربع مليون دولار فى وقتنا الحالى، وكان ذكيًا ومقتدرًا، وحصل على جميع وظائفه تقريبًا، خاصة عمله كصحفى مع وكالة رويترز، من خلال وساطة تدخلات النساء المعجبات».
وتابع: «عندما كان يتم تعيينه فى أى وظيفة، كان يكسب سريعًا مودة وثقة رؤسائه، سواء كان الأدميرال جون جودفرى من المخابرات البحرية، أو اللورد كيمسلى، مالك صحيفة صنداى تايمز، الذى عينه محررًا للشئون الخارجية للصحيفة، براتب باهظ وشهرين إجازة مدفوعة الأجر كل عام، وعاش فليمنج فى رفاهية، حتى قبل أن تبدأ أفلام بوند الأولى فى جلب الأموال الطائلة له».
وتكشف السيرة الذاتية لشكسبير الطبيعة والأوضاع التى كانت عليها بريطانيا فى ذلك الوقت، الذى عاش فيه «فليمنج»، والعلاقات الاجتماعية الغريبة التى خاضها، وتجاربه سواء فى الحب أو العمل أو السياسة.