الأحد 08 سبتمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

كشف المؤرخ الدجال.. مثلية سارة حجازى فى عقل خالد فهمى 

العدد الرابع والعشرون
العدد الرابع والعشرون

- خالد فهمى شارك فى تمويل ودعم عدد من المنصات الإعلامية التى تعلن عداءها الواضح للدولة

- صفحة «الموقف المصرى» منصة تنشر أكاذيب وشائعات وتضليلات ومعلومات مبتورة واتهامات طائشة

فى ١٣ يونيو ٢٠٢٤، نشر الكاتب والمؤرخ خالد فهمى، على حسابه الشخصى بـ«فيسبوك»، صورة للناشطة المنتحرة سارة حجازى، وكتب تعليقًا من كلمات قليلة، وكأنها رسالة خاصة إليها، قال فيها: «لروحك السكينة والسلام يا سارة». 

وبعد دقائق من هذه الرسالة، شارك متابعوه ما كتبه محمد نعيم على صفحته، قال فيه: «اللى حصل من أربع سنين، إن فيه إنسانة اسمها سارة حجازى تصادف أنها شيوعية ومنتمية للثورة وإن تفضيلها الجنسى مثلى، قررت الانتحار شنقًا فى المنفى، بعد أن حاصرها الاكتئاب والوحدة والتجربة المؤلمة فى بلدها، بعد أن تعرضت للاعتقال والإهانة والتكدير والتنكيل والوصم». 

سارة حجازى 

«هذه الإنسانة أيضًا تصادف أنها كانت شخصية طيبة ولطيفة ورقيقة وحساسة بشهادة كل اللى عرفوها، إنسانة طيبة لا تملك إزاء وجودها إلا المودة». 

«وبانتحارها المأساوى تحول ألمها وتجربتها إلى معنى رمزى عند كثيرين من اللى بيتقاطعوا معاها فى خيارات وانتماءات مختلفة». 

«الرمزية والمكانة التبجيلية دى أصابت قطاعات واسعة بالضيق والضجر والعدوان، لأن القطاعات دى عندها تصور واحد ووحيد عن معنى الرمز، ومعنى الشرف، ومعنى الاحترام، ومعنى المكانة». 

«نفس الارتباك اللى واجه قطاعات واسعة من تحول الشيوعى المسيحى مينا دانيال إلى رمز، رمز للتضحية وللشهادة بالمعنى الثورى الشعبى، لأنه مينفعش يكون حد بالمواصفات دى رمز أو قدوة». 

«وفى أتون معركة مَن هو جدير ومًن هو محترم، ومًن هو رمز، بتستأسد قوى وأفراد مصرين على احتكار معانى الخير والكمال والتضحية، وفى سعيهم المحموم للاحتكار ده بيدوسوا دون أن يدروا على أى معنى للشرف أو الاحترام أو للمكانة، إلا معنى واحد فقط، وهو المكانة بالقوة والجبروت والعسف، وده بالضبط اللى بيعمله عبدالفتاح السيسى فى الجميع، بمنتهى القسوة والإذلال العارى». 

«وعشان كده حيفضل قادر ومكمل فى اللى بيعمله، وعشان كده هو واثق فى اللى بيعمله، لا بيهمه إنسان ولا شجر ولا حجر ولا ضمير، عشان القوة بس من وجهة نظره هى اللى ليها الغلبة». 

مشاركة خالد فهمى لما كتبه نعيم دون تعليق منه عليه، تؤكد أنه يوافقه تمامًا فيما قاله، وليس هذا غريبًا بالنسبة لى، فخالد فعليًا يعمل على الأرض ما هو أكثر، وهو ما يجعلنى أتوقف عنده بعض الشىء. 

خالد فهمى

قضيتى هنا ليست سارة حجازى على الإطلاق، فقد ذهبت إلى الله، وهو وحده من يملك الحكم عليها فى عالمه الغيبى الذى لا نعرف عنه شيئًا، فله سبحانه فيه أحكامه وقوانينه التى لا يُظلم فيها أحد عنده أبدًا. 

كانت سارة حجازى واعية تمامًا بما تريده، وهو ما ظهر فى اختياراتها التى قادتها فى النهاية إلى الاختيار الأخير بالتخلص من حياتها وهى فى المنفى. 

فتاة اختارت ودفعت ثمن اختيارها الذى كانت تراه صحيحًا، وليس بالضرورى أن نراه نحن أيضًا كذلك، وإلا فلماذا خلق الله الاختلاف بين البشر؟ 

ولدت سارة حجازى فى العام ١٩٨٩ وانتحرت فى العام ٢٠٢٠. 

ماتت وعمرها واحد وثلاثون عامًا. 

تخرجت فى العام ٢٠١٠ من أكاديمية طيبة التى حصلت منها على بكالوريس فى نظم المعلومات، ثم أكملت دراستها فى الجامعة الأمريكية بمركز التعليم المستمر من خلال التعليم عن بُعد، وحصلت على درجتها العلمية فى العام ٢٠١٦. 

كانت سارة من بين الشباب الذين شاركوا فى أحداث ٢٥ يناير ٢٠١١، كانت تعرف نفسها بأنها شيوعية وعضو فى حزب «العيش والحرية». 

وحزب «العيش والحرية» لمن لا يعرفه هو حزب يعرف نفسه بأنه اشتراكى ديمقراطى، أنشأه أعضاء سابقون فى حزب «التحالف الشعبى الاشتراكى»، بعد أن قدم ٢٨٠ عضوًا من حزب التحالف استقالاتهم فى أوائل نوفمبر ٢٠١٣، احتجاجًا على سياسة رئيس الحزب عبدالغفار شكر فى انحيازه للجيش خلال الفترة الانتقالية، ودفاعه عن تصرفات الشرطة. 

خالد على 

كان خالد على المحامى الشهير هو وكيل مؤسسى حزب «العيش والحرية»، وفى العام ٢٠١٨ تقدم باستقالته من الحزب على خلفية اتهامات موجهة له بالتحرش، ولأحد أعضاء الحزب باغتصاب إحدى الفتيات التى عُرفت إعلاميًا بـ«فتاة الإيميل». 

وقتها نشر خالد بيانًا مطولًا دافع فيه عن نفسه، وقال إن لجنة التحقيق المستقلة التى حققت معه فى الواقعة المنسوبة إليه، انتهت إلى أنه لم يرتكب أى فعل أو لفظ يمثل سلوكًا جنسيًا يمكن إدانته عليه. 

وأضاف على: «مهما كان تعليقى على ما ذكر، فإن ذلك لا يعنى تجاهلى مشاعر من اتهمتنى ولا تجاهل الصورة التى وقرت فى ذهنها، فمجرد تفكيرها هذا التفكير يلزمنى بأن أقدم لها اعتذارًا عن هذا الألم الذى تعرضت له». 

لم يكن كل ما قاله خالد صحيحًا، ففى بيان اللجنة المستقلة التى علقت على ما قاله إشارة إلى أنه يجب أن يفصل بين العام والخاص، فى إشارة خفية منها إلى أن هناك شيئًا ما حدث، وأنه قد يكون قام بما يدينه. 

كان طبيعيًا أن تواجه سارة حجازى هذه التصرفات بشىء من القلق، فالحزب الذى تنتمى إليه ليس مستقرًا بما يكفى، لكن هذا الاضطراب لم يكن شيئًا أمام القلق الذى واجهته على المستوى الشخصى. 

حدث هذا قبل واقعة خالد على بشهور. 

كنا فى العام ٢٠١٧. 

فرقة «مشروع ليلى» تقيم حفلًا فى القاهرة، المغنى الرئيسى للفرقة هو «حامد سنو» المعروف بميوله مثلية الجنس، خلال الحفل الذى حضرته سارة وبعض رفيقاتها، قمن برفع أعلام قوس قزح دعمًا لحقوق المثليين، فتم القبض عليها ووجهت لها النيابة تهمة التحريض على الفسق والفجور فى المجتمع. 

هنا الأمر يسير فى مساره الطبيعى تمامًا. 

فسارة حجازى عملت بقوانينها، والدولة عملت بقوانيها أيضًا. 

كل طرف طبق ما يرى أنه صحيح. 

هى ترفع علم «الرينبو»، والدولة تتهمها بالتحريض على الفسق والفجور. 

معادلة متساوية. 

لا يمكن لأحد أن ينتقدها أو يقول إنها خطأ. 

مشكلة سارة التى ظلت مسجونة لما يقترب من ثلاثة أشهر، كان فى الادعاءات التى نشرتها بعد خروجها من السجن وهجرتها إلى كندا، من أنها عانت من تحريض عليها ودفع السجينات معها إلى ضربها والاعتداء عليها لفظيًا وجنسيًا. 

حامد سنو

ولأن هناك من يتربص دائمًا، فقد بدأت محاولة صناعة بطلة ورمز من سارة حجازى، فتم الادعاء بأن القبض عليها لم يكن لأنها مثلية، ولكن لأنها معارضة للنظام، وأنها كانت تعاقب لأنها ترفض سياساته، وقد يكون هذا هو المبرر الأكبر لخالد فهمى لأن يتعاطف مع سارة، ويُحيى ذكراها على صفحته بعد أربع سنوات من انتحارها، بل يحتفى بمن كتب عنها باعتبارها رمزًا كذلك. 

لا يشغلنى انتحار سارة حجازى من قريب أو بعيد، فما فعلته اختيار، قد تكون له أسبابه التى أحاطت به، ولا يمكننى أن أكذبها فيما قالته عن القسوة التى قابلتها فى الحياة، وهو ما بدا من الرسالة التى تركتها لمن يهمهم أمرها قبل أن تُقدم على الانتحار، ففى الرسالة «إلى إخوتى.. حاولت النجاة وفشلت، سامحونى، إلى أصدقائى.. التجربة قاسية وأنا أضعف من أن أقاومها.. سامحونى، إلى العالم.. كنت قاسيًا إلى حد عظيم.. ولكنى أسامح». 

كان هذا فى النهاية هو اختيارها الحر. 

لكن يشغلنى موقف خالد فهمى المثقف الرفيع الذى ضل ويصر على أن يضل. 

خالد من مواليد العام ١٩٦٤، أستاذ تاريخ مرموق، يعمل فى جامعة «تافتس» فى مجال التاريخ الاجتماعى والثقافى فى الشرق الأوسط، ويشغله تحديدًا تاريخ الجيش والطب والقانون فى القرن التاسع عشر. 

التاريخ العلمى والثقافى لخالد يُجبرك على احترامه وتقديره. 

فقد حصل على درجة البكالوريس فى الاقتصاد فى العام ١٩٨٥، ثم درجة الماجستير فى العلوم السياسية فى العام ١٩٨٨ من الجامعة الأمريكية بالقاهرة، والدكتوراه فى التاريخ الاقتصادى والاجتماعى من كلية القديس بطرس بجامعة أوكسفورد فى العام ١٩٩٣، وعمل بها حتى أصبح أستاذًا مساعدًا فى قسم دراسات الشرق الأدنى حتى العام ١٩٩٩. 

وفى العام ٢٠١٠ عمل أستاذًا فى قسم الدراسات الشرقية والإسلامية فى جامعة نيويورك، وفى نفس العام عاد إلى القاهرة ليعمل رئيسًا لقسم التاريخ بالجامعة الأمريكية، وبعد سنوات غادر القاهرة ليستأنف عمله فى جامعات الخارج. 

هذه السيرة العلمية كان من المفروض أن تؤهل خالد فهمى لفهم ما يحدث على الأرض، فأستاذ التاريخ الاجتماعى والاقتصادى لم يستوعب فيما يبدو التغيرات التى تحدث هنا فى مصر، فقاده عدم فهمه إلى أن يكون خصمًا لنظام ما بعد ٣٠ يونيو. 

لم يكتف خالد بأن يكون خصمًا فكريًا فقط، ولكنه انتقل إلى العمل السياسى، ويشارك بالفعل فى تمويل ودعم عدد من المنصات الإعلامية التى تعلن عداءها الواضح للدولة المصرية، وعلاقته بموقع «مدى مصرى» وتأسيسه صفحة «الموقف المصرى» ليس ببعيد عما نقوله. 

لقد سخّر خالد فهمى كل قدراته وإمكاناته العلمية فى العداء للدولة المصرية، وعندما تراجع صفحة «الموقف المصرى» الآن، فلن تجد إلا منصة تنشر أكاذيب وشائعات وتضليلات ومعلومات مبتورة واتهامات طائشة، ما يجعل تسأل نفسك ما الذى يجعل أستاذ تاريخ ومؤرخ ومفكر ينزلق إلى هذا المستنقع العفن؟ 

لا يمكن أن نستبعد أبدًا حالة تعالى المثقف على الواقع، وهى الحالة التى تبدو وتتجلى فى أداء خالد فهمى، فهو يملك قدرًا متعاظمًا من الغرور والاعتقاد بالفهم وتصور نفسه يدرك كل شىء، وليس علينا إلا أن نسمع له ونسير خلفه، ولذلك فهو يمارس حالة من الازدراء العلمى لكل من يخالفه، وهو ما يبدو من منهجه فى إعادة قراءة التاريخ، وهذه قضية أخرى من المفروض أن ينشغل بها المؤرخون، فنحن أمام أستاذ تاريخ دجال بكل المقاييس العلمية، وهو أمر يطول شرحه. 

قد يكون خالد فهمى متعاطفًا مع ما جرى لسارة حجازى لأسباب شخصية تخصه، وفى هذه الحالة لا يمكن أن نلومه أو نعاتبه على ذلك، فهذا اختياره أيضًا، ولا يمكن أن نجادله فيه، فكل إنسان حر فيما يعتقد وفيما يذهب من أداءات وسلوكيات؛ حتى لو كانت تخالف ما توافق عليه المجتمع. 

لكن ما يهمنى هنا هو حالة الدجل المتكاملة التى يمارسها خالد فهمى وآخرون على هامش قضية سارة حجازى وكل ما يتعلق بها، للدرجة التى يعتبرون فيها ذكرى وفاتها مناسبة لا بد من إحيائها. 

لقد تم القبض على سارة حجازى هنا فى مصر، ليس لأنها مثلية الجنس، ولكن لأنها قررت أن تجاهر بذلك وتدعو إليه وتناصره وتدعمه، وأعتقد أن خالد فهمى لا يوافق على أن تكون هناك دعوة واضحة وصريحة فى مصر للمثلية الجنسية، إلا إذا كان الموضوع يهمه بشكل شخصى. 

لقد انتحرت سارة حجازى لأن العالم القاسى، كما وصفته، لم يتسامح معها فيما قررت أن تفعله، وليس لأنه لم يمكنها من اختيارها بأن تكون مثلية الجنس، فهناك كثيرون مثلها لا يتعرض لهم أحد، لكن خالد ومن يسيرون على خطاه يريدون تحويلها إلى رمز للنضال والمعارضة، فيلبسونها ثوب المناهضة للنظام، ويستشهدون بمقال لها هنا أو تصريح لها هناك.. وهذه هى المصيبة الفكرية الكبرى. 

من حق خالد فهمى أن يكون معارضًا. 

من حقه أن ينقب فى التاريخ المصرى ليثبت وجهة نظره. 

لكن ما ليس من حقه أبدًا هو أن يقوم بلى ذراع الحقائق والوقائع ليدلل على ما يريده، هنا لا يمكننا أن نتعامل معه على أنه أستاذ تاريخ مرموق، بل هو مجرد نصاب علمى، ولا يمكن أن نقر له بأن قراءاته التاريخية صحيحة، فهى ليست إلا تضليلًا بأثر رجعى.