جريمة لا تسقط بالتقادم.. «حرف» تكشف أسرار غلاف الشاطر فى «أخبار الأدب»
- كان محمد البرادعى وطلعت السادات وأيمن نور وعبدالمنعم أبوالفتوح موجودين فى هذا العدد فلماذا وقفوا أمام «الشاطر»
تستعيد مصر هذه الأيام أيامًا خالدة فى تاريخها المعاصر، ذكرى ثورة 30 يونيو 2013، التى سجلت انتصار إرادة المصريين، ووقفتهم الشجاعة للدفاع عن هويتهم الحضارية التى حاولت جماعة «الإخوان» الإرهابية طمسها بكل الطرق الممكنة.
ومما لا ينساه كل المصريين بصفة عامة، والوسط الثقافى والصحفى خاصة، بكل ما يضمه من كتاب ومثقفين وصحفيين، عدد جريدة «أخبار الأدب» الأشهر، الذى احتل غلافه الرئيسى خيرت الشاطر، وقت حكم الجماعة الإرهابية.
«حرف» تكشف فى السطور التالية عن أسرار وكواليس جديدة حول هذا العدد الشهير، وتعرض، لأول مرة، شهادة رئيس تحرير الجريدة آنذاك، الكاتب الصحفى مجدى العفيفى، وإسلام الشيخ، مدير التحرير وقتها، إلى جانب طارق الطاهر، رئيس التحرير السابق للجريدة.. فإليكم ما قالوه.
مجدى العفيفى: صورة «خيرت الزفت» لفت انتباه
العدد المشار إليه لم يكن «عدد أزمة ولا يحزنون» كما تصفونه، بل هو مجرد عدد ضمن ٦٠ عددًا من الجريدة، صدرت خلال الفترة التى كنت فيها رئيسًا للتحرير، وهى فترة اختلط فيها الحابل بالنابل.
لكن قبل أن أتطرق إلى هذا العدد، أشير إلى الظروف التى توليت فيها رئاسة تحرير «أخبار الأدب».. فى عام ١٩٨٥ انتقلت إلى العاصمة العمانية «مسقط»، وعدت فى ٢٠٠٩ نائب رئيس «الأخبار»، وبعدها بـ٣ سنوات عرضوا علىّ بإلحاح شديد أن أتولى رئاسة تحرير «أخبار الأدب».
رفضت فى البداية لوجود «الإخوان» فى السلطة، فأنا منذ عدت كنت أكتب مقالًا أسبوعيًا فى «الأخبار»، من بينها مقال «أيها الإخوان لسنا كفارًا»، الذى هاجمتهم فيه بشدة، وأكدت أننى لا أعترف بشىء اسمه «الإسلام السياسى»، ولا أنتمى إلى أى مذهب كان. لكن بعد رفضى المنصب، ضغط علىّ الأستاذ محمد الهوارى، وهو حى يرزق، وقدم أوراقى فى آخر نصف ساعة من الوقت المحدد لتقديم الطلبات إلى مجلس الشورى آنذاك.
كنت أعرف أن اختيارى مرفوضًا لأننى أهاجم «الإخوان»، وأكتب صفحتين فى «الأخبار» أهاجم فيهما «الإسلام السياسى» والتجارة بالدين. لكن فوجئت باختيارى لرئاسة تحرير «أخبار الأدب»، فظللت أتبع المنهج الذى أسير عليه.
ظلت الأعداد تصدر وفقًا لهذا النهج حتى شهر مارس، حينها بدأت الخلافات، وفوجئت بأفعال ليست ليست من شيم الصحفيين المحترفين، من قبل ما تسمى» جماعة أخبار الأدب»، والذين كانوا من البداية يريدون أن يديروا الجريدة، وهم بالنسبة لى جيل أصغر ومثل أولادى أو أخوتى الصغار.
منذ أن توليت رئاسة «أخبار الأدب» كنت حريصًا على الثقافة والسياسة والصحافة معًا، كثلاثية متكاملة متمازجة متماسكة، وأن أطبق ما تعلمناه فى «أخبار اليوم»، وهو صحافة رجل الشارع لا النخبة ولا رجل السياسة، لذا كنت أسعى دائمًا لتقريب «أخبار الأدب» إلى رجل الشارع، تمامًا كما فى «أخبار الرياضة» و«النجوم»، أن تكون الموضوعات خفيفة ومهمة للناس، وأن تساعد على تنمية الوعى.
وبينما أعضاء هذه الجماعة حبسوا الجريدة فى إطار وشريحة معينة، فتحت الباب لكل الأطياف الاجتماعية والسياسية والثقافية فى المجتمع، فـ«أخبار الأدب» ليست عزبة أو حكرًا أو ملكًا لأحد، بل هى ملك الشعب وتعبر عنه، وهو المعروف عن مؤسسة «أخبار اليوم».
الاستراتيجية التى وضعناها حينها كانت لمواكبة المجتمع، الذى كان آنذاك يمر بمرحلة «زئبقية» متوترة للغاية وتحتاج إلى وعى، فكنا فى هذه الفترة مرة نتكلم عن المسيح، ومرة عن الخلافة الإسلامية وخرافتها، كنا ننشر موضوعات مثل «أنا أفكر إذن فأنا كافر»، و«أهل التصديق وأهل التكفير»، وفتحت المجال لكل مفكرى المجتمع.
لكن هذه الجماعة من محررى «أخبار الأدب» بدأوا فى افتعال المشكلات، مرة يقولون: إننى «يسارى وشيوعى»، ومرة يقولون: «لا ده سلفى»، ومرة ثالثة يقولون: «ده عنده هوى إخوانى»، رغم أننى لا أكره شيئًا أكثر من «الإسلام السياسى» والمتاجرة بالدين.
مع ذلك استمرت «أخبار الأدب» فى أن تكون بيتًا مفتوحًا لكل الناس والتيارات والأطياف تتحاور فيها كل الأقلام يسارًا ويمينًا، وكل الأجيال كبارًا وصغارًا، ومن القاهرة والأقاليم، لا مصادرة على فكر ولا قيد على رأى، كان هذا شعارى، بجانب شعار «العصمة فى يد الثقافة».
كان هدفى تقليب التربة المصرية، عظماء مصر فى القرى والنجوع فى الصعيد، كنت أسعى إلى كل هذه الأفكار، وهو الأمر الذى اصطدم بـ«جماعة أخبار الأدب»، كانوا ٣ هم من حبسوا الجريدة فى جزئية معينة.
بداية الأزمة كانت مع «طارق أو طاهر»، الذى كتب رسالة إلى رئيس مجلس الشورى، يقول فيها: «مشوها إنتو»، هذا ما بدأ الصراع، لأن هذا «الشخص» أراد أن يكون رئيسًا للتحرير، ومن ضمن حججه أن «العفيفى» كان خارج مصر، إشارة إلى الفترة التى كنت فيها المستشار الصحفى للسلطان قابوس لمدة ٢٠ سنة.
لا أسىء إلى أحد، لكن لدىّ وثائق عمن كانوا فى «أخبار الأدب» ويعملون فى مكتب الإرشاد وينقلون الأخبار إليه، منهم من كان يكتب للسيدة «م. ن»، ومنهم من كان أبوه زعيم «الجماعة الإسلامية» فى المنصورة.
منهم من كتب قصص الجنس الوقحة والقذرة ونشرها فى «أخبار الأدب» وحُبس سنتين، وآخر كان يشغل منصب مدير الدعاية الانتخابية لمحمد البلتاجى فى القليوبية، كل هذا كان يصلنى.
أما عن العدد الموصوف بـ«الأزمة» بسبب تصدر صورة خيرت الشاطر غلافه، فأؤكد أولًا أن هذا الغلاف جاء بعد مقال لى بعنوان: «أيها الخيرت الشاطر قف مكانك والزم حدودك مصر ليست للبيع».. مَن الذى كان يستطيع أن يتكلم بهذه الجرأة فى وجود «الإخوان»؟
العدد المشار إليه كان الجزء الأول لملف عن الثقافة والأحزاب، يركز على دور الأحزاب السياسية فى نهوض المجتمع ثقافيًا، وكانت البداية بـ«الحرية والعدالة» باعتباره الحزب الحاكم، لذا خصصنا الحلقة الأولى من الملف عن أعمال وخطط وبرنامج هذا الحزب.
الحلقة الثانية كانت عن عبدالمنعم أبوالفتوح وحزبه «مصر القوية» ودور النشر، والثالثة عن حزب «التجمع» والثقافة للفقراء، و«المصريين الأحرار» وحرية الإبداع والنشر، و«الدستور» والتنوع والاختلاف، و«الوسط» والهوية المصرية.
بالتالى هذا العدد كان ضمن ملف فى حلقتين، لمواكبة ثورة المثقفين ضد وزير الثقافة الإخوانى آنذاك، واعتصامهم فى مقر الوزارة بالزمالك للمطالبة برحيله، الذى شاركت فيه، إلى جانب المخرج مجدى أحمد على وكل المثقفين الكبار.
فى النهاية أنا ابن مدرسة «أخبار اليوم» التى تؤمن بالخبر الصادم و«نظرية الرصاصة الإعلامية»، التى تعتبر أن وضع صورة «خيرت الزفت» على غلاف الجريدة سيلفت الانتباه، وهذا ما حدث بالفعل، فالجريدة التى كانت مُجمَدة لا تطبع سوى ٣٠٠٠ نسخة بدأت ترى النور.
كان محمد البرادعى وطلعت السادات وأيمن نور وعبدالمنعم أبوالفتوح موجودين فى هذا العدد، فلماذا وقفوا أمام «الشاطر»؟ تضخيم الأمور أكثر مما ينبغى مرفوض، وآنذاك كان الجميع يطحن الجميع، وفى الزحام لا أحد يسمع أحد، كانت فترة فوضوية.
إسلام الشيخ: العفيفى نفذه بنفسه.. وفتح الجريدة للجماعة
بعد تولى مجدى العفيفى مسئولية رئاسة تحرير «أخبار الأدب» بفترة قصيرة، بدأ فى فرض آرائه ورؤيته التحريرية والإخراجية على الجريدة، وعمل على تهميش مجلس التحرير المكون من الزملاء: طارق الطاهر، رئيس التحرير الأسبق للجريدة، وياسر عبدالحافظ، رئيس التحرير الحالى، ومحمد شعير، مدير التحرير التنفيذى، وكذلك أنا، سواء فى الاجتماعات أو قرارات النشر وغيرهما.
بدأت أسماء محسوبة على حزب «الحرية والعدالة» تظهر على صفحات الجريدة، الأمر الذى لاقى معارضة شديدة من جانب كل المحررين بلا استثناء. وكانت القشة التى قصمت ظهر البعير نشره البرنامج الثقافى لحزب «الحرية والعدالة» على صفحات «أخبار الأدب»، التى بدأت تحيد عن مسارها الثقافى الذى تسير عليه، وتعمد فى كل عدد على نشر خبر يتعلق بـ«الإخوان» والمحسوبين على الجماعة.
وأقدم «العفيفى» على إحالة بعض الزملاء إلى التحقيق الإدارى بسبب موقفهم من «الإخوان»، مثل الزميل محمد شعير، الذى كتب مقالات عنيفة ضد سيد قطب وحسن البنا، ثم أرسل ضدنا مذكرات إلى المجلس الأعلى للصحافة، بتهم «مناهضة الجماعة».
ومع كثرة المعارضة من جانب مدراء التحرير طلب منا أن نتوقف عن العمل، دون قرار رسمى من مؤسسة «أخبار اليوم، مشيرًا إلى ضرورة أن نتركه يعمل بحريته، حتى إنه قال: «أنا هاحرر وأخرج الجورنال لوحدى.. أنا مؤسسة متكاملة»!
وفرض «العفيفى» شكلًا إخراجيًا للصحيفة دون اهتمام برأى القسم الفنى، لتتعدى محاولة سيطرته وفرض رأيه المادة الصحفية إلى الإخراج الصحفى، فكان يرسم المواد بنفسه، ما أدى إلى أن تفقد «أخبار الأدب» شكلها الفنى المتميز الذى عُرفت به على مدى تاريخها، ولتكون خالية من اللمسة الفنية، وهو شرط لا غنى عنه لمطبوعة تهتم بالفن والأدب.
بعد ذلك بفترة قصيرة فوجئنا بـ»الغلاف العار» الذى حمل صورة خيرت الشاطر. «العفيفى» هو من نفذه بنفسه، ثم أرسله إلى قسم التجهيزات الفنية ثم المطبعة، خوفًا من اعتراض الزملاء على هذا الغلاف الفج.
هذا جعلنا جميعًا فى الجريدة على موقف رجل واحد، وهو رحيل «العفيفى» ومن وراءه من الجريدة، وتشهد الوقفات الاحتجاجية التى نظمها المحررون فى ميدان التحرير، ومشاركتهم فى اعتصام وزارة الثقافة الشهير، على موقفهم الواضح تجاه هذه الفترة السوداء من عمرها، حتى جاءت الانفراجة من خلال ثورة الخلاص فى ٣٠ يونيو، وطرد «العفيفى» من مكتبه شر طرده.
أدار محررو الجريدة تحريرها حتى إعلان التغييرات الصحفية وتولى الزميل طارق الطاهر رئاسة التحرير، ثم ظهور العدد الأول من «أخبار الأدب» بعد رحيل «العفيفى»، وهو يحمل عنوان: «الخلاص».
أتمنى أن يكون موقف جريدة «أخبار الأدب» والمحررين واضحًا من «غلاف خيرت الشاطر»، وألا يكون هناك لبس، لأن كثيرين ينسبون هذا الغلاف إلى «أخبار الأدب» وليس لـ«العفيفى».
طارق الطاهر: رئيس التحرير كان ينقل أخبارنا إلى الشاطر
نستدعى فى هذه الأيام ذكرى ٣٠ يونيو، واصطفاف الشعب ضد جماعة «الإخوان». أتذكر جليًا أن «أخبار الأدب» كانت جزءًا من هذا الحراك، خاصة فيما يتعلق بالمعركة التى خاضها صحفيو الجريدة ضد نظام «الاخوان» ممثلًا فى رئيس التحرير، الذى عُين من مجلس الشورى وقتها، للتعبير عن سياسة الجماعة.
كان من ضمن هذه المعركة «غلاف خيرت الشاطر»، الذى أثار ردود أفعال غاضبة منذ اللحظة الأولى لطرح العدد فى الأسواق، ولعل مرد ذلك أن هوية «أخبار الأدب» تتنافى تمامًا مع هوية ومرجعيات «الإخوان».
هذا العدد صدر فى غيبة صحفيى «أخبار الأدب»، الذين يعرفون جيدًا قيمها وفلسفتها، وكانوا قد أعلنوا، بعد شهور قليلة من قدوم رئيس التحرير المعين من قِبل «مجلس شورى الإخوان»، أن الجريدة فقدت هويتها، وأخطروا بذلك رئيس مجلس إدارة مؤسسة «أخبار اليوم» آنذاك، أحمد سامح.
لكن رئيس التحرير صمم على السير فى الاتجاه الذى يراه، ما حدا برئيس مجلس الإدارة إلى الاجتماع معنا لتقريب وجهات النظر، لكن هذا الاجتماع باء بالفشل، لنعلن بشكل واضح وصارم اعتراضنا عما يحدث فى «أخبار الأدب».
كان نتيجة هذا الإجراء عدم إطلاعنا على ما يُنشر فى الجريدة قبل النشر، رغم أننا هيئة التحرير، فأخطرنا رئيس مجلس الإدارة بحقيقة الأوضاع بمذكرة رسمية، ودخلنا فى اعتصام مفتوح ومظاهرات على سلالم مؤسسة «أخبار اليوم» ضد ما يحدث، ليس فقط فى «أخبار الأدب»، بل على مستوى وطن تستلب هويته. كنا أول مكان ثقافى يعلن عن رفضه سياسات «الإخوان»، وانعكاسها على جريدة «أخبار الأدب»، ما عرّض حياتنا إلى أخطار جمة، اتضحت جليًا بعد ثورة ٣٠ یونیو ٢٠١٣، فوفقًا لما نشره الزميل عصام زكريا، كانت «الإيميلات» بين رئيس التحرير ومكتب خيرت الشاطر تتضمن بلاغات عن مواقفنا الفكرية والسياسية والثقافية، واتهمنا فيها بـ«الكفر والإلحاد».
صمد محررو «أخبار الأدب» طيلة عام كامل، رغم كل ما مروا به من منع مقالات وموضوعات، حتى جاءت ثورة ٣٠ يونيو، لتكون أول جريدة تتخلص من رئيس تحريرها بشكل قانونى، حينها قرر محرروها إسناد مهمة التحريرها لـ«مجلس تحرير»، وهو القرار الذى وافق عليه وأقره المجلس الأعلى للصحافة وقتها.
استمر هذا المجلس يمارس سلطاته كاملة لمدة عام، بدأها بافتتاحية شهيرة، ربما أشهر من الغلاف الذى نتحدث عنه، وعبرنا فيها عن عودة الجريدة إلى هويتها، كما عادت إلى الوطن روحه .