سرى جدًا.. محاولة اغتيال إخوانية مجهولة لـ«هيكل»
- محمد سلماوى كشف بعض تفاصيلها.. وزوجة الكاتب الكبير طلبت عدم الحديث عنها
- شهادة سلماوى: كان الأستاذ هيكل قد نجا من محاولة الاغتيال التى قال لى شخصيًا إنها تمت بقرار من مكتب الإرشاد
- حاولوا أن يغتالوه فى برقاش بعد فض اعتصام رابعة فقد تصوروا أنه موجود هناك
فى 28 أبريل 2013 عقدت حركة تمرد التى ولدت على مقهى شعبى فى وسط القاهرة أول مؤتمر صحفى لها، لتعلن عن نفسها كحركة مقاومة لجماعة الإخوان المسلمين، ولوجود محمد مرسى فى منصبه كرئيس للجمهورية.
وفى أول مايو عقدت الحركة مؤتمرًا لتدشين تحركها بشكل فعلى على الأرض، ووجهت الدعوة للمصريين للمشاركة، وفى 12 مايو أعلنت أنها حصلت على توقيعات بالفعل من 2.5 مليون مصرى، وكان الرقم مشجعًا للآخرين على التوقيع.
كان طبيعيًا أن يصل عدد التوقيعات إلى ما يقرب من 22 مليونًا، وهو ما جعل الجماعة تحاصر أعضاء «تمرد» أكثر، بل كانت هناك محاولة لحرق مقرها فى منطقة معروفة بوسط القاهرة، وكان الهدف الواضح من الحريق هو إعدام الاستمارات، لكن الحركة كانت قد فطنت إلى أن الجماعة يمكن أن تقدم على أى فعل جنونى لإنهاء التمرد، فقامت بنقل الاستمارات إلى مكان سرى، أطلقت عليه «بطن الزير»، لم يكن يعرفه إلا عدد قليل، وهو ما زاد من جنون الجماعة، وجعلها تتصرف بشكل عشوائى، بل اخترعت حركة أطلقت عليها اسم «تجرد» وادّعت أنها حصلت على عدد توقيعات تأييد لمرسى أكثر من توقيعات «تمرد»، لكن أحدًا لم يرَ أى أثر لحركة الإخوان فى الشارع، فقد كان ما فعلته مجرد دعاية فجة، لم يكن لها ظل من الواقع.
مساء ٢٢ يونيو ٢٠١٣، استقبل أعضاء «تمرد» اتصالًا تليفونيًا من الكاتب الصحفى الكبير محمد حسنين هيكل يطلب لقاءهم والتعرف عليهم.
فى اللقاء اختار هيكل أن يستمع إلى شباب «تمرد»، كان يريد أن يعرف أكثر ما يدور فى عقولهم، وقد قال لهم إن الجيش هو بيت الوطنية المصرية، ودوره هو حماية الأمن المصرى، سواء فى الداخل أو الخارج، ومنها حماية حق الشعب فى التعبير عن رأيه وممارسة حقوقه السياسية، كما أن الجيش أصبح أمام مهام حقيقية وعاجلة لتطهير سيناء، بعد ما انتشر فيها المتطرفون.
لم يكن هذا هو اللقاء الوحيد بين هيكل وشباب «تمرد».
لكن قبل أن ننتقل إلى اللقاء الثانى الذى جرى بعدها بأيام، لا بد أن أشير إلى أنه قابلهم فى المرة الأولى بعد ساعات من حديثه عن الإخوان بما أوجعهم وأحرجهم.
فمساء ٢١ يونيو ٢٠١٣ كان هيكل يتحدث فى حديثه التليفزيونى المعتاد «مصر أين... وإلى أين؟».
قال: مصر وصلت فى عهد محمد مرسى إلى ما لم تصل إليه فى كل عهودها منذ فجر التاريخ، فقد خرجت بسياسته من إفريقيا وآسيا وتقلص دورها دوليًا وإقليميًا.
وقال: الحل الوحيد فى إعلان الرئيس مرسى تنحيه واعتذار جماعة الإخوان عما اقترفته من أخطاء فى حق المصريين، فقد اقترف أخطاء قاتلة خلال الشهور الأخيرة تكفى لإسقاط حكمه، وهى الأخطاء التى كشفت يقينًا أن الإخوان إن لم يكونوا صالحين، فهم غير قادرين أيضًا.
الأهم من الكلام كان المعلومات، فقد كشف هيكل، فى حديثه، أن مجموعة من المقربين من محمد مرسى من أعضاء الجماعة زاروه فى مكتبه، واعترفوا له صراحة بخطأ قرارات الرئاسة، وأرجعوها إلى قلة الخبرة.
قال هيكل: وفد الإخوان قال إنهم اكتشفوا أنهم تورطوا فى الحكم، إلا أنهم قالوا فى الوقت نفسه إنه من الصعب أن يعود الرئيس فى قراراته.
وكان رده عليهم: إذا تصور الحاكم أن كبرياءه أعلى من مصلحة شعبه فهو الطريق إلى الخراب.
كان هيكل يرى نهاية الإخوان رأى العين، كان يتحدث عن شهر يونيو ٢٠١٣.
قال: بأمانة شديدة شهر يونيو الجارى يعتبر شهرًا كاشفًا وخطيرًا فى تاريخ هذا البلد وهذا النظام.
لم ينهِ هيكل كلامه إلا بعد أن وجَّه للإخوان ضربة قاصمة.
قال: ماذا لو خرج المرشد وقال ذلك إنهم أخطأوا، ولا أجد فى ذلك غضاضة، ولأن مرسى منهم وهم المرجعية، ماذا لو قال الدكتور بديع «اكتشفنا أننا أهل فكر ومبادئ لكننا لسنا أهل سياسة، ونحن سوف ننسحب من المشهد كله»، كل الإخوان يقومون بذلك، فكل شىء من الممكن أن نتركه لحق التجريب وحق المعرفة والتعلم، لكن لا يمكن أن نترك اختراق الأمن القومى المصرى، إما أن نصحح أو نعتذر عنه.
كانت الأرض ممهدة إذن للقاء هيكل بشباب «تمرد»، فقد كان يتكلم مثلهم تمامًا، إن لم يكن بشكل أعنف وأكثر ثورية.
فى اللقاء الثانى الذى جرى بينهم يوم ٢٥ يونيو ٢٠١٣، اختار هيكل أن يتحدث، لكن قبل أن يبدأ كلامه سألهم عن ملامح خارطة الطريق التى أعلنوها لـ٣٠ يونيو، وهو اليوم الذى حددته الحركة لخلع مرسى، وبهدوء قال لهم: معركة تمرد والقوى السياسية ليست إسقاط الإخوان، ولكنها معركة إنقاذ مصر، ومن الضرورى أن يتولى الشباب هذه المرحلة، وعدم السماح لأى من الكبار بالظهور على قمة الموجة الثالثة من الثورة التى فجرها الشباب.
وقبل أن ينصرف الشباب من مكتب هيكل، قال لهم ما اعتبروه حسمًا للأمر، فقد أكد لهم أن التفاوض مع الإخوان فى الوقت الراهن وصل إلى مرحلة الطريق المسدود.
فى اليوم التالى ٢٦ يونيو، استمع هيكل إلى خطاب مرسى الذى كان اتفق مع وزير الدفاع أن يكون خروجًا من الأزمة، فإذا به يزيد النار اشتعالًا.
تحدث هيكل عن هذا الخطاب، ووصفه بأنه تعبير عن مشهد عبثى، ويومها طالب بضرورة التحقيق فى قصة هروب مرسى من السجن فى ٢٩ يناير ٢٠١١، وفى تعاونه مع جهات أجنبية، وأغلب الظن أن هيكل لم يتطرق إلى مسألة التحقيق مع محمد مرسى إلا لأنه كان يملك معلومات موثقة تشير إلى تورطه فى قضايا تمس الأمن القومى المصرى.
قال هيكل: الرئيس يعطى المحطات الفضائية الكثير من اهتمامه، وراعنى أكثر أنه تحدث عن أسماء بالتحديد، دون أن يراعى أن هناك فرقًا بين أن أستمع لرئيس حزب وبين خطاب لرئيس الدولة، ففى الثانية لا بد أن يراعى الحسابات السياسية، وأنه يتكلم فى ظل وجود مؤسسات شرعية.
أشار هيكل إلى لقاءاته مع حركة تمرد، قال: التقيت بشباب «تمرد»، وأتوقع أن يخرج الشباب ليقولوا إن مستقبل البلد عندهم وليس عند الآخرين، وقد طلبت من «تمرد» مزيدًا من الحرص على سلمية المظاهرات، وأن يهتفوا لتقدم مصر.
أدرك الإخوان أن هيكل أصبح واحدًا من قادة الثورة عليهم، وأن سلاح الهجوم والاتهامات لن يردعه، فكان أن فكرت الجماعة فى اغتياله، ويبدو أنها خططت لذلك بجدية.
وهنا أعيد نشر أجزاء من مقال مهم للكاتب الكبير محمد سلماوى، نشره فى الأهرام فى ٢٥ سبتمبر ٢٠١٦.
كان عنوان المقال «محاولة اغتيال هيكل... متى تكشف أسبابها؟».
وقال فيه: «رغم كل ما كُتب عن الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل منذ رحيله فى بداية هذا العام وحتى الآن، إلا أن هناك الكثير فى حياته مما لم يكشف عنه النقاب بعد، ومن الأمثلة على ذلك دوره الفاعل فى أحداث ٣٠ يونيو والأيام القليلة التى تلتها والتى غيرت الوضع السياسى فى البلاد بشكل كامل، وقد كان الإخوان أول من أدرك هذا الدور، لأنهم كانوا أكثر من أضير منه، وقد تصرفوا مع هيكل على أساسه فأصدروا قرارهم باغتياله».
«وبما أن الأطراف الأخرى فى هذا الموضوع، وهى أطراف أصيلة وما زالت فاعلة، هى صاحبة القول الفصل فى كشف أبعاده، فإنى أكتفى هنا بالإشارة إليه مؤكدًا بما لدىّ من معلومات لا يرقى إليها الشك أن دور هيكل فى تحديد مسار الأحداث فى تلك المرحلة الدقيقة من تاريخنا كان مؤثرًا تأثيرًا كبيرًا، ولن أزيد فى ذلك، وسأكتفى للتأكيد على ما أقول أن أؤكد أن وقت اشتداد الأزمة السياسية فى الأيام السابقة على اندلاع ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، كانت سيارة إحدى الجهات الرسمية تقل هيكل يوميًا فى الصباح من منزله بالجيزة، وتعيده إليه بعد الظهر، وقد تعجب هيكل حين أخبرته بعلمى بذلك، ورفض الرد على استفساراتى حول ملابسات هذا الموضوع».
«على أن ذلك لم يكن خافيًا عن جماعة الإخوان التى كانت ما زالت وقتها فى الحكم، ولديها القدرة على معرفة ما يجرى فى أجهزة الدولة، ومن هنا كان أول تصرف قامت به بعد فض اعتصام رابعة المسلح هو إصدار الأمر باغتيال هيكل، فما حدث فى بيته الريفى ببرقاش، والذى ما زال البعض يتحدث عنه باعتباره حريقًا، كان فى الحقيقة محاولة اغتيال مكتملة الأركان، فمن المعروف أنها تمت فى الأيام التى يمضيها هيكل فى برقاش، والتى تصادف أنه لسبب ما لم يذهب إليها فى ذلك الأسبوع، فأنقذه القدر مما كان يريده له الإخوان، ومات الميتة التى أرادها له الله بعد ذلك بثلاث سنوات تقريبًا».
«وقد سبق ذلك واقعة قد لا يعرفها أحد خارج أسرة الأستاذ هيكل، وهى أن أحد الأشخاص التابعين للإخوان والقريب من الأسرة، سأل أحد أبناء الأستاذ هيكل إن كان والده لديه حراسة خاصة، وقد تعجب أن جاءته الإجابة بالنفى، وألح وقتها على ضرورة أن تكون له مثل هذه الحراسة».
«وإذا كان الأستاذ هيكل قد نجا من محاولة الاغتيال التى قال لى شخصيًا إنها تمت بقرار من مكتب الإرشاد، وهو ما كرره بعد ذلك فى أحاديثه، فإن ما تم اغتياله فى برقاش لا يقل عن هيكل فى كراهية الإخوان له، ذلك هو التراث التاريخى والحضارى المتمثل فيما كان لدى الأستاذ من وثائق جمعها على مدى عشرات السنين، وفى مكتبته النادرة التى كانت تضم بعض أهم الكتب العالمية بإهداء شخصى من أصحابها، وفى مجموعة قيمة من الأعمال الفنية المعاصرة، ولقد جاء بعض العاملين ببيت برقاش لهيكل بعد الواقعة بإحدى النسخ الأصلية من مجلدات كتاب ( وصف مصر)، الذى صدر فى عصر نابليون، بعد أن انتشلوها من الترعة غارقة فى الوحل، وقد التهمت النيران كل ما كان فى ذلك البيت، والذى كان يمثل ثروة قومية بكل المقاييس».
ما كتبه محمد سلماوى كان خطيرًا فى وقته ولا يزال، وكان يجب أن يتوقف أمامه الجميع، لكن الغريب أن مقاله مر دون أن يتوقف عنده أحد، ولم يحقق أحد فيما قاله، ولم تعلق عليه جماعة الإخوان ولو بالنفى من باب إبراء الذمة، كما أن هيكل نفسه لم يشر إلى هذه الواقعة، لكن هذا لا ينفى أنها حقيقية، ليس لأن لدينا معلومات كافية عنها، ولكن لأن الجماعة الإرهابية لم تكن لتتورع عن التخطيط لاغتيال هيكل لمعرفتها بدوره فى الثورة عليها، فقد كانت أحاديثه مثل المدفعية الثقيلة التى جاءت على كل حصون الإخوان، فلم تترك فيها حجرًا على حجر.
عندما جلست مع الكاتب الكبير محمد سلماوى لأسجل شهادته على ٣٠ يونيو، تطرقت معه إلى هذا المقال، واسمحوا لى أن أنقل لكم ما دار بيننا، لأنه يفسر لماذا تم تجاوز الحديث عن محاولة اغتيال الإخوان «هيكل»، وكأنها لم تحدث من الأساس.
قلت له: أستاذ سلماوى... كتبت مقالًا قوبل بصمت مريب بالنسبة لىّ، لم يعلق عليه أحد ولم يفتش حوله أحد، ولم يحقق أحد فيما ذكرت، قلت إن الإخوان كانوا يخططون لاغتيال محمد حسنين هيكل، وإنه كانت هناك خطة موضوعة بالفعل.. لماذا كل هذا الصمت؟
قال: الإخوان كانوا على يقين بأن الأستاذ هيكل لعب دورًا كبيرًا بما كتبه وبما قاله فى التعجيل بحكمهم، ولذلك حاولوا أن يغتالوه فى برقاش بعد فض اعتصام رابعة، فقد تصوروا أنه موجود هناك فى هذا التوقيت، لكن لحسن الحظ أنه لم يكن موجودًا فى البيت، وأعتقد أنه لو كان موجودًا وقتها لقتلوه على الفور.
لم أتوقف عند محاولته للهروب مما أقصده، قلت له: أنا بصراحة أسألك عن المحاولة الأخرى التى كتبت عنها، قلت إن قياديًا إخوانيًا سأل ابن الأستاذ هيكل إن كانت تسير معه حراسة، ولما نفى أن يكون والده يتحرك بحراسة تعجب، وقال له من الضرورى أن يتحرك الأستاذ بحرس... ما تفاصيل هذه الواقعة؟
أغلق سلماوى باب الحديث فى هذا الموضوع بقوله: أعتقد أن عائلته لا تحب الحديث عن هذه الواقعة.
سألته: هل عاتبك أحد من عائلته على نشرك للواقعة؟
رد بإيحاء أنه يريد أن يغلق هذا الباب تمامًا: زوجته السيدة هدايت تأثرت بعض الشىء من الإشارة إلى محاولة اغتياله، فوعدتها بأننى لن أتحدث فى هذا الموضوع مرة ثانية.
أحترم بالطبع ما قاله الكاتب الكبير محمد سلماوى.
وأحترم كذلك رغبة زوجة الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل فى عدم الحديث عن هذه المحاولة.
لكن أعتقد أنه من حقنا أن نعرف ما جرى... فهذه المحاولة فى النهاية دليل جديد على أن الجماعة الإرهابية لم تكن تعرف سوى القتل والتصفية المعنوية والجسدية لمن يعارضها.