ياسمين فراج: تصدينا لمحاولة عرض فيلم إخوانى ترتدى جميع بطلاته الحجاب فى مسرح سيد درويش
- الأغنيات الدعائية لحملة مرسى خلت من الصوت النسائى وامتلأت بالشعارات الدينية
- هتافات «25 يناير» و«30 يونيو» دليل على أن شعبنا «فنان بالفطرة»
عطاء كبير قدمته الدكتور ياسمين فراج، الأستاذ بالمعهد العالى للنقد الفنى فى أكاديمية الفنون، فى مجال الموسيقى العربية، عبر بحوثها ودراساتها المتعددة حول جماليات الموسيقى العربية، ومظاهر تطورها ورموزها المبدعين.
ولعل أبرز إسهامات الدكتورة ياسمين فراج هو كتابها «الغناء والسياسة فى تاريخ مصر»، الذى أرخت فيه لحقبة مهمة فى تاريخ مصر من ناحية الجانب الموسيقى والغنائى، وحللت فيه الهتافات الشعبية التى ظهرت فى مظاهرات ثورتى 25 يناير و30 يونيو.
فى حوارها مع «حرف»، تشرح الدكتورة ياسمين لقرائها نتائج التحليل الموسيقى والغنائى لكثير من الأحداث السياسية التى مرت على البلاد، والذى أجرته ونشرته فى كتابها، كما تقدم شهادة على الدور الذى بذلته أكاديمية الفنون فى مواجهة محاولات تغيير الهوية الوطنية خلال فترة حكم الإخوان.
■ بقرار غير رسمى مُنع كتابك «الغناء والسياسة فى تاريخ مصر».. هل كان لجماعة الإخوان دور فى ذلك؟
- عند إصدار كتابى «الغناء والسياسة فى تاريخ مصر»، كانت دار النشر متحمسة له للغاية، وحينها كانت الدار متعاقدة مع مكتبة «ألف» التى تباع فيها أشهر الإصدارات.
وبعد الإعلان عن صدور الكتاب لم أجده يباع فى أى مكتبة آنذاك، وتتبعت ذلك بنفسى لمدة ٣ أشهر تقريبًا، وبعد إلحاح على مصدر ما فى دار النشر علمت أن هناك من اعترض على الكتاب لأنه يتناول أسماء شخصيات عامة ووزراء للثقافة، ولأننى أرفقت كل أقوالى فى الكتاب بتواريخ ومستندات ووقائع ومزود بأقوال شهود عيان مذكورة أسماؤهم، فكان من الصعب أن يهدد أى شخص دار النشر برفع قضية، فقررت الدار إحداث مواءمة لإرضاء جميع الأطراف، وتم عرض الكتاب للبيع عبر صفحات الدار وبعض صفحات بيع الكتب الأخرى فى الوطن العربى مثل «نيل وفرات» وغيرها، وأتيحت بصيغة «بى دى إف» أجزاء من كل فصل مجانًا، وكانت هذه أكبر دعاية للكتاب بشكل غير مقصود.
أما عمَّن وراء منعه فأنا لم أبلّغ بالأسماء التى اعترضت على نزول الكتاب للمكتبات، ولكن بالتأكيد كل شخص ذكر اسمه فى الكتاب كانت له أسبابه فى منعه، خاصة أن بعض الشخصيات الثقافية آنذاك كانت ضعيفة فى مواقفها وغير حاسمة، فلا هم كان لهم دور ضد الإخوان ولا هم مع الإخوان، ولكنهم كانوا من وجهة نظرى وأنا شاهد عيان على الكثير من الملابسات، مع مصلحتهم الشخصية على حساب أى شىء.
أما فكرة أن جماعة الإخوان تدخلت فى منع الكتاب فهذا شىء لا أستطيع أن أجزم به ربما نعم وربما لا، ولكن بالتأكيد أن الفصل الخامس من الكتاب فضح بعض الخلايا النائمة فى الحركة الثقافية المصرية أو المتعاطفين معهم أو الانتهازيين ممن عملوا معهم فى هذه الفترة لاقتناص مصالح شخصية.
■ ما أبرز الظواهر التى رصدتها فى كتابك؟
- فى الفصل الثالث «الموسيقى والغناء فى ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١م» ذكرت أن الأعمال الفنية كانت مؤشرًا على حدوث ثورة مستقبلية، منها أفلام ومسرحيات ومسلسلات وبعض أغنيات تترات المسلسلات، أذكر منها تتر النهاية لمسلسل «سكة الهلالى» عام ٢٠٠٥، وتتر البداية لمسلسل «أهل كايرو» ٢٠١٠، وتجاهل النظام السياسى وقتها رسائل الفن إلى أن وقعت الواقعة.
كما أننى الوحيدة التى حللت هتافات ثورة يناير ٢٠١١ موسيقيًا، وهذه سابقة فى تاريخ جميع الهتافات لأن الجميع يحلل المضمون اللغوى، ولكن التحليل الموسيقى لم يتعرض له أى شخص على الإطلاق حتى على مستوى العالم فى حينها.
وكان الفصل الرابع بعنوان «سيميولوجيا الأغنيات الدعائية لمرشحى رئاسة الجمهورية»، وفيه عملت على تحليل نماذج من الأغنيات الدعائية لمرشحى رئاسة الجمهورية بعد الثورة، من خلال علم العلامات اللغوى والموسيقى، وهذا أيضًا موضوع بحثى لم يتطرق له أى شخص من قبل محليًا أو إقليميًا أو عالميًا حينها.
والفصل الخامس وهو «المبدعون والطريق إلى ثورة ٣٠ يونيو» والذى رصدت فيه جزءًا من شهادتى على ما دار فى الحركة الثقافية، ورصدت بعضًا من مظاهر اعتصام المثقفين داخل وأمام وزارة الثقافة المصرية، للمطالبة بإقالة وزير الثقافة الإخوانى ثم المطالبة بإقالة رئيس الجمهورية الإخوانى آنذاك.
■ لماذا توارت الأغنيات الوطنية بعد حرب أكتوبر أو لنقل لم تعد بنفس بريق وحضور أغنيات الستينيات على سبيل المثال؟
- الأغنية الوطنية لم تتوارَ وهى موجودة بعد انتصارات ٧٣ وحتى الآن، وأذكر منها فى الثمانينيات مثلًا «المصريين أهم» غناء ياسمين الخيام، وفى ٢٠١٠ أنتج التليفزيون المصرى أغنيتين رائعتين هما «ماشربتش من نيلها» غناء شيرين و«يامصر يا أم الأمم» غناء آمال ماهر، وبعد ٣٠ يونيو ٢٠١٣ قدمت أنغام بصوتها أغنية «بلدى التاريخ»، وغيرها من الأغنيات الوطنية ولكنها فى صيغة قومية وليست سياسية، أى أنها أغنيات تحث المواطن على الفخر بوطنيته وتدعوه لحب الوطن.
أما الفترة من ١٩٦٧ إلى ما قبل نصر أكتوبر ١٩٧٣ فلها خصوصية وكان من الطبيعى أن تظهر وتنشط فيها الأغنية السياسية جنبًا إلى جنب الأغنية القومية أيضًا، والتى أذكر منها «يا حبيبتى يامصر» لشادية التى غنتها ١٩٧٠.
■ حللتِ هتافات ثورتى يناير و٣٠ يونيو موسيقيًا.. ما أبرز النتائج التى توصلت إليها؟
- كانت هناك هتافات قصيرة مثل «الشعب يريد إسقاط النظام» و«ارحل» وهتافات طويلة تشبه الأغنيات الشعبية.
والهتافات الحماسية لم تخرج عن النغمتين أو الثلاث نغمات فى أقصى حد لها، ولذلك لم يُحدَّد لها طابع مقامى، فقد كانت حالة تجريدية للنغم. ولم تصاحبها إيقاعات حية ولكن اﻹيقاعات المستخدمة فى هذا النوع من الهتافات كانت ضمنية غير صريحة.
وأخذت الهتافات الطويلة شكلًا ساخرًا فى نظم الكلمة والأداء الغنائى، وظهر فيها ما يعرف بالجنس الموسيقى أى الأربع نغمات التى لها لون سمعى محدد، وظهر فيها أيضًا اﻹيقاع الحى إما على آلة إيقاعية كالبندير أو الدُّف أو أى شىء يمكن استخدامه لنقر ضغوطات اﻹيقاع عليه.
وأوجد توافر اللحن واﻹيقاع البسيط فى هذا النوع من الهتافات تشابهًا من ناحية البنية الموسيقية والنص الشعرى، بين الهتافات الطويلة والأغنيات الشعبية التى تؤدى فى قرى ونجوع مصر.
والمقامات واﻹيقاعات التى ظهرت فى الهتافات كانت مصرية الهوية، باستثناء ﺇيقاع الوحدة السائرة، والمتعارف عليه فى الموسيقى الغربية «الفوكس تروت» والذى يظهر غالبًا فى الأغنيات ذات الطابع الحماسى مثل الأناشيد.
والتجمعات البشرية الكبيرة التى تجاوزت الآلاف رددت الهتافات الحماسية القصيرة فى الغالب، أما التجمعات القليلة فهى التى رددت وشاركت فى أداء الهتافات الطويلة التى أخذت شكل الأغنيات الشعبية.
وأثبتت أنواع الهتافات التى ظهرت فى ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، أن الشعب المصرى ولد فنانًا بالفطرة، ولديه القدرة على ارتجال الكلمة واللحن، والتى ظهر من خلالها مدى تأثر المواطن المصرى بالموروث الثقافى اﻹقليمى كما جاء فى استخدام كلمة «يُريد» التى جاءت من تونس، ومرت على مصر، وذهبت إلى ليبيا واليمن وبعض الدول العربية الأخرى أثناء ثوراتهم فى بلادهم، وكذلك الموروث الثقافى المحلى الذى ظهر فى الكلمات والنغمات واﻹيقاعات شائعة الاستخدام فى ضواحى وقرى مصر.
■ تطرقت فى كتابك إلى تحليل الأغنيات الدعائية فى حملات ٥ مرشحين للرئاسة منهم محمد مرسى.. ما الدلالات الاجتماعية والسياسية التى رصدتها؟
- أنماط الموسيقى التى قُدمت من خلال الأغنيات الدعائية لمرشحى الرئاسة اهتمت بجذب شريحة الشباب، والطبقة المتوسطة ومن أدناها، بينما تجاهلت شريحة المثقفين وإن كانوا أقلية فى المجتمع، وشباب الطبقة فوق المتوسطة ومن أعلاها.
وغاب عن مشهد الأغنيات صوت النساء سواءً فى شكل كورس أو مطربة منفردة، وهذا يعكس عدم تحمس المطربات للاشتراك فى هذه الحملات الدعائية.
وظهر صوت الأطفال من الإناث فى الأغنيات الدعائية للمرشح محمد مرسى حينها، وكانت حملته الأكثر إنتاجًا للأغنيات المؤيدة له، وشارك فى إهداء الأغنيات للحملة مواهب من محافظات مصر المختلفة، وبالرغم من الكم الكثير من الأغنيات التى قدمت للحملة لم تكن ذات مضمون فنى لائق، فأغلبها كان فقير الإنتاج بأصوات هواة غير محترفين. وانقسمت أغنيات الحملة تحديدًا إلى أغنيات صاحبتها الموسيقى والإيقاع، وأغنيات أخذت طابع الإنشاد دون أى مصاحبة موسيقية أو إيقاعية.
وجميع الأغنيات الدعائية التى أنتجت لحملات جميع مرشحى الرئاسة لم تخلُ من الشعارات السياسية، ودغدغة مشاعر المواطن المصرى خاصة شريحتى شباب الطبقة المتوسطة والأدنى منها، والبسطاء من جميع الأعمار، أما الشعارات الدينية فظهر القليل منها فى حملة المرشح عبدالمنعم أبوالفتوح بشكل مستبطن، لكن ظهرت فى جميع أغنيات حملة «مرسى» بشكل صريح.
واعتمدت أغنيات حملات المرشحين للرئاسة على كلمات وألحان وأصوات المغمورين من المواهب الشابة، باستثناء حملات حمدين صباحى الذى غنى له الملحن والمطرب أحمد سعد، وعمرو موسى الذى غنى له المغنى الشعبى شعبان عبدالرحيم، وحملة الفريق أحمد شفيق الذى غنى له المغنى الشعبى عصام شعبان عبدالرحيم نجل المطرب الشهير، وهذا يدل على تحمس شريحة الفنانين باختلاف تصنيفاتهم الفنية لمرشحين بأعينهم دون الآخرين.
وبعض التيارات الإسلامية التى تُحرم الموسيقى والغناء والفنون، تنازلوا عن معتقداتهم أثناء الدعاية الانتخابية، واستخدموا الفنون ومنها الموسيقى والغناء والرسومات ومشاهد الجرافيك، كوسيلة هامة من الوسائل الدعائية لحملاتهم الانتخابية.
■ كيف كان حال أكاديمية الفنون خلال حكم الإخوان؟ وكيف شارك أعضاؤها فى ثورة ٣٠ يونيو؟
- انقسم العاملون فى أكاديمية الفنون إلى ٣ فئات، فئة المدافعين عن شخصية مصر الثقافية الليبرالية الوسطية، وفئة أصحاب المصالح المتعاونين مع جماعة الإخوان، وفئة المختبئين وهؤلاء لم نشاهدهم فى أى فعالية سواءً مع أو ضد الإخوان، فهم فئة تنتظر على الشاطئ حتى يرسو المركب ليقفزوا بداخلها بغض النظر عن ماهية القبطان.
ومن حسن حظ الأكاديمية أن رئيسها آنذاك كان الدكتور سامح مهران المفكر والمسرحى الكبير، وهو أول من وقف فى وجه الإخوان منذ تاريخ ٦ مارس ٢٠١١ عند أول مظاهرة تابعة للإخوان داخل الأكاديمية، وتبع ذلك عدد من التظاهرات والاعتصامات والتعدى على ممتلكات الدولة مثل سيارة رئيس أكاديمية الفنون.
ومن الوقائع الهامة لاختراق أكاديمية الفنون فى عهد حكم الإخوان محاولة عرض فيلم «التقرير»، أول أفلام «سينما النهضة» وهى شركة إنتاج إخوانية، فى مسرح سيد درويش التابع للأكاديمية فى شهر مارس ٢٠١٣، وقد تصدى رئيس أكاديمية الفنون لعدم عرضه فى المسرح بعد أن علم أن الفيلم لم يحصل على أى تراخيص رقابية سواءً على النص أو الفيلم نفسه، والجدير بالذكر أن الفتيات فيه يرتدين الحجاب، أى أنها كانت بداية لفرض شكل جديد للسينما المصرية تطابق فى شكلها نموذج السينما الإيرانية.
وكان رئيس أكاديمية الفنون أول قيادة بوزارة الثقافة تدعو جميع مثقفى مصر وفنانيها لحضور مؤتمر «ضد العدوان على الثقافة المصرية» فى مسرح سيد درويش التابع للأكاديمية فى الثالث عشر من مايو ٢٠١٣، وحضرته مجموعة من الفنانين الكبار ممن تخرجوا فى معاهد أكاديمية الفنون، أبرزهم الفنان حسين فهمى والفنان عبدالرحيم حسن الذى كان حينها مدير مسرح الغد، ثم حضرت مجموعة من أعضاء هيئة التدريس بالأكاديمية مؤتمر نقابة الصحفيين للدفاع عن الثقافة المصرية يوم الخميس ٢٣ مايو ٢٠١٣ على رأسهم رئيس أكاديمية الفنون، إلى أن تم الاعتصام فى وزارة الثقافة ومنع الوزير الإخوانى من دخولها لمنع تغيير هوية مصر الثقافية، ومنذ اليوم الأول وحتى ٣٠ يونيو ونحن بين الوزارة وميدان التحرير.
ما أبرز الظواهر الفنية التى رصدتها خلال انتفاضة المثقفين والفنانين ضد وزير الثقافة الإخوانى؟
- أبرز الظواهر هى توحد المثقفين والعاملين بالثقافة فى جميع أنحاء مصر على هدف واحد هو إزاحة جماعة الإخوان من السلطة، لأن مخططهم لتدمير الثقافة المصرية كان قد اتضح، وهو أصعب شىء، أن يتفق جموع المثقفين على فكرة أو هدف واحد، لأن المثقفين أصحاب مدارس فكرية مختلفة ولكل منهم قناعاته التى يؤمن بها، فكانت المعجزة أنهم يتوحدون على هدف بعينه بالرغم من اختلافاتهم الفكرية.