ضجيج بلا صوت.. محاكمة الخيال العلمى العربى (ملف)
«فى عالم من الضجيج، الكل يتكلم ولا يسمع أحدٌ أحدًا»، تقافزت جملة عبدالرحمن منيف تلك إلى ذهنى بينما أعبر بين ردهات مبدعى الخيال العلمى العربى ونقاده. ثمة حراك واسع فى هذه المساحة الرحبة يتسع يومًا تلو الآخر وتغذيه تغيرات الواقع الراهن الذى صار محكومًا بالتقنية، حراك يُحدث صخبًا وضجيجًا مرتفعًا لكن خارج ردهات أصحابه لا أحد يسمع!
فى تلك الردهات ثمة كيانات تكرس جل جهدها لرعاية أصحاب المواهب الإبداعية فى الخيال العلمى، هناك فى مصر شعبة الخيال العلمى باتحاد الكتّاب، والتى يرأسها حاليًا صلاح معاطى بعد ضم صالون نهاد شريف إليها، الذى كان يعقد بشكل منتظم قبل الانضمام، وهناك الجمعية المصرية لأدب الخيال العلمى التى يرأسها الطبيب والكاتب حسام الزمبيلى، التى تصدر بانتظام سلسلة من قصص الخيال العلمى العربية، وتستقطب كثيرًا من المهتمين بهذا النوع الأدبى.
وبعيدًا عن المؤسسات، التى تحضر أيضًا على المستوى العربى، تكتظ دور النشر بعشرات الأعمال الإبداعية التى تندرج تحت فئة الخيال العلمى بكل ما تتضمنه من أنواع أدبية فرعية مقابل القليل من الدراسات النقدية الجادة والكاشفة. يُشكل كُتاب الخيال العلمى ما يشبه الجيتوهات المنفصلة، ويستمتعون بصخبهم رغم تجاهلهم.
لا يمكن الإقرار بأن التجاهل والقصور النقدى يأتى دائمًا عن عمد، فجانب من المشكلة يتعلق بأزمة النقد عمومًا إزاء كم هائل من الإبداع من الصعب مواكبته من جانب لكثرته، ومن جانب آخر لعدم امتلاك أدوات نقدية كافية لاستكشافه كما ينبغى، لكن هذا لا ينفى حضور التعمد لدى فئة من النقاد لا تزال تتعامل مع أدب الخيال العلمى باعتباره أدبًا من الدرجة الثانية أو عملًا لا يمت إلى الأدب بصلة فى بعض الأحيان.
ربما يرجع ذلك إلى وقت مضى كان فيه الأدباء يتعاملون مع هذا النوع المتلمِّس خطواته الأولى بالعالم العربى بدرجة من التوجس. يورد أحمد فضل شبلول، فى كتابه «نجيب محفوظ بلا معطف»، الرأى السلبى الذى احتفظ به أديب نوبل مثلًا إزاء أدب الخيال العلمى، فينقل عنه قوله بواحد من حواراته فى الثمانينيات: عندما كنت أقرأها كنت أحس أنها لا تختلف كثيرًا عن الروايات البوليسية، تبدأ بداية مثيرة ومشوقة، وتنتهى «على مفيش». بل أحيانًا أشعر أن القصة البوليسية أفضل لأننا فى النهاية قد نصل لحل لغز الجريمة الغامضة، ولكن روايات الخيال العلمى قد يصل البطل إلى القمر ولكنه لا يفعل شيئًا. وعندما تسأله «المجلة»: لكن بعض روايات الخيال العلمى تكون استشرافًا للحقيقة؟ يجيب: والله كل واحد ومزاجه، أنا أضرب «تعظيم سلام» لهؤلاء الكتّاب «كتّاب الخيال العلمى» لكنى أحب أن أرى الواقع.
فى هذا الملف، تستقصى «حرف» أسباب هذه الحالة من التنافر بين الإبداع الكمى المتزايد فى مضمار الخيال العلمى وقصور النقد فى التعاطى مع هذه الأعمال فى الوقت الذى يسبقه نحو ذلك النقاد الغربيون بأطروحات تستكشف النصوص القديمة والحديثة ومكامنها، فلا تكتفى بالوقوف على ما هو ظاهر منها كما يحدث فى معظم الأطروحات النقدية العربية. من هنا تأتى شهادات لنقاد ومبدعين مصريين حول أدب الخيال العلمى المصرى ووضعه الراهن وآفاقه المنشودة، فتُظهر الشهادات جانبًا من اهتمامات المبدعين المصريين فى أعمالهم الإبداعية فى الخيال العلمى، وكذلك الرؤى النقدية إزاء راهن هذا النوع الأدبى ومستقبله.
فى هذا السياق، يأتى حوار «حرف» مع إيمان نهاد شريف، ابنة عميد أدب الخيال العلمى، الذى حلّت ذكرى ميلاده فى الخامس والعشرين من يونيو، والذى ما زالت أعماله موضع اهتمام نقاد من أنحاء مختلفة فى العالم. ومع الدكتور صلاح معاطى، رئيس شعبة الخيال العلمى باتحاد الكُتاب المصرى وصاحب الكثير من الأعمال الإبداعية فى الخيال العلمى، وكذلك الحوار مع الطبيب والكاتب حسام الزمبيلى، الذى أصدر عددًا من الأعمال الإبداعية والنقدية حول أدب الخيال العلمى، فضلًا عن رئاسته الجمعية المصرية لأدب الخيال العلمى.
وفى محاولة لاستقصاء حالة أدب الخيال العلمى على المستويين العربى والإسلامى، حاورت «حرف» الكاتب والأكاديمى البريطانى ذا الأصول العربية عماد الدين عيشة، وهو مترجم ومحرر مشارك لكتاب «الخيال العلمى عند العرب والمسلمين»، الذى صدر بالإنجليزية منذ عامين لمجموعة من الكتّاب. أما الحوار الثانى فهو مع الأكاديمى والناقد الأمريكى إيان كامبل حول كتابه «الخيال العلمى العربى»، الذى صدر حديثًا بترجمة عربية عن المركز القومى للترجمة.
اقرأ في الملف:
الكاتب السيد نجم: أدب الخيال العلمي محاط بسوء الفهم
عطيات أبوالعينين: الخيال العلمى ليس بوابة لأنصاف الكتّاب
الناقد حمادة هزاع: الخيال العلمى المصرى فى ازدهار مستمر
الكاتب والمهندس فادى زويل: حاولت إلقاء الضوء على الجانب المظلم للتكنولوجيا
أحمد فضل شبلول: ليس لدينا فكر علمي يسمو إليه الخيال
العميد.. إيمان نهاد شريف: والدى كان يخشى فناء البشرية بسبب التقدم العلمى
إيان كامبل: روايات الخيال العلمى العربية لا تقل جودة عن نظيرتها الغربية
صلاح معاطى: التقدم التكنولوجى أسرع من قدرة الأدب على التنبؤ بالمستقبل
حسام الزمبيلى: تنبأت بفيروس كورونا وسبقت كُتّاب العالم فى الحديث عن وعى الكائنات الدقيقة
عمادالدين عيشة: النقاد العرب لا يعرفون ما هو الخيال العلمى