محمد الباز يكتب: مصطفى أمين يُزوِّر مذكرات محمد نجيب للهجوم على عبدالناصر
فى العام 1971 أطلق الرئيس السادات سراح الرئيس محمد نجيب الذى ظل تحت الإقامة الجبرية منذ العام 1954 فى فيلا زينب الوكيل.
قبل ذلك لم يكن متاحًا لنجيب أن يتصل بأحد، أو يتواصل معه أحد، للدرجة التى كان يغسل فيها ملابسه بنفسه، ويجهز طعامه بنفسه، ويطعم قططه بنفسه.
فى الغالب لم يطلق السادات سراح نجيب لأسباب إنسانية، وهذا تحليلى الخاص، كان يعده ليكون جنديًا فى المعركة الكبيرة التى قرر أن ينال فيها من عبدالناصر، دون أن يتورط بشكل مباشر فى ذلك، ففى الوقت الذى أعلن فيه عن أنه يسير على طريق عبدالناصر... كان يتسامح بقصد مع مَن يصنعون الحفر والمطبات فى هذا الطريق.
فى بدايات العام ١٩٧٤ صدرت مذكرات محمد نجيب للمرة الأولى واختار لها عنوان «كلمتى للتاريخ».
هناك من يشير إلى أن هذه لم تكن النسخة الأولى من مذكرات محمد نجيب، فقد صدرت نسختها الأولى فى العام ١٩٥٥ وكان عنوانها «مصير مصر»، وهو الكتاب الذى يرجح البعض أن الصحفى الإنجليزى «لى وايت» هو الذى حرره ونشره فى الولايات المتحدة وبريطانيا، وتمت ترجمته إلى اللغة العربية فى نفس العام.
ينفى محمد نجيب ذلك، ويؤكد أن كتاب «مصير مصر» لم يكن مذكراته، وكل ما جرى أن «وايت» كان قد قابله أثناء فترة رئاسته، وسجل معه بعض الأحداث فى حدود المسموح به، وقد طبع هذا الكتاب، وهو قيد الإقامة الجبرية، ولم يتسنّ له مراجعته أو الاطلاع عليه قبل النشر.
يمكننا أن نعتبر «كلمتى للتاريخ» أول مذكرات لمحمد نجيب كتبها بنفسه.
صدَّر نجيب كلمته للتاريخ بالآية الكريمة «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يُطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا».
وقدم لها بقوله: «قررت أن أترك نفسى على سجيتها حتى تتداعى الأفكار، وأسجل كل ما عشته من أحداث، مؤمنًا بأن من بين أبناء شعبنا من قدّم لوطنه تضحيات جليلة بلغت حد البطولة النادرة، وفقدوا حياتهم فى صمت، دون أن يسلط عليهم الضوء، وإذا كانت الظروف تتيح لى اليوم فرصة مخاطبة الجماهير، فإنى أرجو أن يكون هذا حافزًا للعلماء والمفكرين والكتاب لمراجعة تاريخ الشعب المصرى».
اختار نجيب مجلة الحوادث اللبنانية لنشرها قبل أن تنشر فى كتاب مستقل، ولهذه المذكرات قصة أعتقد أنها تستحق أن تروى، وقد جاء الجانب الأكبر منها فى العدد رقم ٨٧٣ الصادر فى ٣ أغسطس ١٩٧٣، أى قبل حرب أكتوبر بما يقرب من شهرين.
أرسل محمد نجيب المذكرات إلى سليم اللوزى، رئيس تحرير «الحوادث اللبنانية» الذى راجعها بنفسه، وجاء إلى القاهرة فى يوليو ١٩٧٣ ليجرى حوارًا موسعًا مع محمد نجيب تمهيدًا لنشر المذكرات، ولمناقشته فى بعض ما جاء فيها من أحداث وآراء.
فى هذا الحوار يتحدث محمد نجيب عن دوافعه لكتابة مذكراته بقوله: «لقد تجاوزت السبعين من العمر، ولم تعد هناك مظنة فى أننى أطمع فى أدوار، ولكنى كنت طرفًا فى أحداث لا تعنينى وحدى، بل تعنى مصر والأمة العربية كلها، وكثيرون تصدوا لكتابة أحداث تلك الفترة، بعضهم لم ينصف الحقيقة، ولا كان بوسعه أن يفعل، فهل كان من الطبيعى أن أمتنع أنا عن تسجيل ما أعتقد أنه الحقيقة؟».
ويجيب محمد نجيب عن سؤال: لماذا يكتب الآن؟
يقول: «لقد بقيت ١٨ عامًا مقيد الحرية، لا أستطيع إبداء رأى فضلًا عن إعلانه، لذلك عندما رُدت إلىّ حريتى رأيت أن أسجل الأحداث التى عاصرتها خلال السنتين والأربعة أشهر، عندما قمنا بحركة ٢٣ يوليو وتوليت فيها المسئولية، فأنا لا أبدى رأيًا فى عهد غير عهدى ولا أتعرض لواقعة لم أشهدها، إنها مجرد ملاحظات لشاهد عيان، وهل يمكن أن تكشف حقائق التاريخ إلا من خلال رواية شهود عيان؟».
بعد نشر الحوار بدأت «الحوادث اللبنانية» فى نشر المذكرات كما كتبها محمد نجيب، وبدأ الحديث يتسرب إلى مصر عن الوقائع التى يدين فيها الجميع، ومن بينهم عبدالناصر وهيكل ومصطفى أمين.
كان عبدالناصر قد مات، ولا يستطيع ردًا ولا صدًا لما كتبه عنه نجيب.
أما هيكل فكان لا يزال يتمتع بنفوذه كاملًا فى الأهرام، فاستخدم سلطاته كاملة فى منع دخول «الحوادث اللبنانية» إلى مصر، وتم له ذلك من خلال التدخل لدى «الرقابة» التى منعت أعداد المجلة التى نشرت حلقات المذكرات من الدخول إلى القاهرة، وإن كان لم يستطع أن يمنع دخول الكتاب نفسه، فقد سمحت الرقابة بدخول ما يقرب من ألف نسخة إلى الأسواق المصرية، فرغم نفوذ هيكل فإنه كان قد دخل خريفه بعد الخلافات الظاهرية مع الرئيس السادات، وبدأ مضمون مذكرات نجيب يتسرب عبر جلسات الصحفيين والسياسيين والمثقفين المصريين.
وفى هذا الوقت كان مصطفى أمين لا يزال سجينًا بتهمة الجاسوسية لصالح الأمريكان.
لم يتحمس سليم اللوزى لنشر مذكرات محمد نجيب لسابق معرفته به، فقد كان من أوائل الصحفيين العرب الذين قابلوه بعد أن أصبح رئيسًا للجمهورية بعد الثورة، وما بين يديه فى النهاية مذكرات رئيس جمهورية ظل قيد الاعتقال ما يقرب من ١٨ عامًا، وهو ما يمنح المذكرات قيمة مضافة، لكن أغلب الظن أن اللوزى تحمس لنشر المذكرات بسبب الهجوم الذى تضمنته على هيكل، فلم يكن الصحفى الذى كان معروفًا بين الضباط الأحرار يحب هيكل أو يأنس إليه، ربما لأنه وقف حائلًا بينه وبين أن يُنمى علاقاته بالضباط الأحرار وتحديدًا جمال عبدالناصر.
فى بدايات العام ١٩٧٤ خرج مصطفى أمين من سجنه بعفو صحى من الرئيس السادات، وبدأ يستعيد بسرعة نفوذه ونشاطه الصحفى، فعل ذلك بشغف ورغبة فى أن يبرئ نفسه من تهمة الجاسوسية ويهيل التراب على من أدخلوه السجن وعلى رأسهم عبدالناصر... وهيكل بالطبع.
التفت مصطفى أمين إلى مذكرات محمد نجيب التى نشرت فى لبنان على حلقات أولًا فى مجلة «الحوادث اللبنانية»، ثم صدرت فى كتاب، فقرر أن يجعل منها سلاحًا فى معركته ضد هيكل وعبدالناصر معًا.
عندما قرأ مصطفى أمين المذكرات وجد أن نجيب لا يهاجم عبدالناصر وهيكل فقط، بل يحمل بشدة عليه هو وتوأمه، وعلى صحف أخبار اليوم أيضًا، فقرر أن يمارس هوايته فى التزوير والتلفيق قبل إعادة نشر المذكرات مرة أخرى فى مصر.
فى العام ١٩٧٤ صدرت بالفعل الطبعة المصرية من مذكرات محمد نجيب، وتولت النشر دار المكتب المصرى الحديث، وهى الدار التى تخصصت فى نشر الكتب التى تهاجم عبدالناصر، وهى نفسها التى نشرت كتاب «البحث عن الذات» الذى سجل فيه السادات سيرته الذاتية، وكتاب «سيدة من مصر» الذى كتبته جيهان السادات، وكتاب «تجربتى» الذى كتبه عثمان أحمد عثمان... كما نشرت أيضًا كتب مصطفى أمين التى سجل فيها تجربته كاملة فى السجن.
المفاجأة أن مذكرات محمد نجيب البيروتية كانت مختلفة عن مذكراته القاهرية.
فى الطبعة القاهرية من المذكرات تم الإبقاء على كل ما نسبه محمد نجيب إلى عبدالناصر وهيكل، فقد وصل إلى اتهامهما بالعمالة للمخابرات الأمريكية، لكن اختفى أى أثر للهجوم على مصطفى أمين وصحف أخبار اليوم، وهو ما حدث بالطبع بفعل فاعل.
يمكننا أن نعود بالتاريخ قليلًا لنتأكد أن محمد نجيب كان يكره مصطفى أمين بسبب انحيازه لجمال عبدالناصر منذ اللحظة الأولى لثورة ٥٢، وزاد هذا الانحياز خلال أزمة مارس ١٩٥٤ التى خرج بعدها نجيب من كرسى الرئيس إلى كرسى الأسير.
ويذهب صلاح عيسى فى كتابه «مثقفون وعسكر» إلى أنه لم يكن فى هجوم اللواء محمد نجيب على «أخبار اليوم» أمر غريب، فمن المعروف أن «أخبار اليوم» قد وقفت موقفًا معاديًا لمحمد نجيب بكل قوتها، ولم تكن فى مساندتها له تنطلق من أسس مبدئية، ولكنها كانت تعلم أن عبدالناصر هو مركز الثقل الأساسى فى حركة الضباط الأحرار، وأن انتصاره مؤكد على خصم عجوز، وهكذا راهنت «أخبار اليوم» على الجواد الرابح، وفى تلك الفترة هاجمت «أخبار اليوم» اللواء محمد نجيب ولعبت، كما يقول نجيب نفسه فى مذكراته، دورًا مخربًا للإيقاع بين الضباط، ولمنع التوصل إلى قرار يسمح بإطلاق الحريات الديمقراطية.
ويرسم عيسى صورة أوضح للخلاف بين محمد نجيب ومصطفى أمين، يقول: من أطراف الذكريات التاريخية عن موقف «أخبار اليوم» من نجيب ما يرويه أحد الضباط الذين كانوا بالقرب من محمد نجيب، فعندما أقال مجلس قيادة الثورة نجيب الذى كان يتمتع بشعبية هائلة نشرت «أخبار اليوم» الخبر بما يشبه الشماتة.
صدرت «أخبار اليوم» بخبر الإقالة متصدرًا صفحتها، وفى باب حكمة اليوم الذى كان فى الغالب يعبر عن رأى الجريدة وأصحابها أو على الأقل يعكس موقفهم النفسى، فنشرت قائلة: «من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حى لا يموت».
بعد ثلاثة أيام وجد مصطفى أمين نفسه وجهًا لوجه أمام محمد نجيب فى مجلس قيادة الثورة بعد عودته الصورية لمنصبه، حاول أن يهرب منه، أن يتخفى فلا يراه، لكن نجيب أمسك به، وسأله بخبث مَن يعرف مقصد الحكمة المنشورة فى أخبار اليوم: «هو صحيح محمد مات يا مصطفى»؟
لم يجد صاحب الحكمة ردًا مناسبًا، فاكتفى بالصمت ومضى.
مضت السنون ولم ينس نجيب ما فعله به مصطفى أمين، فجعل منه ومن جريدته هدفًا من الأهداف التى قصفتها مذكراته البيروتية، حيث أساء لهما فيها إساءات بالغة.
لكن المفاجأة أن مصطفى أمين الذى انتبه لأهمية مذكرات نجيب كان هو من روّج لهذه المذكرات، وفى الغالب كان هو مَن وقف وراء نشرها فى مصر.
لكن كيف ظهرت مذكرات محمد نجيب بعد تنقيحها وحذف هجومه على «أخبار اليوم» على خريطة «أخبار اليوم»؟
الإجابة نعرفها من سرد صلاح عيسى لما جرى.
كان مصطفى أمين قد أنشأ بعد خروجه من السجن بابًا صحفيًا هو «عزيزتى أخبار اليوم» يرد من خلاله بنفسه على الرسائل التى ترد إلى الجريدة.
لم يكن مصطفى نزيهًا بشكل كامل فى بابه الجديد.
كان يستغله فى كتابة رسائل بأسماء وهمية، لأنه يريد أن ينشر خبرًا بعينه أو يقول رأيًا دون حرج أو مراجعة من أحد.
من بين الرسائل التى وردت إليه كانت رسالة من قارئ يسأل عن مذكرات اللواء محمد نجيب، ولماذا لا تصدر فى مصر بعد صدورها فى بيروت؟
أجاب مصطفى أمين بأن مذكرات محمد نجيب الكاملة والحقيقية ستنشر فى مصر قريبًا، وهو ما يشير إلى أن مصطفى كان عاكفًا على إعداد المذكرات ومراجعتها، والطبيعى أنه لم يفعل ذلك من وراء ظهر محمد نجيب أو رغمًا عنه، بل تم الأمر كله بموافقته ومباركته أيضًا.
لم يكتف مصطفى أمين بإجابته على السائل المجهول، بل فتح صفحات «أخبار اليوم» للدفاع عن نجيب، وهو ما كان دليلًا على أن تحالفًا جرى بين سجين عبدالناصر وطريده.
من بين ما نشرته «أخبار اليوم» كان مقالًا مطولًا لأحمد حسين الذى كان رئيسًا لحزب مصر الفتاة، ذهب فيه إلى أن عبدالناصر سرق الثورة من صانعها الحقيقى اللواء محمد نجيب.
دفع مصطفى أمين ثمن التحالف مقدمًا، وكان على نجيب أن يدفع هو الآخر حصته، فحذف كل الإساءات فى حق أخبار اليوم ومصطفى أمين من طبعة مذكراته المصرية، وحذف كذلك موقف «مصطفى وعلى» قبل الثورة وبعدها، وهو ما يظهر تناقضاتهما وتحولاتهما الكثيرة.
فى طبعة المذكرات البيروتية صفحتى ١٠٥ و١٠٦ قال محمد نجيب وهو يتعرض للظلم الاجتماعى الذى كان سائدًا فى مصر: «كانت (أخبار اليوم) تصور المظالم التى يتعرض لها الناس قبل ثورة ١٩٥٢ على أنها سُنة الحياة، وأنه على النفس أن تقبل ما قسم لها به، بل ونشرت تقول: إن الملك فاروق هو المحسن الأول، وأنه الطارق الذى يطرق أبواب بعض الناس فى ليلة القدر».
فى الطبعة المصرية صفحة ١٩٦ حذف نجيب «أخبار اليوم»، واكتفى بأن قال: «نشرت صحيفة متسترًا على أخبار اليوم، وإخفاء اسمها من هذه الواقعة الثابتة».
فى الطبعة البيروتية صفحة ١٣٣ يقول نجيب وهو يتحدث عن أزمة مارس ١٩٥٤ إن أصحاب أخبار اليوم شاركوا فى صنع ديكتاتورية عبدالناصر بأساليب مختلفة، كان منها تحويل أفكار الناس عن فكرة الديمقراطية.
يقول نجيب: «أذكر أن جريدة (أخبار اليوم) فى هذه الفترة كانت تواصل الإثارة لتحويل أنظار الجماهير عن مشكلتها الحيوية الرئيسية، فنشرت مثلًا فى ٢٢ مارس ١٩٥٤ مانشيتًا يقول: فتاة مصرية تتحول إلى رجل غدًا، ونشرت صورة الفتاة على ٣ أعمدة».
وعن مصطفى أمين يقول نجيب فى الصفحة ٢٠٧ من الطبعة البيروتية: «كان مصطفى أمين حامل رتبة البكوية من الملك، وأحد المقربين له من الصحفيين، وقد تحول بعد الثورة فجأة لمهاجمة الملك والسراى وفضح أخبارهم الشخصية جريًا وراء الإثارة وزيادة التوزيع، وكان هذا يصرف أنظار الناس عن الاهتمام بحاضرهم ومستقبلهم لمتابعة فضائح الماضى، الأمر الذى جعل الصحف تسايرهم فى هذا التيار حتى لا تتخلف عن التوزيع، وكان هذا الموقف اللا أخلاقى لا يرضينى ولا يريح نفسى».
لست فى حاجة إلى أن أقول لك إن كل هذا الكلام شطبه محمد نجيب من الطبعة المصرية، فلا يمكنك أن تجد له أثرًا، ففى الطبعة المصرية من المذكرات لا توجد أى إشارة إلى الإثارة ولا إلى موقف مصطفى أمين الذى لم يكن يرضى اللواء نجيب عندما أصدر طبعته البيروتية من مذكراته، وأصبح يُرضيه بعد شهور قليلة هى الفرق بين صدور الطبعتين.
وفى صفحتى ١٣٥ و١٣٦ من الطبعة البيروتية نشر نجيب واقعة اتصاله بمصطفى النحاس زعيم حزب الوفد، للتأكد من أنه ألغى قرار تحديد الإقامة الذى كان مفروضًا عليه، والذى كان الاتفاق بين محمد نجيب ومجلس الثورة قد تم على إلغائه والإفراج عن جميع الزعماء السياسيين الموقوفين لتهيئة الجو لعودة الحياة الديمقراطية، وقال: «كانت هذه المكالمة فيما بعد سببًا فى إشاعة أراجيف نشرتها صحيفة (الأخبار) عن اتصالات سرية بينى وبين الأحزاب».
وفى الطبعة المصرية فى صفحة ٢١٠ أغفل نجيب اسم جريدة «الأخبار» وأصبح النص: «سببًا فى إشاعة أراجيف نشرتها إحدى الصحف».
فى الطبعة البيروتية صفحة ١٤٢ تحدث نجيب عن جريدة «الأخبار» التى كانت تعارض عودة الديمقراطية فى العام ١٩٥٤، وقال إنه من مظاهر الإثارة المتعمدة فى ذلك الوقت ما نشرته صحيفة «الأخبار» من صورة كبيرة فى صفحتها الأولى لخالد محيى الدين، وهو يسبقنى بخطوات عقب الخروج من جلسة ٢٥ مارس، وكأنها توحى للناس بأن الشيوعيين قادمون لتخفيهم من الديمقراطية.
فى الطبعة البيروتية اختفى اسم جريدة «الأخبار»، ليشير نجيب إلى أن هناك «صحيفة نشرت».
يعلق صلاح عيسى على ما رصده بقوله: «ولا معنى لهذا التغيير الذى حدث فى مذكرات اللواء محمد نجيب إلا أن الرجل خضع للهوى فيما كتب عن عبدالناصر، وأنه شاهد يغير شهادته فى خلال شهور قليلة لأسباب قد لا تهم، وربما لو أصدر طبعة أردنية أو كويتية أو مغربية من المذكرات لعدّل فى صفحات أخرى».
أما أنا فأرى أن ما حدث كان صفقة.
دفع كل طرف ثمنها، والنتيجة تزوير فى مذكرات سياسية.
بشَّر مصطفى أمين مرة أخرى بمحمد نجيب، وأقام له مهرجانًا يعيد إليه اعتباره من خلاله، فى مقابل حذفه كل ما كتبه نجيب يمس ويمس صحفه، وهو ما وافق عليه نجيب وباركه بشكل كامل.