الخميس 19 سبتمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

الأسطورى.. كيف انتصر فؤاد المهندس على مثقفى اليسار بـ«الكازينو الكوميدى»؟

فؤاد المهندس
فؤاد المهندس

- اعتبروه مُهرجًا لا مسرحيًا فتأخّر تكريمه بجائزة الدولة التقديرية قبل الرحيل بعامين

- طلبوا منه مسرحيات تناقش قضايا سياسية فأطاح الرقيب بمسرحية «ليه»!

- قضى نصف قرن فى توز يع الضحك على خلق الله فى المسرح والسينما والإذاعة والتليفزيون

ولد فى سبتمبر، ورحل فى سبتمبر، وبينهما 82 عامًا فى رحلة قضى منها نصف قرن فى توزيع البهجة على خلق الله، متنقلًا بين فنون المسرح والسينما والإذاعة والتليفزيون.

جرّب «الكوميديا اللفظية» فى «ساعة لقلبك»، وكان صديقًا مرِحًا لأبطال الأفلام الكئيبة ليمنح جمهورها بعضًا من كوميديا روحه تحت الحساب. لكنه منذ أصبح بطلًا مسرحيًا فى 1963 بالتزامن مع نشأة فرق التليفزيون المسرحية المملوكة للدولة؛ انفتحت عليه أبواب النقد السياسى العنيف لنوع الكوميديا التى يقدمها فى المسرح.

فى مئوية ميلاد فؤاد المهندس، نكشف عن تفاصيل أزمة كادت تجبره على اعتزال المسرح نهائيًا. ماذا دفعه إلى قرار الاعتزال، وكيف نجح فى مواجهة مثقفى «الاتحاد الاشتراكى» فى كل زمان ومكان؛ احترامًا لحق الناس فى الضحك غير المشروط؟ 

أجبروه على اعتزال المسرح عام 1965 فعاد إليهم أقوى مما كان

فى أواخر عام ١٩٦٥ أعلن فؤاد المهندس عن اعتزاله المسرح بدعوى غياب التقدير المادى، مع اتجاهه إلى التركيز على التمثيل فى السينما، وممارسة الإخراج السينمائى، وقد بدأ التدريب عليه مع المخرج نيازى مصطفى.

حدث ذلك فى «عز نجاح» الثنائى فؤاد وشويكار على خشبة المسرح، وتحديدًا بعد موسم رآه المهندس من أنجح المواسم الكوميدية.

لكن المتتبع للنقد الصحفى الموجّه لإنتاج المسرح الكوميدى فى ذلك الوقت يدرك أن التقدير المادى لم يكن سببًا وحيدًا لهروب «المهندس» من المسرح. فقد كانت النغمة السائدة هى النقد العنيف لمسرحيات فؤاد المهندس، لا من وجهة نظر فنية بالأساس، وإنما سياسية «وتنظيرية» تحت شعارات «المسرح الاشتراكى» و«الفنون الاشتراكية»، بل و«الأخلاق الاشتراكية»، فى زمن كانت كلمة «الاشتراكية» التى عرفها هؤلاء «أمس الأول» صكًا وحيدًا لتصنيف ما يفيد الناس وما يضرهم.

وفى نوفمبر ١٩٦٥، أجرت عائشة صالح فى «الكواكب» عدة حوارات مع نجوم المسرح للإجابة عن سؤال: «ماذا بعد موضة موليير»؟ وقصدت بها المسرحيات الكوميدية ذات الرسالة والهدف، أو ما اصطلح على تسميتها بـ«الكوميديا الراقية» التى اشتهر بها المؤلف الفرنسى موليير فى القرن السابع عشر، بما يتناسب مع متطلبات المجتمع الاشتراكى فى مصر!

وبشىء من الحذر، حاول الجميع التعبير عن آرائهم دون إزعاج حاملى ألوية الوطنية الاشتراكية، إلا فؤاد المهندس، هو وحده الذى عرض رؤيته الأقرب إلى الناس بكل وضوح وصراحة وحِدة على صفحات مجلة تصدرها الدولة، فقال إن الضحك نفسه هدف، فكيف تكون المسرحيات الكوميدية غير هادفة؟ لا يهم أن تتناول مسرحياتى مشاكل سياسية أو اجتماعية، خاصة أن الحديث عن موضوعات جادة فى المسرحيات يعرضها لسخط النقابات. تحدثنا عن المهندسين فثارت نقابة المهندسين، وعن الأطباء فثارت نقابة الأطباء، وحتى الحانوتى أيضًا له نقابة تثور من أجله! إذن لا يبقى للمسرحيات إلا أن تناقش مشاكل البيوت، فهى وحدها التى لا تجد نقابة تعترض على مسرحياتنا!

وبمزيد من المنطق، واجه فؤاد المهندس المزايدين على الكوميديا التى يقدمها بسؤال: أليس من الأولى أن يتحمّل مسئولية عرض المشاكل السياسية والاجتماعية مسارح أخرى غير المسرح الكوميدى، مثل مسرح الجيب أو المسرح الحديث أو العالمى أو غيرها من المسارح التى يتوقّع منها جمهورها أن تقوم بدور التوعية والإرشاد؟

لكن أهم ما قاله «المهندس» فى موجة غضبه، وجّهه إلى «الذين يزعجهم وجود مسرح كوميدى بلا هدف»، قائًلا: انزعوا عنّا اسم المسرح، وليكن اسمنا لديكم «الكازينو الكوميدى» مثلًا. لن نغضب، بل سنواصل تقديم مسرحياتنا، وستنجح وتكسر الدنيا، وحتى لو قدمنا هدفًا على طريقتكم فى المسرح الكوميدى، تأكدوا أن الهدف سيُنسَى بمرور الزمن، ولن يعلق بذاكرة المشاهد غير الموقف المضحك.

كانت تصريحات فؤاد المهندس المُتحديّة صادمة بما يكفى لإثارة غضب واحد من حملة لواء «الفن الاشتراكى» فى ذلك الوقت، وهو الكاتب الصحفى راجى عنايت، الذى خصص مساحة للرد على «المهندس» تحت عنوان «حاجة تكسف»!

وقال إن تصريحات «المهندس» ربما تصلح للتطبيق فى أمريكا وبريطانيا، وليس فى الجمهورية العربية المتحدة، وعلى مسارحها التى هى من أجهزة الثقافة والإرشاد القومى. 

وإمعانًا فى تأكيد صفة النقد السياسى لا الفنى، راح «عنايت» يتساءل وكأنه يقدم بلاغًا ضد فؤاد المهندس لأجهزة الدولة: كيف يصدر هذا الكلام فى نفس الأسبوع الذى تصدر فيه «نشرة الاشتراكى» التى تشرف عليها أمانة الدعوة والفكر بالاتحاد الاشتراكى، وفى «النشرة» موضوع يؤكد أن «المنهج الاشتراكى الذى اخترناه أسلوبًا لحياتنا يفرض علينا أن نقف إلى جوار المدارس الفنية التى تناصر الإنسان وتعطف عليه وعلى مشاكله! إن الذين يتخوّفون من الفن ذى الرسالة مُغرضون ورجعيون فى أعماقهم، لأنهم ينادون بالفن الفارغ الخالى من الهدف، لصرف الجماهير عن أهدافها، وتخديرها بالشكل البرّاق للفن دون أى محتوى».

كلام كبير، يستحق أن يُطلِق عليه فؤاد المهندس واحدًا من إفيهات مسرحياته، لا لنقد الكلام فى ذاته، وإنما لأنه فى غير موضعه. «المهندس» صرّح بأنه يميل إلى نوع من الكوميديا الآمنة، وحين حاول الخروج عن هذه الدائرة لمرة وحيدة، قدّم مع شويكار مسرحية «ليه؟» من اقتباس بهجت قمر وإخراج سمير العصفورى، فتعرضت المسرحية لسحب ترخيصها ومنعها من العرض لأسباب النقد السياسى الرمزى، ولو فى عهد الرئيس السادات! كان «المهندس» يعرف طريقه، ويحترم قدراته، فهل احترم «المزايدون» ذلك؟

على العكس، فى مايو ١٩٦٦ عاد «عنايت» لينشر فى «الكواكب» تحت عنوان «الأخلاق الاشتراكية قبل المسرح الاشتراكى»! وأعرف أنك ربما تقول معى للأستاذ الكبير «كفاية بقى، ده انت اشتراكى جدًا». لكن اطمئن، سنأخذ من هذا «التنظير» معلومة واحدة مفيدة، ومفادها أن راجى عنايت كان عضوًا فى لجنة تطوير المسرح بالاتحاد الاشتراكى، لهذا ربما كانت رسائله «الفخمة» موجهة بالأساس إلى رؤسائه فى الاتحاد الاشتراكى، لا إلى «الكوميديان الغلبان» فؤاد المهندس.

ولتكتمل المفارقة، وقعت هزيمة يونيو ١٩٦٧ بعد «تنظيرات» راجى عنايت وزملائه بأقل من عام، فما كان من دولة الاتحاد الاشتراكى ذاتها إلا أن لجأت إلى كوميديا فؤاد المهندس نفسه للتخفيف من معاناة الناس وشعورهم المهين بالهزيمة والانكسار، والحفاظ على ثباتهم الانفعالى بالكوميديا، التى هى مطلب إنسانى فى كل الأحوال.

فى أول خُطبِه بعد النكسة، كان الرئيس جمال عبدالناصر أعقل من قُضاة الفن الاشتراكى، وأكثر إدراكًا لنفسية الجماهير، فقال صراحةً إن الناس لن تتحمل «المارشات العسكرية» ليل نهار فى الإذاعة والتليفزيون، أمامنا وقت طويل للاستعداد للحرب من جديد.

وبتكليف رئاسى، سارع عبدالحميد الحديدى، رئيس الإذاعة، إلى الاتفاق مع فؤاد المهندس وشويكار على تقديم مسلسل كوميدى رمضانى على طريقتهما بالتعاون مع الكاتب أحمد رجب، فضحك الناس أخيرًا مع «شنبو فى المصيدة»، وبعدها مع «إنت اللى قتلت بابايا»!

قبل النكسة، كان راجى عنايت نيابة عن زملائه «المثقفين المُتعالين» يصرخ على الورق: «إن فؤاد المهندس يهدد بترك المسرح، ونحن نرحب بهذا، ليذهب بعيدًا عن المسارح التى تمولها الدولة الاشتراكية». والحمد لله أن «المهندس» لم يهجر المسرح بسبب هؤلاء، وإلا ما شاهدنا مسرحياته فيما تبقّى من الستينيات: «حالة حب»، و«حواء الساعة ١٢»، و«سيدتى الجميلة»، بفضل تعاونه مع فرقة «الفنانين المتحدين».

كان «عنايت» مجرد مثال لعشراتٍ غيره، عاشوا ولا يزالون بيننا، يتعالون على ذوق الجمهور المتنوع بطبيعته، ويُحقّرون كل إبداع لا يوافق هواهم، بينما لا يسمحون لغيرهم مثلًا بأن يسأل الأستاذ راجى عنايت: ماذا أفدت أنت الدولة الاشتراكية بسلسلة ضخمة من كتبك التى حملت عناوين من نوعية: «التخاطر والسِحر واليوجا»، و«لعنة الفراعنة»، و«الأشباح المشاغبة»، و«غرائب الأحلام»، و«سِر الأطباق الطائرة»!

وليس ذلك تقليلًا من اهتمامات المثقف الكبير وحجم إنجازه الذى «يُناصِر به الإنسانية»، لأننا ندرك ونستوعب ونؤمن ونُسلِّم بأنه حتى هذه العناوين المُريبة هى لون مطلوب وله جمهوره على كل حال. وربما كان ذلك ما حاول فؤاد المهندس التعبير عنه بتصريحاته الجريئة قبل نصف قرن. كان مؤمنًا بأن «المسألة بسيطة»، والفن بحر يتسع لجميع السفن، العملاقة منها، والشراعية. لهذا استحق فؤاد المهندس فى النهاية جائزة الدولة التقديرية للفنون عام ٢٠٠٤.

حقق توجيهات «الاتحاد الاشتراكى» فى «كلمتين وبس» والفواز ير

لم يكن فؤاد المهندس عدوًا للفنون «الهادفة» من حيث المبدأ، مع التحفظ على التصنيف نفسه، فربما يرضى مثقفو الاتحاد الاشتراكى «زمان والآن» عن فؤاد المهندس حين يشاهدونه فى أعمال من نوعية أخرى: «الله معنا»، و«مراتى مدير عام»، و«أيوب»، و«أرض النفاق» فى السينما والتليفزيون.

وعبر أثير الإذاعة ارتبط المصريون بصوت فؤاد المهندس يُصبّح عليهم يوميًا بـ«كلمتين وبس»، ليقدم لهم لونًا من ألوان النقد الاجتماعى فى خلطة تجمع بين السرد المباشر والصور الدرامية البسيطة.

ورغم أن جميع المصادر على شبكة الإنترنت تتفق على أن «المهندس» بدأ تقديم «كلمتين وبس» منذ ١٩٦٨، إلا أنها تبقى معلومة مشكوكًا فى دقتها إلى حين. لكن إذا سلّمنا بهذا التاريخ، فأرجو أن يكون «راجى عنايت» ورفاقه من المثقفين المُتعالين قد ارتاحوا حين سمعوا صوت «المهندس» يقدم نقدًا مُباشرًا «يلتحم بمشاكل الجماهير». صحيح أن «المهندس» فعلها أخيرًا، لكن فى مكانها تمامًا، وليس فى المسرح الكوميدى كما كان يشترط عليه المزايدون قبل ذلك بعامين.

وفى مطلع الثمانينيات فعلها «المهندس» مرة أخرى، لكن فى صورة فنية منوّعة، وبرسالة موجّهة إلى فئة مختلفة؛ إلى الأطفال الأولى بالتوجيه والإرشاد والحث على التعليم والثقافة من خلال الفن. 

بدأ «المهندس» رحلته مع الفوازير عام ١٩٨٠ بفوازير «عمو فؤاد رايح يصطاد»، بالتعاون مع المؤلف مصطفى الشندويلى والمخرج محمد رجائى. وحققت الفوازير نجاحًا مبهرًا شجّع التليفزيون على تقديم مواسم جديدة منها كل عام، تحت عناوين مختلفة، مثل: «عمو فؤاد إدّانا ميعاد» لتعريف الأطفال بالمخترعين والعلماء، ثم «عمو فؤاد ويّا الأجداد» للتعريف بتاريخ مصر ورموزها، وكذلك «عمو فؤاد بيلف بلاد» فى عام ١٩٨٦، وبعدها وقعت أزمة غامضة بين الصديقين فؤاد المهندس وعبدالمنعم مدبولى.

قيل إن «المهندس» طلب من التليفزيون زيادة ميزانية الفوازير لإخراجها فى صورة أفضل، خصوصًا أن الفوازير يجرى تسويقها إلى التليفزيونات العربية. وقال آخرون إن خلافًا وقع بين «المهندس» والمخرج محمد رجائى.

المهم أن إدارة التليفزيون لجأت إلى حل الأزمة على طريقتها، نظرًا لضيق الوقت قبل شهر رمضان، فتعاقد التليفزيون مع «مدبولى» لتقديم فوازير الأطفال عام ١٩٨٧، بعنوان «جدو عبده»، فوقع «مدبولى» فى فخ احتمالات سوء الفهم من جانب صديق العمر.

لم يكن «مدبولى» «خالى شغل» ليقبل مغامرة مشكوكًا فى توابعها المهنية والإنسانية، بل كان مشغولًا بالمشاركة فى ٥ أعمال دفعة واحدة، من بينها مسلسل للأطفال بعنوان «علاء وصفاء والأصدقاء» وكان لقبه فى المسلسل «بابا جدو»، وعُرض فى رمضان من نفس العام!

وعلى العكس مما قيل حول غضب «المهندس» من «مدبولى» ومقاطعته العمل معه لاحقًا، دافعت أمل، ابنة عبدالمنعم مدبولى، عن موقف والدها، وقالت إنه عرض الأمر على «المهندس» أثناء استعداده لتقديم مسرحية «علشان خاطر عيونك»، وقد تفهّم الموقف.

قدّم «مدبولى» فوازير «جدو عبده زارع أرضه» عام ١٩٨٧، و«جدو عبده راح مكتبته» عام ١٩٨٨، ثم عاد «المهندس» إلى ملعبه بدءًا من عام ١٩٨٩ بفوازير «عمو فؤاد راجع يا ولاد» للتعريف بالمدن والمحافظات.

ومن بعدها تراكم نجاح «المهندس» مع الأطفال سنويًا فى رمضان، حتى صار «عمو فؤاد» ماركة مُسجّلة فى وعى الأطفال لنحو جيلين، بداية من ١٩٨٠ وحتى عام ١٩٩٨، قدم خلالها فوازير توعوية حول موضوعات واسعة التنوع، تحت عناوين من بينها: «عمو فؤاد وكنوز الأرض»، و«يّا الأعداد»، و«قناة فضائية»، و«السياحة»، و«رئيس تحرير»، و«رجل أعمال»، ومدرسة عمو فؤاد.

ضحكنا جميًعا مع «المهندس» على حركاته العجيبة، ومسرحياته «غير الهادفة إلّا للضحك»، وعلقت بآذاننا نصائحه الإذاعية التى كانت فى حجم «ساندويتش» المدرسة كل صباح.. «كلمتين وبس». وأسهمت فوازيره فى توعية وإسعاد الأطفال من جيلى، وجيلين قبلنا وبعدنا، وكنا سنويًا فى انتظار البُشرى الطفولية كل رمضان: «عمو فؤاد راجع يا ولاد». 

لذلك نتمنى أن يكون المثقفون المتعالون على «فن الضحك» «وضحك الفن» من أمثال «راجى عنايت» وأسرى «الاتحاد الاشتراكى» راضين عن فؤاد المهندس بعد الزمان بزمان!

نجم «الفنانين المتحدين» ينقذ «ثلاثى أضواء المسرح» ويحقق آخر أحلام تلميذه الراحل

كان فؤاد المهندس لا يتحدث عن صديقه عبدالمنعم مدبولى إلا بوصفه أستاذًا له، وكثيرًا ما كان يعبر عن امتنانه لأستاذه نجيب الريحانى الذى شجّعه على دخول عالم الفن، وأخرج له مشروع مسرحية أيام دراسته الجامعية. لذلك كان متوقعًا من إنسان بمثل هذا الإخلاص والوفاء والإقرار بالأستاذية لآخرين أن يبادر هو الآخر إلى تقديم يد العون لكل موهبة جديدة، لأنه أدرك قيمة هذه المبادرة يومًا ما، وقد فعلها كثيرًا، حتى وإن خاب أمله فى أحد تلاميذه، رافضًا الكشف عن اسمه فى حوار تليفزيونى قديم.

كادت دموع «المهندس» تفضح حزنه وهو يقول: «تمنّيت أن يعاملنى كما عاملت أساتذتى، وقفت كثيرًا إلى جانبه وهو يعلم ذلك جيدًا، كنت مساندًا له، وأنتقى له الإفيهات وأشجعه دائمًا، لكنه لم يكن على مستوى ما فعلت، وقابل تصرفى معه بالجحود».

بحثت وخمّنت كثيرًا، فلم أصل إلى يقين بشأن اسم هذا «الفنان التلميذ»، لكن سيرة تلاميذ آخرين كانت تطمئن فؤاد المهندس بأن «الدنيا بخير»، وعلى رأسهم تلميذه عادل إمام، الذى كان له الفضل فى اكتشاف موهبته، وقدّمه إلى الجمهور عام ١٩٦٣ فى «أنا وهو وهى»، التى تحولت إلى فيلم سينمائى فى العام التالى، كما رسّخ نجاحه فى مسرحيتى «أنا فين وإنتِ فين»، و«حالة حب». وبعد عمر طويل، كان «المهندس» يقول عن عادل إمام إنه صديقى و«ابنى البكر»، وقد عملا معًا فى أفلام من بطولة عادل، منها: «خمسة باب»، و«خلّلى بالك من جيرانك»، و«زوج تحت الطلب».

لكن القصة الأكثر إلهامًا ودلالة على أستاذية وإنسانية «المهندس»، كانت مع تلميذه واكتشافه الثانى: «الضيف أحمد»، الذى بدأ رحلته مع الشهرة بدور صغير فى مسرحية «أنا وهو وهى» عام ١٩٦٣.

وفى ١٩٧٠ رُفع الستار عن مسرحية «كل واحد وله عفريت»، بطولة سمير غانم وجورج سيدهم، وإخراج الضيف أحمد، وكانت آخر عمل مسرحى عُرِض للضيف أحمد قبل رحيله المفاجئ فى أبريل ١٩٧٠.

كان «الضيف» يستعد لتقديم مسرحية جديدة بعنوان «الراجل اللّى جوّز مراته»، من إخراجه وتمثيله مع زميليه فى «ثلاثى أضواء المسرح»، لكن الموت المفاجئ أنهى البروفات وأغلق مسرح «الهوسابير».

ورغم انشغال «المهندس» بالعمل فى أربعة أفلام، هى: «عريس بنت الوزير»، و«سفّاح النساء»، و«ربع دستة أشرار»، و«إنت اللّى قتلت بابايا»، إلى جانب مسلسل «متاعب المهنة»، بادر إلى إنقاذ فرقة «ثلاثى أضواء المسرح» من موجة حزن قاتلة، وقال للثنائى سمير وجورج إن خير ما يفعلانه وفاءً لصديقهما الراحل هو استكمال عمله، وتطوّع فؤاد المهندس بإخراج المسرحية التى مات «الضيف» قبل إتمامها، مشترطًا ألّا يتقاضى أى أجر، وألّا يُكتَب اسمه على تترات المسرحية ولوحاتها الإعلانية، لأنه ما فعل ذلك إلا وفاءً ومحبة لتلميذه الراحل، الذى يرغب فى أن يظهر اسمه مُخرجًا مسرحيًا، ولو لمرة وحيدة أخيرة.