مصطفى عبادة يكتب: لمن أتحدث اليوم؟
أهذا أنا؟
أصحو وفى جسدى جروح
وكدمات زرقاء
وأثرٌ لأسنان حادةٍ
بقايا أحلام خائفةٍ وكوابيس
مع أننى قبل أن أنامَ
حاسبتُ الحزنَ
وأعطيتُه أجرَه كاملًا
واتفقنا على الفراق
أعطيته عن طيب خاطر
الشعرَ والحبَ والصداقة
وكلَ ما يجعُله سيدًا على القلوب
ورغم أنه بدا راضيًا بالمقايضة
تركت له أيضًا
الجلوس فى الصفوف الأولى
حتى يتأملَ حذاءه النظيف على مهلٍ
ويحتل صدارة الصورة
لكنه ترك لى جنوده
فأصحو من النوم
وعلى جسدى جروح وكدمات زرقاء
وبقايا أسنان حادةٍ
وكوابيس
***
بالأمس
زارتنى زوجة سقراط
فى الحقيقة
طلبت البقاء معى
ولأننى طيب
تركت لها حرية الصمت والكلام
والبابَ مفتوحًا
فيما لَوْ ملَّت
فأنا على خلاف أصدقائى
أكره «جوليا روبرتس»
والابتسامة الجميلة الدائمة
شىء ما زائف فى الأمر
لكن زوجة سقراط حقيقةً
وأنا أحب الدّمَ والرائحةَ
أحب حين أخرج من البيت
ألاَّ أفكِّر فى العودة إليه
ثم أعود
أحب نساء الأسواق
والمقاهى
ومن لهن شاربٌ خفيف
هذه أشياء لا تموت أبدًا
وأنا كأى مصرى قديم
مدمنٌ على الخلود
فيا صديقى سقراط
لا تكن مملًا
ودع زجاجة السُّم
يشربها أولئك السعداء
الذين يحبون جوليا روبرتس
***
هذا أنا
لم تحذرنى أمى إلاَّ من شيئين
السيارات والنساء
ودّعتنى فى محطة القطارات دامعة:
أخاف أن تدهسَكَ سيارة
أو امرأة
ماتت أمى
ونجوتُ من ملايين السيارات
والطائرات
جُزت بحارًا
عرفت بوذيين وسحرة
نبيات وبنات ليل
وعدت لأمى
مدهوسًا
لكنها لم تغضب أو تعتب
لم تنظر فى عينى
ألم أقُلْ لك
سقطتُ من ثلاثة أدوار
وكُسِر مِعْصَمى
التهمت النار ذراعى
توقف قلبى مرتين
انتصرت فى معركة الحياة
حتى وصلت إلى هنا
وعدت إلى أمى
مدهوسًا
***
لا أحب الطبيعة الصامتة
تَخْنِق قلبى
رأيت خلف الشجر
قتلة وثعابين
وفى الشواشى قمرًا خائفًا
يتسلل بين الأوراق
أحب طبيعة أخرى؛
امرأة عارية مثلًا
كلفَ الحملِ حول حلمتين
صراخَ طفل
يمنع خلوة أبويه
أنا الرجل الذى لم يرَ شجرًا
ولا وردًا إلاّ فى الكتب
وحين يرى البحر تجرى دموعه
وكلما رأى زهرة ظنّها نهدًا
وكلما رأى نهدًا
خطرت على قلبه
أخاف أن تدهسك سيارة
أو
امرأة
***
أصحو من النوم غاضبًا
أتمنى ذبح أحدٍ ما
أو تشويهَ وجه واحدةٍ
أركل الأبواب وحصى الشوارع
دون رحمة
أبصق فى وجه كل شىء
كل ما يمر أمامى
شىء فى داخلى
يتمنى الموت للجميع
أو أن أصير رصاصةً
فوضى العالم فى قلبى
نمت بالأمس دون قلب
ودون يدٍ تلملم
ما تبعثر منى
وإذا سمعت الموسيقى
غزتنى رائحتك التى أهدرتها
ولم أحولها إلى حقول دائمةٍ
كأننى كبرتُ فجأةً
كأننى تخلصت من حراشفى
وشوكى القديم
وأسنانى المستعدة للقتل
خِفْتُ عندما تصورت عريكِ المحتمل
عندما انحسر الماء عن شجر وموسيقى
عندما انحسرت السماء
التى ظللتنى كثيرًا
وصارت أضيق من محنةٍ
وأوسع من فتحة الجيب
التى أحب أن أترك أنفى فيها
اطمئنى
«فما تلك إلاّ سجية مغرمٍ».